رحلة الحياة
التسبحة وتطلق على مجموعة الصلوات والتسابيح التى تسبق رفع بخور عشية وباكر ضمن الاستعدادات السابقة للقداس الإلهى، وهى عمل الملائكة والقديسين، كل حين أمام عرش النعمة فى السماء “اَلسَّمَاوَاتُ تُحَدِّثُ بِمَجْدِ اللهِ…” (مز 1:19) ونحن نشترك معهم فى هذا العمل (الكنيسة المنتصرة والكنيسة المجاهدة) لأننا:
1- كلنا جسد واحد فى المسيح.
2- لها قوة عجيبة فى تغيير الميول الرديئة وتقديس الفكر والحواس.
3- وسيلة لنقل وتسليم العقيدة المسيحية السليمة عبر الأجيال.
4- وسيلة فعالة لمحاربة الأرواح الشريرة وسهام للعدو، والانتصار عليه. “يَمْتَلِئُ فَمِى مِنْ تَسْبِيحِكَ الْيَوْمَ كُلَّهُ مِنْ مَجْدِكَ” (مز8:107).
تبدأ تسبحة نصف الليل بالترتيب الآتى:
قطعة تين ثينو : تبدأ بها التسبحة وترتل بلحن جميل يبدأ هادئًا، ثم يلبث ان تعلو نغمته المفرحة، لكى يعبر عن معناه (قوموا يا بنى النور لكى نسبح رب القوات) وهى دعوة الكنيسة لنا لكى نترك عنا الكسل والنوم، ونقوم من غفلتنا لنسبح مخلصنا الذى انعم علينا بالحياة.
1- محطة المستحيلات (الهوس الأول)
وكلمة هوس معناها تسبحة أو يسبح (مارن هوس أى فلنسبح).. وهى تسبحة موسى النبى ومريم أخته وبنى إسرائيل (خر 15)، التى رتلوها بعد خلاصهم من عبودية فرعون بعبورهم البحر الأحمر. فهى تسبحة النصرة والغلبة..
لماذا وضعتها الكنيسة فى أول تسبحتها؟ لأن فرعون وجنوده الذين استعبدوا بنى إسرائيل كان مثل إبليس وجنوده الذين استعبدوا بنى آدم، وكما خلص بنى إسرائيل بعبور البحر الأحمر هكذا خلصنا السيد المسيح بصليبه، وعبرنا معه من الموت للحياة، وهذا يتم فى جرن المعمودية، والتى هى أول الأسرار والمدخل إلى السماء والحياة الأبدية.
لبش الهوس الأول (خين أوشوت) : كلمة لبش هى كلمه قبطية بمعنى تفسير (قطعًا انقطع ماء البحر..)، وهو شرح على الهوس الأول، تسبحة خروج بنى إسرائيل من مصر بمعجزة عظيمة حيث انشق البحر الأحمر.
فى أيام الأسبوع العادية (فيما عدا الأحد) ترتل القطع (السابعة والثامنة والتاسعة) من ثيؤطوكية الأحد. بعد تلاوة فصل الإنجيل: “الآنَ تُطْلِقُ عَبْدَكَ يَا سَيِّدُ حَسَبَ قَوْلِكَ بِسَلاَمٍ” (لو 29:2).
لماذا القطع الثلاثة هذه من ثيؤطوكية الأحد؟ لأنها تتحدث عن التجسد بصورة كاملة فنجاة الشعب من يد فرعون، كانت رمزًا لنجاة البشرية من يـد الشيطان عن طريق تجسد ربنا وإلهنا ومخلصنا يسوع المسيح.
2- محطة الشاكرين (الهوس الثانى) (مز 135)
وهو تسبيح الفرحة بالخلاص والانتصار، وهنا تقدم الكنيسة التسبحة والشكر لمخلصها الصالح لصلاحه ورحمته الكائنة إلى الأبد.. وهذا الهوس 28 ربع، ومرد كل ربع: “لأن إلى الأبد رحمته“.
لبش الهوس الثانى : (مارين أو أونه أى فلنشكر المسيح إلهنا مع المرتل داود النبى)، وهذا اللبش على نفس الهوس الثانى نعبر فيه عن ابتهاجنا وشكرنا للرب الذى أنعم علينا بالخلاص.
3- محطة أتون النار المكيف (الهوس الثالث) (تتمة دانيال 3)
تسبحة الثلاث فتية فى الآتون (كل إنسان من الممكن أن يتعرض لتجارب فى حياته، من الناس الأشرار)، الثلاث فتية سجلوا انتصارات كمثال أولاد الله الذين ينتصرون على العالم. فيها دعوة للخليقة لكى تسبح الله فى عمله، فالشمس تسبح ربنا لعملها بالفلك الذى تدور فيه، لذلك يقول المرنم: “اَلسَّمَاوَاتُ تُحَدِّثُ بِمَجْدِ اللهِ وَالْفَلَكُ يُخْبِرُ بِعَمَلِ يَدَيْهِ” (مز 1:19).
فكما أراد إبليس أن يحرق الفتية الثلاثة القديسين فى آتون النار هكذا يريد حرقنا فى نيران تجاربه.. وكما أنقذ الرب الفتية الثلاثة هكذا نحن يخلصنا الرب من تجارب إبليس، ويعطينا النصرة.
لحن اريبسالين : وهو تسبيح الناس المستمتعين برفقة الرب
والفرحين بقدرته، وهو تسبحة للثلاث فتية (سيدراك – ميساك – ابدناغو) وهم فى أتون النار مع الله، وهى أرباع مرتبة من الألفا إلى الأوميجا على الحروف الهجائية اليونانية.
لحن تين أويه انسوك : وهو جزء من صلاة عزريا أحد الفتية الثلاثه التى صلاها بمفرده وسط الأتون. “نتبعك بكل قلوبنا..” وهو مقدمة المجمع.
مجمع القديسين فى التسبحة : هو سحابة قديسى الكنيسة المنتصرة التى تشفع فى الكنيسة المجاهدة، وهم الذين انتصروا على شهوات العالم، وإبليس، وتجاربه الكثيرة بقوة الله، قد صاروا قديسين وصاروا لنا مثالاً وقدوة فنطلب شفاعتهم وصلواتهم.
نرى هذه النماذج فنتشجع ونتقوى ونرى الأكاليل فنفرح ونتقدم فى جهادنا.
الذكصولوجيات : وهى كلمة يونانية تعنى تمجيد بركة للقديسين والقديسات، وكلمة ذكصولوجية تعنى أننا نأخذ بركة المجد الذى وصل إليه القديسون، وهناك ذكصولوجيات للسيدة العذراء، والملائكة، والسمائيين… الخ، وكذلك ذكصولوجيات المناسبات الكنسية التى نبتهل فيها بتماجيد وبركات الخلاص بنغمات الشكر والفرح.
4- محطة الفرحين بالتسبيح (الهوس الرابع)
وهو عبارة عن الثلاثة المزامير الأخيرة (148 – 149 – 150).. وهى دعوة للتسبيح مع الخليقة كلها، “سَبِّحُوا الرَّبَّ لأَنَّ التَّرَنُّمَ لإِلَهِنَا صَالِحٌ. لأَنَّهُ مُلِذّ” (مز1:147).
إبصالية اليوم : إبصالية هى كلمة يونانية بمعنى ترتيلة، أو تمجيد لربنا يسوع المسيح، ونذكر فيها كثيرًا اسم الرب يسوع الذى هو برج حصين، نحتمى به من مكايد إبليس، وكل من يقول يارب يسوع كمن بيده سيف يصرع به العدو، وهناك نوعين من الإبصاليات:
أ- ابصالية آدام (هى كلمة قبطية تعنى آدم) نصلى بها أيام الأحد والاثنين والثلاثاء ولها نغمة قصيرة.
ب- ابصالية واطس (هى كلمه قبطية تعنى عليقة) ونصلى بها أيام الأربعاء والخميس والجمعة والسبت، ولها نغمة مطولة نوعًا.
أى أن كل يوم له ابصالية، كذلك هناك إبصاليات المناسبات الكنسية، والإبصالية تحمل نوع من الصلاة القلبية والذى يرتل إبصالية “ربى يسوع” هو القلب الشبعان والفرحان بالمسيح.. أعطى فرحاً لنفوسنا، تذكار أسمك القدوس..
الثيؤطوكية : وهى كلمة يونانية من ثيؤطوكوس، وتعنى والدة الإله، وهى عقيدة لاهوتية جعلتها الكنيسة ترنيمتها اليومية، على مدار الأسبوع .. ترنم إيمانها بروحانية أرثوذكسية، إذ بينما ترنم بها تعترف وتعلن عن إيماننا بلاهوت السيد المسيح، الله الكلمة المتجسد لأجل خلاصنا من جهة وحدة طبيعته (اتحاد اللاهوت والناسوت فى طبيعة واحدة) ووحدانية أقنومه وسر ميلاده العجيب.. وعلاقة كل ذلك بالقديسة مريم العذراء (والدة الإله – الثيؤطوكوس).
الدفنار : وهو سيرة مختصرة لقديس اليوم، ويقال بطريقة الترتيل بالمرابعة..
ختام الثيؤطوكيات : أيام الآدام: لها ختام “مراحمك يا إلهى” وتولد فى النفس مشاعر التوبة والاعتراف والثقة فى مراحم الله ورأفاته.
أيام الواطس : لها ختام “ربنا يسوع المسيح” وتعبر عن انتظار مجىء الرب العظيم واشتياقنا للحياة الابدية فى ختام حياتنا الأرضية الملتحفة بالقداسة والاستعداد اللائق لإلهنا.
ختام التسبحة : قانون الإيمان، كيرياليسون باللحن المعروف 41 مرة ونطلب فيها مراحم الله، قدوس.. أبانا الذى فى السموات.. ثم يصلى الأب الكاهن تحليل نصف الليل الخاص بالكهنة.
محطة الوصول والتقابل مع الرب يسوع المسيح فى سر الشركة والحياة والافخارستيا فى القداس الالهى، عربونا لحياتنا الأبدية حيث الفرح الدائم.
فمن خلال القداس الإلهى نتحد بشخصه فيصير فينا ونحن نصير فيه.
وهنا تصرخ الكنيسة بصوت الفرح والشكر: فمنا أمتلأ فرحنا ولساننا تهليلاً من أجل تناولنا من أسرارك غير المائتة يارب.. لأن ما لم تره عين ولم تسمع به أذن ولم يخطر على قلب بشر ما أعددته لنا يا الله محب البشر، ويهمس كل واحد فينا أشكرك يارب.. أجعلنى واحدًا معك.. سيرنى تحت إرادتك.. استدع إليك عقلى وحواسى لتباركها وتكون طوع مشيئتك.. أحيا وأفكر دائمًا فيما هو لك..
وكأننا فى رحلة صعود من الأرض إلى السماء. كل درجة تصعدنا لدرجة أعلى،
وفى النهاية نصل لمحطة الوصول..
حاول تجرًب.. عمرك ما هتكون متفرج.. التسبيح يذوقنا عربون الأبدية بتلقائية لذيذة.. كل اللى بيسبحوا يشعروا بالفرح..!! فما هو هذا الفرح.. أنه عربون الحياة الأبدية السعيدة..
النظر إلى فوق: بعد أن انتهى الفنان مايكل انجلو من رسم سقف بديع كان من أروع ما رسمه، لم يستطيع أن يقرأ شيئًا أو يتأمل فى رسم إلا إذا رفعه إلى فوق، ذلك لأنه ظل ينظر مدة طويلة إلى فوق، فأصبح من المتضرر عليه أن ينظر إلى أسفل.
عزيزى عندما تدرب نفسك على التطلع باستمرار إلى أمجاد السماء، سيأتى وقت لن تستطيع فيه أن تنظر إلى أمجاد الأرض.
“أُغَنِّى لِلرَّبِّ فِى حَيَاتِى. أُرَنِّمُ لإِلَهِى مَا دُمْتُ مَوْجُودًا. فَيَلَذُّ لَهُ نَشِيدِى وَأَنَا أَفْرَحُ بِالرَّبِّ” (مز 33:104-34).