أنصفني من خصمي – قاضي الظلم

إنجيل يوم الاثنين من الأسبوع الثاني من الصوم المقدس

المزمور: «قَدِّمُوا لِلرَّبِّ يَا أَبْنَاءَ اللهِ قَدِّمُوا لِلرَّبِّ مَجِدًا وَعِزًا قَدِّمُوا لِلرَّبِّ مَجْدَ اسْمِهِ. اسْجُدُوا لِلرَّبِّ فِي زِينَةٍ مُقَدَّسَةٍ» (مز 29: 1، 2)

الإنجيل: «وَقَالَ لَهُمْ أَيْضًا مَثَلاً فِي أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يُصَلَّى كُلَّ حِينٍ وَلاَ يُمَلَّ، قِائِلاً:«كَانَ فِي مَدِينَةٍ قَاضٍ لاَ يَخَافُ اللهَ وَلاَ يَهَابُ إِنْسَانًا. وَكَانَ فِي تِلْكَ الْمَدِينَةِ أَرْمَلَةٌ. وَكَانَتْ تَأْتِي إِلَيْهِ قَائِلَةً: أَنْصِفْنِي مِنْ خَصْمِي!. وَكَانَ لاَ يَشَاءُ إِلَى زَمَانٍ. وَلكِنْ بَعْدَ ذلِكَ قَالَ فِي نَفْسِهِ: وَإِنْ كُنْتُ لاَ أَخَافُ اللهَ وَلاَ أَهَابُ إِنْسَانًا، فَإِنِّي لأَجْلِ أَنَّ هذِهِ الأَرْمَلَةَ تُزْعِجُنِي، أُنْصِفُهَا، لِئَلاَّ تَأْتِيَ دَائِمًا فَتَقْمَعَنِي!». وَقَالَ الرَّبُّ:«اسْمَعُوا مَا يَقُولُ قَاضِي الظُّلْمِ. أَفَلاَ يُنْصِفُ اللهُ مُخْتَارِيهِ، الصَّارِخِينَ إِلَيْهِ نَهَارًا وَلَيْلاً، وَهُوَ مُتَمَهِّلٌ عَلَيْهِمْ؟ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّهُ يُنْصِفُهُمْ سَرِيعًا! وَلكِنْ مَتَى جَاءَ ابْنُ الإِنْسَانِ، أَلَعَلَّهُ يَجِدُ الإِيمَانَ عَلَى الأَرْضِ؟» (لو 18: 1 -8)

بسم الآب والابن والروح القدس الإله الواحد ، آمين

إنجيل القداس:

إنجيل هذا الصباح مُركّز في آياته عن الأيام الأخيرة، وفي الأصحاح السابق (لو 17: 20-37) يتكلم المسيح عن علامات الزمان الأخير. ولذلك قال الرب يسوع في إنجيل هذا الصباح لتلاميذه: «وَقَالَ لَهُمْ أَيْضًا مَثَلًا» (لو 18: 1) وذلك لكي يربط المثل بالآيات السابقة له.

وفي البولس (رو1: 18-25)، يتكلّم بولس الرسول عن الخطية حينما تتفشى، «لأن غَضَبَ اللَّهِ مُعْلَنٌ مِنَ السَّمَاءِ عَلَى جَمِيعِ فُجُورِ النَّاسِ وَإِثْمِهِم»، وبدأ يذكر بولس الرسول العديد من الخطايا المنتشرة.

وفي الكاثوليكون (يهوذا 1-8) يتكلّم يهوذا الرسول عن «سَدُومَ وَعَمُورَةً وَالْمُدُنَ الَّتِي حَوْلَهُمَا، إِذْ زَنَتْ عَلَى طَرِيقٍ مِثْلِهِمَا وَمَضَتْ وَرَاءَ جَسَدٍ آخَرَ، جُعِلَتْ عِبْرَةٌ مُكَابِدَةٌ عِقَابَ نار أبدية».

الإبركسيس (أع 4: 36 – 5: 11) تكلّم عن شناعة الخطية في قصة حنانيا وسفيرة.

وفي وإنجيل هذا الصباح يتكلّم عن أرملة تشكو من ظلم خصمها. ولكن يلزمنا أن نفهم أن الكلام في هذا الإنجيل، وإن كان يتكلّم عن الأيام الأخيرة وضيقات الأيام الأخيرة؛ إلا أنه غير محصور في الأيام الأخيرة، ولكن أيضًا في كل ضيقة يُعانيها المؤمنون، لأن المسيح قال: في الْعَالَمِ سَيَكُونُ لَكُمْ ضِيقٌ» (يو 16: 33) ضيقات الأيام الأخيرة هي الصورة النهائية للضيقات التي سنجوزها في العالم، ولا يمكننا أن نعبر هذا العالم إلا من خلال الضيقات.

إذن، فكل تصوير يختص بالأيام الأخيرة من جهة الضيقات ومن جهة ضرورة الصلاة نطبق على كل يوم وكل لحظة نمرُّ بها وتعاني فيها من الضيقات.

في إنجيل لوقا (17: 20-37) يكشف المسيح عن علامات الزمان الأخير، أنها مثل علامات الطوفان وعلامات سدوم وعمورة: «وَكَمَا كَانَ فِي أَيَّامٍ نُوحٍ كَذلِكَ يَكُونُ أَيْضًا فِي أَيَّامِ ابْنِ الإِنْسَانِ. كَانُوا يَأْكُلُونَ وَيَشْرَبُونَ، وَيُزَوِّجُونَ وَيَتَزَوَّجُونَ، إِلَى الْيَوْمِ الَّذِي فِيهِ دَخَلَ نُوحٌ الْفُلْكَ ، وَجَاءَ الطُّوفَانُ وَأَهْلَكَ الْجَمِيعَ كَذلِكَ أَيْضًا كَمَا كَانَ فِي أَيَّامٍ لُوطٍ، كَانُوا يَأْكُلُونَ وَيَشْرَبُونَ، وَيَشْتَرُونَ وَيَبِيعُونَ، وَيَغْرِسُونَ وَيَبْنُونَ وَلَكِنَّ الْيَوْمَ الَّذِي فِيهِ خَرَجَ لُوطٌ مِنْ سَدُومَ أَمْطَرَ نَارًا وَكَبْرِينَا مِنَ السَّمَاءِ فَأَهْلَكَ الْجَمِيعَ . هكَذَا يَكُونُ فِي الْيَوْمِ الَّذِي فِيهِ يُظْهَرُ ابْنُ الإِنْسَانِ». فعلامات آخر الزمان مترتبة على كثرة الخطية.

ثم أوضح المسيح قائلا: «إِنَّهُ فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ يَكُونُ اثْنَانِ عَلَى فِرَاشٍ وَاحِدٍ، فَيُؤْخَذُ الْوَاحِدُ وَيُتْرَكُ الآخَرُ. تَكُونُ اثْنَتَانِ تَطْحَنَانِ مَعًا، فَتُؤْخَذُ الْوَاحِدَةُ وَتُتْرَكُ الأُخْرَى يَكُونُ اثْنَانِ فِي الْحَقْلِ، فَيُؤْخَذُ الْوَاحِدُ وَيُتْرَكُ الآخَرُ». كلام المسيح هنا مصوب على الفردية. والخطورة هنا أن يختبئ الإنسان في الجماعة، أو يختبئ في الأسرة، أو يختبئ في الكنيسة، دون أن يعمل شيئًا. ولذلك يقول المسيح: «اثْنَتَانِ تَطْحَنَانِ مَعًا، فَتُؤْخَذُ الْوَاحِدَةُ وَتُتْرَكُ الأُخْرَى»، أي واحدة تُختطف إلى الملكوت، وأخرى لا يكون نصيبها في الملكوت، هنا الاتجاه مباشر للقلب.

وبعد أن وصف المسيح الأيام الأخيرة وعلاماتها، ووصف نصيب الإنسان، «قَالَ لَهُمْ أَيْضًا مَثَلًا فِي أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يُصَلَّى كُلَّ حِينٍ وَلَا يُمَلَّ». ولم يربط المسيح الصلاة بالأيام الأخيرة فقط، ولكن كل حين. إذن، موضوع الإنجيل هو “الصلاة بلا ملل”.

لماذا تأتي أزمنة الضيق؟

لابد أن نعلم أنَّ الله غير مُغرم بالضيق. فالله أوجد جنة عدن، ووضع فيها آدم لِيَعْمَلَهَا وَيَحْفَظَهَا (تك 2: 15) وهي جيدة جدًّا، ولكن لما أخطأ آدم وامرأته فسدت الأرض نفسها ثم تزايد شر الإنسان حتى جاء الطوفان. وهكذا في سدوم وعمورة، كان لوط يحيا في مدينة جميلة وأرض جيدة، لكن الإنسان أفسدها بشره وخطيته. إذن، عمل الله جيد، ولكن الإنسان هو الذي يُفسده. وعندما تتعاظم الخطية تحلُّ العقوبة مباشرة.

وواضح جدا ازدياد معدل الإثم والخطية في العالم الحاضر بصورة يلمسها جميع الناس وعلى جميع المستويات والجميع الآن يصرخ ويئن من ازدياد الخطية وكثرة الإثم، وليس هذا فقط بل تنوعها بصورة لم تحدث قط منذ إنشاء العالم، وبانتشار أشد من الوباء.

إذن، نحن نمر في ضيقة عُظمى، ولا نستطيع أن نقول إنها الضيقة الأخيرة؛ ولكن من خلال علاماتها نرى أنها ضيقة ،مُرعبة فهي ليست أقل من الضيقة الأخيرة. ولكن هناك تزييف واضح لأن الخطية مستترة تحت أقنعة وهمية وثياب فاخرة هذه الأقنعة والأشكال المزيفة التي تتخفّى فيها الخطية هي لكي لا تتعرى وتنكشف باسمها الحقيقي، ولكي يصير بنو الإثم في غفلة لا يصحون منها. فصارت لهم عيون ولكنها لا تُبصر، وآذان ولكنها لا تسمع؛ لأنهم يرتضون ويُسرُّون بالخطية ولم يريدوا أن يأتوا إلى الرب، فهم لا يسعون إلى التوبة، ولذلك كما قال بولس الرسول: « لأَنَّهُمْ لَمْ يَقْبَلُوا مَحَبَّةَ الْحَقِّ حَتَّى يَخْلُصُوا وَلأَجْلِ هَذَا سَيُرْسِلُ إِلَيْهِمُ اللهُ عَمَلَ الضَّلالِ، حَتَّى يُصَدِّقُوا الْكَذِبَ لِكَيْ يُدَانَ جَمِيعُ الَّذِينَ لَمْ يُصَدِّقُوا الْحَقِّ، بَلْ سُرُّوا بِالإِثْمِ» (2تس 2: 10-12).

من هي هذه “الأرملة” التي تصرخ أمام قاضي الظلم ؟

هذه الأرملة تُمثل “الكنيسة” ، كنيسة آخر الأيام التي فَقَدَت عريسها، وانغمست في أمور هذا العالم؛ ولذلك تغرّبت عن عريسها وعريسها تغرب عنها. أصبحت أرملة عندما أخفقت في المتاجرة في الوزنات أي في الروحيات واضطرت أن تُتاجر في الماديات، تتاجر في مال الظلم وتتَّكل على مال الظلم. وحينئذ لمن تذهب ؟ إلى قاضي الظلم لكي ينصفها!

اسمعوا كيف يقول الرب في وصفه للكنيسة في العهد القديم: «كَيْفَ جَلَسَتْ وَحْدَهَا الْمَدِينَةُ الْكَثِيرَةُ الشَّعْبِ كَيْفَ صَارَتْ كَأَرْمَلَةٍ الْعَظِيمَةُ فِي الأُمَمِ. السَّيِّدَةُ فِي الْبُلْدَانِ صَارَتْ تَحْتَ الْجِزْيَةِ (جزية الخطيئة تَبْكِي فِي اللَّيْلِ بُكَاءُ، وَدُمُوعُهَا عَلَى خَدَّيْهَا (لا يرى الدموع إلا أتقياء الله والمفروزين). لَيْسَ لَهَا مُعَزّ مِنْ كُلِّ مُحِبِّيهَا. كُلُّ أَصْحَابِهَا غَدَرُوا بِهَا. صَارُوا لَهَا أَعْدَاء» (مراثي 1: 1-2)

ثم من هي الأرملة أيضًا؟ هي نفسي أنا ونفسك أنت التي تغربت عن عريسها كأرملة تصرخ وليس مِن مُجيب هذه أرملة آخر الزمان أيضًا. 

النفس البشرية تعرّت ولكن إذا أفاقت النفس من غفوتها حينئذ سترى حقيقة هذا الكلام بالفعل وعدو كل برّ قد عرَّاها من ثوب النعمة. وعندما عراها من ثوب النعمة أطلق عليها كلاب الشهوة، بعدما سرق الثوب فصارت الشهوة تعمل فيها وبقسوة

ولكن عندما تصرخ النفس متأوّهة، مثل الأرملة أمام قاضي الظلم، يقول الرب: « أَفَلاً يُنْصِفُ اللهُ مُخْتَارِيهِ الصَّارِخينَ إِلَيْهِ نَهَارًا وَلَيْلًا، وَهُوَ مُتَمَهِّلٌ عَلَيْهِمْ؟ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّهُ يُنْصِفُهُمْ سَرِيعا !».

فالرب يسمع للصارخين إليه نهارًا وليلا يسمع لمختاريه يسمع للذين تابواء للذين « غَسْلُوا ثِيَابَهُمْ وَبَيْضُوا ثِيَابَهُمْ فِي دَمِ الْخَرُوفِ» (رؤ 7: 14) للذين سهروا وذرفوا الدموع، وسكبوا البكاء المتواصل ، وقدموا الأصوام والصلوات.

من هم المختارون؟ هم الصارخون إلى الرب نهارًا وليلا!

ولربنا المجد الدائم إلى الأبد، آمين.

زر الذهاب إلى الأعلى