الروح القدس يُعد النفس للحرب

‏ العظة الثالثة والعشرون من العظات الخمسون للقديس أنبا مقار 

[كما أن اللؤلؤة الملوكية الثمينة يمكن فقط للمولودين من نسل الملك أن يلبسوها ؛ بنفس الطريقة اللؤلؤة السماوية يُسمح فقط لأولاد الله أن يلبسوها]

[أ] المولود من الروح يلبس المسيح

1 – إن اللؤلؤة العظيمة الثمينة الملوكية المخصصة للتاج الملكي، إنما تليق بالملك فقط ، والملك وحده يستطيع أن يلبس هذه اللؤلؤة ، وأمّا أي إنسان آخر فلا يُسمح له أن يلبس مثل هذه اللؤلؤة ؛ هكذا إن كان أحد لا يولد من الروح الملوكي الإلهي ويصير جنساً سماوياً ملوكياً وابناً لله – كما هو مکتوب : « وأما الذين قبلوه فأعطاهم سلطاناً أن يصيروا أولاد الله » ( یو ۱۲:۱ ) – فما يستطيع أن يلبس اللؤلؤة السماوية الكثيرة الثمن ، أيقونة النور الذي لا يُنطق به ، التي هي الرب ، لأنه لم يصر ابناً للملك . لأن الذين يقتنون هذه اللؤلؤة ويلبسوها يحيون مع المسيح ويملكون معه إلى الدهور . لأنه هكذا قال الرسول : « كما لبسنا صورة الترابي ، سنلبس أيضاً صورة السماوي » ( 1 کو 49:15 ) .

[ب] الروح القدس يروض النفس الجموح

۲ – فكما أن الفرس ما دام يرعي في الغابات مع الحيوانات البرية لا يكون خاضعاً للبشر ، أما حينما يُمسك به لكیما يُروض فإنهم يضعون عليه لجاماً ثقيلاً إلى أن يتعلم السير بانتظام واستقامة ، وبعد ذلك يُدرب بواسطة فارس متمرس لكيما يصير أيضاً نافعاً في الحرب. ثم إنهم يلبسونه أسلحة أعني الزرد[1] والدروع ، ويعلقون عليه أولاً لجاماً ويهزونه أمام عينيه لكي يعتاد عليه ولا يفزع ، وهكذا إذ يتعلم من الراكب عليه يعرف أن يحارب الأعداء ، إذ بدون راكب ودرع لا يمكن للفرس أن يحارب . وحينما يتعلم ويألف الحرب فحالما يستشعرها ويسمع صخبها، ينقض بتأهب على الأعداء حتى إنه من مجرد صهيله يدب الزعر في المتحاربين ؛ بنفس الطريقة أيضاً النفس : فمنذ المعصية أمست جموحاً غير مروضة ، تهيم في بيداء العالم مع الوحوش ، أي أرواح الشر ، خادمة للخطيئة ، لكن حينما تسمع كلمة الله وتؤمن وتُلجم من الروح القدس ، فإنها تطرح عنها عاداها الوحشية واهتمامها الجسدي ، إذ يقودها راكبها – المسيح . ثم بعد ذلك تحوز . شدة وتأديباً وضيقاً لأجل تزكيتها ، لكيما تروض شيئاً فشيئاً بواسطة الروح القدس وتفني الخطيئة التي فيها قليلاً قليلاً وتضمحل . وهكذا حين تلبس النفس « درع البر ، وخوذة الخلاص ، وترس الإيمان ، وسيف الروح »[2] تتعلم أن تحارب أعداءها ، وهكذا وهي متسلحة بروح الرب، تصارع ضد أرواح الشر وتطفئ « سهام الشرير الملهبة »[3] . فإنه من دون أسلحة الروح لا تصعد النفس إلى صفوف الحرب ، أما إن كانت لها أسلحة الرب فحالما تسمع وتستشعر حروباً عنيفة ، تخرج في صياح وصراخ ، كما هو مكتوب في أيوب[4] ، ومن مجرد صوت تضرعها يسقط الأعداء . وهكذا إن هي جاهدت وغلبت في الحرب بالروح القدس ، تلبس أكاليل الظفر في دالة عظيمة ، وهكذا تستريح مع الملك السمائي . والمجد والسلطان للآب والابن والروح القدس إلى الدهور ، آمین . 


  1. الزرد ( وجمعها زرود ) هو درع ذو حلقات يتداخل بعضها في بعض . 
  2.  أف 6 : ۱4 ، 16 ، 17.
  3. أف 6 : 16 .
  4. انظر : أي 39 : 25 س.

فاصل

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى