من مقالات الأنبا غريغوريوس أسقف عام البحث العلمي

الحاجة إلى واحد

 

مریم هذه كانت تؤثر أن تجلس عند قدمي الرب يسوع المسيح لتسمع كلامه، بينما كانت مرثا ذات مزاج آخر، كانت تميل إلى أن تعبر عن ترحيبها بالمسيح بأن تعد له مائدة تليق بمقامه العظيم، وأن ترحب به وبضيوفه وأن تقوم على خدمته. وبلغ بها الأمر أنها جاءت مرة تشكو أختها مريم إلى المسيح له المجد مع أن هذا لايليق، لكنها يبدو أنها كانت محتاجة أو متضايقة من أن أختها تركتها تخدم وحدها، فجاءت بحرارة وحماسة تعاتب المسيح ذاته وتقول له «أما يعنيك» أما يعنيك أن أختى تركتني أخدم وحدى، قل لها أن تساعدنی، ما كان يجوز وما كان يليق بمرثا أن تأتى إلى المسيح وتشكو أختها بهذه الصورة، وبهذا تسبب حرجا للسيد المسيح، لكنها كانت كما يبدو عصبية ومحتاجة ولم تستطع أن تضبط إنفعالها وغيظها من أختها التي تركتها تخدم وحدها.

 

في الأصحاح العاشر من إنجيل معلمنا لوقا البشير، دخل المسيح له المجد قرية بيت عنيا، وفي هذه القرية رحبت به إمرأة اسمها مرثا، وكانت لمرثا كما سمعتم أخت اسمها مريم.

فضيلة مرثا:

أما ربنا يسوع المسيح فأجابهـا إجابة رقيقـة فيها تقدير لخدمتهـا وفيها إشادة بإهتمامها، أي أن المسيح أيضا مدحها لأنها مهتمة، وهذه فضيلة في مرثا أثنى الرب عليها، أنك مهتمة، والإهتمام على عكس عدم الاكتراث، الشخص الذي يأخذ أي مسئولية بإهتمام بلاشك هذه فضيلة، فمخلصنا على الرغم من أن مرثـا تجـاوزت حدود اللياقـة لأنها جاءت إلى المسيح وهـو ضيف عندهـا، تشكو له أختها بأسلـوب لايليق، «أما يعنيك أن أختى تركتني وحدى» كأن هذا إعتراض على المسيح، كأن هذا إتهام للمسيح له المجد أنه لايعنيه أن تتعب مرثا في الإعداد له. فمخلصنا لم يعاتبها على هذا، وإنما أبرز لها تقديره لفضيلة فيها وهي فضيلة الإهتمام، الواقع أنه في مثل هذه المواقف الدقيقة يبدو لنا سيدنا ومخلصنا يسوع المسيح في قمة فضائل الأب والراعي والطبيب الشافي، الذي يحاول أن يبرز للإنسان حتى وهو في خطيئته فضيلة حتى يتمسك بها الشخص، وكأنه ينتزع من حياته فضيلة يبرزها له يحييه عليها حتى لاييأس من حياته وحتى لايفشل.

كما أن في هذا الموقف يبدو المسيح له المجد نموذجاً في التغاضي عن كرامته الشخصية، وأنه كان يمكن أن يعاقب مرثا على هذا الأسلوب، ولكنه لم يعاقبها بل حول القضية من إمرأة مهتاجة عصبياً تشكو أختها إلى المسيح كضيف، حول القضية من إهانة له إلى ناحية أخرى، إلى دليل إهتمام مرثا وهذه فضيلة، وكأنه في هذا يعطينا نموذجاً للتعليم الذي علم به، من ضربك على خدك أدر له الخد الآخر، وليس المعنى من هذا كما يتظاهر لبعض الناس أن يدير الإنسان خده، بمعنى يحول وجهه ذلك التحويل المادي لكي يعطى فرصة لآخر أن يضربه. ما قصد المسيح شيئا من هذا، بدليل أن المسيح في ساعة المحاكمة ضربه واحد على خده، فلم يحدث أن المسيح أدار وجهه بالطريقة التي يفهمها البعض، إنما حول الوجه الآخر للقضية، فمن بعد أن كانت الإهانة له شخصياً حول المسألة إلى الوجه الآخر، وهو أنه نظر إلى هذا الرجل الذي ضربه على أنه مريض، والمريض يحتاج إلى شفاء، قال المسيح له إن كنت قد أحسنت فلماذا تضربني؟ وإن كنت قد أسأت فبين لي ما هي الإساءة، لا نظن أن هذا الكلام من جانب المسيح له المجد، كان بنوع من الإنفعال مثل ما يحدث لواحد فينا عندما واحد يضربه يقول له أنت تضربني لماذا؟!!، هذا نوع من إنفعال الكرامة الشخصية، لكن المسيح كان في مرحلة أعلى وأسمى من هذا، المرتبة الأعلى من مجرد الاحتمال، فالإحتمال نفسه فضيلة، كون الواحد يهان ويحتمل الإهانة هذه فضيلة، لكن ممكن أن يقال أن الشخص الذي يحتمل الإهانة يكسب أجرأ على حساب المخطىء والمسيء، ألم يقل المسيح طوبي لكم إذا طردوكم وعيروكم وقالوا فيكم كل كلمة شريرة من أجلى كاذبين، صحيح الإحتمال أفضل، الإحتمال مع الصمت، لانرد الإهانة بإهانة ولا الشتيمة بشتيمة، هذه مرحلة أرقى من مرحلة أن يرد الإنسان الإهانة بإهانة، ولكن هناك مرحلة أرقى من هذه وتلك، أن الإنسان المسـاء إليه يشعر بعطف على المسيىء، لأن الإنسان إذا احتمل إهانة الشخص الذي أساء إليه فقد كسب أجراً على حسابه.

فالمرحلة الأرقى في الفضيلة أنه يقول في نفسه لا .. إن صمتى معناه أنني سأكسب أجراً على حساب من أساء إلى، لكن أخشى على آخرة هذا الإنسان الذي أساء، ولابد له من عقاب، فهذا الإنسان سيعاقب ولابد أن ينال جزاءه، «لأن ما يزرعه الإنسان إياه يحصد أيضا»، لكن القلب العطوف الرحيم، قلب الطبيب يشعر أنه لايصح أن يتركه في غباوته وجهله لئلا يعود فيكرر هذا الفعل مرة أخرى سواء مع . هذا الإنسان أو مع غيره، فالأرقى من الإحتمال أن ينبهه إلى خطئه حتى لايعود إلى هذا الخطأ مرة أخرى لا معه ولا مع غيره، هذا شعور الطبيب الراقي الذي إرتقى وإرتفع فوق مستوى الدفاع عن النفس، فوق مستوى الإحتمال إلى مستوى آخر لايريد لهذا الإنسان هلاكاً، ولايريد له شراً حتى لو كان هذا الشر نتيجة فعله.

فالمسيح عندما قـال للرجل «إن أحسنت فلماذا تضربنى وإن أسأت فبين لى الإساءة» لم يكن هذا بنوع من الإنفعال كما يحدث عند البشر، المسيح كان في مرحلة أرقى،وأراد بهذا أن يقدم لنا المثل والنموذج لما هو أكثر من الإحتمال، أن تكون لنا مشاعر الإنسان الذي يشفق على المخطىء ويعتبره مريضاً ويحاول من جانبه أن يعالج هذا المرض، هنا نرى تطبيقاً لهذا التعليم، بدلا من أن يتناول مرثا ويوبخها على هذا التصرف الذي لايليق بها، خصوصا أنها جاءت تتهم المسيح وتقول له أما يعنيك أمرى، أما يهمك أن أختى تركتني أخدم وحدى قل لها أن تساعدني.

سيدنا له المجد لم يشأ أن يوجهها إلى خطئها وأن يعاتبها على هذا التصرف الذي لايليق، وإنما على العكس أبرز لها فضيلة فيها كأنه يحييها على هذه الفضيلة، فأدار القضية من وجه إلى وجه آخر وهذا أسلوب الطبيب، أسلوب الراعي، أسلوب الراقي الذي يرتفع فوق الإساءة إلى أن يعلم ويرشد ويوجه بما ينفع إنساناً آخر، شيئا لحياته الحاضرة ولحياته الآتية.

ولا أظن أن مرثا لم تنتفع بهذا الدرس، بل لابد أنها إنتفعت كثيراً، وهذا ما يتضح من حديثها وحوارها مع مخلصنا يسوع المسيح حينما مات أخوها لعازر.

الإهتمام بأمور كثيرة:

مرثا مرثا أنك تهتمين بأمور كثيرة، مدحها على إهتمامها، ولكنه قال لها أن هذا الإهتمام زاد عن حده بما يضر، وأحدث لك إضطرابا، أحدث لك قلقا، أضر روحك يامرثا، في حين أن الحاجة إلى واحد، الحاجة هي إلى قليل أو إلى واحد، ليس هناك مايدعو إلى الاضطراب وأن يشغل الإنسان نفسه بأمور كثيرة تضره، لأنها تجعل روحه تنقسم وتتوزع، يتوزع إهتمام الإنسان بطاقته المحدودة، يتوزع إهتمامه على أمور كثيرة بينما أن حاجة الإنسان الحقيقية إلى واحد، كلما شغل نفسه بأمور الحياة الدنيا وشواغل الحياة، كلما توزعت نفسه اضطرب وأصابه القلق والأضطراب، ولكن هناك طريق واحد يسترد به الإنسان سلامه.

الأمواج تضرب السفينة، سفينة الحياة وتعذبها لكن إذا دخل المسيح في السفينة تهدأ ويصير سكون عظيم، نفس الإنسان إذا اضطربت وأصابها القلق نتيجة إهتماماتها الكثيرة بشواغل الحياة، في شئون المادة من طعام إلى شراب إلى كساء إلى مسكن. من . شأنها أن تجعل الحياة تضطرب كما اضطرب سمعان بطرس عندما رأى الأمواج شديدة فصرخ وكاد يغرق، ولكن المسيح علمه أنه إذا مد يده وشخص إلى المسيح يمكنه أن يسير  على الأمواج دون أن يغرق فيها. ونحن أيضا نتعلم من هذا أننا عند شخوصنا إلى المسيح ولجوئنا إليه وإرتمائنا على صدره، فإن هذا هو الطريق الأوحد والأمثل، وليس هناك طريق آخر أفضل لكي نعلو فوق التجارب ونعلو فوق الأمواج ونعلو فوق الإضطرابات وفوق القلق الذي يهز نفس الإنسان هزأ بسبب ما في هذه الحياة من إضطرابات.

مرثا أنت تهتمين مضطربة بأمور كثيرة، تنبهي يامرثا أنه ليس في الواقع حاجة إلى هذا الذي تضطربين له، أنا لست في حاجة إلى هذا الطعام الذي تعدينه، وقد قلت طعامی أن أعمل مشيئة الذي أرسلني وأتمم وأنجز عمله، قال المسيح للمرأة السامرية أعطيني لأشرب، والغريب أنه إندمج مع المرأة السامرية في حديث طويل ولم يشرب، طلب الماء ولم يشرب لأنه لم يكن عطشانا إلى هذا النوع من الماء، بل قال للمرأة ياإمرأة لو علمتي عطية الله ومن الذي يقول لك أعطيني لأشرب لطلبت أنت منه فأعطاك ماء ينبع إلى حياة أبدية، أنا لست محتاج لهذا الماء، لو علمت عطية الله …، هذه فرصة لك، أنا أريد أن أعرفك بالماء الذي ينبع إلى حياة أبدية، ياإمرأة لو علمت عطية الله ومن الذي يقول لك أعطيني لأشرب، لطلبت منه فأعطاك ماءاً ينبع لحياة أبدية.

جـاءه التلاميذ بطعام ليأكل، فقال لهم: لى طعام آخر لستم تعرفونه أنتم، فظنوا في بساطتهم وسذاجتهم أن قوما آخرين جاءوه بطعـام، فلمـا رآهـم جـاهلين بقصـده قال لهـم «طعامي أن أعمل مشيئة الذي أرسلني وأنجز عمله» هذا هو الطعام الذي يطعم به المسيح، هذا هو الماء الذي يعطش إليه المسيح هو خلاص نفوسنا. يامرثا أنت تهتمين مضطربة بأمور كثيرة، هل أنا في حاجة إلى هذه المائدة!! لو علمت عطية الله لتركت المطبخ، لتركت طعامك وشرابك، وهذه الإهتمامات والشواغل وأخذت فائدة أعظم بأن تأتى أنت كما جاءت أختك ، مريم، وجلست لتسمعي الحديث الذي يفيدك وينفعك في الحياة الحاضرة والحياة الآتية، أما هذا الطعام الذي أنت تعدينه وإن كان هذا يدل منك على إهتمام وعلى روح خدمة، لكنني أنا أرى أن هذه الأمور زائلة، وأن الأفضل والأبقى أن تشغلى وقتك وأن تستغلى أيامك فيما هو أرقى وأنفع وأسمى وأفضل، أنا لست في حاجة إلى هذا الطعام الذي أنت تعدينه، إن فرحي الأعظم وإبتهاجى الأكثر أنك تعرفي أمر خلاصك وأن تجلسي لتتعلمي.

ما قصد المسيح بهذا أن يخجل مريم، أو أن يوبخها بل كما قلنا، بل حياها على إهتمامها ولكنه أراد أن يلفت نظرها إلى أنه ينبغي أن يتجه قلبها ونظرها إلى ما هو أعظم من هذه الإهتمامات والشواغل الجسدية الأرضية لأن هناك هدف أعظم والحاجة إلى واحد.

هو إن الله خلق الإنسان لخير يعود على الإنسان، ولم يكن الله في حاجة إلى شيء يضيفه الإنسان إليه، الله الذي يتمتع بسعادة لاتستقصى خلقنا لنشاركه هذه السعادة بالوجود في حضرته، فمسكين الإنسان الذي يشغل فكره وحياته ووقته بأمور تعد تافهة، بالنسبة أبقى وأسمى وأعلى وأرقى، بالنسبة للأبدية، بالنسبة لما يرفع روحه ويسمو بها إلى السعادة الدائمة في الحضرة الإلهية، وكما قال القديس أوغسطينوس قولته المشهورة «يارب إن النفس تظل قلقة مضطربة ولن تجد الراحة إلا فيك»، الحاجة إلى واحد، إذا دخلنا في المسيح ودخل المسيح فينا سكنت نفوسنا وعاد إلينا السلام بدلا من الإضطراب، الحاجة يامرثا إلى واحد، هدف واحد لاتشغلي نفسك بأمور كثيرة.، ركزى إهتمامك، ركزي إتجاهك النفسي إلى أمر واحد ووحيد، لاتضيعي وقتك ولاتضيعي جهدك في أمور مضطربة كثيرة تقسم نفسك وتزعزعها وتجعلها تتناقض في إهتمامها إلى عدد من الأمور وبهذا لايحصل الإنسان فائدة تذكر، إنما لو ركز كل خاصيات نفسه لهدف واحد يكسب الكسب الحقيقي وينجح النجاح الحقيقي، ولايضيع عن نظره الهدف الذي من أجله خلق لهذه الحياة، بسبب مايعتري نظره من أشياء كثيرة تقف أمامه في الطريق، مرثا إن الحاجة إلى واحد وقد إختارت مريم النصيب الصالح الذي لن ينزع منها.

النصيب الصالح:

مریم هذه التي أنت تشكينها إختارت لنفسها النصيب الصالح، لأن النصيب الصالح أمر يختاره الإنسان لنفسه ولايفرض عليه، ليس هناك جبر ولاقهر ولا إلزام كل شيء متروك لحرية الإنسان ولإختياره، الإنسان مخير في هذا الأمر وليس هناك إلزام له بشيء من قبل الله، أنا واقف على الباب أقرع إن فتح أحد أدخل، المفتاح من الداخل، الإنسان هو الذي يختار نصيبه، ولايفرض عليه هذا النصيب، يمكنه أن يختار النصيب الصالح ويمكنه أن يختار النصيب الطالح، مريم هذه إختارت النصيب الصالح أدركت بروحها · أنها لا تطلب الطعام المادى، بل تطلب خلاصها، أدركت بروحانيتها أنها في حاجة إلى أن تجلس لتسمع وتكرس كل جهدها ووقتها وأعصابها، تكرس كل شيء، كل خواص نفسها لهدف واحد ووحيد، ولذلك لن ينزع منها هذا الذي إختارته، لايوجد أحد يستطيع أن ينزع هذا النصيب الذي إختارته.

ومن هنا وجد الروحانيون من هذه المقارنة بين مرثا ومريم، أن هناك طريقين لخدمة الله، طريقاً يسمونه طريق الخدمة العملية في العالم، وطريقاً آخر هو خدمة الملائكة، العبادة، التأمل المستمر في الله، الشخوص الدائم في الله، الهذيذ في شريعته، الوقوف أمامه دائما، الجلوس في حضرته، يصير الإنسان كله محرقة، كله يصير الله مقدساً جسداً وروحاً، هذا طريق أفضل لمن يقدر عليه ولمن يختاره، ومن هنا وجدنا فريقا من الناس يترك الحياة الدنيا ويتجه إلى الأماكن الهادئة حتى تكون عنده فرصة لمحاكمة النفس وتأديبها وترويضها وتصفيتها وتنقيتها وإعدادها، إعدادها جوهرة نقية طاهرة للسماء، هذا هو طريق أفضل، لكن ليس معنى هذا أن الطريق الآخر مرفوض، الطريق الآخر يكون مرفوضاً في حالة واحدة، إذا إتخذه الإنسان تبريراً لكي يشغل به نفسه عن الهدف السامي، الأسف، كثيرون من الناس يخرجون عن ذواتهم بإهتمامات كثيرة ليهرب من نفسه ويهرب من أبديته بشواغل أخرى يبرر بها أنه سائر في طريق الخير، خدمة الآخرين لها قيمتها ولها فوائدها والإنسان الصالح لابد أن يخدم غيره ولا يكون أنانياً قانعاً بنفسه، ولكن هناك خطر يتهدد بعض الناس أو أكثرهم حين يتخذ الإنسان مشغوليته بغيره، تبريراً بأن يهرب من ذاته ويهرب من مستقبله ويهرب من مصيره. وهذا تدمير لحياة الإنسان ولن ينفعه تبريره بأنه يخدم غيره، يكون مثله في ذلك مثل الذين بنوا فلك نوح، هم الذين بنوا الفلك ولكن ولا واحد منهم دخل الفلك فوجد الخلاص لنفسه بل غرقوا، غرقوا في الطوفان، هذا هو الخطر الذي يتهددنا، لو أننا شغلنا عن أنفسنا وعن خلاصنا الأبدى بأمور أخرى كثيرة قد تكون نافعة … نعم، ولكن أن يتخذها الإنسان تبريراً لأن يهرب من نفسه ويهرب من مصيره ويهرب من الإهتمام بأبديته، هذا خطر يتهدد حياة الإنسان ويتهدد مصيره أيضا ويقوده إلى هلاك نفسه، هذا ما قاله وهذا هو ما يحدث مع المسيح له المجد لبعض الناس «كثيرون سيأتون لي في ذلك اليوم ويقولون يارب بإسمك تنبأنا، بإسمك أخرجنا شياطين، ولكن المسيح يقول لهم «اذهبوا عنـي لا أعرفكـم؟؟ أي لا أعترف بكم، لا علاقة لى بكم، ألهذه الدرجة .. نعم لأن المسيح لا يريدنا أن نشغل حتى بخدمة الآخرين ما يعطل خلاص نفوسنا، لأن هذه الخدمة أحياناً بل في أكثر الأحايين تصلح تبريراً لأن يهرب الإنسان من نفسه ومن مصيره الأبدى، تقول له تعالى إلى الكنيسة يجيب الأولاد .. الأولاد .. تعالى للتناول يجيب مشغول .. مشغول .. مشغول العمل العمل.. العمل، نعم هؤلاء رجال الأعمال الذين برزوا، ونحن لا نعيب على الإنسان أن يخلص في عمله، بل يجب أن يخلص، لكن ليس الإخلاص في العمل أو الإخلاص للأولاد والزوجة والبيت يكون عائقاً للإنسان عن طريق خلاصه، هذا هو المعنى الذي قاله السيد المسيح «مالم يبغض الإنسان أباه وأمه وأخته وأخواته حتى نفسه لا يقدر أن يكون لي تلميذا» ما معنى البغضة هنا؟ ليس معناها أن الواحد يكره، إنما معناها إذا صـار أخي أو أختى، أبي أو أمي أو ابني عائقاً لي عن طـريق الخلاص ينبغي أن أزيحه من طريقي، الخلاص أهـم، خلاص النفـس أثمـن مـن كل شيء، لدرجـة أن الرسـول مـرة يـقـول «لا ملائكة ولا رؤساء ملائكة يفصلونني عن محبة الله التي في المسيح» طبعا من غير المعقول أن الملائكة ورؤساء الملائكة يفصلوا عن المسيح، ولكن إذا أنا تعلقت بعاطفة حب لبشر ما في بعض الأحيان، علاقة الحب تتحول إلى فاصل بين الإنسان وبين الله، نحن نری في بعض الأحيان أن شاب يضحي بمحبته بالمسيح من أجل إمرأة أو فتاة، يتزوجها ويترك دين المسيح، وهكذا في محيط البنات، ماذا حدث، هنا المحبة الجسدية التي زادت على محبتنا للمسيح، هذه المحبة هي التي ينبغي أن نبغضها لأنها عائق، ما معنى أن يبغض الإنسان حتى نفسه؟ أن يأتى ضد نفسه إذا اشتهت نفسه أمراً يعوقه عن خلاصه، ينبغي أن يبغض نفسه في هذا الأمر حتى لا يعاق عن الخلاص الأبدى.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى