من مقالات الأنبا غريغوريوس أسقف عام البحث العلمي

التجارب والكنيسة

 قد تمر الكنيسة بعواصف، وقد يسقط بعض المؤمنين في خطيئة، وقد يترك الإيمان، ذلك فالكنيسة محمية بالوعد الإلهي مسنودة إلى قوة المسيح، لأنه هو يحميها، «بوابات الجحيم لا تقوى عليك» تعنى أن الله يعلم أن قوات الجحيم ستحارب الكنيسة، ومع ذلك إذا سمح بشيء من هذا القبيل فالكنيسة كلها لا تنزعج، ولا تظن أن الشيطان تغلب على الكنيسة، وأن المسألة انتهت وأن المسيح فشل، لا .. الأعضاء الضعيفة تسقط، الشجرة تهتز هزة عنيفة، هذه الهزة العنيفة تجعل الأوراق الصفراء تسقط، ونلاحظ ذلك في أيام الخريف على الخصوص، نجد الأرض امتلأت بالورق الواقع من الشجرة، وفي بعض بلاد أوربا الباردة جداً، لا تجد في أيام الشتاء ورقة واحدة على الشجرة، تجد الشجرة عبارة عن حطب أسود، الإنسان يقول أن الشجرة ماتت، ولكن في الربيع تظهر الأوراق الخضراء من جديد، البراعم الجديدة، لكن في بلدنا مصر تسقط بعض الأوراق لكن أوراق كثيرة تجدها باقية على الشجرة، عندما ترى البراعم الخضراء الجديدة ظهرت في الربيع تفهم معنى الأمل، الأمل لا تحسه في مصر، قدر ما تحسه في مثل هذه البلاد الباردة، وتحس معنى القيامة، أنه يوجد موت يتبعه قيامة.

فهنا الطبيعة وسيلة إيضاح، معناها أنه ممكن الكنيسة تهتز هزات عنيفة، وهي التجارب، والإضطهادات والمضايقات والحروب والهراطقة، الأشخاص الأشرار الذين يتألبوا على الكنيسة ويضايقوها في الأيام الآتية، عندما يظهر المسيح الدجال تكون هناك حرب على الإيمان وحرب على الكنيسة، في كل هذا اطمئنوا، أنه حتى ولو سقطت بعض الأوراق، ولو أن هذا شيء محزن أن تسقط بعض الأوراق، أي يسقط بعض المؤمنين ويتركوا الإيمان، لكن مع ذلك سوف لا يترك الجميع الإيمان، ولذلك يقول الكتاب، لو لم تقصر تلك الأيام لم يخلص جسد، في الوقت المناسب يتدخل الله ويصون الباقين من المتمسكين، ويساعدهم على البقاء راسخين في الإيمان. وفي آخر الأمر المسيح الحقيقي يحمي كنيسته من الضربات الواقعة عليها في أي جهة من الجهات، من الشيطان، ومن عملاء الشيطان، يقول الكتاب: إذا جاء ابن الإنسان ألعله يجد الإيمان على الأرض؟ معنى هذا أنه تأتى أيام فيها يمتحن الإيمان، وكثيرون يمكن أن يضعفوا ويرتدوا عن الإيمان، لكن مع هذا لن تموت الكنيسة، أبواب الجحيم لن تقوى عليها، هي ليست «أبواب» هي «بوابات»، الكلمة التي استخدمها الإنجيل، معناها بوابات، البوابة كبيرة، لكن الباب صغير عن البوابة، في بعض الأديرة القديمة وبعض المعابد المصرية القديمة تكون البوابة كبيرة جداً، فالإنجيل استخدم كلمة بوابات، لكن يترجموها أبواب، لكن هي بوابات الجحيم، أ أي الجحيم عالم كبير وله بوابات، «لن تقوى»، لن للحاضر والمستقبل البعيد، لن تقوى عليها، لا بحماية إنسان ولا بحماية شخص أيا كان هذا الإنسان، إنما الحامي والضامن لهذا الوعد والكفيل بتحقيقه هو المسيح، لذلك نكون مطمئنين أنه مهما حدث، ومهما كانت المتاعب، ومهما كانت المضايقات، ومهما كانت الحروب، فالمسيح الذي أعطى هذا الوعد كفيل أن ينفذ وعده، ونحن مطمئنون أن الكنيسة باقية، ولذلك نبوءة دانيال النبي يقول، قبل مجيء المسيح بمئات السنين: «يقيم إله السموات مملكة لن تنقرض أبداً، أنها تسحق وتفني جميع الممالك وهي باقية إلى الأبد» وهنا الإشارة إلى مملكة المسيح، الكنيسة التي أسسها المسيح، وبلغة دانيال النبي الكنيسة التي سيؤسسها المسيح، المسيح قال «ابنی کنیستی»، الموضوع الوحيد الذي فيه المسيح نسب الكنيسة إليه بياء النسبية، وقال: على هذه الصخرة، صخرة الإيمان، لأن المسيح ابن الله، الله الظاهر في الجسد، على هذه الصخرة ابني كنيستي، إذن ما دام الكنيسة كنيسته من يجرؤ على أن يصنع شيء، هي ملکه هو الذي يحميها، هو الذي يحافظ عليها، هو الذي لن يسكت أبدأ مهما حدث، حتى لو ضعف البعض، لكن في النهاية يتدخل، ولذلك يقول الرسول بولس بعد أن يأتى الدجال: «ومتى رفع الذي يحجز الآن»، هذا الكلام من ألفين سنة، ما المقصود بالذي يحجز الآن، النعمة المانعة لأن الشيطان مقيد، في سفر الرؤيا يقول: «متى تم الألف سنة يحل الشيطان من سجنه»، فالشيطان مربوط أو مقيد، وكلمة مقيد ليس معناها ملغى ولكن معناها أن سلطته محدودة، كما نقول الملكية المقيدة، ولكن ليست ملغية، فعندما يقول الكتاب أنه قيده ألف سنة، معناه أن سلطته محدودة، لكن يقدر أن يتحرك حسب طول السلسلة، مثل الكلب عندما يكون مربوط، ممكن حسب طول السلسلة يهب إلى فوق، ممكن يمشى يمين أو شمال، لكن لا يتعدى حدود معينة، فالشيطان مقيد، قيده المسيح عندما طرده رئيس الملائكة ميخائيل من السماء فسلطته محدودة لحدود معينة ـ ولذلك تلاحظوا عندما جاء المسيح له المجد يخرج الشيطان من الرجل الذي فيه لجيئون، وكلمة لجيئون كلمة مصطلح عسکری طلیانی معناها فيلق، أو كتيبة قوامها 6600 عسکری، في إنجيل لوقا أصحاح 8، قال له ما اسمك: قال له لجيئون لأننا كثيرون. ثم يقول: فطلبت إليه الشياطين أن لا يرسلهم إلى الجحيم، بل إئذن لنا أن ندخل في قطيع الخنازير ـ وقال أنهم دفعوا إلى الجحيم، لكن أمكنهم أن يصعدوا إلى فوق ويدخلوا في هذا الرجل، فهم يتحركون «نجول في الأرض»، كما قال في حادثة أيوب عندما قال له من أين يا شيطان؟ قال في الجولان في الأرض، والسيد المسيح قال: «إذا خرج الروح النجس من إنسان يجول في أماكن»، والرسول بطرس يقول: «إن إبليس خصمكم يجول كأسد ملتمساً من يبتلعه» فيوجد جولان للشيطان، هو حقاً مربوط ومقيد لكن يستطيع أن يصعد لفوق الأرض في الهواء، ولذلك سماه الرسول بولس «رئیس سلطان الهواء»، لكن لا يقدر أن يدخل السماء وهي الملكوت، لأنه طرد من هناك. المهم أن الشياطين طلبت منه لا ترسلنا إلى الجحيم، لا ترسلنا إلى العمق الذي لا قرار له، بل إئذن لنا، هنا تظهر كرامة المسيح، وجلال المسيح وقدرة المسيح، وسلطان المسيح، إئذن لنا أن ندخل في قطيع الخنازير، يقول الكتاب فأئذن لهم، لذلك الكتاب المقدس يقول إن عصفور لا يسقط على الأرض بدون إذن أبيكم، كل شيء بإذنه، لكن ليس كل شيء بإرادته، توجد أمور كثيرة تحدث من غير إرادة الله، بل ضد إرادة الله، لكن لا يوجد شيء يحدث بدون إذن الله، حدث بإذن، أي سمح به، ويسمح به لأنه أعطى الإنسان حرية ومادام توجد حرية يكون هناك مسئولية. فالله لا يتدخل لكي يعطى فرصة لمن يريد أن يكون شرير يقدر أن يكون شرير، الذي يريد أن يؤذي يقدر أن يؤذى، لكن لا يوجد في الكون شيء يحدث بدون إذنه لأنه هو حاكم الكون، فالسرقة ليست بإرادة الله، لكن بإذنه.

أريد أن أقول أن الشيطان المقيد، متى تمت الألف سنة، يقول في سفر الرؤيا «حينئذ يحل الشيطان من سجنه، هنا الرسول بولس في رسالته الثانية إلى تسالونيكي يقول: «متى رفع الذي يحجز الآن فحينئذ يستعلن الأثيم الذي لا شريعة له» وهو المسيح الدجال، الكلام في رسالة بولس الرسول إلى تسالونيكي الثانية مربوط بكلام سفر الرؤيا، في سفر الرؤيا يقول «متى تمت الألف سنة يحل الشيطان من سجنه»، في تسالونيكي يقول «متی رفع الذي يحجز الآن» إذن يوجد حاجز وهو الأمر الإلهي بتقييد الشيطان، عندما يرفع هذا الحاجز يحل الشيطان من سجنه، حينئذ يستعلن الأثيم الذي لا شريعة له، ثم يقول «الذي يبيده الرب يسوع بنفخة فيه ويبطله بظهور مجيئه»، أي في الآخر بعد أن يتركه يعمل، لكن حتى لا تفنى الكنيسة وحتى لا يفشل عمل المسيح، بعد أن يحارب جميع الأديان، يتدخل المسيح في نهاية الأمر لكي يحمى كنيسته، فلن يسمح أبدأ بأن الإيمان يضيع نهائياً، لأن بوابات الجحيم لن تقوى عليها.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى