البابا يوحنا الثالث عشر
انتخاب يوحنا بن المصري
وعاد تتابع الأيام والليالي يحتام اجتماع الأساقفة والأراخنة لکی يتداولوا معاً في ذلك الموضوع الحيوي الذي يقتضيه النظام الكنسي . وهو موضوع التفكير فيمن يكون الراعي الأول . وكانت قد انقضت خمسة شهور وخمسة أيام على نياحة الأنبا يؤنس الثاني عشر . فاجتمع المسئولون في كنيسة السيدة العذراء بحارة زويلة ، وفي ظل والدة الإلة ورحابها أجمعوا على انتخاب الراهب يوحنا ابن المصرى المولود في مدينة صدفا بمديرية أسيوط . ولم يذكر المؤرخون الدير الذي ترهب فيه . وقد أقيمت شعائر الرسامة المقدسة في 10 فبراير سنة 1484م باسم يؤنس الثالث عشر البابا الرابع والتسعين في حكم الملك قايتبای.
عطفه وعمله
ولقد شابه هذا البابا الأنبا متاؤس في حبه المتناهی لتوزيع ما عنده على كل من يسأله : فكانت حسناته تشمل الجميع حتى اليهود . وكان يضع كل ما يأتيه من مال تحت الفروة التي يجلس عليها ومتى تقدم إليه سائل مد يده وأعطاه ما يدخل فيها من غير أن ينظر إليه فكان بعمله هذا لا يبقى على مال عنده اطلاقا .
كذلك كان الأنبا يؤنس الثالث عشر عالماً بالعلوم الكنسية متضلعاً فيها حتى أنه كتب الكثير من المؤلفات في طقوس الكنيسة وفي تعاليمها ولو أن هذه الكتب لم تطبع .
القبط وقبرص
وكانت هناك علاقة قديمة بين القبط وبين جزيرة قبرص إذ يجب أن لا يغيب عن بالنا أن القديس مرقس کاروزنا الحبيب كان قد حمل البشارة إلى تلك الجزيرة مع برنابا قبل أن يجئ إلينا . إلا أن المعلومات الخاصة بالقبط في الكتب القبرصية ضئيلة رغم أنه قلما يخلو كتاب من ذكرهم . وليست لدينا أية تفصیلات عن الجالية القبطية التي ظلت في تلك الجزيرة قروناً طويلة والتي لم يعد لها أثر الآن . ويذكر جاکوبوس دی فيرونا ( الايطالي ) فيما كتبه عن كنائس فاماجوستا ( ميناء قبرص ) بأن هناك يعاقبه بينهم . ولما اعتلى الأنبا يؤنس الثالث عشر السدة المرقسية ألقى خطاباً بابوياً ضافياً وجهه إلى أساقفته ومن بينهم أنبا ميخائيل القبرصي المطران على قبرص ثم على رودس ، ، وكان هذا المطران مرسوماً بيد البابا الإسكندری . ومن مخلفات مكتبة دير أبي يحنس مخطوط مذکور فيه بأن الأنبا يؤنس أهدى إلى الأنبا ابرام الذي رسمه خلفا للأنبا ميخائيل كتاب الطب الروحانی .
ثم حدث حين غزا الأتراك جزيرة قبرص بعد ذلك بسنوات أن قتلوا عدداً من الكهنة أحدهم المطران القبطى . ويذكر لنا المؤرخ الايطالي ستيفانودی لوزینیانو بأن نيقوسيا عاصمة قبرص تزينها القصور والكنائس اليونانية … والقبطية … ، والقبط يشتركون في المواكب الكنسية التي كانت تنتظم أيام الأعياد السيدية وعيد مارمرقس ، وكنيسة القبط تحمل اسم القديس أنطونيوس … والقبط ليسوا في نيقوسيا فقط بل أنهم في الجبال الواقعة في شمال الجزيرة ولهم دیر باسم الأنبا مكاري الكبير ، ويقع هذا الدير بالقرب من قرية بلاتان الخاصة بالأرض وأغلب الظن أن هذا الدير أصبح في حيازة الأرمن القاطنين في تلك المنطقة إذ لا يزال اسمه ” سورب ماجار ” ( أو دیر مکاری ) … وحينما تم للترك الاستيلاء على الجزيرة قاموا باحصاء عام وذكروا ضمنه أن القبط بين المجموعات المفروض عليها ضرائب.
تنابذ المماليك
وفي عهد هذا البابا ذاق المصريون جميعاً شيئا من السلام لانشغال المماليك بالحروب الخارجية من جهة ومنافساتهم فيما بينهم وبين بعضهم . وقد أدت هذه المنافسات في النهاية إلى تولي قانصوه الغوری سلطنة مصر . وكان – بخلاف أقرانه – متزناً عادلا أحسن معاملة رعاياه .
وفي أيام حكمه وصل إلى مصر أمیران حبشیان موفدين من قبل داود الثاني ملك الحبشة ومعهما هدايا ثمينة . فأحسن السلطان استقبالهما وأكرمهما كل الاكرام . ثم أعربا له عن رغبتهما في زيارة الأراضي المقدسة للتبرك بها فسهل لهما سبیل السفر . كذلك جاء إلى مصر في تلك الفترة زوار من البندقية لاقوا من السلطان كل اکرام هم ايضا .
وفي حكم الغورى عاود المصريون تعييدهم بوفاء النيل تعييداً شعبياً واسعاً فكانوا يخرجون في السفن والزوارق كما كانوا يفعلون كلما أحسوا شئ من الحرية . كذلك كانوا يخرجون إلى المتنزهات العامة في مختلف المناسبات . ومن أهم هذه المنازه جزيرة الروضة – حيث المقياس – التي كانت إذ ذاك مليئة بالأزاهير العطرة والخمائل الظليلة ، وبركة الرطلي التي كانت متصلة بالخليج الكبير والتي أقيمت على جانبيها أماكن المرح والطرب.
ومن وسائل الترفيه في ذلك العصر ” خيال الظل”.
كما أن ما تبقى من المنشآت والمرافق عن عصر الغوري يدلنا على أهمية الفنون والصناعات التي ازدهرت إذ ذاك وهي : هندسة البناء وزخرفة المباني، صناعة الترخيم والخزف والهندسة الزراعية وصناعة السفن والأسلحة .
ولقد نال طب العيون عناية خاصة في ذلك الوقت.
على أن قانصوه رغم عدالته قد ظل مملوكاً في تصرفاته – أي أنه أتبع سياسة الغدر بمنافسيه – ويكل من تتسم فيهم الرغبة في النفوذ … ومع لك فلم يفطن تماماً إلى خطر الزحف التركي حين بدأ على ايران لأنه كان هو نفسه خصماً للشاه . فلو أنه نسي خصومته وتحالف مع ایران ضد الترك لتمكن بهذا التحالف من درء خطر الترك الداهم ولكنه ظل قابعاً في عاصمته … فانتصر الترك على ایران ثم تحولوا إليه.
المدن الخمس
ولقد ذكر بعض المؤرخين أن المسيحية انتهت تماماً في الخمس مدن الغربية في بابوية الأنبا يؤنس السادس ( في عهد صلاح الدين) إلا أن ما تبقى من رسائل الأنبا يؤنس الثالث عشر – وفي طرس بركته بالذات الصادر منه في سنة 1508 م يبين أن هذه المدن كان لها أسقف في عهده ، ولو أن هذا الأسقف اضطر إلى مغادرتها حين دخل العثمانيون شمال أفريقيا بعد احتلالهم مصر . وكان اسمه الأسقفی قرياقص . فلما ترك إيبارشيته ورجع إلى مصر استعاد اسمة الرهباني وهو ساويرس وذهب إلى دير السيدة العذراء الشهير بالسريان حيث قضى بقية حياته . وقد انشغل في هذه الفترة بوضع الكتب الكنسية التي مازالت موجودة في مكتبة ذلك الدير.
ولقد كانت بهذه المدن عدة ايبارشيات – المعروف منها للآن عشرة هي : 1- أفريقية ، ۲- برقة، ۰ – برنيقة، 4- طرابلس الغرب، ه – تونس ، 6- درنة ، ۷ – قابس ، ۸- ترینی (قيروان؟) – ليبيا ، ۱۰ – مراقبة.
نهاية عصر المماليك
حدث أن هاجم الترك المصريين في مرج دابق فواجههم السلطان قانصوه ولكنه خر صريعاً في تلك المعركة . ورغم الخطر الداهم من هؤلاء المغيرين فإن المماليك ظلوا على تنابذهم بل لقد قامت بينهم الدسائس ضد طومانباي ابن أخي قانصوه وغدروا به بأن انضموا إلى الأتراك . وحين انتصر السلطان سليم الأول التركي ودخل مصر أمن طومانباي وقربه إليه لشجاعته ولكن دسائس خصومه وحساده من المماليك جعلتهم يوغرون صدر السلطان التركي إلى حد أنه أمر بشنقه . وبنهاية طومانیای انتهت دولة المماليك وحلت محلها الدولة العثمانية ولو أن من بقي من المماليك ظل فترة من الزمن يناوش الحاكم المفروض على مصر من سلطان تركيا . ومع أن المصريين جميعاً عاشوا في خطر وقلق أثناء تقاتل المماليك والترك إلا أنهم عاشوا فيما بينهم وبين بعضهم في سلام : المسلمين والقبط معاً.
فترة بناء
ولقد دامت بابوية الأنبا بونس الثالث عشرة أربعين سنة جاهد خلالها الجهاد الحسن : فجدد عمارة الكثير من الكنائس والأديرة إلى جانب ما وضعه من الكتب الخاصة بتعاليم الكنيسة وطقوسها . ثم تنيح بسلام وأقيمت الصلوات الجنائزية عليه في كنيسة السيدة العذراء بحارة زويلة حيث دفن أيضاً.
ولقد ساند الأنبا ميخائيل الرابع أسقف القيس البابا يوحنا في جهوده البناءة إذ قد سعى جهده لجعل مكانة الكنيسة في مستوى عال وخدم شعبه بتفان
تخريب ديري الانبا بولا والانبا انطونيوس
وحدث في تلك الأيام حادث موجع أضاع على الانسانية الشئ الكثير من تراثها الروحي . وهذا الحادث هو أن بعض القبائل العربية المقيمة في الوجه القبلي قامت بحملة شعواء على دير الأنبا أنطوني والأنبا بولا وتمكنوا من اقتحام الديرين فقتلوا كل من فيهما من الرهبان دون توقیر السن ولا لقداسة وقد ظل الديران خربين زهاء ثمانين عاما . وخلال هذه السنوات عاش المغيرون داخلهما وكانوا إذا ما أرادوا الطهي أو الاستدفاء أوقدوا النار في المخطوطات التي كانت محفوظة بمكتبتي الديرين . وهكذا أضاعوا الشئ الكثير مما كتبه الآباء ولن يمكن تعويضه ، وقد غطى الدخان المتصاعد من هذه النار جدران الكنيسة وغشى الأيقونات المرسومة عليها .
إلا أن العلم الحدیث جاء في هذا القرن وأزال الغشاء الذي أحدثه الدخان فأعاد الأيقونات إلى سابق رونقها – بعكس الكتب التي احترقت وضاعت نهائياً.
البابا يوحنا الثاني عشر | القرن السادس عشر | العصور الوسطى | البابا غبريال السابع |
تاريخ البطاركة | |||
تاريخ الكنيسة القبطية |