القديس أغريس البنطي

إيفاجريوس البنطي

هو تلميذ للقديسين مكاريوس الكبير ومكاريوس الإسكندري. ويُكنى بالبنطي لأنه ولد في ايبورا في البنطس.

 رسمه القديس باسيليوس الكبير قارئاً. ورسمه القديس غريغوريوس النزيانزي شماساً، وقد صحبه في مجمع القسطنطينية ۳۸۱م ولأنه “كان قويا في الحجة ضد كل الهرطقات” (38,2. Hist.Laus ) فقد بقي مع نكتاريوس بطريرك تلك المدينة، وفيها سرعان ما “ازدهر، متكلماً بغيرة الشباب ضد كل هرطقة”. و عندما هددت الأخطار والتجارب خلاص نفسه وفضيلته، غادر العاصمة وذهب إلى أورشليم حيث استقبلته الراهبة ميلانيا (السيدة الرومانية الأصل) ثم ذهب بعد ذلك بوقت قصير إلى مصر حوالي ۳۸۲م.

 كان إيفاجريوس الشماس مكرماً جداً بالقسطنطينية، وكان له عمله الوعظي الفعال، لكن عدو الخير اقتنصه بالتفكير في إحدى النساء الشريفات، وإذ كان يخاف الله صار يبكي طالباً منه أن يحرره من أفكار الشهوة، خاصة وأن السيدة نفسها كانت تحبه جداً. وفي إحدى الأيام إذ كان يصلي بحرارة رأى كأن جنود الوالي ألقوا القبض عليه وقيدوه وألقوه في حبس ووضعوا قيداً حول عنقه دون إبداء أسباب، فظن أن ما حل به كان بشكوى من زوج المرأة عقاباً له على أفكاره. إضطرب إيفاجريوس جداً، لكنه شاهد أيضا آخرين يحاكمون، وإذا بالملاك يتحول إلى صديق يتحدث معه وهو مقيد مساق مع أربعين من المجرمين هكذا:

– لما حجزت هنا أيها الشماس؟
– لست أدري على وجه التحديد، لكني أشك أن للوالي شكاية ضدي، وقد امتلأ حسداً، وأخشى أن يأخذ القاضي نفسه رشوة ويعاقبني.
. أصغ إلى نصيحة صديق، فإنه لا أمان لك هنا في هذه المدينة.
– اطلب من الله أن يحررني من هذه الضيقة، وإن رأيتني بعد ذلك في القسطنطينية عاقبني دون محاكمة.
– سأقدم لك الإنجيل وتقسم عليه أنك تغادر المدينة، وتهتم بنفسك، وأنا أحررك من الضيقة.
– ساحزم امتعتي اليوم واترك المدينة فوراً.

 أدرك إيفاجريوس أنه كان في رؤيا لكنه شعر بالتزام أن يتمم ما تعهد به في الرؤيا، وقام للحال وانطلق بمركب إلى أورشليم، حيث استقبلته الراهبة الرومانية المطوبة ميلانيا. لكن للأسف كشاب نال شهرة عظيمة قسى الشيطان قلبه، وعاد إلى أفكار الشر خلال غروره وكبريائه، فسمح له الله بحمى شديدة أنهكت قواه، وقد بقي يعاني منها ستة شهور دون شفاء. هنا تدخلت القديسة ميلانيا لتسأله: “يا بني، إني حزينة لمرضك الطويل، قل لي ما في فكرك، لأن مرضك ليس بعسير على الله”، وإذا صارحها بكل شيء قالت له: “ليتك تعدني أمام الله أن تقصد الحياة الرهبانية، ومع أنني خاطئة لكنني أصلي من أجلك فيهبك الله الشفاء”.

فوافقها على ذلك، وصلت من أجله. وإذ شفي بعد أيام قليلة انطلق إلى جبل نيتريا في مصر ليمارس حياة روحية تقوية جديدة، مجاهداً بلا انقطاع في نسك شديد مع عبادة ودراسة في الكتاب المقدس وأيضا النساخة إذ كان خطه جميلاً. ضيق عليه شيطان الشهوة الخناق كما قال بنفسه للقديس بالاديوس حتى كان يضطر أن يقف عارياً، في وسط الليل في البرد فيتجمد جسده، وهو يصرخ ويصلي وكان عنيفاً جداً مع جسده لتأديب نفسه.

 نفي نفسه لمدة سنتين في جبال نيتريا ثم دخل بعد ذلك إلى الصحراء ليعيش لفترة 14 عاماً في منطقة القلالي. وفيها تعرف على القديسين مكاريوس الكبير ومكاريوس الإسكندري لكي يسترشد بهما ويسير على منوالهما.

 كان يقتات من عمل يديه وهو الكتابة حسب رواية بالاديوس الذي كان أحد تلاميذه “كتب بطريقة ممتازة عن شخصيات أوكسيرينكوس (البهنسا) .(Hist.Laus.38,10)

 حاول القديس ثيئوفيلس بابا الإسكندرية أن يرسمه أسقفا ولكنه رفض.

 قصة حياة أو غريس أو إيفاجريوس Evagrius تمثل صورة حية لقوة التوبة التي ترفع الإنسان من الحياة الساقطة الدنيئة ليصير عضواً روحياً فعالا في حياة الكنيسة، كما تمثل لغزا أيضا فبينما عاش صديقاً وتلميذاً للقديس مكاريوس الكبير، لكنه إذ اهتم بالتفسير الرمزي والتأمل في الكتاب المقدس مع الكتابة كان له أثره على كثيرين مثل بالاديوس ويوحنا كاسيان ومكسيموس المعترف مقدما لهم الأفكار الأوريجانية الرئيسية، كما سبب انشقاقا في الحياة الرهبانية إذ ثار كثيرون من محبي الحياة التقوية البسيطة على منهجه، وحسبوه مفسداً للرهبنة بأفكاره الأوريجانية الرمزية.

 قال أبا إفاجريوس (أو غريس): امنع نفسك من المشاعر (العاطفة) لأشخاص كثيرين، خوفاً من أن تتشتت روحك، ولكي لا تفقد سلامك الداخلي… ضع في عقلك دائما ساعة موتك ولا تنس الدينونة الأبدية عندئذ لن يكون هناك خطأ في نفسك.

كتاباته

من أول الرهبان الذين كتبوا العديد من الكتب التي أثرت في التقوى المسيحية. و هو بحق مؤسس التصوف الرهباني وأحد أكثر الكتاب الروحيين خصوبة وإبداعاً في الصحراء المصرية.

 درس رهبان الشرق والغرب على السواء كتاباته كوثائق تقليدية ومراجع لا غنى عنها لا تقدر بقيمة.

 أسفرت الأبحاث الحديثة أن أفكاره قد عاشت ليس فقط في بالاديوس ولكن أيضا في الكتاب البيزنطيين: يوحنا كليماكوس، هیزيخيوس، مكسيموس المعترف، نيكيتاس ستيثاتوس نزولا إلى الهدوئيين وفي الكتاب السريان: فيلوكسينوس المنبجي، إسحق النينوي، يوحنا بن خلدون، صعودًا إلى ابن العبري. وفي الغرب في يوحنا کاسیان. وفي الحقيقة استمرت مدرسة مار أو غريس التصوفية من القرن الرابع إلى الخامس عشر.

 فُقد كل النص الأصلي اليوناني لكتاباته ماعدا شذرات صغيرة. وذلك لأن مجمع القسطنطينية الثاني 553م والمجامع التالية له قد أدانته بالأوريجانية. و تبقى البعض من أعماله في ترجمات لاتينية، جهزها روفينوس (133,3 .Jerome,Ep ) وجنادیوس(De vir.ill.II )، وترجمات أخرى سريانية وأرمنية وعربية وإثيوبية. و وجدت بعض كتاباته ضمن كتابات كتاب آخرین مثل القديس باسيليوس الكبير ونيلوس الأنقري.

Praktikos و ۱۰۳ فصلا في الصلاة هي أشهر أعماله.

 تعليم مختصر في النسك والسكون (الصمت) في حياة الوحدة.

 موضوعات في التمييز.

 في اليقظة.

 أفكار الشر الثمانية: هذا الفكر أخذه عن آباء برية مصر حيث كانوا يحصرون الخطايا في سبع أو ثمان خطايا. وقد قدم من الكتاب المقدس اقتراحات لمقاومة كل فكر. في هذا الكتاب أظهر أن الراهب “العامل” هو الراهب الدائم الجهاد.

الراهب: وضعه في جزئين، الأول يضم ۱۰۰ عبارة والثاني ۵۰ عبارة، فيه يتحدث عن عمل الراهب وحياته، مقتبسا أقوالا من آباء الحياة النسكية مثل القديسين أنطونيوس ومكاريوس المصري وأثناسيوس وسيرابيون وديديموس وباسيليوس الكبير.

 مرآه للرهبان والراهبات.

مشاكل غنوسية: يضم 6۰۰ عبارة في 6 كتب.

 عن الصلاة: نسب خطأ لنيلس الأنقري.

 تفاسير كتابية: فأنه قد تعلم من أوريجانوس بجانب الفكر السري (الباطني) تفاسير الكتاب المقدس.

 67 رسالة منها رسالة إلى القديسة ميلانيا.

مع القديس مكاريوس

:قال :

إنني مضيت إلى عند الأب القديس مقار، فسألته عن الأفكار التي يقاتلني بها الشيطان، فلما تحدث معي أضاء وجهه أكثر من ضوء الشمس، ولما لم أستطع أن أنظر إلى وجهه سقطت على وجهي فبسط يده وأنهضني.

و يبدو أن مار أو غريس كثيرا ما كان يحارب بالكبرياء بسبب معرفته وعلمه، إذ قيل إنه لماجاء للقديس مكاريوس مرة يسأله كلمة حياة، قال له: إنك حقا تحتاج أن تتزين بالفضيلة، ولكن الأفضل لك إن كنت تستطيع أن تطرد عنك فخر الحكمة العالمية، وتتمسك باتضاع العشار فتحيا. فقال أو غريس: “إنه لما قال لي هذا عملت له ميطانية وانصرفت، وكنت أقول في نفسي إن أفكاري مكشوفة الأنبا مقار رجل الله، وكنت في كل وقت أقابله أرتعد من حكمه الذي سمعته منه”.

و في فصوله عن “الصلاة” كتب مار أوغريس يقول: الصلاة هي زهرة اللطف والتحرر من الغضب. الصلاة هي ثمرة الفرح والشكر. الصلاة هي علاج للكآبة والقنوط. اذهب بع ممتلكاتك وأعط للمساكين واحمل صليبك لكي تستطيع أن تصلي بلا طياشة.

إذا رغبت أن تصلي بكفاءة، انكر نفسك كل ساعة. خذ دور الإنسان الحكيم، ادرس واعمل بشدة لكي تتعلم أن تحتمل الكثير من أجل الصلاة… الصلاة هي صعود الروح إلى الله. إذا كنت تشتاق إلى الصلاة تخل عن الكل لتقتني الكل .

زر الذهاب إلى الأعلى