النفس العفيفة
“النفس العفيفة لا قيمة توازنها” (سي 20:26 ).
- ما هو أغلى شئ في حياتك؟ وما هو أرخص شيئ؟
- لو طلب منك الاستغناء عن كل ما لديك فيما عدا شيئاً واحداً فماذا ستختار؟
- ما رأيك في الحياة؟ ما هي القيمة التي يعيش الإنسان من أجلها؟
صدر إعلان في الصحف عن مزاد لبيع أشياء ثمينة, وعندما ذهب أحد الشباب ليرى هذا المزاد وجد المفاجأة الآتية: “ثمن علبة عصير فارغة ب 50ج – ثمن خاتم ذهب ب اج – ثمن مكتب 20ج – مجموعة مفاتيح ب 300ج – نظارة طبية ب 1000ج…”.
فوقف هذا الشاب ينظر في أستغراب لهذه الأشياء جميعها.. وسأترك لكم تخيل رد فعله!! ولكن ترى هل سيشترى؟؟ وأيا منها سيشترى؟؟
الحق إننا نرى هذا المشهد في حياتنا اليومية. بمعنى أننا نعطي قيمة عالية لأشياء ليس لها قيمة فعلية، وأما الأمور ذات القيمة فإننا ننظر لها على أنها ليس لها قيمة. لذلك علينا أن نقدر قيمة أنفسنا, وقيمة حياتنا الموهوبة لنا من الله, لأنها خالدة, وهذا هو مفهوم العفة فإنها تعني التعقل وضبط النفس، فكن عفيفاً كيوسف الصديق الذي شبع بالله، وفرح معه, وتقدس فيه. ولا تطمع وتشتهى الأرضيات, كأخاب عندما اشتهى حقل نابوت اليزر عقیلی, بل تطلع إلى السماء حيث بيتنا الحقيقي.
إن الكتاب يصف لنا وصفاً دقيقاً لمن يحافظ على نفسه عفيفاً, ومن يترك نفسه بلا ضابط فيقول معلمنا بولس الرسول: “أَنَّ أَرْضًا قَدْ شَرِبَتِ الْمَطَرَ الآتِيَ عَلَيْهَا مِرَارًا كَثِيرَةً، وَأَنْتَجَتْ عُشْبًا صَالِحًا لِلَّذِينَ فُلِحَتْ مِنْ أَجْلِهِمْ، تَنَالُ بَرَكَةً مِنَ اللهِ. وَلكِنْ إِنْ أَخْرَجَتْ شَوْكًا وَحَسَكًا، فَهِيَ مَرْفُوضَةٌ وَقَرِيبَةٌ مِنَ اللَّعْنَةِ، الَّتِي نِهَايَتُهَا لِلْحَرِيقِ.” (عب 7:6-8).
قصة كلهم دنسون كلهم أطهار!
يحكى القمص تادرس يعقوب هذه القصة: في نهاية اجتماع الشبان بكنيسة الشهيد مارجرجس باسبورتنج, جاءني شاب حضر الاجتماع لأول مرة، قائلا في شئ من الجدية: “هذه هي المرة الأولى في كل حياتي أشتاق فيها أن أعترف!”
إذ رحبت به، قال لي: أريد أن أعيش طاهراً، لكنني لست أظن أنه يمكنني ذلك!
– لماذا؟
– لأنه استحالة أن أجد شابة بلا علاقة خاطئة مع الجنس الآخر!
– كيف؟ كثيرون أطهار!
– لو أنك لا ترتدى هذه الثياب السوداء، لوجدت كل هؤلاء الشبان في النوادي الليلية يمارسون الشر! فكلهم دنسون!
– كلهم!…
– أقول كلهم، لأنه لا يمكن لإنسان ما أن يعيش دون العلاقة الجنسية!
بدأت أتحدث معه عن عمل الله في حياة الإنسان ليعيش طاهرا، مقدماً له أمثلة واقعية من الكتاب المقدس, وتاريخ الكنيسة, والشباب المعاصر.
– أتظن أنني أستطيع أن أعيش طاهرة؟
– هذا هو عمل المسيح بروحه القدوس فيك!
– ماذا أفعل … إني أحب الخطية!
– مع كل صباح وفي كل مساء قل للسيد المسيح: “هل الحياة معك أعذب من حياه الخطية؟! أريد أن أعيش بك طاهر!”
– بعد أسابيع قليلة جاءني الشاب بنفس الجدية، يقول:
– أتذكرني؟
– نعم أتذكرك!
– أريد أن أقول لك: كل هؤلاء الشبان أطهار! لست أظن بينهم إنسان دنس!
– كيف هذا؟ ألم تقل منذ أسابيع قليلة أنهم جميعا دنسون!
– حين كان قلبي دنسأ ظننت أنه لا يمكن لشاب أن يعيش طاهرا، والآن إذ اختبرت الطهارة في المسيح يسوع لا أصدق أن إنسانا يقدر أن يعيش في وحل الدنس! أرى الكل يستعذبون العفة والطهارة, ولا يطيقون الفساد!
ما هو التعفف؟
– الثمرة الحلوة الأخيرة التي ذكرها الرسول بولس هي التعفف: وهو النزاهة والأمانة والعفة والطهارة.
التعفف يشمل: عفة اللسان وعفة الجسد وعفة الحواس وعفة الفكر والقلب وعفة اليد.
- عفة اللسان: هي ألا يتلفظ بكلمة بطالة من أي نوع, لا شتيمة ولا كذب ولا حلفان ولا تهكم ولا إدانة ولا نميمة, ولا أي خطية من خطايا اللسان.
- اللسان العفيف صاحبه مؤدب مهذب يزن كل كلمة قبل أن ينطق بها, ويتقن أدب الحوار والتخاطب مع الآخرين.
- عفة القلب والفكر هي العفة الداخلية, التي يبني عليها كل تعفف من الخارج, قال الحكيم: “فوق كل تحفظ احفظ قلبك لأن منه مخارج الحياة” (أم 23:4 ). هي عفة المشاعر والعواطف والأحاسيس والمقاصد والنيات والرغبات.
- أما عفة الجسد فهي بعده عن كل شهوة جسدية رديئة, وشهوات الجسد تشمل شهوة الأكل والشرب والراحة والمتعة والزنا وسائر الملذات الجسدية. وتشمل الحشمة وعفة الملبس والمشي والجلوس والكلام.
إذن الإنسان العفيف هو الذي يبتعد عن كل العثرات والمثيرات التي تثير الجسد وتهيجه وويل لمن تأتي بسببه العثرات. - عفة الحواس و تشمل عفة النظر والسمع واللمس والشم والتذوق, وكلها مطلوبه للإنسان الذي يريد أن يحيا حياة التعفف, لأن الحواس هي مداخل القلب والفكر, وصيانتها تصون القلب والفكر والجسد من خطايا النجاسة.
- عفة اليد تعني الأمانة وعدم السرقة والاختلاس, وقبول الرشوة وملامسة الأجساد بغرض نجس, أو إذاء الأخرين, أو تقديم ما يضرهم ويدمر حياتهم مثل: الخمور والمخدارت والمكيفات بسائر أنواعها.
إن العفة هي رأس مال الشباب.. إنها أغلى وأثمن ما تملك. هي سر قوتهم ونقاوتهم.
نجد معلمنا بولس الرسول يسرد كل ثمار الروح القدس وفي النهاية يذكر هذه الثمرة الحلوة.
كأنك أكلت وجبة دسمة, وبعد الأكل لابد أنك تأكل فاكهة جميلة, وكانت هذه الثمرة هي التحلية الأخيرة.
يقول القديس يوحنا الدرجی: “إن العفة اسم عام لجميع الفضائل” لذلك في طريق الغربة يجب على المؤمن أن يظل ناصباًة أمام عينيه قول معلمنا بولس الرسول: “أقمع جسدي وأستعبده حتى بعد ما كرزت للآخرين لا أصير أنا نفسي مرفوضاً” (1 كو 27:9 ).
عفة أم طهارة؟
ما الفرق بين العفة والطهارة؟ وهل يمكن أن توجد عفة بدون طهارة؟ وهل توجد طهارة بدون عفة؟
+ إن العفة في معناها بوجه عام: تعنى الامتناع عن الفعل الخاطئ، والكلمة هي مصدر لفعل عف وعف الشئ أي امتنع عنه.
+ والتعفف هو الامتناع الاختياري عن فعل الخطأ أينما كان، وكثيراً ما نتعفف لأسباب دينية كمن يتعفف عن الطعام في فترات الصوم.. أو نتعفف لأسباب أخلاقية كمن يتعفف عن إقتناء أشياء لمجرد حب القنية.
+ أما الطهارة فهي تعني حالة النقاوة التي يصل إليها الإنسان، فما العلاقة بين العفة والطهارة؟
+ إن العفة الحقيقية تسهم في تحقيق طهارة القلب. ولكي نفهم هذه العبارة نتذكر ما قاله السيد المسيح له المجد: “سراج الجسد هو العين فإن كانت عينك بسيطة فجسدك كله يكون نيراً وإن كانت عينك شريرة فجسدك كله يكون مظلماً فإن كان النور الذي فيك ظلاماً فالظلام كم يكون!” (مت 22:6 -23) فالعين عندما تتعفف يتطهر الجسد كله, وهناك نوع من التعفف الشكلي الذي لا يقوم على مبادئ المسيحية. ولكن هذا لا يحقق الطهارة الداخلية. لذلك يمكن أن يوجد تعفف بلا طهارة. إنما لا يمكن أن توجد طهارة بلا تعفف.
إذا العفة وسيلة لاكتساب النقاوة وطهارة النفس.
ولنأتي للمرحلة الأخيرة في معرفة العفة, وهو ما قاله معلمنا بطرس الرسول: “ولهذا عليه وأنتم باذلون كل اجتهاد قدموا في إيمانكم فضيلة، وفي الفضيلة معرفة، وفي المعرفة تعففاً، وفي التعفف صبراً، وفي الصبر تقوي، وفي التقوى مودة أخوية، وفي المودة الأخوية محبة. لأن هذه إذا كانت فيكم وكثرت، تصيركم لا متكاسلين ولا غير مثمرين لمعرفة ربنا يسوع المسيح” (2بط 5:1-8).
نلاحظ أن معلمنا بطرس ذكر الفضائل بهذا الترتيب: ( إيمان، فضيلة، معرفة، تعفف، صبر، تقوی، مودة أخوية، محبة)
وهنا نسأل: ما الفرق بين العفة القائمة على مبادئ المسيحية, والعفة القائمة على أسباب أخلاقية عالمية؟
إن الفرق هو المعرفة، عند أهل العالم المعرفة تعطى صاحبها كبرياء وتشامخ، “فالعلم ينفخ” لذلك يكون التعفف نوعاً من الترفع والتعالي، أما المعرفة في المسيحية فهي مبنية على أساس الفضيلة، ويزيده الصبر تقوى، فيحبه الإخوة وتنقله محبة الإخوة إلى سيرة عطرة يراها الجميع, فيصل إلى المحبة الحقيقية. ولا ننسى أن تاريخ كنيستنا ملئ بالأمثلة على قديسين وقديسات عاشوا حياة العفة والطهارة منهم:
شاب عفيف
- في الاضطهاد الذي أثاره الإمبراطورىدیسیوس (249-251م) إذ فشل أحد الولاة الوثنيين في أن يثني شابا عن إيمانه, سلمه لإحدى الباغيات (الساقطات) لتسقطه في الخطية. وإذ لم تجد تلك المرأة وسيلة لتحقيق غرضها – ربطوا جسم الشاب ويديه ورجليه بسرير – ثم أخذت المرأة تقوم بوسائلها لتسقطه, ولم يجد الشاب وسيلة للهرب منها، فقضم لسانه بأسنانه بكل قوته, ولصقه في وجهها. وإذ تملكها الرعب مما حدث, هربت واحتفظ هذا الشاب بعفته.
- بوتامينا العذراء العفيفة: هذه العذراء بعد أن وقفت أمام الوالي اكيلا معلنة إيمانها بالسيد المسيح, عذبها عذاباً شديداً ليثنيها عن رأيها، ولما لم يفلح معها في هذا، هددها بتسليمها إلى المصارعين للإساءة لجسدها.. ولكنها فكرت قليلا وردت رداً أثار غضب الوالى جداً, فأمر أن توضع في القار المغلي.
وعندما أصطحبها القائد باسيليوس لتنفيذ الحكم, توسلت إليه أن لا ينزع عنها ثيابها, بل يتركها تنزل إلى القار قليلاً قليلاً, حتى يرى أية قوة احتمال أعطاها لها السيد المسيح. فقبل القائد ذلك, وهكذا استشهدت هذه العفيفة دون أن تفقد طهارتها وعفتها.
من المسابقة الدراسية – مرحلة جامعيين – مهرجان الكرازة 2011