البابا يؤنس (يوحنا) الرابع عشر
البطريرك رقم 96
جمع شتات الأفكار
كانت نياحة الأنبا غبريال السابع أثناء الضائقة المسيطرة على البلاد نتيجة لتعسف الترك في وسائلهم لابتزاز الأموال . ما جعل القبط إذ ذاك في حالة من القلق النفسي الذي تضاعف بنياحة باباهم . فكان من الطبيعي أن تبقى السدة المرقسية شاغرة سنتين ونصف ثم استطاع الأساقفة والأراخنة أن يجمعوا شتات أفكارهم ليركزوها على وجوب التشاور معاً في أمر انتخاب راعيهم الأعلى.
ومن ثم تباحثوا وتفاوضوا، وأخيرا أجمعوا على انتخاب الراهب بوحنا المنفلوطى العائش في دير السيدة العذراء ( البرموس ) ببرية شيهيت . فذهب وفدهم إلى ذلك المكان المقدس واستصحبوه إلى مصر حيث رسمه مجميع الأساقفة باسم يؤنس الرابع عشر فأصبح البابا السادس والتسعين.
صلة وثيقة بالله
وكان هذا البابا شیخاً صهرته الايام وعرف بالاختبار مدى عنايه الله. فكان يعبر عن اختياره هذا كلما وقع على رسالة أو مرسوم صادر منه بأن بضيف إلى جانب إمضائه الجملة التالية “الهدى بالله الهادي ،، وتحتها . الخلاص للرب يا الله الخلاص ،،
زيارة راعوية
وكالمعتاد فرض السلطان مراد جزية إضافية وألزم البابا الإسكندری شخصياً بسدادها. فرای الانبا يؤنس أن يضرب عصفورين بحجر واحد بأن قام برحلة راعوية . فتلاقي مع شعبه وقضي بينهم أياماً، وفي الوقت عينه عرفهم بما فرضه السلطان عليه . فسارع كل إلى مساندة ابيهم الروحي الأعلى وقدموا له ما أمكنهم تقديمه وبالتالي نجحوا في حمايته من بطش السلطان .
وكانت هذه الزيارة مقدمة مبروكة إذ مهدت السبيل امام الانبا يؤنس الرابع عشر للالتجاء إلى أولاده في الصعيد مرتين أخرتين . اما الزيارتان التاليتان فقد كان الدافع إليهما تجنب المضايقات المستمرة التي كان يمارسها الولاة الموفدون من السلطان. ومن بين هذه المضايقات التشدد في أن يلبس القبط جميع الملابس السوداء ، وحتى عمامهم يجب ان تكون كلها من اللون الأسود.
ضغط على ضغط
ويبدو أن ظلم العثمانيين الذي أضر بالزراعة والتجارة قد اضعف جسوم الناس فلم تعد تقوي على مقاومة الأمراض . فنجد أنه حين تفشي الطاعون سنة 180م اهلك العدد الوفير من الشعب المصرى. فكانت النتيجة الحتمية لهذا الموت الجماهيرى إرتفاع اسعار الحاجيات لأن الأيدي المنتجة نقصت نقصاً كبيرا ما أدى إلى حصاد شحيح.
معاودة التلاعب الروماني
ولم يكن الضغط التركي والوباء والغلاء بالنير الوحيد الضاغط على اعناق القبط إذ أثقل الكاثوليك بدورهم هؤلاء المتعبين. فقد لاحظ الحبر الروماني ان الترك يميزون الروم على القبط فيستخدمونهم ويتعاملون معهم بدلاً من أولاد مصر الأصليين. فزعم أنه يستطيع الصيد في الماء العكر وارسل بعضا من الرهبان اليسوعيين ليتقابلوا مع البابا الإسكندری وعملوا على اقناعه بالانضواء تحت ریاسة الكرسي الروماني . فلما مثلوا فعلا بين يدي الأنبا يؤنس أفهموه بأنهم لن يتعرضوا لعقيدته ولن يطالبوه هو أن يحيد عما تسلمه من الآباء السالفين . فقرر أن يعقد مجمعاً لعرض الأمر عليه. وانعقد المجمع في فبراير سنة 1583م في مدينة منف. وبالطبع ادت المناقشات المجمعية إلى وجود فريقين : فريق استهوته الوعود الخلابة فرای انه لا مانع من الانضمام إلى الكرسي الروماني، وفريق عارضه اشد المعارضة معلناً أن الأفضل هو أن يحتفظوا باستقلالهم ويحصروا ولاءهم داخل حدود مصر مهما بلغ بهم الاضطهاد اقتداء بأجدادهم من أن يسلموا قيادهم لرياسة أجنبية مذهباً ووطناً. ومع أن الأنبا يؤنس الرابع عشر كان أميل إلى الفريق الأول إلا أنه لم يبت في الأمر بشكل حاسم احتراماً لراى الأغلبية.
الوصول إلى أورشليم السمائية
ثم انفض المجمع و تفرق اعضاؤه لأن الوالي التركي اخذ يتشدد في معاملة البابا المرقسي ما اضطره إلى السفر إلى الاسكندرية وخلال غيابه انشغل مندوبو رومية في اعداد المعاهدة التي كانوا يضمرون ابرامها . ثم ظن الأنبا يؤنس ان في مقدوره أن يعود إلى القاهرة ولكنه احس بالمرض يدب إلى جسمه ورغم المرض رای من الأوفق أن يعود حتى لا يعطل المندوبين الرومانيين عن الرجوع إلى بلادهم . فركب مركباً في النيل قاصداً العودة ، إلا أنه بدلا من الوصول إلى القاهرة وصل إلى أورشليم السمائية . واشاع المندوبون الكاثوليك يومذاك بأن المعارضين قد دسَّوا له السم خوفاً من أن يوقع على المعاهدة معهم. اما مبعوثو الحبر الروماني فقد ارتاب الوالى في أمرهم فقبض عليهم بوصفهم جواسيس واتهمهم بأنهم يثيرون الفتنة بين رعاياه . ولكنه أفرج عنهم بعد أيام نظير فدية قدرها خمسة آلاف قطعة من الذهب فعادوا لساعتهم إلى بلادهم.
ومن الشهادات التي توضح ما بذله الكاثوليك من جهد وما لقوه من رفض خطاب ارسله سیریل لوکار ، إلى سفيرهم في لاهای رداً على خطاب ذلك السفير يحدثه فيه عن الهرطقة في الشرق ، وقد جاء في ذلك الخطاب ما ترجمه :
“…. لقد بذل البابا كليمنت الثامن الشيء الكثير كما احتمل الشيء الكثير ليصل إلى اتفاق معهم . وستضحك يا سيدی لو انك عرفت الدهاء الذي استعمله القبط في هذا الشأن و إلى أي مدى انطلي على البابا ، مع أن بارونيوس المؤرخ الجديد ، قبل أن يتعرف على واقعية الأمور ، وربما تزلفاً منه لكليمنت تبعاً للعادة المتبعة في بلاط روما ، كان متعجلا في أن يمنحه الفخر في كونه حقق تحويل القبط إلى كنيسة روما ، فاختار أن يقدم تقريراً عن هذا التوفيق في سجلاته ، وقد ثبت بعد ذلك بقليل أن كل ما قاله باطل تماماً.”
أما الانبا يؤنس الرابع عشر فبعد الصلاة الجنائزية حملوا جسده إلى برما (قرب طنطا) حيث دفنوه في كنيستها . وبعد فترة نقلوه إلى برية شيهت.
+++
من كتاب قصة الكنيسة القبطية ج4 – إيريس حبيب المصري
البابا غبريال السابع | القرن السادس عشر | العصور الوسطى | البابا غبريال الثامن |
تاريخ البطاركة | |||
تاريخ الكنيسة القبطية |