الخادم وإطلاق الطاقات
نستطيع تنمية الطاقات الكامنة والإمكانيات المعطلة عند النفوس، حينما نساعدهم على اكتشاف إمكانياتهم المتاحة.. وتنمية مواهبهم.. ونحثهم على بذل الجهد من خلال اهتمام الخـــادم كـأمين على نفـوس يملكون من المواهـب والقـــدرات الشخصـــية مـــا يجعلهـــم في حال أفضل، ويفي أيضاً مجتمعه الكنسي، والوطني وذلك من خلال:
أولاً: اكشف عن الإمكانيات المتاحة:
“كَأَنَّمَا إِنْسَانٌ مُسَافِرٌ تَرَكَ بَيْتَهُ، وَأَعْطَى عَبِيدَهُ السُّلْطَانَ، وَلِكُلِّ وَاحِدٍ عَمَلَهُ، وَأَوْصَى الْبَوَّابَ أَنْ يَسْهَرَ.“(مر 34:13).
لقــد كشف الرب يسوع في هذا المثل عــن أمر هام في حياة كــل إنسان، أن كــل واحــد مــنح سلطان وتحدد له عمل. أعطى عبيده سلطان أي أعطانـا القـدرة علـى عمـل مـا نشـاء، ومنحنـا مـن الإمكانيـات والقـدرات مـا يؤهلنـا لنمـارس هـذا السـلطان. لقـد أُعطينـا قـدرات طبيعيـة جسـدية وعقليـة، صحة وقـوة وحكمـة ومواهـب فطريـة ومهـارات خاصـة, وأعطينـا أمـور مكتسـبة مـن ممتلكـات ومـالُ ونفوذ وعائلة وأصدقاء، فحقا الرب قد “يَمْنَحُنَا كُلَّ شَيْءٍ بِغِنًى لِلتَّمَتُّعِ.” (1تى 17:6).
لذلك يحتاج الناس أن نساعدهم علـى وعى مـا في أيـدهم مـن نعـم وقـدرات طبيعيـة مـنحهم إياها الله. فالبعض لا يدرك قيمة ما يملك وقد لا يعرف أصـلاً إمكانياتـه ومواهبـه. فكمـا كشـف الرب يسوع عن إمكانيات روحية هائلة قد أعطيـت لنـا ولـم نسـتغلها إلـى الآن فيعاتبنـا قـائلا “إِلَى الآنَ لَمْ تَطْلُبُوا شَيْئًا بِاسْمِي. اُطْلُبُوا تَأْخُذُوا، لِيَكُونَ فَرَحُكُمْ كَامِلاً.” (يو 24:16).
لقد منحنا وعود إلهية هائلة قد أُعطيت لنا ولم نستغلها بعد ونتقـاعس عـن طلبهـا كثيـر. فقـد وعـد بإراحتنـا وطلب “تَعَالَوْا إِلَيَّ يَا جَمِيعَ الْمُتْعَبِينَ وَالثَّقِيلِي الأَحْمَالِ، وَأَنَا أُرِيحُكُمْ.” (مت 11 :28).
نحدث الناس كثيراً عما هو مطلوب منهم وما هي واجباتهم الروحية ونقل من حديثنا عن الإمكانيـــات الروحية التي وعدنا بها الله، والقدرات التي منحنا إياهـــا االله. لقـــد منحنـــا هبـــات روحيــة، الخــلاص والتوبــة والإيمــان والأســرار وأعطانــا أعظــم العطايــا المجانيــة، عطيــة الــروح الذي يسكن فينا.
أكثر الرب يسـوع مـن حديثه مع الناس عـن عطايـاه الروحيـة، عن حديثه عـــن الأفعال المطلوبة منهم وواجباتهم الروحية. فوعوده لتلاميذه وللناس كانت قوية وكثيرة: “أعطيكم سلام، المــاء الحــى وخبــز الحيــاة ومفــاتيح الملكــوت وأريحكــم وأكــون معكــم وأعطــيكم ســلطان علــى الأرواح النجسة ووعد بإرسال الروح القدس المعزى والذي يبقى معهم إلى الأبد”.
ثانياً: أعطى.. لكل واحد عمله
لم يعطينا الله إمكانيات فقط ولكن منحنا ا أعمـال لنعملهـا وأهـداف لنحققهـا. فإمكانيـات بلا أهداف وزنة مطمورة فى التراب بلا قيمة. قيمة المـال فـى قدرتـه علـى الشـراء وتـزداد قيمتـه حينما يوجه لشـراء أفضـل الأشـياء. وبـدون أن نسـتغله في الشـراء فهـو قـدرة معطلـة، وحينمـا لا يحسن ما يشترى به فهو قـوة مبـددة. هكـذا إمكانياتنـا، تظهـر قيمتهـا حينمـا نبـدأ في اسـتخدامها وتزداد قيمتها في كيفية توجيهها.
الأب الحكــيم لا يــؤرث أبنــه مــالاًً فقــط ولكــن يعلمــه كيــف يتصــرف بحكمة في هذا المال. هكذا صنع الرب يسـوع مـع تلاميـذه، لقـد أعطـاهم سـلطان وأعطـاهم تكليـف وأعمـال لينجزوهـا. “وَدَعَا تَلاَمِيذَهُ الاثْنَيْ عَشَرَ، وَأَعْطَاهُمْ قُوَّةً وَسُلْطَانًا عَلَى جَمِيعِ الشَّيَاطِينِ وَشِفَاءِ أَمْرَاضٍ، وَأَرْسَلَهُمْ لِيَكْرِزُوا بِمَلَكُوتِ اللهِ وَيَشْفُوا الْمَرْضَى.” (لو 9: 1-2). لقد وفر لهم فرص للعمل لـئلا يتعطلوا وتصير القوة والسلطان اللذان منحهما لهما بلا فاعلية وقيمة.
كذلك اهـتم الرب يسوع أن يعطى تكليفات للذين أرادوا أن يتبعوه. فطلـب من البعض التكريس التــام فقــال لبطــرس وأنــدراوس: “هَلُمَّ وَرَائِي فَأَجْعَلُكُمَا صَيَّادَيِ النَّاسِ». فَلِلْوَقْتِ تَرَكَا الشِّبَاكَ وَتَبِعَاهُ. ” (مت4: 19-20)، “وطلب من متى أن يتبعه” (مت 9:9)، وكـذلك “من فيلبس” (يو 43:1) وتكـررت دعوتـه “اتبعنى” لآخـرين. وقـال لواحـد: “وَبعْ أَمْلاَكَكَ وَأَعْطِ الْفُقَرَاءَ.. وَتَعَالَ اتْبَعْنِي” (مت 21:19). وللـبعض قـال لهـم: اترك وللبعض “اذْهَبْ إِلَى بَيْتِكَ وَإِلَى أَهْلِكَ، وَأَخْبِرْهُمْ كَمْ صَنَعَ الرَّبُّ بِكَ وَرَحِمَكَ” (مر 19:5). وكلــف المريمــات أن يبشــرا التلاميــذ بقيامتــه وطلــب مــن الســامرية “ذْهَبِي وَادْعِي زَوْجَكِ وَتَعَالَيْ إِلَى ههُنَا” (يو16:4) وأوصــى تلاميــذه بــالكرازة لقــد طالــب الكثيــرين أن يعطــوا وتحــدث عــن العطــاء مـــرات عديدة وقـال: ” بيعوا ما لكم وأعطوا صدقة” (لو 33:12). “وَإِذَا وَاحِدٌ تَقَدَّمَ وَقَالَ لَهُ:«أَيُّهَا الْمُعَلِّمُ الصَّالِحُ، أَيَّ صَلاَحٍ أَعْمَلُ لِتَكُونَ لِيَ الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ؟»” (مت 16:19).
هذه مشكلة البعض أنه لا يعرف أى صلاح يعمل؟! ولا كيف يوظف إمكانياته لعمل الخير والمشاركة في حياة الكنيسة؟!
نحتاج أن نعرف بمجالات العمل الروحي والأهداف الروحيـة وأن نـدعو باسـتمرار للمشـاركة في مجالات الخدمة المختلفة. ولابد أن يكون لكل فرد فى الكنيسة دور وعمل. فواجبنا الرعوي أن نوفر هذه الأدوار ونفتح المجالات للمشاركة.
كذلك فى حياة الناس العمليـة نحتـاج أن نرشـد كثيـراً عـن كيفيـة اسـتثمار الطاقـات والمواهـب الشخصــية وأن نقــيم النــدوات والمحاضــرات التي تفــتح آفــاق الاســتثمار للمواهــب بأفكــار جديــدة وتعريف بمجالات العمل المتاحة والمستقبلية.
ثالثاً: نمى المواهب
تنميــة المواهــب وإبــراز النقــاط المضــيئة في حيــاة النــاس كانــت مــن أهــم سمات عمل الرب يسـوع وخدمته. أبـرز نقـاط القـوة في الشخصـيات، حينمـــا أبـــرز النقـــاط الإيجابيـــة والجوانـــب المضيئة فى أعمالهم وأقوالهم: “عظيم إيمانك، أحبت كثير، بالصـواب أجبـت، ومـدح فـى مثـل وكيل الظلم إذ بحكمة فعل..” (لو 8:16).
شبه الـرب يسـوع ملكـوت السـموات مثـل: “مِثْلُ حَبَّةِ خَرْدَل، مَتَى زُرِعَتْ فِي الأَرْضِ فَهِيَ أَصْغَرُ جَمِيعِ الْبُزُورِ الَّتِي عَلَى الأَرْضِ. وَلكِنْ مَتَى زُرِعَتْ تَطْلُعُ وَتَصِيرُ أَكْبَرَ جَمِيعِ الْبُقُولِ، وَتَصْنَعُ أَغْصَانًا كَبِيرَةً، حَتَّى تَسْتَطِيعَ طُيُورُ السَّمَاءِ أَنْ تَتَآوَى تَحْتَ ظِلِّهَا».” (مر 4: 31-32). وهكـذا ِظل يزرع الملكوت فى النفوس من بـذور صـغيرة، فمـن بـذور الخيـر الصـغيرة جـدا فـى النفـوس يبـدأ النمــو الروحي وانتشــار الصــلاح والخيــر في هــذا الإنســان. مــن مهــام العمــل الفردي أن نفــتش عــن هــذه النقــاط الإيجابيــة ونلقــى الضــوء عليــا لتنمــو وتكبــر. وهــذا لا يــتم إلا بالمــديح فــنحن لا نعرف الجوانب الإيجابيـة فينـا إلا مـن مـدح الآخـرين لنـا. خـادم النفـوس خادماً مادحاً لا ناقداً فبالمدح والتشجيع يصنع القديسين.
كــل موهبــة تحتــاج لحكمــة ومهــارة لتثمــر، حكمــة أى فهــم ومهــارة أى تــدريب. لــذلك اهــتم الــرب يســوع بتــدريب تلاميــذه لتنميــة مــواهبهم في الخدمــة وأعطــاهم تــدريبات وتوجيهــات متدرجــة وارتفــع بهــم تــدريجيا حتــى أعــدهم ا لكــرزة العــالم كلــه. فأقــاموا معــه.. وتعلمــوا منــه.. وتعرفــوا علــى مــا هــو المطلــوب مــنهم، بمتابعــة يســوع في خدمتــه وكيــف يخــدم ثــم دربهــم بإعطــائهم تمرينا فــى التعميــد “مَعَ أَنَّ يَسُوعَ نَفْسَهُ لَمْ يَكُنْ يُعَمِّدُ بَلْ تَلاَمِيذُهُ،” (يو 2:4). ثم أرسل الاثني عشر تلميذاً في جولة تبشيرية . “ودعا تلاميذه الإثنى عشر وأعطاهم قوة وسلطاناً على جميع الشياطين وشفاء أمراض. وأرسلهم ليكرزوا بملكوت الله ويشفوا المرضى” ( لو 1:9-2 ) .
ولما تمرنوا أعطاهم مواهب وسلطان ولما رجعوا حدثوه بكل ما فعلوا وهو علق على أعمالهم وأعطاهم نصائح وإرشادات . وحينما أصبحوا أكفاء للعمل أرسلهم لكرازة العالم كله . فقال لهم يسوع : “كما أرسلني الآب أرسلكم أنا ” ( يو 21:20 ) ، “فاذهبوا وتلمذوا جميع الأمم وعمدوهم باسم الآب والإبن والروح القدس ” ( مت 19:28 ) .
ما من موهبة إلا وتحتاج إلى تدريب حتى تتقوى وتكون لنا سلطان وقوة . لذلك لابد أن تشجع التدريب وندرب في الأمور التي نجيدها . وندرب روحياً على الفضائل بتدريبات متدرجة ولا ننتقل من مستوى إلى مستوى أعلى إلا بعد أن نتيقن أنه أجاد المستوى الذي فيه وأصبح جزءاً من شخصيته وطبعه.
رابعا : حث لبذل الجهد واستنفر الطاقات الروحية
طلب الرب يسوع من تلاميذه أن يسهروا معه في يوم حزنه ولكنهم لم يقدروا وغلبهم النعاس وعاتبهم “أهكذا ما قدرتم أن تستهروا معي ساعة واحدة ؟ ” ( مت 40:26 ) . فقبل لحظات أجمعوا أنهم لن يتركوه وبطرس قال له : ” لو اضطررت أن أموت معك لا أنكرك ! ” ( مت 35:26 ، مر 31:14 ) . ولكن بسرعة انهارت قوتهم ولم يقوا على بذل الجهد ولا أن يبقوا ساهرين معه ساعة واحدة.
فما أكثر وعودنا وأمنياتنا والأعمال المكلفين بها ولكننا نفشل كثيراً في تحقيقها . الرغبة لا تكفي لتحقيق الأعمال والإمكانيات لا تكفي ولكن هناك بعد ثالث مهم جدا أشار إليه الرب يسوع وهو الاجتهاد أي بذل الجهد. فقد أعطى الله كل واحد من الوزنات على قدر طاقته. ولا يطلب ما هو فوق الطاقة ولكن لكي نتاجر ونربح لابد من بذل الجهد . فحث الرب يسوع كثيراً على بذل الجهد ، وقال أجتهدوا .. اسهروا .. أعملوا ..
ساعد الرب يسوع الناس على الاجتهاد وبذل الجهد بعدة طرق :
1- علم الناس مصادر القوة الروحية وكيف يجدون قوتهم :
لم يستطع التلاميذ في مرة أن يخرجوا شيطاناً، وحينما سألوا الرب لماذا لم نقدر أن نخرجه؟ فقال لهم يسوع : “لعدم إيمانكم. فالحق أقول لكم : لو كان لكم إيمان مثل حبة خردل لكنتم تقولون لهذا الجبل : انتقل من هنا إلى هناك فينتقل ولا يكون شيء غير ممكن لديكم” ( مت 20:17 ) . علم أن الإيمان قوة روحية تحقق المستحيل فكلما زاد إيماننا ازددنا قوة ، نحتاج أن نثق في الله ، وفي قدرتنا ، وفي جدوى ما نفعل ، وجدوى حياة الفضيلة ، فتتقوى وتزداد قدرة وقوة. أن ساعدت شخص على أن يثق في الله وفي نفسه وقدراته فأنت تمنحه قوة وتزيده قدرة .
فلا إنجاز وتقدم ولا حياة بدون طاقة . وكذلك لا ثمار للبر ولا فضيلة تكتسب بدون قوة روحية نستمدها من الصوم والصلاة والأسرار.
وقد علم أن المصدر الرئيسي لأي قوة هو الثبات فيه وكيف “لأنكم بدوني لا تقدرون أن تفعلوا شيئاً ” ( يو 5:15 ) فهو الذي “يعطي المعيى قدرة ، ولعديم القوة يكثر شدة” ( اش 29:40 ) ، “عند الناس غير مستطاع ولكن ليس عند الله لأن كل شيء مستطاع عند الله ( مر 27:10 ) نحتاج أن نتعلم ونعلم طلب المعونة الإلهية قبل بدء أي عمل ، فقوته تكمل كل ضعف لنا.
2- شجع الناس على بذل الجهد :
شدد الرب يسوع وقوى عزيمة الناس .. وفتح أمامهم أمران يزيدان تقوية العزيمة ويشددان الإرادة وهما الحب والفرح .
لقد كشف الرب يسوع عن سر القدرة على القيام بالأعمال الروحية العظيمة من تنفيذ الوصايا الإلهية والارتباط بالله وشركاء الطبيعة الإلهية ونجاحنا في علاقتنا بالآخرين وقبول الآخرين حتى الأعداء وهو الحب . “وتحب الرب إلهك من كل قلبك .. ومن كل قدرتك .. تحب قريبك کنفسك ” ( مر 30:12-31 ) . الحب مرتبط بالبذل فلا بذل بدون حب ، الحب يستنفر بذل الجهد ويسهله ويخرج أقصى طاقتنا . حب عملك . حب الآخرين . حب الفضيلة. حب الله من كل قلبك أولاً فيسهل أن تعمل كل ما يرضيه ، فهذا كان سر قوة الرسل والشهداء والقديسين في أعمالهم العظيمة. حب أخوك فتستطيع أن تعطي أخوك. حب أخوك فتستطيع أن تسامح أخوك. حب أعدائك فتستطيع أن تتفاوض وتتنازل قليلاً فتحولهم إلى أصدقاء وأحباء.
نصح الرب يسوع تلاميذه في مرات عديدة أن يفرحوا في المواقف الصعبة !! وقال لهم أفرحوا وتهللوا عند مواجهة الاضطهاد والتعب الشديد في الخدمة وفي المواقف الضاغطة والتي تسبب الحزن . لماذا ؟!
أننا نفرح عندما ننجز عملاً ما وننجح فيه ، ولكن نفرح لنعمل فهذا أمر يستحق أن نتوقف عنده لنفهم حكمته ؟! في أوقات فرحنا نلاحظ أننا نزداد نشاطا وحركة وتتدفق الأفكار وينطلق اللسان. فالفرح محفز قوى لطاقتنا ويجدد نشاطنا. هذا ما أدركه نحميا لكي يساعد على الإصلاح الروحي وتنفيذ شريعة الله طلب منهم أن يفرحوا ويكون يوم تنفيذ شريعة الله ، يوم عيد وقال لهم : ” اذهبوا كلوا السمين واشربوا الحلو وابعثوا أنصبة لمن لم يعد له لأن اليوم إنما هو مقدس لسيدنا . ولا تحزنوا لأن فرح الرب هو قوتكم ” (نح 10:8).
لن نستطيع أن ننجز ونثمر إلا في مناخ مُفرح ، وما أكثر القوة التي تحصل عليها أن كان هذا الفرح في الرب ، أي بالتعزية بكلمة إلهية ومن التناول من الأسرار الإلهية ومن تذكر رحمة الله ومعونته . كلما كان مناخ الخدمة مفرح كلما ازدهرت الكنيسة والخدمة وزادت الإنجازات . ليت تكون دعوتنا للناس وأرشدنا لهم باستمرار “أفرحوا في الرب كل حين وأقول أيضا افرحوا ” ( في 4 : 4 ) .
3- وضع تحدى للناس ليستنفر قواهم:
مصدر القوة هو الله ، ولكن الله لا يبدأ عمله في الظهور إلا حينما نبذل أقصى ما عندنا من جهد ، فأن كنا لا نستطيع أن نقيم الميت ولكن نستطيع أن نرفع الحجر من على فم القبر ، ولا نستطيع أن تشفي مريض ولكن نستطيع أن نحضره إلى المسيح وننزله من السقف ، ولا يستطيع الأعمى أن يشفي نفسه ولكن يستطيع أن يغتسل في بركة سلوام . هكذا أهتم الرب يسوع أن يبذل الناس ما استطاعوا من جهد مادي أو روحی وحثهم على ذلك.
لا يبذل أحد جهد ما لم يرغب في ذلك . وكلما زادت الرغبة زاد الجهد المبذول أيضا لذا استخدم الرب يسوع طريقة ناجحة في أثاره رغبة الناس لبذل الجهد وهو أن وضع أمامهم تحدي . فقال له يسوع : “إن كنت تستطيع أن تؤمن فكل شيء مستطاع للمؤمن” ( مر 23:9 ) ، “بحسب إيمانكما ليكن لكما ” ( مت 29:9 ) ، “إن آمنت ترين مجد الله” ( يو 40:11 ) ، لقد استنفر قوة الإيمان عندهم ، وحينما اشتعل الإيمان في قلوبهم وزادت ثقتهم فيه تمت المعجزات.
لقد حث تلاميذه على بذل أقصى الجهد في الخدمة ووضع أمامهم تحدى فطلب منهم يوماً أن يطعموا الجموع “أعطوهم أنتم ليأكلوا ” ( مت 16:14 ) ولما بذلوا أقصى جهد وبحثوا ووجدوا الخمس خبزات والسمكتين أضاف قوته ومعجزته ، وهكذا جعلهم يطعموا الجموع لقد جعل الجهاد الروحي للدخول للحياة الأبدية تحدي أمام الناس ، فالقليلون هم الذين ينجحون في اجتياز التحدي “ما أضيق الباب وأكرب الطريق الذي يؤدي إلى الحياة وقليلون هم الذين يجدونه ؟ ” ( مت 14:7 ).
وحينما حضر أبني زبدي وطلبا أن يجلسا واحد عن يمينه والأخر عن يساره في مجده وضع أمامهم هذا التحدي “أتستطيعان أن تشربا الكأس التي أشربها أنا وأن تصطبغا بالصبغة التي أصطبغ بها أنا ؟ ” ( مر 38:10 )
يحب الأطفال التحدي ويتنافس الشباب ويقاوم الكبار التحديات ويحاولوا أن يزللوا العقبات . فمن المفيد لكي تدفع النفوس على العمل أن نضع لهم بعض التحديات الصغيرة ونحفزه بكلمات يسوع الدافعة ” أتستطيع .. أتريد” . لا تحل لأحد مشاكله الصغيرة ولا تنجز لأحد مهمة يستطيع القيام بها بل العكس كلفه بمهام وضع أمامه تحديات فهذه أمور تستنفر الطاقات وتقوى النفس .
4- حذر من تبديد الطاقة والكسل :
فقد حذر الرب يسوع من تبديد طاقاتنا ومن تبذير الإمكانيات من خلال أمثاله ، فحكي عن الوكيل المبذر وحكي عن الغنى الذي يرفه نفسه دون اعتبارا للأخرين ومن حوله، هذان نموذجان لمن يبدد إمكانياته دون وعي ودون تحويلها إلى أعمال تمجد الله وتفيده وتفيد الأخرين وتسعدهم.
ينبغي أن نحذر باستمرار من سوء استغلال المواهب والإمكانيات ، فلا نبدد ما نملك في عيش مسرف مثل الابن الضال ، ولا نستغل الأصدقاء والأحباء وكل من حولنا فيملوا منا ويبعدوا عنا . ولا نبدد طاقتنا الذهنية ونستغل عقولنا فيما لا ينفع ولا عواطفنا وقدراتنا العاطفية في مغامرات ولذات وقتية.
فهناك مبدأ روحي هام : من لا يربح يخسر كل شيء .. ومن لا يجمع يفرق .. من لا يصعد يهبط .. فلا يوجد توقف أو سكون .. الحياة حركة صاعدة أو هابطة . فأما تكون صاعدا روحيا واجتماعيا وعمليا أو تهبط روحيا فتفتر أو تخسر اجتماعيا وتفشل عمليا .
نحتاج أن نلح على النفوس ونشجعها أن تنجح في دراستها أو أعمالها أولا ثم في خدمتهم ثم في الأمور الأخرى . فمن يفشل في عمله فأي نجاح يحققه في خدمته أو روحياته ، كما أنه غير مناسب للمسيحي أن ينجح في هواياته ويفشل في روحياته والتزاماته العملية وواجباته الاجتماعية .