تفسير سفر أيوب أصحاح 30 للقديس يوحنا ذهبي الفم

الإصحاح الثلاثون
أيوب يبرز أتعابه الحاضرة
أكثر الناس بؤساً يسخرون منه الآن

1- “لكن الآن يسخر منى أحقر الناس” (1:30).

فماذا كان موقفه الحالى في مواجهة السابق؟

إنه رد بقوله «يسخر منى أحقر الناس».

«الآن يوبخني بدوره كل واحد من الذين كنت اعتبر آباءهم لا شيء وما كنت اعتبرهم جديرين بأن يكونوا مع كلاب غنمي» (30: 1).

ليس بقوله هكذا أنه احتقرهم أو تكبر حتى يقارن أناساً بكلاب، إنما (بهذا) أشار إلى الأشرار والمجرمين، وهو فى الواقع لم يكن أى اعتبار لهؤلاء الناس حتى أنه لهذا السبب قال:

2- ” بالحق ماذا تفيدنى قوة أيديهم ؟ كل ما حققوه انهار على رؤوسهم، وجنوا ثمار هذا الصراع عُرياً وجوعاً، وهم الذين بالأمس كانوا يهربون من الحزن والبؤس المدقع، الذين كانوا يحيطون بالأماكن المالحة عند الشاطئ الهادر الذين كانت الأعشاب المالحة طعاماً لهم. وكانوا معيبين ومحتقرين وفى احتياج لكل خير. الذين أيضاً أكلوا جذور الأشجار بسبب الجوع الشديد. قام عليّ اللصوص الذين بيوتهم كانت مغائر في الصخور، وكانوا يعيشون تحت العوسج ويصيحون بصرخات مدوية وسط الأحجار الصماء أبناء أناس حمق، اسمهم ومجدهم قد مُحى من الأرض” ( 2:30-8)

انظر هوذا شكل آخر من الفضيلة والتي تكلم عنها النبى بالتحديد فقال: «يفعل الشر محتقر فى عينيه ويكرم خائفى الرب» (مز 4:15)

قال أيوب: «الذين كانوا معيبين ( كلهم عيوب) ومحتقرين، وفى احتياج لكل خير، حتى أنهم أكلوا جذور الأشجار»

وهذا أيضاً نوع آخر من الفساد أظهر نفسه هكذا في الفقر كونهم فقراء بلا وطن، بلا مأوى، عاجزين عن التباهي، لا بنجاح فى العالم أو بأية فضيلة في نفوسهم.

3 – قال أيوب: “أما الآن فإنهم يتغنون بى وجعلوا منى موضوعاً لأحاديثهم، يشمئزون منى ويبتعدون عنى وأمام وجهى لم يمسكوا عن البصق و(الله) فتح جعبته وأضرنى ونزع الزمام قدامى فقاموا ضدى على يمين نسلهم وقد بسطوا أرجلهم وقد وجهوا عليّ سبلهم المهلكة فمحيت طرقی (30: 9-13)

أنت ترى (أيها القارئ) أن الشيء المكدر على الأخص هو أن يرى نفسه يتم الاستهزاء به من أمثال هؤلاء الناس الذين يعيّرونه بالإثم الذي يعملونه. وهو قال لصوص وأشرار ومجرمون وعصابات جعلت منه هدفاً للغوهم وأحاديثهم.

البلايا والمرض أغرقاه

4- “بعد ذلك تحدث أيوب عن بليته وعظم من جديد وشرح بلهجة درامية ما سببه له الله فقال: إنه نزع عنى ثوبي وأسقطنى بسهامه هو عاملنى على طريقته فأنا غارق في الآلام التي غمرتني. تلاشى رجائى كنسمة، واختفى أمنى كسحابة، حتى نفسى ستنسكب علي، وأيام قاسية اجتاحتني وبالليل انكسرت عظامى وأعصابى تفتت بقوة عظيمة أمسك المرض بردائي فطوقتی كعنق ردائي. واعتبرتني يا رب كطين ونصيبى هو التراب والرماد. صرخت نحوك وأنت لم تسمعني. قاموا عليّ وراقبونى وهاجمونى بدون شفقة، وضربتني بيد قوية، وأقمتني في الأوجاع وأبعدت عنى الخلاص. أنا أعلم أن الموت سيلاشينى لأن الأرض هي مسكن (مقر) كل مائت. آه لو أستطيع أن انتحر أو أطلب إلى آخر فيسدى لى هذه الخدمة” (14:30- 23).

أنت أيها القارئ تدرك أن تعبير آه لو أستطيع…» لا يعنى أنه لا يملك القوة على فعل هذا إنما يعنى أن هذا أمر ممنوع (ولذلك فهو يتمناه).

أيوب على العكس كان يرثى لبلية الآخرين

5- ” أما أنا فقد بكيت على كل المساكين” (25:30).

وهذا أيها الحبيب لم يكن أمراً تافهاً.

وإن كان لنا أن نقول، فهذه الشفقة التي مارسها حرفياً (اختبرها في ذهنه هي . صفة ذات وزن عال.

6- كنت أئن عند رؤيتي إنسان في الضيق (تابع 30: 25).

نعم، عندما كنت فى الغنى لم يكن لى ذلك الموقف، فأنا لم أسعد لبلايا الآخرين، الأمر الذي هو حادث معی الآن.

 

أيوب انتظر السعادة فأتته البلية

7- “بينما كنت انتظر السعادة، فعلى العكس جاءتنى أيام بلية، أحشائي تغلى ولا تصمت، تقدمتنى أيام المذلة، وتقدمت متأوها بدون تحفظ وقمت في (وسط) الجماعة صارخاً من الأوجاع وصرت أخاً للذئاب وصاحباً (أى مرافقاً) لرئال (أى فراخ) النعام” (26:30- 29)

في الواقع فإن زيادة البلايا التي حلت به هى التى أجبرته على التأوه والنحيب، وهو قال: حتى لو أردت، فلن أستطيع أن ألزم الصمت.

«قمت في (وسط) الجماعة صارخاً»

وهو تصرف هكذا بدون خزى أمام كل الحاضرين ودون أن يخجل من الجموع والذي جعله يتصرف هكذا هو عظم بليته. وهو قال: إنني صرت مثل البهائم، لم أعد أعرف طبيعتي وحالى لم يكن أحسن من حالهم. وهذا أيضاً ما قاله داود: «أشبهت قوق البرية، صرت مثل بومة الخرب» (مز 6:102).

8- “أسود جلدى جداً وعظامى احترقت من الحرارة. صار عودى للنوح ومزمارى ينتحب علي” (30: 30، 31).

تأمل كيف أن منظره صار كريهاً جداً وفسد جماله وصار منفّراً.

قال أيوب: “عظامي احترقت من الحرارة”

وهذا حدث سواء نتيجة لمرضه أو لتعرضه الدائم والمباشر لمختلف فصول السنة. إن بليته كانت متعددة ومتنوعة وآلامه كانت من كل صنف.

“صار عودى للنوح ومزمارى ينتحب على”

إذاً فهو كان يستمتع أيضاً بالعود.

وقال: لكن التي لم تعد بعد تصاحب أغنيتى بل أغنيات خصومي. إن بليتى تزداد حتى أننى استخدم نفس هذا العود للتعبير عن مصائبي، وهذه الآلة صارت بالنسبة لى تذكاراً لسعادتي الماضية.

إن القدماء مارسوا الموسيقى وكانوا يغنون سوياً على المزمار، الأمر الذي يبرهن لنا بوضوح أن أيوب كان أقدم من موسى، لأن المزمار وجد بعد أيوب، لكنه لم يوجد قبله.

تفسير أيوب 29 سفر أيوب 30 تفسير سفر أيوب
تفسير العهد القديم
تفسير أيوب 31
القديس يوحنا ذهبي الفم
تفاسير سفر أيوب 30 تفاسير سفر أيوب تفاسير العهد القديم

 

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى