لم آتِ لأدعو أبرار بل خطاة إلى التوبة

 

 “لم آت لأدعو أبرارا بل خطاة إلى التوبة” (لو 5: 32)

كان الخطاة هم موضوع عمل المسيح، وكانت علاقته بهم هي مسرته، هي هوايته، هي عمله، هي همه الأول، بل على مستوى الصداقة الحميمة : « وبينما هو متكئ في البيت ، إذا عشارون وخطاة قد جاءوا واتكأوا مع يسوع »، جلسوا معه وحوله وأمامه ، وتزاحموا معاً و وهو سعيد في وسطهم. منظر بديع حقاً ينم عن مدى العلاقة الحميمة التي كانت تربط الخطاة بالمسيح، إذ اعتبروا أن المسيح إذا اتكأ في بيت أصبح لهم الحق أن يدخلوا كلهم ويتكئوا معه كلهم. ما معنى هذا ؟

معناه أن المسيح استطاع أن يجعل الخاطئ وهو أمام المسيح لا يخجل من نفسه، بل يدوس على خطيته، ينساها، يتجاهلها، وكأنه غير خاطئ. لأنه كان يشعر أن خطيته تتلاشى في حضرة المسيح ، فينجذب إلى المسيح كما ينجذب المريض إلى الطبيب؛ بل كما ينجذب إلى الله نفسه ، ويطمئن إليه كواهب الحياة ، ويكشف له حاله ، واثقاً من الشفاء ، بل من الحياة : ” لو كنت ههنا لم يمت أخي” ( یو 11: 21 ) .

والتوبة في المفهوم المسيحي هي رفع وإبطال الخطية: « لا يحتاج الأصحاء إلى طبيب بل المرضى». معناه أن الخاطئ الذي كان يشعر بثقل خطيته وخزيه وخوفه ، عندما كان يتقابل مع المسيح؛ كان يشعر أن الله قد قبله وعفا عنه ، فتقع الخطية تحت قدميه ، ويجد في المسيح وفي قلبه وفمه حباً وحنان وعطف ينسيه خزيه وحزنه وندمه ، فيشعر بالثقة ويتحول الخوف إلى دالة . فالخطاة كانوا يشعرون بدالة مذهلة مع المسيح ، وكانت هذه الدالة ترفع عنهم الكلفة ، لذلك كانوا يعتبرونه صديقاً وقريباً.

من كتاب الإنجيل في واقع حياتنا للأب متى المسكين

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى