وأنتم من تقولون إني أنا؟

 

“وأنتم من تقولون إني أنا؟” ( مت 16: 15)

المسيحي مُطالب دائماً، وفي كل لحظة ، أن يعلن مسيحيته للمسيحي ولغير المسيحي بحد سواء. هذه المُطالبة المُلحة تجعله في توتر دائم لأنه يتحتم عليه أن يكون على مستوى الحق حتى يراه ويكشفه ، وعلى مستوى الإيمان حتى يتصرف بمقتضاه قبل أن يعلنه ، وإلا أصبح خزياً لنفسه ولمسيحه.

ولكن من ذا الذي يستطيع أن يعلن المسيح ، والمسيح في قامته شيء لا يمكن بلوغه ؟ فهو قمة كل ما في السماء وما على الأرض ، يجمع كل شيء في شخصه. ثم فوق ذلك كله هو الصورة المنظورة لله غير المنظور ، فمن ذا الذي يستطيع أن يعلنه أو يشرحه ؟ هل عقل الإنسان ؟ أمر مستحيل . أهي البلاغة والمنطق ؟ أمر مستحيل أيضاً. إنه المسيح وحده فقط القادر أن يعلن المسيح.

هو وحده لسان الحق المتكلم ، أو حتى دون أن يتكلم فيَّ ، هو قادر أن يعلن ذاته بطرق لا حصر لها وبسر لا ينطق به . فشخص المسيح قوة لانهائية تعلن ذاتها في الإنسان بدون أي جهد من الإنسان، بل إن جهد الإنسان هو المعطل الأكبر لاستعلان المسيح. إن الحاجة فقط ماسة جداً أن نستشعر قدومه لدينا وأن نستقبله بكل كياننا ، ثم نتركه يتكلم ويعمل فينا.

اعتراض الناس على مسيحيتنا لا يقوم إطلاق على شخص المسيح ولكنه يقوم بالأساس على عدم وجود المسيح في مسيحيتنا. لو كان المسيح كائناً حقاً في حياتنا ، ما اعترض إنسان قط على لاهوت المسيح !

إن كنا نعتبر المسيح إلهنا حقاً ؛ لزم أن يكون هو أعلى وأعظم وأسمى من كل شيء في حياتنا ، بل وأعظم من حياتنا ذاتها.

الحاجة ماسة أن تكون مسيحيتنا هي المسيح نفسه ، وليس مبادئنا أو أطماعنا أو كبرياءنا أو شهوتنا للتكريم والمجد الدنيوي الباطل ، الذي نخفية وراء اسم يسوع.

الناس لا يكرهون المسيح قط ، المسيح محبوب ، وهو فعلاً ابن المحبة . الناس يكرهون أخلاقنا وسلوكنا التي صنعناها باسم المسيح كذباً ورياء.

الحاجة ماسة جدا أن نتوجه إلى شخص المسيح مرة أخرى ليظهر في حياتنا ، فتخرج نهضة صادقة تتلاشى فيها أعمالنا المزيفة وتظهر أعمال المسيح الحقيقية التي تستطيع أن تشهد له بدون تدخل من عبقرياتنا الميتة .. لأن الناس يريدون أن يأتوا إلى المسيح وليس لأشخاصنا الترابية.

إن المشكلة العظمى التي تعترض طريقنا إلى المسيح هي أننا نمسك بذواتنا ولا نمسك بالمسيح ، وبالتالي فإنه عند الخطر تظهر أنفسنا ولا يظهر المسيح . ثم ، من منا يقرأ سيرة يسوع المسيح ولا يشعر في عمق أعماقه أن المسيح هو أجمل وأوضح صورة لله ؟ فإن كان الله هو كالمسيح ، فالله فعلا إله محب للبشر حقاً، وأب حان جداً ومقتدر بلا حدود.

إن البشرية ستظل تعيسة حتى تجد الله ، وهي لن تجد الله إلا في المسيح.

إن عمل المسيح الخلاصي يتركز في النهاية أن نكون مثله ، نحمل أخلاقه وصفاته ، وذلك عندما يملأ حياتنا ويملك علينا.

فاصل

من كتاب الإنجيل في واقع حياتنا للأب متى المسكين

زر الذهاب إلى الأعلى