بدوني لا تقدرون أن تفعلوا شيئاً

 

“بدوني لا تقدرون أن تفعلوا شيئاً” (يو 15 : 5)

يستحيل على أي إنسان أن يمارس فضيلة المحبة على المستوى المسيحي وخصوصاً محبة الأعداء وذلك بقدرته الذاتية . الشرط الأساسي لتنفيذ متطلبات الوصية أن تكون خالية من عنصر الجسد والذات ، وهذا لا يمكن أن يتأتى إلا إذا كانت معمولة بالروح القدس حتى يستطيع الإنسان أن يبلغ بحبه هذا المستوى الفائق على الطبيعة البشرية . فمن ذا الذي يستطيع أن يحب عدوه ، إلا إذا كان حب الله قد ألهاه عن حب ذاته وأنساه غرائزه الحيوانية ؟

ومن يستطيع أن يحب عدوه إلا إذا أخرجته قوة الروح من الذات والميل للثأر؟

ومن يستطيع أن يحب عدوه إلا إذا كان ملكوت الله هو همه الوحيد الذي من أجله وضع في نفسه أن يحتمل كل شيء ويصبر على كل شيء ويتجاوز كل المضايقات التي يمكن أن تصيبه . « بل إني أحسب كل شيء أيضا خسارة من أجل فضل معرفة المسيح يسوع ربي الذي من أجله خسرت كل الأشياء وأنا أحسبها نفاية لكي أربح المسيح ».

وهكذا ترتفع الفضيلة في المسيحية إلى مستوى الروح القدس ؛ ويظل الإنسان الذي لم ينل قوة الروح القدس يمارس الفضيلة بدوافع وغايات جسدية دون أن يصل قط إلى جوهر وصية المسيح ، لأن وصايا المسيح لا يمكن تتميمها قط إلا بالروح القدس : « یعلمكم كل شيء ، ويذكركم بكل ما قلته لكم . يأخذ مما لي ويخبركم » ، ” بدوني لا تقدرون أن تفعلوا شيئا” ( یو 15 :5 ) .

فاصل

من كتاب الإنجيل في واقع حياتنا للأب متى المسكين

زر الذهاب إلى الأعلى