هكذا أحب الله العالم

 

“هكذا أحب الله العالم” (يو 3 : 16)

في تجسد المسيح سكب الله نفسه بلا أي مانع ، بكل سخاء نعمته وكل غناه في المجد . كاشفاً عن كل لطفه وطول أناته وصفحه عن جهالات الإنسان وحبه الفادي لكل بني البشر، معلناً عن حياة جديدة كل الجدة للإنسان بميلاد جديد فعلي.

ففي المسيح لم يعد الله يتعامل معنا من خلال حجب وظلال ورموز وأحلام أو هوة يمكن عبورها! ولا من خلال شعب غبي غليظ الرقبة ، ولا بكلمة أو وصية منقولة عن آخر يصيغها نبي أو فم بشر ، هو بحد ذاته أعجز من أن يحققها . إنما في المسيح “ابن الإنسان” نسمع الله مباشرة سمعاً مشاعاً ، ونقبل نعمته مجاناً بلا حدود ، لا بسمع الأذن ، ولا بفهم الكلمة حيث يحتاج الأمر إلى ذكاء وتعلم . ولكن بفعل الروح ، بسر نزول الله الذاتي ، بسر القوة الإلهية العاملة في الإنسان في الداخل ، بإقناع يفوق العقل ويفتح البصيرة ذاتها لتجديد الخليقة .

والمسيح عندما يسمي نفسه “ابن الإنسان” ، فهو ينبه ذهننا أن الله قد اختار أن يستعلن لنا بعيداً عن الاحتكارات الإنسانية أو الزمانية لجيل ما أو لأمة أو لشعب أو لأسرة ، أو حتى لنبي ؛ بل في « ابن الإنسان » بمعناه المشاع ليكون الله في المسيح لكل البشر ، جامعاً في بشريته كل صفات الإنسان وكل مميزاته وضعفاته جميعاً. فمن وراء اللقب المتواضع “ابن الإنسان” ، يرتفع المسيح فوق قمة البشرية ، ليحتضنها كلها بين ذراعيه ، جامعاً إياها في جسده بكل ما فيها وكل ما عليها على وجه الإطلاق . 

فاصل

من كتاب الإنجيل في واقع حياتنا للأب متى المسكين

زر الذهاب إلى الأعلى