مت3: 7 … أولاد الأفاعي من أراكم أن تهربوا من الغضب الآتي
“فَلَمَّا رَأَى كَثِيرِينَ مِنَ الْفَرِّيسِيِّينَ وَالصَّدُّوقِيِّينَ يَأْتُونَ إِلَى مَعْمُودِيَّتِهِ، قَالَ لَهُمْ:«يَاأَوْلاَدَ الأَفَاعِي، مَنْ أَرَاكُمْ أَنْ تَهْرُبُوا مِنَ الْغَضَب الآتِي؟“ (مت3: 7)
تفسير القمص تادرس يعقوب ملطي
كان يوحنا يهيّئ الطريق للرب في القلوب، ليس بجمع الناس حوله ولحسابه، وإنما بالدخول بجماهير الشعب إلى حياة التوبة، معترفين بخطاياهم. وقد جاء الفرّيسيّون والصدّوقيّون إلى معموديّته بأجسادهم دون قلوبهم، لذا صار يوبّخهم هكذا: “يا أولاد الأفاعي، من أراكم أن تهربوا من الغضب الآتي” [7]. لم يكن يوحنا بالقصبة التي تحرّكها الريح فيهتز أمام هؤلاء القادة متملقًا إيّاهم، وإنما بقوّة كان يشتهي خلاصهم، فاضحًا الشرّ الذي فيهم، بدعوتهم “أولاد الأفاعي“.
اتفق القادة المتضادّون معًا ضدّ يوحنا كما اتفقوا معًا ضدّ المسيح نفسه، فقد كان الفرّيسيّون يمثّلون السلطة الكنيسة اليهوديّة والتقليد بطريقة حرفيّة قاتلة. وكان الصدّوقيّون يمثّلون الجانب المضاد للسلطة، ضدّ التقليد، ينكرون القيامة ولا يقبلون فكرة وجود الأرواح. كان الفرّيسيّون يتطلّعون إلى يوحنا أنه أكثر خطرًا من الصدّوقيّين في الثورة على السلطة، فقد خرجت الجماهير من كل المدن لترى مثالًا حيًا للحياة التائبة العمليّة، الأمر الذي يفضح الفرّيسيّين وكل رجال السلطة الدينيّة. أمّا الصدّوقيّون فإنهم مع مقاومتهم كانوا يرون في يوحنا من هو أخطر من رجال السلطة الدينيّة، فقد كسب الجماهير لصفّه، مقدّمًا لهم مفاهيم روحيّة تهدم أفكار الصدّوقيّين.
على أي الأحوال، وقف القدّيس يوحنا أمام الفرّيسيّين والصدّوقيّين بكل قوّة يوبّخهم، ملقّبًا إيّاهم: “يا أولاد الأفاعي“. وكما يقول القديس يوحنا الذهبي الفم: [حسنًا دعاهم أولاد الأفاعي، إذ يُقال أن ذلك الحيوان عند ولادته تأكل الصغار بطن أمها وتهلكها فيخرجون إلى النور، هكذا يفعل هذا النوع من الناس، إذ هم قتلة آباء وقتلة أمهات (1 تي 1: 9) يبيدون معلّميهم بأيديهم[111].]
تفسير القمص أنطونيوس فكري
آية (7): “فلما رأى كثيرين من الفريسيين والصدوقيين يأتون إلى معموديته قال لهم يا أولاد الأفاعي من أراكم أن تهربوا من الغضب الآتي.”
الفريسيين= أهم طوائف اليهود الدينية التي ظهرت أيام المكابيين سنة 150ق.م. هدفهم أن يشددوا على وجهة النظر الدينية عند اليهود، وكانوا يحفظون الشريعة بدقة. وكان هذا كرد فعل للثقافة اليونانية المتحررة التي انتشرت. ومعنى فريسيون= مفروزون. ويسمون أنفسهم الأتقياء. واعتبروا تقليد الآباء على نفس مستوى الناموس. ساد عليهم الرياء والتظاهر والتمسك الظاهري لا الفعلي بالناموس فعشروا الشبث والنعنع وأطالوا صلواتهم.
الصدوقيين= هم الطائفة اليهودية الكبيرة بعد الفريسيين، ويرجح أنهم نشأوا كمضادين للفريسيين. اسمهم مشتق من اسم صادوق رئيس الكهنة أو من معنى اسم صادوق وهو يعني البار. وعلموا أن الفضيلة تمارس لأجل نفسها وليس من أجل أجر معين ومن هنا تمادوا وأنكروا القيامة لأنها أجر للأعمال الصالحة. وكانوا لا يؤمنون سوى بأسفار موسى الخمسة فقط، ولا يقبلون تقليد الشيوخ وأنكروا القيامة والأرواح والملائكة (أع8:23). كانوا يسمونهم جماعة العقلانيين عند اليهود. وكان هدفهم في الحياة جمع المال وإرضاء ملذاتهم.
يَا أَوْلاَدَ الأَفَاعِي = أي أنهم يشبهون الأفاعى فالابن يشبه أبيه (وهناك أولاد إبليس يو44:8+ 1يو10:3 وأبناء المعصية كو6:3 وأبناء النور يو36:12)= يوحنا هنا يريدهم أن يتساءلوا بينهم وبين أنفسهم لماذا أتوا هل هي توبة حقيقية أو سعياً وراء المظاهر. لأنه شعر أنهم لم يأتوا إليه بقلوبهم طالبين التوبة. وكان يوحنا قوياً لم يخف من الفريسيين والصدوقيين ولم يتملقهم، بل هو عرف مشاعرهم فهم لم يحتملوا إذ قد فضح ريائهم بقداسته الحقيقية. وإلتفت حوله الجماهير وأحبوه فخافوا على مراكزهم وأرادوا إظهار نقاوتهم بأن يعتمدوا هم أيضا. الْغَضَب الآتِي = الدينونة.