قد أُكمِل

 

“قد أُكمِل” ( يوحنا 30:19)

     المسيح إلهنا البار ، الكامل فى كل شىء ، القدوس الذي بلا خطية وحدة ، الذي عاش على الارض حياة كاملة استطاع أن يرضى بها الله الاب ، هو ايضا كان كاملا فى كرازته وفى خدمته. قد أُكمِلاستطاع أن يكمل رسالته التى أعطاها الآب إياها ، ويصيح صيحة النصرة الأولى.

     ” العمل الذي اعطيتنى لأعمل ، قد أكملته “.  (يو4:17).

     لقد استطاع ان يكمل كل بر. كمل بر الناموس كله ، وصاح أمام الناس “من منكم يبكتنى على خطية ” (يو46:8). كما كمل ايضا جميع النبوءات الخاصة به والخاصة بعمل الفداء العظيم… فى سنوات قليلة ، حوالى ثلاث سنوات وبضعة شهور ، استطاع ان يعمل أعمالا لم يعملها احد من قبل ، واستطاع أن يكرز ببشارة الملكوت ويقول للآب ” أنا مجدتك على الارض… أنا أظهرت اسمك للناس الذين أعطيتنى من العالم.. الكلام الذي أعطيتنى قد أعطيتهم.. الذين اعطيتنى حفظتهم ، ولم يهلك منهم أحد… عرفتهم أسمك ، وسأعرفهم  (يو17).

     وهكذا أكمل النبوءات ، وأكمل الطاعة وأكمل كل بر ، وأكمل عمله الكرازى ، وأكمل الحب اذ أحب خاصته الذين فى العالم ، احبهم حتى المنتهى (يو1:13) ثم صعد على الصليب ليكمل عمل البذل ، ويكمل الفداء والكفارة والخلاص… ويكمل عمل المصالحة الذي به يصلح السمائيين مع الارضيين…

     وفوق هذا المذبح ، وضع الله عليه اثم جميعنا… وضع الله عليه جميع الخطايا ، لجميع الناس ، فى جميع الأجيال ، من آدم إلى آخر الدهور بكل ما فيها من بشاعة ومن دنس ومن خيانة ومن ضعف بكل ما فيها من زنا وفجور وكذب وسرقة وقتل وحسد وكبرياء… حتى صاح الابن قائلا ” قدأكمل “… ونحن نضع أيدينا على هذه الذبيحة الطاهرة ، ونعترف كل يوم بخطايا جديدة ، نضيفها آلي آلامه لكى يمحوها بدمه الكريم

     وكما كملت الخطايا على كتفيه ، كمل ايضا العار الواقع عليه… وهكذا قال فى ذلك ” بذلت ظهرى للضاربين ، وخدى للناتفين ، وجهى لم استره عن خزى البصاق ” (أش6:5.). وقال ايضا ” كل الذين يروننى يستهزئون بى. عار عند البشر ومحتقر الشعب ” (مز7:22،6). فى كل هذا تعرض للضرب والاهانة والجلد والاستهزاء ، وكل صنوف التحقير والتهكم ، وكلمات التجديف والتعيير وكانوا يلطمونه قائلين تنبأ لنا أيها المسيح من لطمك (متى67:26،68)!! وألبسوه الثوب الأرجوانى وأكليل الشوك ، وصلبوه بين لصين ليحققوا فيه قول الكتاب ملعون كل من علق على خشبه (غل13:3) (تث23:21)… وهكذا

” صار لأجلنا ” . وفوق الخشبة ايضا أشبعوه إهانات وسبا ، حتى لينظر آلي كل هذا العار ويقول : قد أكمل..

     وكما كمل عاره كملت آلامه بالجسد ، وكمل الغضب الواقع عليه. دفع الثمن كله ، وقدم نفسه فدية ، وظلت النار تشتعل فى ذبيحة المحرقة حتى حولتها إلى رماد (لا1.:6). ولما رأى الرب انه قد أكمل عمل الكفارة والفداء ، وأنه أعطى العدل الإلهى كل ما يطلب ولم يعد له شىء بعد ، صاح فى نصرة قائلا

” قد أكمل” …

     قد أكمل عمل الخلاص للجميع ، وتم الفداء ، واستطاع نسل المرأة أن يسحق رأس الحية… استطاع الله وقد ” ملك على خشبة ” (مز1.:96) ان يدمر مملكة الشيطان. الآن أصبحت الكفارة كاملة كافية للكل. الآن ينشق حجاب الهيكل ، ويفتح الطريق أمام قدس الاقداس… لقد كمل الصلح ، وكمل الرجاء أمام القديسين الراقدين. ولم يبق الا أن يقوم الرب كجبار ، يتقلد سيفه على فخذه ، ويستله وينجح ويملك (مز3:45). لذلك صاح الرب فى فرح ” قد أكمل”…

     ان عبارة ” قد أكمل ” هى هتاف الفرح والانتصار. هتف به الرب الذي صارع وملك. واستطاع أن يشترينا بثمن ، ويؤسس ملكوته الروحى ، ويحطم مملكة الشيطان الذي كان يدعى من قبل ” رئيس هذا العالم” (يو3.:14).

     هل تستطيع يا أخى أن تنجح مثل الرب ؟ هل تستطيع أن تصعد على الصليب ، وتسحق رأس الحية ؟ هل تستطيع أن تنظر آلي عملك الذي اعطاك الرب إياه وتقول ” قد أكمل “. ليتك تضع أمامك كل حين هذا الشعار الجميل ” العمل الذي أعطيتنى لأعمل قد أكملته “…

     ضع أمامك باستمرار صورة الرب الذي أكمل عمله.

فاصل

من كتاب كلمات السيد المسيح على الصليب لقداسة البابا شنودة الثالث

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى