البابا يؤنس (يوحنا) التاسع

البطريرك رقم 81

رسامته

 لم يبق الكرسي المرقس شاغراً غير شهر واحد، اجتمع بعده الأساقفة والأراخنة للتداول في أمر الانتخاب ، واتفقوا بنعمة الآب السماوی على راهب متوحد اسمه يؤنس النقادی . فأقيمت حفلة الرسامة في هدوء وألفة في اليوم الأول من شهر بابه سنة ۱۰۲۸ ش (۱۳۱۲م ) في كنيسة السيدة العذراء بحارة زويلة وقد احتفظ راسموه باسمه فأصبح الأنبا يؤنس التاسع الخليفة المرقسي الحادي والثمانين.

تخريب وأنتقام

 وكانت بابویته مليئة بالأحداث والمتاعب لأن أحد العامة استثار الغوغاء ضد القبط فدمروا عدداً من الكنائس في القاهرة ومن المؤلم أن عمل التخريب أمتد إلى الدلتا والصعيد. وكان کریم الدین ناظر دیوان السلطان يقيم وقتئذ في الاسكندرية فما أن بلغه أخبار التدمير حتى سارع إلى القاهرة وقد وجد السلطان محمد بن قلاوون في حدة الغضب على أولئك الغوغاء وكان يرغب في معاقبتهم . ولكن الأمراء المماليك هدأوا من حدة ثورته بادعائهم أن هذا التخريب بأمر الله.

ولم يكتف المماليك بتهدئة السلطان کی لا يوقع العقاب على المذنبين، كما لم يكتفوا بما هدم من الكنائس بل طمعوا في أوقاف القبط التي كانت تبلغ إذ ذاك خمسة وعشرين ألفا من الأفدنة اقتسمها ثلاثة منهم فيما بينهم هم الأمير شيخو والأمير صرغتمش والأمير طاز . ثم أمعنوا بعد ذلك في اضطهادهم للقبط فحولوا عدداً كبيراً من الكنائس في الوجهين القبلى والبحرى إلى جوامع.

ولم يمض على هذا الحادث غیر شهر حتي اندلعت النار في ضاحية من ضواحي القاهرة. وكان اندلاعها في يوم عاصف فأمتدت اللهب إلى عدة ضواحي مما أضطر أربعة وعشرين مملوكاً إلى أن ينضموا إلى البحارة وغيرهم لاخماد النيران. وقد اتهم بعضهم القبط باضرام هذه النار انتقاماً منهم لما تهدم من الكنائس. وقبض رجال الأمن على ثلاثة من القبط اعترفوا بأنهم اشعلوها فعلاً. فاتقد غضب السلطان وأراد أن ينزل بهم أشد العقوبات. غير أن کریم الدین ناظر الديوان السلطاني أعلن بأن المسئول الوحيد عن القبط هو البابا المرقسي. فاستدعاه إلى القصر ليلاً يحيط به الجند لحمايته من الرعاع. فلما تقابلا قدم کریم الدين إلى قداسته الثلاثة المقبوض عليهم لاضرامهم النار فاعترفوا للمرة الثانية بجرمهم ، وحين سمع الأنبا يؤنس التاسع هذا الاعتراف بکی بكاء مراً وقال : “ان المسيحية تأمرنا بالمحبة والتسامح ، وما فعله هؤلاء مضاد لتعاليمنا تماما ، فليسوا سوی رعاع تصرفوا تصرفاً انتقامياً مقابل رعاع المسلمين . فالمسيحية براء من هذا العمل” وأدرك کریم الدین صدق البابا الإسكندري واخلاصه فأمر رجاله بمرافقته إلى المقر البابوي كما قدم له حصاناً أبيضاً ليركبه عند عودته.

امتداد اللهب

 على أن هذه المقابلة – وإن دلت على ما كان من صفاء بين البابا وكريم الدين – لم تضع حداً للاضطرابات التي ظلت مستمرة بضع شهور.

ورغم قصر هذه المدة فقد تهدم خلالها العدد العديد من الكنائس واستشهد مئات الناس،  وقد طغى الحزن والتوجع على قلب الأنبا يؤنس التاسع إذ لم يكن في استطاعته أن يذهب إلى دير الأنبا مكارى الكبير لتكريس الميرون ، ولا أن يقوم برحلة راعوية لتفقد شعبه الجريح ، لأن تهور الغوغاء بلغ حداً جعل الظهور في الأماكن العامة خطراً على رجل من رجال الدين المسيحي مهما بلغت منزلته . فلم يستطع أسقف ولا كاهن أن يخرج من مقره إلا بعد مغيب الشمس. فاعتصموا في بيوتهم وكنائسهم وانصرفوا بكليتهم إلى الضراعة مركزین جهودهم على الصوم والصلاة التي بهما يستطيع الإنسان أن يخرج الشياطين وأن ينقل الجبال . فلما هدأت العاصفة أخيراً كانت صحة الأنبا يؤنس التاسع قد ساءت إلى حد أنه لم يعش طويلاً لينعم بالسلام الذي تضرع من أجله . فطارت روحه نحو ذلك العالم الفياض بالنور حيث السلام الدائم بعد أن تحمل مسئولية الكنيسة ست سنين وخمسة أشهر.


من كتاب قصة الكنيسة القبطية ج 3- إيريس حبيب المصري

فاصل

البابا يوحنا الثامنالقرن الرابع عشرالعصور الوسطىالبابا بنيامين الثاني 
تاريخ البطاركة
تاريخ الكنيسة القبطية

 

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى