أف 18،17:1 مستنيرة عيون أذهانكم

 

17كَيْ يُعْطِيَكُمْ إِلهُ رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ، أَبُو الْمَجْدِ، رُوحَ الْحِكْمَةِ وَالإِعْلاَنِ فِي مَعْرِفَتِهِ، 18مُسْتَنِيرَةً عُيُونُ أَذْهَانِكُمْ، لِتَعْلَمُوا مَا هُوَ رَجَاءُ دَعْوَتِهِ، وَمَا هُوَ غِنَى مَجْدِ مِيرَاثِهِ فِي الْقِدِّيسِينَ،

+++

تفسير القمص تادرس يعقوب ملطي

 كَيْ يُعْطِيَكُمْ إِلَهُ رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ، أَبُو الْمَجْدِ، رُوحَ الْحِكْمَةِ وَالإِعْلاَنِ فِي مَعْرِفَتِهِ [17].

يطلب لهم “روح الحكمة“، كما يطلب لهم “الإعلان في معرفته“. لم يقل “في معرفة أسراره”، وإنما “في معرفته” هو، إذ يشتاق أن يدركوه هو شخصيًا ويتعرفوا عليه ككائن يتحدون معه. نحن نحتاج أن يهبنا الله روح الحكمة والمعرفة، فإن كان قد وهبنا العقل من عندياته، لكننا إن سلكنا بالعقل وحده دون الالتجاء إلي الله ننحرف عن الحكمة والمعرفة الحقة.

ثانيًا: “مُسْتَنِيرَةً عُيُونُ أَذْهَانِكُمْ، لِتَعْلَمُوا مَا هُوَ رَجَاءُ دَعْوَتِهِ، وَمَا هُوَ غِنَى مَجْدِ مِيرَاثِهِ فِي الْقِدِّيسِينَ، وَمَا هِيَ عَظَمَةُ قُدْرَتِهِ الْفَائِقَةُ نَحْوَنَا نَحْنُ الْمُؤْمِنِينَ، حَسَبَ عَمَلِ شِدَّةِ قُوَّتِهِ [18-19].

يطلب من أجل استنارة عيونهم الداخلية، أي تكون لهم البصيرة الروحية القادرة أن ترى الله بالإيمان وتتمسك بمواعيده، وتدرك غنى مجد ميراثه المُعد للقديسين فتمتلىء النفس رجاءً وتتشدد بالقوة الإلهية.

v يحوي القلب العيون التي تنظر الله… إنها تستنير الآن بالإيمان، الأمر الذي يناسب ضعفها، أما فيما بعد فتستنير برؤية الله إذ تكون قوية. “فإذًا… ونحن مستوطنون في الجسد فنحن متغربون عن الرب، لأننا بالإيمان نسلك لا بالعيان” (١ كو ٥: ٦، ٧).

القديس أغسطينوس

تسمى المعمودية “سرّ الاستنارة” كقول الرسول بولس: “الذين استنيروا مرة” (عب ٦: ٤)، إذ خلالها تفتح بصيرتنا الداخلية بنور الروح القدس لندرك الأمور الثلاثة المذكورة هنا:

أ. نعلم ما هو رجاء دعوته، فإننا إذ ندخل إلي العضوية في جسد المسيح بالمعمودية نعلم – بالخبرة الحية – دعوته لنا لنكون أبناء الآب وورثة مع المسيح فيمتليء قلبنا رجاءً فيه.

ب. غنى مجد ميراثه في القديسين. بالمعمودية ننعم بعربون الميراث الأبدي المُعد لقديسين، خلاله نختبر الغنى الأبدي غير المنطوق به.

ج. عظمة قدرته الفائقة نحونا نحن المؤمنين حسب عمل شدة قوته. إذ بالمعمودية يقيمنا كما من الموت، ويهبنا البنوة لله واهب الحياة …

v الاستنارة وهي المعمودية… هي معينة الضعفاء… مساهمة النور… إنتفاض الظلمة.

الاستنارة مركب يسير تجاه الله، مسايرة المسيح، أُس الدين، تمام العقل!

الاستنارة مفتاح الملكوت واستعادة الحياة…

نحن ندعوها عطية، وموهبة، ومعمودية، واستنارة، ولباس الخلود وعدم الفساد، وحميم الميلاد الثاني، وخاتمًا، وكل ما هو كريم.

القديس غريغوريوس النزينزي

إن كنا بالمعمودية نلنا الاستنارة يمتلىء قلبنا رجاءً ونتلمس غنى مجد ميراثه، وندرك عظمة قدرته الفائقة نحونا نحن المؤمنين حسب عمل شدة قوته، فإن هذه الاستنارة لا تُعطى في المعمودية بطريقة جامدة وساكنة، إنما تُعطى لكي تتجدد أذهاننا يومًا فيومًا لندخل إلي أعماق جديدة يوميًا خلال إيماننا العامل بالمحبة، وجهادنا بنعمته المجانية الفائقة. لهذا لا يكف الرسول عن أن يصلي من أجل من يكتب إليهم – والذين بلا شك نالوا سرّ العماد – لكي لا تتوقف عطية الله هذه بل تبقى منسكبة بفيض لا ينقطع.

إذ يتأمل القديس يوحنا الذهبي الفم هذه العطية الإلهية يجدها فائقة للغاية لا يمكن للغة البشرية لا أن يعبر عنها. لهذا نقول إننا نبقى نطلب من الله أن يعمل فينا على الدوام لننعم بهذه العطية لعلنا نبلغ كمالها.

فاصل

تفسير القمص أنطونيوس فكري

آيات 18،17: كي يعطيكم إله ربنا يسوع المسيح أبو المجد روح الحكمة والاعلان في معرفتهمستنيرة عيون أذهانكم لتعلموا ما هو رجاء دعوته وما هو غنى مجد ميراثه في القديسين.

صلاة يطلب فيها الرسول المعرفة والاستعلان لأهل أفسس لإدراك دقائق أسرار الفداء الذى تم، وهذه لا ندركها بعقولنا فقط. إله ربنا يسوع المسيحالمسيح بسبب تجسده دخل البشرية كمخلوق، فالله هو إلهه بسبب وضع الجسد. ولهذا قال المسيح “أبى وأبيكم إلهى وإلهكم” (يو17:20). وقوله هنا “إلهكم”  يفرحنا، فبعد أن كنا مطرودين بسبب الخطية صار لنا بالفداء قبولاً عند الله وعدنا للحظيرة الإلهية. حقاً الله هو إله كل الخليقة، ولكن قوله “إلهكم” تشير هنا لرضا الله علينا بعد الفداء. ولكن لماذا يستخدم بولس هذا التعبير هنا أى “إله ربنا يسوع المسيح“؟ لاحظ أنه يطلب لهم أن الله يعطيهم روح الحكمة أى يطلب لهم حلول الروح القدس أو الأمتلاء منه أو عمله فيهم بقوة. والروح القدس ما كان سينسكب على البشر لولا تجسد المسيح، وانسكابه على جسده أولاً0 وصار الروح القدس ينسكب علينا بشروط:

  1. أن لا نقاومه ونسمع له.
  2. أن نهتم بهذا ونطلب لأجله بلجاجة.

أبو المجد: هذه مثل رب المجد (1كو8:2) وإله المجد (أع2:7) وتعنى إله كل مجد وأصل كل مجد. والمجد هو النور والبهاء الإلهى.  

روح الحكمة والإعلان فى معرفته: عمل الله يقصر دونه أعظم العقول ويحار أمامه الفهم، لذلك نحتاج أن نطلب من الله ليعطينا فهماً حين نطلب، فأمور الله لا يعرفها إلا روح الله (1كو9:2-11). والله روح ولا يُعرف إلاّ بالروح. والله وهبنا روحه القدوس. 

روح الحكمة: حينما يعمل الروح فى الفكر يعطيه انفتاحاً وفهماً. وحينما يعمل فى الروح الإنسانية يعطيها تسامى عن الأرضيات وإدراك السماويات، وحينما يعمل فى القلب يعطيه حباً لله وللجميع فالقلب مركز المشاعر، وحينما يعمل فى الجسد يعطيه طهارة وعفة. والمقصود هنا أنه حين يعمل فى الفكر والعقل الإنسانى يعطيه فهماً للأمور الإلهية وفهماً لمشيئة الله وخطط الله. بالإجمال فالروح القدس يعطى للإنسان سلوكاً بالقداسة. وراجع الآيات (3:3-11) فما قاله الرسول فيها ناشىء من روح الحكمة الذى أعطاه له الله. ولذلك يصلى حتى يكون لنا مثلما كان له. ولكن مهما عرفنا الآن فنحن نعرف قليلاً جداً (1كو12:13) ومعرفة الله تزيد النعمة والسلام، (2بط2:1) بل هى الحياة الأبدية (يو3:17). وحينما يعمل روح الحكمة فيهم “تستنير عيون أذهانهم” = أى تكون لهم فى وعيهم القدرة على النظر إلى الأمور التى يستعلنها الروح، فالروح يعلن حقائق جديدة أو تطبيقات تناسب حياتنا للآيات التى نسمعها = الإعلان. وبعيوننا الجسدية نرى الأرضيات الملموسة، ولا نرى الأمور الروحية. ولكن هناك عيون داخلية نرى بها أمور الله غير المستعلنة مثل الخلاص وأموره، نرى الله بالإيمان ونتمسك به. ولقد أرسل البابا أثناسيوس للقديس ديديموس الضرير مدير الإكليركية رسالة قال له فيها “طوباك يا ديديموس فلقد فقدت عينان ترى بهما التراب ولكن لك عينان ترى بهما الله“.

مستنيرة: لا رؤية بلا نور، وكل ما يخص الله فهو فى النور فالله نور. وبنور الله ندرك الحقائق الإلهية. والعين المستنيرة قد أنارها الله، وذلك لمن يحفظ وصاياه، ويحب الله ويحب قريبه أى يسلك فى النور. والمعمودية تُسمى سر الاستنارة (عب4:6) إذ خلالها تنفتح بصيرتنا الداخلية بنور الروح القدس. وخلال إيماننا العامل بالمحبة وجهادنا بنعمتة الغنية المجانية تتجدد أذهاننا يوماً فيوم لندخل لأعماق جديدة.

لتعلموا ماهو رجاء دعوته: لنعلم حين يفتح الروح أعين قلوبنا الهدف من دعوتنا. ويعلن لنا الرجاء الذى نتطلع إليه وننتظره، أن نكون مع المسيح فى مجده عند مجيئه. وعمل الروح القدس أن يجعل هذا الرجاء حياً وليس مجرد معلومات نعرفها بالعقل دون أن تكون حقيقية فى قلوبنا. غنى مجد ميراثه فى القديسين: سبق فى آية 14 أن كلمنا عن ميراثنا، فكل القديسين سيتشتركون فى غنى مجد المسيح وميراثه ويكون مصيرنا مرتبط بالمسيح أبدياً. ولكن هنا نسمع أننا سنصير ميراثه فالقديسين هم ميراث المسيح (1مل51:8، 53) + (مز70:78، 71) + (أش25:19) + (يؤ2:3) فإن كان شعب إسرائيل قيل عنهم ميراث الله، فكم وكم قديسى العهد الجديد. وهو ميراث غنى بالمسيح الذى فينا. وقيل هذا عن الأمم (مز8:2). وكوننا ميراث المسيح فهذا يوضح أن لنا قيمة عظيمة عنده. فالناس يتصارعون على الميراث إن كان ثميناً، والمسيح تجسد ومات وصارع الشيطان على الصليب ليأخذنا منه، ونصير ميراثه، وكونه يصارع لأجلنا إذن نحن نستحق فى نظره هذا، ونحن لنا قيمة عظيمة عنده. بل هو مازال يصارع ليأخذ ما يستطيع أن يأخذه من يد إبليس،لذلك قيل عنه خرج غالباً ولكى يغلب (رؤ2:6). وكوننا غالبين عنده ولنا هذه القيمة أن يكون ميراثه، فهذا ما يفرحنا حقيقة.

فاصل

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى