إن كان أحد لا يولد من الماء والروح لا يقدر أن يدخل ملكوت الله

 

“إن كان أحد لا يولد من الماء والروح لا يقدر أن يدخل ملكوت الله” (يو 3: 5)

لأن الإنسان أصلاً هو مخلوق من جسد ونفس عاقلة روحية ؛ أصبحت حاجة المولود من الجسد يقابلها بالضرورة حاجة الميلاد من الروح ، كما أن تعلق الإنسان بالحياة على الأرض ، يقابله تعلق الإنسان بالحياة فوق ، بالروح.

إنه نزوع طبيعي في الإنسان بحسب حركة الروح التي فيه ، التي نفخها الله في أنفه ، أن يتطلع إلى الخلود والامتداد في الحياة إلى ما هو أعظم وأعلى وأرقى دائماً. وبالرغم من الخطايا التي تكدست فوق رأس الإنسان ، إلا أن حنينه إلى الله والسماء والقداسة لم ينطفئ منه قط.

فالإنسان مخلوق أصلاً على صورة الله ، والصورة تنزع إلى التقرب من أصلها ، كما أن الله يحن دائماً إلى صورته ويودها بقربه . ونحن لو دققنا الرؤية وتعمقنا الإنسان وأنصفنا في تقييمه ، لوجدناه روحاً لا جسداً. لذلك فالإنسان الذي يحيا بجسده فقط ؛ يحيا غريباً عن نفسه النزَّاعة نحو الروح والله.

الإنسان يتأوه ولا يعلم ماذا يريد ، فقط هو غير راض عما هو فيه ، فالأفضل دائما دائما هو غائب عنه ، مهما أجهد ذاته للحاق به ، وكل ما يحصل عليه يبقي ليس هو الذي يريده.

فالميلاد الروحاني الجديد للإنسان هو معجزته التي يعيش على رجائها ، مهما كانت مخفية عنه وغائبة عن وعيه . وهو حالما يحصل عليها ، يصير هو الإنسان الذي يريده ، هو نفسه تماما ، وليس أقل ولا أنملة.

 ميلاد الإنسان روحياً من فوق هو بداية الوجود الحقيقي له ، الذي هو له حقاً، حيث تستقر نفسه على مركزها الثابت الأصيل الذي ليس على أرض الزعازع والأوهام بل فوق.

الإنسان المولود من فوق يتشبث بالأبدية ، فلا يعود الزمن يقلقه ، ولا توافه الأعمال تُشغله . ثم ، ألا ترى ، يا عزيزي ، أن الإنسان ليس حراً أن يختار بين أن يعيش بالجسد أو بالروح ؟

فالإنسان ، إن لم يعش بالروح ؛ فهو لا يعيش أصلاً وأبداً.
” المولود من الجسد جسد هو ، والمولود من الروح هو روح ” ( يو 3 : 6 ).

اعلم أن الجسد لن يوصلنا إلى الله ؟ فالجسد لا يطيق الله : « محبة الجسد عداوة لله » ، فلكي يقبل الإنسان معجزة الميلاد الثاني من فوق، يلزمه حتماً أن يخضع الجسد لمعجزة الموت ، أي أن يكف الجسد أن يحيا لنفسه ، ويكف أن يقود بنفسه مسيرة حياته.

أخيراً نقول : إن الأرض لم تعد وطننا ، نحن من وطن آخر ، نحن من فوق ، لم تعد الأرض تصلح أبدا لأن تكون بلدنا ، فنحن نبغى وطناً أفضل سماوياً أعده يسوع، وسيأتي ليأخذنا إليه . لذلك فقوله :« ينبغي أن تولدوا من فوق»، هو تحصيل حاصل ، لأننا وُلدنا وأصبحنا أولاد الله ، فارتقينا ليس من الأرض فقط ، بل ومن البشرية التي كنا ننتمي إليها ، و من آدم ، وانتقل انتماؤنا إلى المسيح والله

فاصل

من كتاب الإنجيل في واقع حياتنا للأب متى المسكين

فاصل

من كتاب الإنجيل في واقع حياتنا للأب متى المسكين

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى