الكتاب المقدس والحياة الروحية
+ الكتاب المقدس لا يقدم فكراً فقط أو معرفة بـل يقـدم روحاً يقود الانسان إلى ينابيع الخلاص ويحيا بالكلمة التي هي روح وحياة ، روح ترفـع الانـسـان مـن مـسـتوى الماديات المنظورة إلى مستوى الروح الذي هو أعمـق وحياة بحسب الوصايا الانجيلية المقدسة التي تقود النفس إلى الحياة الأبدية . كما قال رب المجد يسوع : ” الكـلام الذي أكلمكم به هو روح وحياة .” (يو6: 63) .
فالكتاب المقدس يقدم لنا الحياة الروحية على أعلى أعلـى مستوى . وكل حياة تتأسس على شئ غير الكتاب المقدس فهي حياة فاترة ومصيرها الزوال.
إن كل الذين عاشوا حياة روحية قويـة كـانـت حـيـاتهم مؤسسة على الانجيل ، يستمدون من الإنجيل الطاقة التي يعيشون بها.
ونحن نستمد كل شئ من الكتاب المقدس ككنيسة مؤسسة على الكتاب المقدس الذي هو أساس كل تعاليمها المحيية .
• ما هو مركز الكتاب المقدس في الحياة الروحية ؟
إن المنهج التأملي للكتاب تستند علـى أساسـه الحيـاة الروحية لأى إنسان ، لأن التأمل في الكتاب المقدس هـو اكتشاف الحياة في نور الانجيل ولذلك قال داود النبـي : ” سراج لرجلى كلامك ونور لسبيلي.” (مز 119: 105) ونحن نكتشف أمور حياتنا من خلال الانجيل ولهذا نجـد الكتاب يحدثنا عن الجهاد القانوني كقول معلمنـا بـولس الرسول : ” وأيضاً إن كان أحد يجاهد لا يكلـل إن لـم يجاهد قانونياً . ” (2تی2: 45).
قانونية الجهاد نستمدها من الكتـاب المقـدس وبـدون الكتاب المقدس لا تكون قانونية للجهاد . والسيد المسيح له المجد أظهر في الموعظة على الجبل قانونية العبادة وهي العبادة الداخلية أو العبادة في الخفاء ” فأبوك الذي يرى في الخفاء هـو يجازيـك علانيـة ” (مت6: 4)
وقانونية الجهاد نعرفها من الكتاب المقدس . وأيضاً إذا كانت الحياة الروحية هي اتصال النفس مع الله فالله طرف والنفس طرف ، فالكتاب المقدس يصف لك الرب الـذي تعبده وإن لم تقرأ الكتاب المقدس يصير الله بالنسبة لـك لغزأونرى في كلمات يونان النبي الواردة في سفر يونان : لأني علمت أنك إله رؤوف ورحيم بطيئ الغضب وكثير الرحمة ونادم على الشر ” (يون4: 2).
فهذه الأوصاف يقدمها الكتاب عن الله فهو إلـه يتـصف بالرأفة والرحمة وبطيئ الغضب ونادم على الشر وفي سفر أيوب في جهاد أيوب مـع الله …مـن خـلال كلمات ايوب في وصف الله يبين لنـا حياتـه الروحيـة وعندما يشت في الأفكار تكون حياته الروحيـة ضـعيفة وفاترة . حتى أنه قال : ” بسمع الأذن قد سمعت عنـك والآن رأتك عيني ” (أى42: 5) .
والكتاب المقدس يقدم لنا نماذج من المجاهدين المنتصرين الذين انتصروا في حياتهم ووصلوا إلـى اتجـاه عـالي وعميق . فهناك فرق بين الانسان الذي بدأ يحيا حياة العفة بتغصب وآخر تحولت العفة بالنسبة له ليست صفة وانما حياة . فكلما نتذكر يوسف الصديق نتذكر العفـة وكلمـا نتذكر العفة نتذكر يوسف . وهكذا في كل الفضائل نـرى أن هناك أمثلة في الكتاب المقدس أصبحت الفضيلة فـي داخلهم اتجاه عميق يمثل شريان حيوى جدا يصلهم بالله
ويقول الكتاب المقدس عن دانيال النبي :
” وأما دانيال فجعل في قلبه أنه لا يتنجس بأطايب الملك ولا بخمر مشروبه فطلب مـن رئـيس الخصيان أن لا يتنجس ” ( دا1: 8)
والكتاب المقدس يوضح صورة الفضيلة التي امتـدت في الداخل وليست قشور من الخارج . ويوم أن تتحـول الحياة الروحية إلى اتجاه عميق من خلال الكتاب المقدس. إذن لا خوف على الانسان الذي يسلك حـسـب منـهـاج الكتاب المقدس . لذلك نحن نخـاف علـى الخـدام لأن الفضيلة بالنسبة لهم أموراً مشتهاة وليست حيـاة داخليـة عميقة . ونرى مثلا في حياة نحميـا أنـه ربـط حياتـه الروحية بخدمته فعندما سمع بخبر أورشليم أن أسوارها مهدمة وأبوابها محرقة بالنار . لم يعتمد علـى ذراعـه البشرى ، ولكن صام وبكى وقرع صدره أمام الله وبـدأ يقدم توبة عن شعبه . فإذن سر نجاح نحميـا فـي بنـاء اسوار اورشليم أنه ربط خدمته بحياته الروحية فبدأت يد الله تمتد . لم يبني بالذراع البشرى وانما بالذراع الإلهيـة عمل ، فنجح في عمله . فمن الكتاب المقدس نأخذ مـن هذه الشموع المضيئة اتجاهاتهم العميقـة القويـة التـي أصبحت متأصلة داخل حياتهم.
إذن الكتاب المقدس يقدم لك وسيلة ايضاح لأناس جاهدوا وانتصروا … لأنك يجب أن تربط حياتك بالنصرة .
أيضاً الكتاب المقدس يقدم لك وصـف للملكـوت الـذي تنتظره وتجاهد لأجله حتى تأخذ الاكليل
• ما هو هدفك في الجهاد ؟! .
هل هدفك في الجهاد أن تكون إنـسـان روحـى ملفـت للأنظار ؟!
اسمع قول الرب:”مجداً من الناس لست أقبل” (يو5: 41) وتجاهد لكي يكون لك أولاد روحيين كثيرين وتفتخر بذلك كل هذا لا يفيد ، ولكن الهدف الوحيد في جهادك هـو أن تصل إلى الملكوت المعد لك.
لذلك يذكر لنا الكتاب موقف الأمناء الذين كانوا أمناء في القليل فأقيموا على الكثير والسيد المسيح له المجد يقول : ” نعماً أيها العبد الصالح والأمين . كنت أميناً في القليـل فأقيمك على الكثير . ادخل إلى فرح سيدك . ” (مت25: 21) ونحن من أجل هذه العبارة نجاهد…
والكتاب المقدس يقدم لك وصفاً لهذا الملكـوت الـذي تجاهد من أجله.
عندما تجاهد من أجل شئ مجهول سوف لا تصل ولكن عندما تجاهد من أجل هدف واضح أمامك ستجاهد لكـى تصل إلى هذا الهدف . ولكن كيف أرى الملكوت وهـى أسرار غير معلنة ولا مرئية ؟!
بشارة الملكوت هي التي يظهرها لك الكتـاب . والـسـيد المسيح له المجد ، عندما أرسل تلاميذه قال لهم :
” اذهبوا إلى العالم أجمع واكرزوا بالانجيل للخليقة كلهـا من آمن واعتمد خلص . ومن لم يؤمن يدن.” (مر16: 15، 16)
والكتاب يعطيك صورة عن الملكوت حتى يتحول إلـى شيئ قريب منك فالرب يسوع يقول : ” لأن ها ملكوت الله داخلكم ” ( لو17: 21).
ونرى من خلال كلمات الله مع الأنبياء وظهورات الله لهم أن الله يشتهى السكني مع الناس.
ونحن نصف اورشليم أنها مسكن الله مـع القديسين ومن خلال أوصاف سفر الرؤيا لأورشليم السمائية يشتهى الانسان أن ينتقل من العالم ليرى هـذا الملكـوت الـذي يصف فيه سفر الرؤيا عرش الله والملائكـة والقديسين والذين تحت المذبح يقولون له : “حتى متى أيهـا الـسـيد القدوس والحق لا تقضى وتنتقم لدمائنا مـن الـساكنين على الأرض . ” (رو6: 10).
أيضا من خلال حادثة التجلي التي ذكرت في انجيـل متى ومرقس ويوحنا ، نشعر أن السيد المسيح كان هدفه إظهار هذا الملكوت المعد . والحقيقة يجب أن يكون هدفنا في الخدمة خلق جيل يشتهي الملكوت.
أيضاً عندما يحدثنا الكتاب المقدس عن الميلاد بالمـاء والروح وسكني الروح داخل الانسان مـن خـلال ذلـك نشتاق إلى الملكوت.
واذا كان مجرد رؤية إنسان روحي تسبب لنا فرح بالحرى عندما نرى الملكوت – فسوف نجرى نحـو الله بدون عوامل مساعدة . ستجرى نحو الله الذي اشتهي أن يسكن معك وفيك . واذا كانت الحياة الروحية قائمة أساساً على الصلاة والتسابيح ، وتقاس الحياة الروحيـة بعمـق الانسان في صلواته وتسابيحه ، فالكتاب المقدس يقـدم تسابيح وصلوات الأنبياء والناس الذين يعتبرون وسيلة ايضاح في التسبيح والصلاة والمزامير التي هي أعمـق أنواع الصلاة.
وفي ليلة أبو غالمسيس تقرأ علينا صلوات هؤلاء الآبـاء ولا نبدأ القداس الإلهي إلا بعد قراءة هذه المزامير.
فالمزامير تشترك فيها الروح القـدس مـع داود ولـذلك ستظل المزامير أقوى أنواع الصلاة لأنها كتبت في وقت قبل مجيئ المسيح حيث كانت الارادة البشرية زائغة عن الارادة الإلهية . فالروح القدس وجد في داود آنية مقدسة عمل فيها وبها وخرج لنا بهذا النغم الرائع والتسبيح الفائق.
إن الذي لا يحيا في عمق المزاميـر سـتبقى الحيـاة الروحية بالنسبة له أمورا بشرية ونحـن نـرى خـدام كثيرين الحياة الروحية بالنسبة لهم تجارة .
الكتاب المقدس أيضاً نأخذ منه روح الأمانة في القليـل وتقديم الجهد والعرق والدموع كأساســات فـي الحيـاة الروحية ، فبمجرد أن تظهر أمامك صورة المرأة الخاطئة التي بللت قدمي يسوع بدموعها ومسحتهما بشعر رأسها هذا يقدمه لك الانجيل كمثال في الحياة الروحيـة . فهـل أنت في الصلاة تسكب الدموع على قدمي يسوع ؟ . يقدم لك الكتاب صورة المرأة نازفة الدم التي قالت : ” إن مسست ولو ثيابه شفیت” (مر5: 28).
وانت في حياتك سهام الخطية تجرح الفضيلة عندك . فهل أنت تتشبه بالمرأة نازفة الدم عندما تتقدم للصلاة تشتهى أن تلمس هدب ثوبه لتأخذ قوة من السيد المسيح له المجد تسندك في جهادك الروحي ؟ .
الكتاب المقدس يقدم لك نموذج للأمانـة فـي القليـل والدموع عندما يقدم لك منظر السيد المسيح فـي بـستان جشسيماني يتصبب منه العرق كقطرات الدم .
الكتاب يقدم لك تحذيرات عن الرذيلة التي تفسد الحياة الروحية وقد لا تراها.
مثال : نقرأ في الانجيل عن السيد المسيح له المجد يقول لتلاميذه : ” أولاً تحرزوا لأنفسكم من خمير الفريسيين الذي هو الرياء . ” (لو12: 1)
الرياء هو من الأمراض الروحية التي يصعب علاجها الرياء يعني أن الانسان أصبح له اتجاه روحي من الخارج وفي الداخل مملوء خبثا واثما . مظهره الخارجي انـسـان يجيد الروحيات والكلام عن الروحيات ويجيد ممارستها أمام الناس ومن الداخل توجد الشهوة وتوجد الخطية .
والسيد المسيح يبين من خلال الكتـاب المقـدس هـذا المرض فيقول : ” إن لم يزد بركم على الكتبة والفريسيين لن تدخلوا ملكوت السموات ” (مت5: 20)
اذن فالحياة الروحية يجب أن تكون داخليـة قبـل أن تكون خارجية ويشبه السيد المسيح الرياء بالخمير الـذي يخمر العجين كله..والرياء يدخل داخل ممارسات الانسان وحواسه.
ومن خلال كلمات الانجيل يظهـر أن الله يكـره الـشـر. وكيف أن الله غضب على سدوم وعمورة وأمطر عليهما نارا وكبريتا . وغضب على العـالم أيـام نـوح وآتـى بالطوفان.
ونرى كلام الرب ليونان النبي عندما أعد له يقطينة ” فقال الله ليونان هل اغتظت بالصواب من أجل اليقطينة فقـال اغتظت بالصواب حتى الموت . فقال الرب أنت شـفقت على اليقطينة التي لم تتعب فيها ولا ربيتها التـى بنـت ليلة كانت وبنت ليلة هلكت . أفلا أشفق أنا على نينـوى المدينة العظيمة التي يوجد فيها أكثر من اثنتى عشرة ربوة من الناس الذين لا يعرفون يمينهم مـن شـمالهم وبهائم كثيرة ” . {يون4: 9-11) .
هذا يرى احساسات الله بالنسبة للبشر . يهلـك النـاس بالطوفان أو الحرق وبالتأكيد كان ربنا حزين على هؤلاء الناس.
إن هلاك إنسان بالنسبة الله شيئ مؤلم ولكن الكتاب المقدس يبين لنا أن طبيعة الله كارهة للشر . هذا يجعلك تصنع مرضاة الله
الكتاب المقدس يقدم لنا صورة الله الذي يحارب عنا قد تظن أنك في الحرب وحدك والكتاب يقول : ” للـرب حرب مع عماليق من دور إلى دور ” (خر17: 16) .
وأيضا: ” فقال موسى للشعب لا تخافوا . قفوا وانظـروا خلاص الرب الذي يصنعه لكم اليوم . فإنه كمـا رأيـتم المصريين اليوم لا تعودون ترونهم أيضا إلى الأبـد . ” (خر13:14) .
” الرب يقاتل عنكم وأنتم تصمتون ” ( خر 14: 14 ) .
تأخذ أنت قوة . والكتاب المقدس يقدم لنا أمثلـه تـشبع الرجاء في نفوسنا . فاليأس من الأمراض الروحية التي تتعب الإنسان في حياته . والسيد المسيح يقـول للمـرأة الخاطئة :” أين هم أولئك المشتكون عليك . أما دانك أحد فقالت لا أحد يا سيد . فقال لها يسوع ولا أنا أدينـك اذهبي ولا تخطئى أيضا ” ( يو8: 10و11 ) .
الرجاء هو عون لحياتك الروحية حتى لا تيأس وحتـى تسير في المسيرة والحرب.
ومثلا آخر قدمه رب المجد يسوع المسيح في الرجاء: المرأة السامرية التي تحولت من امرأة خاطئة إلى امـرأة كارهة للشر وإلى امرأة كارزة استطاعت أن تبشر أهـل مدينتها وتقول لهم هلموا انظروا إنسانا قال لـى كـل مافعلت . ألعل هذا هو المسيح . ” ( يو4: 29 )
فهذه أمثلة تعطى للإنسان الرجاء في الجهـاد وطالمـا نتمسك بالرجاء فسوف ننال الخلاص المعد لنا.
إذن فحياتنا الروحية هي مستمدة من الكتاب المقدس
ويوجد قول لأحد القديسين : ” يوجد أعظم خطر علـى أعظم قديس يهمل قرأة الكتاب المقدس وهنـاك أعظ رجاء لأخطى الخطاة الذي يقرأ الكتاب المقدس “.
ليكشف الرب عن عيوننا لنرى عجائب مـن شـرائع الله التي تقودنا إلى ينابيع البر والخلاص لترتـوى نفوسـنا الظمأى التي جفت من يبوسة قيظ الخطيـة وآثامهـا وغذاءاً لأرواحنا لكي تحلق في السمويات وتتعرف علـى الأسرار الإلهية ، التي لا تكشف إلا لخائفي الرب العاملين مرضاته كل حين لنسبحه ونمجده على الدوام آمین