الكلمة المبدعة والمشبعة
كثيراً ما جلسنا نتململ ونتنهد في عظات كثيرة من رتابة العظة طولاً أو موضوعاً، وتمنينا من كل قلوبنا أن ينتهي هذا الواعظ من كلمته حتى يفرج عن أسرنا، نعم فالعظة غير المتقنة والواعظ غير المتمكن من أدواته هو بالحقيقة يقوم بعملية تعذيب لمستمعيه.
وفي عصر مثل عصرناً هذا كثرت جداً وسائل الإبهار الإعلامي من حولنا، فيجب على من يخدم خدمة الكلمة أن يجاهد أن كل عظة تحمل الجديد من وسائل الجذب وشد الانتباه مع الدسم الروحي والعقيدي لبناء المستمع، وليكن شعارنا : ” لأننا نحن لا يمكننا أن لا نتكلم بما رأينا وسمعنا ” (أع20: 4).
دعنا نتناول موضوعنا عن الكلمة المبدعة والمشبعة بطريقة علمية ومركزة:
1- اخترق حاجز الخوف
إن الشئ الوحيد الذي يجب أن تخافه هو الخوف نفسه (فرانكلين روزفلت).
كثيرون لا يقدمون على خدمة الكلمة – مع الاحتياج الكبير لمتكلمين – بسبب الخوف إما من مواجهة الجمهور أو بحجة أنهم لا يمتلكون الموهبة أو ماذا سيقول الناس عنهم ؟! أو … إلخ.
اطمئن … فالخوف يواجه المتحدثين المبتدئين والمتحدثين الخبراء على حد سواء.
ولكن المتحدثين الخبراء تدربوا على كسر حاجز الخوف كالآتي :
أ- تتعجب عندما تعلم : أن في فصول التدريب على الإلقاء يندهش 95 % من الحاضرين عندما يشاهدون تسجيلات لأنفسهم وهم يلقون الأحاديث ، حيث إنهم لا يرون على الشاشة التوتر الذي قد شعروا به .. فالجمهور لا يعرف إلى أي درجة أنت متوتر.
ب- لكسر الخوف ، استخدم بطاقات الثقة : عدد من الوريقات 10 سم * 10سم مثلاً. فيها النقاط الرئيسية والشواهد المهمة وعناوين القصص والأمثلة، وذلك للتذكرة ومساعدة ما يسمى بفقدان الذاكرة اللحظي، الذي قد يحدث أحياناً مع مواجهة الجمهور.
ج- التحضير الجيد يكسر حاجز الخوف : كلما كنت أكثر إلماماً بكل جوانب موضوعك وبذلت جهداً جيداً في التحضير والبحث والتجهيز، كلما زادت ثقتك في قدراتك بنعمة المسيح وقل خوفك، ولكن التحضير الهش السريع يجعل المتكلم مضطرباً.
د- التدريب يحقق لك التميز ويطرح عنك الخوف: كان ( آرثر روبنسين ) عازف البيانو المعروف يقول: “إذا لم اتدرب لمدة يوم واحد اعرف نفسي، وإذا لم أتدرب لمدة يومين يعرف النقاد هذا، وإذا لم اتدرب لمدة ثلاثة أيام .. يكتشف الجمهور”.
خادم الكلمة الناجح هو دائم التدريب بالقراءة المستمرة في الكتاب المقدس وفي الآبائيات والعقيدة والطقس والثقافة العامة والأدب و … إلخ ، وتذكر أن كل كلمة تلقيها هي رصيد خبرة، فلا ترفض أي دعوة لإلقاء كلمة.
2- بناؤك لمهارتك
المهارات معظمها مُكتسب وأكثرها قابل للتعلم، فالتلمذة المستمرة والبناء الدائم لخبراتك في الإلقاء ضرورة، فكيف تدرب نفسك على فن الجاذبية في الإلقاء؟ من خلال الآتي :
أ- قيم نفسك: سجل لنفسك وقم بتقييم أسلوب التقديم والمحتوى و الصوت والحديث نفسه وعدد الآيات والقصص ومقولات الآباء، لاحظ إيماءاتك وحركاتك ولغة جسدك. وضع قائمة بالأشياء التي أجدتها وقائمة بالأشياء التي لا زال عليك الاجتهاد بشأنها وتذكر: لا تكن قاسياً مع نفسك فالتدريب عملية مستمرة لا تنتهي.
ب- اسمع باستمرار مشاهير الوعاظ الذين يعجب بهم الناس ولكن احذر التقليد: ليتك تصبح كالنحلة التي تأخذ من كل زهرة جزء من الرحيق ، وتصنع أخيراً هی العسل بنفسها.
ج- الكلمات القصيرة من 5-10 دقائق: وسيلة جيدة جداً للتدريب المبدئي مثل ( منبر شباب ، مجلة صوتية ، تقديم الاجتماع … ) يساعد على ثقل الموهبة على الإلقاء ومواجهة الجمهور.
د- تذكر معي قول روبرت برنس: الذي قال لو “أعطانا الله القدرة على رؤية أنفسنا كما يرانا الآخرون ستمثل هذه قوة عظيمة لنا”. حاول أن تعرف نقط قوتك وضعفك دون مبالغة وهذا دور التلمذة والإرشاد. فاسأل دائماً أخ أكبر لك بالخدمة وأبوك الروحي عن رأيه في طريقتك في الإلقاء وعيوبك، ولكن احذر النقد الهدام والشخصيات السوداء في نظرتها.
3- احذر الأخطار الستة
كم تتمنى أن يصلي الناس ألا تنتهي العظة، ويفرح الناس بمعرفتهم أنك المتكلم اليوم .
احذر :
أ- الهدف الغامض: يجب أن يفهم الناس عن ماذا تتحدث من أول دقائق في الكلمة ويستمر الهدف كخط ذهبي يخترق كل عظتك، حتى لا يتشتت الهدف منك ومنهم .
ب- الافتقار إلى التنظيم المنطقى الواضح : نظم موضوعك بطريقة مقنعة تحترم عقلية مستمعيك في نقاط أو في سؤال وجواب، أو في مشكلة وحل أو مقارنة.
ج– المعلومات الغزيرة والتفاصيل المملة : أنت لن تجعل الناس تدرس كل الكتاب المقدس أو تعرف كل العقيدة في عظة واحدة، حاول دائماً اختيار نقطة محددة تهتم بتوصيلها حتى يسهل هضمها وتذكرها وتطبيقها.
د- عدم وجود الدعم الكافي للأفكارك ومعلوماتك : نحن لا ننقل أفكارنا بل فكر الكنيسة والآباء، بل وفكر المسيح نفسه. فيجب أن تكون كلمتك ممسوحة بالأمثلة والشواهد والشخصيات الكتابية و أقوال الآباء والعقيدة والطقوس وقطع من القداس الإلهي وقصص جذابة و أمثلة معاشة.
هـ- صوت ممل وحديث غير متقن: صوتك هو الذي يحمل أفكارك ورسالتك فيجب أن يحمل معه العاطفة والحماس المتزن، فالناس تأخذ انطباعاً عن بعضهم البعض من خلال ثلاث طرق :
– المرئي : ( كيف تبدو ؟ )- ( لغة الجسد ) ۔
– المسموع : ( كيف يسمعك ؟ ) – ( طبقات الصوت ) .
– الشفهي : ( كيف تنطق ؟ ) ( ما يحمل الصوت من عواطف وحماس ورنین ) .
و- عدم الوفاء باحتياجات مستمعيك : لا تركز على ما يهمك أنت بل على ما يهم جمهورك ، افهم نفسية المرحلة التي تحدثها ، تتحدث مثلاً عن سر الميرون موضوع هام جداً ولكن لا يهم معظم الشباب. فالشياب يهتم بالعاطفة والحب والجنس والطهارة والشخصية الجذابة والمستقبل و … إلخ فكيف تحول سر الميرون المقدس لموضوع يهم الشياب : ابدأ بأن 36 رشمة هم هكذا ..
– للفكر … ليصبح لى استنارة خاصة تميزني .
– للقلب … لأملك نعمة قيادة العاطفة بالروح القدس.
– للإرادة … لاستطيع أن أجاهد بالنعمة لا بالقدرة.
وهكذا يتحول الميرون إلى موضوع حیاتی يهم كل شاب ويشعر بجمال وأهمية هذه العطية المجانية التي يملكها منذ ميلاده.
4- طريق الجانبية
“الجاذبية هي الميزة الإضافية التي نعجز عن وصفها” ( ألفريد لنت ).
إذا كان العلماء لا يملكون كل السر للجاذبية فنحن نملكه في المسيح يسوع، فالخادم المؤثر الجذاب هو الذي يملك مخدع حي وركب منحنية وقلب مفتوح على السماء وإنجيل معاش هو الذي سيملك الجاذبية المؤثرة التي تدوم في القلب، بل وتغير اتجاه الحياة في كل من يسمعه “لا بالقدرة ولا بالقوة بل بروحی قال رب الجنود” ( زك6:4) .
تذکر
أ- ابتكر افتتاحية جديدة كل مرة.
ب- اقتنع وجاهد أن تعيش ما تقول وتعلم.
ج- اعتمد على أسلوبك الخاص: كما أن لكل منا أسلوباً منفرداً في المشي والملبس والحديث فإن لكل منا أسلوباً منفرداً في الإلقاء.
د- تجنب التطويل الممل والتقصير المخل.
هـ- قوة الدعابة والفكاهة وسيلة فعالة لكسر الممل وشد الانتباه.
و- استخدم وسائل العرض والإيضاح ” فالصورة تعادل ألف كلمة ولكن يجب أن تكون صورة جيدة” ( د . لیدز )
۔ أخيرا : اترك بين يديك نصائح معلمنا القديس بولس الرسول إلى تلميذه تيموثاوس :
– “لا يستهن أحد بحداثتك، بل كن قدوة للمؤمنين في الكلام ، في التصرف في المحبة، في الروح، في الإيمان، في الطهارة” (1تي 12:4)۔
– “إلى أن أجيء اعكف على القراءة والوعظ والتعليم” (1تي 13:4).
– “لا تهمل الموهبة التي فيك المعطاة لك بالنبوة مع وضع أيدي المشيخة” (1تی14:4)
– “لاحظ نفسك والتعليم وداوم على ذلك ، لأنك إذا فعلت هذا تخلص نفسك والذين يسمعونك أيضا” ( 1تي16:4)
النعمة تسندك لتصبح خادماً تنقل المسيح المشبع بطريقة جذابة لكل الناس.