كأطفال مولودين الآن
“كَأَطْفَال مَوْلُودِينَ الآنَ، اشْتَهُوا اللَّبَنَ الْعَقْلِيَّ الْعَدِيمَ الْغِشِّ لِكَيْ تَنْمُوا بِهِ” (1بط ۲ : ۲)
حينما يولد الإنسان المسيحي ثانية من الماء والروح في المعمودية ، يُكتب تاريخ ميلاده في سجل سفر الحياة أمام الخانة المحجوزة باسمه هناك قبل تأسيس العالم : ” مخلوقين في المسيح يسوع … قبل تأسيس العالم” . وهو يولد طفلاً مقمطاً بالروح القدس ، يولد وروحه متصلة بالروح القدس اتصالاً يمده بدفقات الروح والحياة ، وغذاؤه يكون بالكلمة لأنه مولود أصلاً بها : “مولودين ثانية ، لا من زرع يفنى ، بل مما لا يفنى ، بكلمة الله الحية الباقية إلى الأبد ، ( 1بط 1: 23 ) ، وكانه يغتذي من ثدي السماء ، لبناً عقلياً قادراً أن ينمَّيه بالروح . وهو يولد وفيه شهوة عارمة لهذا اللبن العقلي بشبه الطفل للإنسان الجسداني من نحو لبن أمه .
وهكذا قليلاً قليلاً تأخذ النفس صورة خالقها ، ويبدأ حنينها يزداد ويتكثَّف داخلها من نحو وطنها السعيد ؛ لأن الكلمة ، وقد اتحدت بروح الإنسان الجديد ، تربطه دون أن ينتبه بوطنها السماوي ، فتبتدئ روح الإنسان تأخذ سعادتها وسلامها وراحتها من فوق : « من لي في السماء ، ومعك لا أريد شيئا في الأرض ، ( مز ۲۳ : ۲۵ ) .
ومن هذه اللحظة يبدأ الإنسان يمتد بروحه إلى فوق ، ويصبح له بالفعل عمر روحي بشبه عمر السنين على الأرض . ولكن هذا العمر الروحي لا يقاس بالسنين ، فهو غريب عن الزمن ودوران الأرض ، ولكنه يقاس بقدر امتلاك الروح للوطن السمائي واستقرارها فيه .
من كتاب الإنجيل في واقع حياتنا للأب متى المسكين