الكنيسة التي في الله الآب

ابني “هذا كان ميتاً فعاش وكان ضالاً فوجد” (لو 15: 32).

إن كان الله غير المحبة، فالمحبة لا تستحق أن نكرس لها لحظة من حياتنا.

الله أبونا والكنيسة أمنا:

لقد نلنا التبني بتجسد الابن الوحيد وموته وقيامته لأجلنا “وهو مات لأجل الجميع كي يعيش الأحياء فيما بعد لا لأنفسهم بل للذي مات لأجلهم وقام” (2كو 5: 15)

لذلك فإن القيامة لم تكن لأجل المسيح فقط بل لأجل المؤمنين به أيضاً. يقول القديس أغسطينوس “قد أعطى الرب دمه للذين اقتناهم بقيامته”.

أي أنه أعطى التناول للمؤمنين وللكنيسة التي أقامها معه وأصبحت جسده الخاص الممجد، فحين قام المسيح أقام. معه الكنيسة”. إن الكنيسة جسد المسيح الممجد في العالم، يسير فيها دمه. إن الآب لا يقيم المؤمنين مكررا فعل القيامة بكل فرد ولكن قيامة المسيح هي الحدث الفريد في حياة الكنيسة والمؤمنين. إن المؤمنين يموتون ويقومون مع المسيح حين يعتمدون في الكنيسة، حينئذ يصبح الله أباهم فلذلك سوف يقومون في المسيح في اليوم الأخير.

هو البكر من الأموات بين إخوة كثيرين.

إن الآب حين أقام ابنه فقد أقامنا معه مدفونين معه في المعمودية التي فيها أقمتم أيضا معه بإيمان عمل الله الذي أقامه من الأموات (كو 2: 12)، إن المسيح “أسلم من أجل خطايانا وأقيم لأجل تبريرنا ” (رو 4: 25). 

المسيح هو نقطة البدء في الكنيسة، هو الألف وأيضاً هو الياء، وفي قيامته أقامنا معه، وعندما عاد يسوع بعد القيامة من الأموات بدأ يظهر في الكنيسة في القربان المقدس، وفي المؤمنين الذين أقامهم معه وجعلهم أعضاء في جسده السري. وكما أقيم المسيح في مجد فإن الكنيسة أيضاً ستتمجد معه، وكما أن المسيح مولود من الآب فإن المؤمنين به يولدون من الآب في المعمودية بالروح القدس من أحشاء الكنيسة.

لقد تقدس المؤمنون لأنهم مدعوون وعليهم أن يسلكوا حسب الدعوة التي دعوا إليها (رو 1: 7 ، كو 1: 2 ، أف 4: 12). ويقول بولس الرسول “أمين هو الله الذي به دعيتم إلى شركة ابنه يسوع المسيح ربنا” (1كو 1: 9)

إن الشركة مع الابن تجعلنا أبناء الآب:

هذه الدعوة ليست بناءً على أعمالنا إنما هي عطية الله “ليس من أعمال كيلا يفتخر أحد” (أف 2: 9).

إن “الاختيار ليس من الأعمال بل من الذي يدعو” (رو 9: 11). إن دعوة الله وحبه للكنيسة تخلق قديسين مدعوين ومخلوقين في المسيح ليكونوا متجهين نحو المسيح “فإنه فيه خلق الكل الكل به وله قد خلق” (كو 1: 16).

قد تأسست الكنيسة بالروح القدس يوم الخمسين فهو واهب النعمة الذي يدعوها ويجمعها.

لقد أقام الآب ابنه بالروح القدس وأقام الكنيسة في جسد وروح واحد. (أف 4: 4). يعتمد المؤمنون ليكونوا أعضاء في جسد واحد وذلك هو جسد المسيح (1کو 12: 13).

“لأننا جميعنا بروح واحد أيضاً اعتمدنا إلى جسد واحد”.
“وأما أنتم فجسد المسيح وأعضاؤه أفراداً” ( 1كو 12: 27).
“إن كان روح الله ساكناً فيكم. ولكن إن كان أحد ليس له روح المسيح فذلك ليس له” (رو 8: 9).

والروح القدس هو روح الحب الذي يوحد الآب بالابن، وبالروح القدس أيضاً يلد الآب الكنيسة في المسيح. تولد الكنيسة كجسد المسيح بالروح القدس الذي يرسله الآب. وهؤلاء المولودون بالروح في الابن يأخذون أيضاً روح البنوة:
“لأن كل الذين ينقادون بروح الله فأولئك هم أبناء الله” (رو 8: 14).

الكرمة والأغصان :

لقد أصبحنا بنيناً للآب، في المسيح، نحن ليس فقط إخوة يسوع، بل أيضاً جسد واحد فيه بالتجسد، إن الله أبوة واحدة وإن كانت أبوته للمسيح أزلية ونحن دخلنا فيها وعليها. لقد أحضر الآب كل شئ إليه الناس والكون الكنيسة والعالم المفدي. لقد تم تطعيمنا في الكرمة الحقيقية كأغصان حية قبل أن نخطئ ونموت بانفصالنا عن الله.

يوجد حقيقي أنه قد تداخل نسبي بين الذات عند الجماعة البشرية، وخاصة في الأسرة حين يصبح الاثنان وحدة اجتماعية ونفسية واحدة، وإلى حد ما يحدث اتحاد جسدي، ولكن من الصعب أن نقول إن الزوجة هي (في) زوجها، أو أن الابن البشري هو في أبيه بطريقة كاملة. أما في الكنيسة فنسمع بولس يقول :

“أحيا لا أنا بل المسيح يحيا في”.

كلمات خالدة، وكلمات هامة وهي حادثة بسبب الموت في المعمودية والقيامة في جدة الروح مع المسيح صلبت فأحيا لا (أنا) بل (المسيح) يحيا في يتحدث في يعمل في، إن آلام المسيح هي التي أكملها في جسدي (كو 1: 24).

وهذا هو ما طلبه يسوع من الآب حين قال “أنا فيهم وأنت في ليكونوا مكملين إلى واحد” (يو 17: 23).

روح البنوة :

الرب أوصانا قائلاً “اثبتوا فـي وأنـا أيضاً فيكم”.
أما الفقراء فدعاهم أن يكونوا أبناء الله (وإخوة المسيح الأصاغر) وهم المرضى والمشردون وأطفال الشوارع.

فما معنى هذا الكلام ؟

ليس معناه أقل من البنوية، تلك التي يعطيها روح الحب (الروح القدس) الذي ينبثق من الآب ليصب ويحل على الابن. فإن هذه البنوية، وروح البنوة هذا، يفيض على الكنيسة وعلى تلاميذ يسوع ليحررهم ويكونوا ليس بعد عبيدا ولا تلاميذ بل أعضاء وأبناء.

إن بشرية يسوع قد تقدست بالروح القدس منذ حل الروح القدس على مريم العذراء الأم القديسة، وحل الكلمة في أحشائها ليتحد بالناسوت ويولد الابن بالجسد، ونفس الروح القدس حل في العلية على الكنيسة الأم الحقيقية للمؤمنين فقدسهم وجعلهم يتحدون بالمسيح في الإفخارستيا ويصيرون أبناء للآب بالتبني من خلال وساطة الابن والروح القدس.

لقد سر بنا الآب:

بعد العنصرة يحدث ما حدث في معمودية يسوع، ولكن لكل المؤمنين حينئذ يقول الآب “هؤلاء هم أبنائي الأحباء الذين بهم سرت نفسي”.

أبي وأبيكم :

هذه البنوية للمؤمنين مختلفة في شئ هام وهي أنها بالنعمة، وهي حديثة. قال يسوع إني ماضي لأبي وأبيكم” (يو 20: 17).

ونلاحظ أنه لم يضع الكلمتين (أبي وأبيكم) معاً قبل القيامة. وإن كان قد أمرهم (أخوتي) إلا بعد القيامة، قبل القيامة قال لهم أنتم أحبائي (يو 15: 14) إن فعلتم ما أوصيتكم به، ولكن بعد القيامة والعنصرة صرنا أبناء بالحقيقة بالاتحاد بالابن الوحيد وبنعمته المحررة.

والفارق واضح هو أن الابن الوحيد (الكلمة الذي تجسد في شخص يسوع المسيح) هو ابن من جوهر الآب ولده بالحب قبل الدهور. أما نحن فإننا أبناء من خلال الابن، فنحن الذين متنا وقمنا مع المسيح قد (لبسنا) المسيح، صرنا جسده وصار هو لباسنا، أعطانا البنوية وألبسنا ثياب البنين (الطبيعة الجديدة وخاتماً (الروح) في أيدينا وحذاءً في أرجلنا (لأن العبد يسير حافيا) وأعطانا العجل المسمن ذبيحة الفرح والشكر) بالتناول من جسده ودمه، وهكذا صرنا فيه أبناء للآب بالروح القدس ولسنا عبيدا. لقد سقط الابن الضال ولكن الآب أعاده للبنوية والأحضان الأبوية وكما يقول القديس كيرلس الكبير

“إنه حينما يرى الآب روح ابنه في قلوبنا يجعلنا أبناء”.

ثم إن روح الله حين يجعلنا نشبه ابنه فإنه يجعلنا نشبهه في بشريته المقدسة وليس في لاهوته بل يبقى يسوع المسيح دائما هو الابن الوحيد الجنس، والإله والرأس لكل الأعضاء، ومركز الكيان للكنيسة والمؤمنين حتى أن شخص المسيح عند بولس حل محل (أنا) ضمير المتكلم، وتمركز في الذات العميقة “أحيا لا أنا بل المسيح يحيا في وحدث نفس الشئ في القصة المشهورة عن أغسطينوس بعد توبته حين قال لعشيقته التي طرقت بابه (أنا) نست أغسطينوس، فقالت إذن من يحدثني؟ فقال لها إنه المسيح الذي في أغسطينوس”!. وكما أن بشرية يسوع اتحدت مع لاهوته هكذا اتحد المؤمنون مع ناسوت المسيح الذي يتوسط ليقربهم للآب السماوي، إذن يسوع الإنسان هو الوسيط في عملية التبني، وكذلك الروح القدس. لقد إنضم المؤمنون بالروح القدس وقت العنصرة إلى جسد يسوع وأصبحت الكنيسة تشكل حضوره في العالم وأصبح المؤمنون عائلة الله وبنيه.

الكنيسة وسكني الثالوث

يسوع هو الطريق، وهو الباب الذي يدعونا الله من خلاله للدخول لمائدة الثالوث. والكتاب المقدس في مثل الكرامين (مت 21: 33) يصور لنا إمكانية الشركة بيننا وبين الآب في المسيح، ويصور لنا بيت الآب ومائدته، والأنبياء هم الخدام ويسوع الابن نفسه يدعونا للدخول.

وكما كان الله يسكن في العهد القديم في الهيكل في أورشليم فإن بولس يقول “أنتم هياكل الله وروح الله ساكن فيكم على أن الموضوع ليس مكانياً فقط ولكنه شخصياً أيضاً. فنحن لا نسكن في هيكل الله فقط بل هو أيضاً يسكن فينا، ويجعلنا هياكل لروحه، فهي علاقة حضور متبادل: الله في الكنيسة والكنيسة في الله . قال يسوع “إن أحبني أحد يحفظ كلامي ويحبه أبي وإليه نأتي وعنده نصنع منزلاً ” (يو 14: 23) أما الروح القدس فينسكب في قلوب المؤمنين (رو 5: 5) ويقدسهم كما يقدس الهيكل. فهذا الحلول الإلهي هو حلول روحي وشركة شخصية، وإن أخذت لفظيا التشبيه المكاني (بيت الآب – الهيكل). ونلاحظ في آية يوحنا (14: 23) أن هذا الحلول هو حلول الحب في القلب إذ أن روح المحبة يسكن فينا، وهو الروح القدس الذي يربط الآب بالابن برابطة الحب الأزلي، ويربط الكنيسة وكل مؤمن بالثالوث الأقدس. أما المؤمن فيشعر بأبوة الآب ويستمتع بالبنوية في الابن ومع الابن ويرتبط قلبيا بالروح القدس، روح الحب الذي يربط أقانيم الثالوث، كما يربط الله بالإنسان. فنحن إذا في الكنيسة أبناء أحرار ولسنا عبيدا ولا حتى مجرد أصدقاء وأحباء. فإن كنا أبناء فنحن أيضاً ،ورثة سنرث ملكوت أبينا، بل أن بنويتنا لله هي الملكوت نفسه حضر معنا وفينا الآن وهنا.

صلاة ثالوثية :

أيها الآب نحن عائلتك
لقد جعلنا ابنك كنيسة
وروحك جعلنا هيكلاً لك
فنحن أعضاء جسد ابنك
ودمه يسري في عروقنا
وروح ابنك يسكن فينا
فأنت يارب أبونا الحقيقي
لك المجد أيها الآب مع ابنك الوحيد والروح القدس
في كنيستك الآن وكل أوان وإلى دهر الدهور آمين

 

زر الذهاب إلى الأعلى