سرّ الزواج

1 – ما هو أول زواج تمّ؟

يحدثنا مار يعقوب السروجى عن أول زواج تمّ بين أبوينا الأولين آدم وحواء فى الفردوس، فيقول: [زين (الرب) حواء العروس البتول وأعطاها لآدم، وفى مهرها قدّم البحر واليابسة والهواء.

جمع كل العوالم إلى العرس العظيم الذى صنعه، فتزين العروسان بأكاليلهما وثيابهما. ووشحهما بنور بهى وضياء لائق، وتركهما يتنعمان بين الأشجار.

كل الأشجار وثمارها أعطت هدية، وابتهجت الجنة بالعروس والختن المحبوبين.

كانت شجرة الحياة مخفية فى خدر عدن العظيم، لتصير لعريسى النور عندما يكتملان ([822])].

2 – ما هو مفهوم الزواج المسيحى؟

فى هذا السر يوحد السيد المسيح العروسين فيه، ليختبروا ظل العرس السماوى وعربون الفرح الأبدى. يؤكد الروح القدس أن الزواج ليس عقداً شرعياً مجرداً، ولا عمل اجتماعى بحت، بل هو تمتع بعربون الملكوت. فالعرسان مدعوان بالروح القدس لا ليعيشا معاً وحدهما، بل يتمتعان معاً بالرب ويتذوقان الاتحاد معه.

يتطلع الله إلى الإنسان كملك أو ملكة، من أجله خلق هذا العالم الجميل قصراً ملوكياً له، ووهبه الحرية ليكون سفيراً ووكيلاً له. وها هو يمد يده بنفسه ليقدس زواجه، فيقيم من بيته كنيسة مقدسة ووكالة السماء. يجعل من الرجل والمرأة جسداً واحداً، يحملان بزواجهما ظل الزواج السماوى بين السيد المسيح وكنيسته، دستور البيت هو الحب المتبادل وتقديم كل منهما الآخر عليه. “من أجل هذا يترك الرجل أباه وأمه ويلتصق بامرأته، ويكون الاثنان جسداً واحداً. هذا السرّ عظيم، ولكننى أنا أقول من نحو المسيح والكنيسة” (أف5: 31 – 32).

غاية عمل السيد المسيح هو أن يلتصق بالبشرية المؤمنة بكونها العروس السماوية. إنه عامل فى حياة الكل: المتزوجين والبتوليين، الكبار والصغار.

يقول العلامة أوريجينوس: [الزواج عطية روحية، ولكن لا تكون هكذا إن تمت مع غير المؤمنين. لا يُعطى روح الله ليسكن فى هؤلاء الذين غير مؤمنين ([823])]. العريسان مدعوان بالروح القدس لا ليعيشا معاً وحدهما، يتمتعان معاً بالرب ويتذوقان الاتحاد معه.

يقول العلامة ترتليان: [يا لجمال زواج المسيحيين، إذ يصير الاثنان واحداً فى الرجاء وفى الرغبات وفى طريقة الحياة التى يتبعانها، واحداً فى الإيمان الذى يمارسانه]. كما يقول: [كيف يمكننا أن نصف الزواج بطريقة لائقة به، هذا الذى تنظمه الكنسة وتقوّيه الذبيحة، وتضع البركة ختمها عليه، ويحضره الملائكة شهوداً، ويعلن الله موافقته عليه؟].

3 – ماذا نعنى بالقول إن الزواج من الله؟

“الحب الزوجى المسيحى” فى حياة المؤمن هو “سرّ” يمارسه بمنظار إيمانى حىّ، لا لمجرد إشباع غرائزه الجنسية، وإلا صار أشبه بزنا محلل كما يتخيل البعض، ولا لإشباع احتياجاته الاجتماعية البحتة، فيهدف إلى إنشاء بيت وإقامة أسرة خلال قانون الطبيعة، وإنما هو أول وقبل كل شئ قبول عمل إلهى فى حياته لإشباعه من كل جانب فى هذا الزمان ورفعه إلى رؤية أبديّة مفرحة. إن كانت السماء فى جوهرها شركة حب وحياة وحدة فى الله مركز السماء، فالحياة الزوجيّة الحقيقية فى صميم كيانها هى وحدة حب زوجى، خلالها يصير الاثنان واحداً. يقول القديس إكليمنضس السكندرى: [ذهب مخلصنا إلى عرس ليقدس أصل الحياة البشرية]. [الزواج أعظم من أن يكون بشرياً، إنه مملكة مصغرة هو بيت صغير للرب]. [من هم الاثنان أو الثلاثة المجتمعون باسم المسيح، الذين يحل الرب فيهم؟ أليسوا الرجل وزوجته وطفلهما، لأن الرجل وزوجته، يتحدان بالله] [الزواج صورة مقدسة يجب حفظها طاهرة مما يدنسها. يليق بنا أن نقوم مع المسيح من سباتنا ونرجع لننام بشكر وصلاة]. [قلوب الأحباء لها أجنحة… الحب يمكن أن يتحول إلى بغضة إن زحف إليه أسباب هامة لعدم الاحترام المتبادل]. [من يطلب اللذة الجسدية وحدها يحول الزواج إلى زنا] [من هم الاثنان أو الثلاثة الذين يجتمعون معاً باسم المسيح فيحل الرب فى وسطهم؟! (مت18: 20) أليس هؤلاء هم الرجل وزوجته وابنهما فيرتبط الرجل والزوجة معاً بواسطة الله ([824])].

ويقول القديس يوحنا الذهبى الفم: [عندما يقول الحكيم: “توافق رجل مع امرأة هو من الرب” (راجع أم19: 14)، فإنه يعنى أن الله يؤسس الزواج، وليس أن الله هو يقوم بالتوفيق بين كل رجل لتكون له امرأة. فإننا نورى رجالاً كثيرين ونساءً قد ارتبطوا معاً بالشر، حتى وإن كان رباطهم هو بشريعة الزواج، مثل هذه الحالات لا ننسبها لله ([825])].

4 – ماذا نعنى بالقول إن الزواج سرّ مقدس؟

الزواج فى المسيحية له قدسيته، والمضجع طاهر. فقد رفعت المسيحية الزواج إلى أعلى مستوى، إذ جعلت الوحدة تقوم بين الزوجين بالله نفسه، على نفس مثال الوحدة بين المسيح والكنيسة (أف5: 22 – 24)، ليس لإقامة بيت جديد، بل لتأسيس كنيسة مقدسة يسكن الرب فى داخلها ويستريح. بهذا يشعر المؤمن أن الزواج سرّ كنسى مقدس، فيه يربط السيد المسيح العروسين فى اتحاد مقدس بنعمة الروح القدس، ليتذوقا الاتحاد السرى بين المسيح والكنيسة عروسه ويعيشا فى بيتهما للرب جسداً واحداً بلا انقسام. لهذا يليق أن يُراعى فى الزواج المسيحى الآتى:

أ. موافقة الأسقف ([826]).

ب. فى نهاية القرن الثانى ارتبط سرّ الزواج بسرّ الإفخارستيا. يقول العلامة ترتليان: [كيف يمكن وصف سعادة هذا الزواج الذى توافق عليه الكنيسة، وتثبته الذبيحة، وتختمه البركة، ويتعرف عليه الملائكة، ويصدق عليه الآب؟ ([827])].

مع سماح السيد المسيح بالطلاق فى حالة الزنا (مت19: 9)، إلا أنه لم يكن يتم الطلاق تلقائياً بمجرد حدوثه، إنما كانت تُعطى فرصة للندامة والتوبة مع الحرمان من العبادة الجماعية لمدة طويلة.

يقول القديس جيروم [الهراطقة وحدهم هم الذين يحتقرون الزواج، فيطأون وصية الله بأقدامهم، أما نحن فنصغى بكل بهجة إلى الكلمة التى قالها ربنا فى مديحه للزواج. فإن الكنيسة لا تشجب الزواج، وإنما فقط تخضعه ([828])].

5 – لماذا افتتح السيد المسيح خدمته بحضوره فى عرس قانا الجليل؟

يقول القديس أغسطينوس: [بحضور الرب العرس الذى دُعى إليه أراد بطريقة رمزيّة أن يؤكد لنا أنه مؤسس سر الزواج، لأنه يظهر قوم قال عنهم الرسول أنهم مانعون عن الزواج (1تى4: 3)، حاسبين الزواج شراً من صنع الشيطان ([829])].

ويقول القديس كيرلس الكبير: [لم يأت لكى يشترك فى العرس بل بالأكثر ليحقق معجزته، ويقدس بدء الميلاد البشرى الذى يتعلق بالجسد. كان لائقاً بذاك الذى جاء لتجديد طبيعة الإنسان نفسها وتقديمها بكاملها إلى حالة أفضل أن يقدم بركته ليس فقط لمن ولدوا بالفعل وإنما أيضاً يُعد بالبركة للذين يولدون فيما بعد، مقدساً مجيئهم فى هذا العالم… بتقديس الزواج، لقد أزال الحزن القديم على الولادة ([830])].

كما قال: [جاء (إلى العرس) لكى يقدس بداية ميلاده، أعنى ميلاده حسب الجسد… أن يهيئ نعمة، مقدماً إياها للذين سيولودون، ويجعل مجيئهم مقدساً].

[قيل للمرأة من قبل الله: “بالحزن سوف تحبلين” (تك3: 16). ألم تكن الحاجة بالأكثر إلى القضاء على هذا اللعنة أيضاً، وإلا كيف يمكننا أن نتفادى زواجاً مداناً؟ لكن لأن المخلص هو محب البشر فإنه هو الذى يرفع هذه اللعنة، إذ هو فرح الكل وسعادتهم. لقد أكرم الزواج بحضوره لكى يزيل العار القديم الخاص بالحبل. لأنه إن كان أحد فى المسح فهو خليقة جديدة، الأشياء القديمة قد مضت هوذا الكل قد صار جديداً “(2كو5: 17)].

[لم يأت المخلص إلى العرس بإرادته وحده، بل بدعوة، أى برجاء وإلحاح أصوات القديسين (ي2: 2)، ولكن الخمر فرغت ولم يعد لدى المحتفلين منها أى شئ، لأن الناموس لم يكمل شيئاً، ولم تعط الوصايا الموسوية الفرح، ولم يستطع الناموس الطبيعى المغروس فينا أن يخلصنا].

6 – ما هو دُعامة الحياة الزوجية؟

يقول الأب ثيوناس: [إننى لا أرفض رباط الزواج، لا بل أسلم به فى حب أعظم، لأننى بهذا أشهد معترفاً لزوجتى التى عينها لى الرب وأكرّمها، ولا أرفض الارتباط بها برباط الحب فى المسيح الذى لا ينفك أبداً ([831])].

ويقول القديس باسيليوس الكبير: [أيها الرجال، أحبوا نساكم. (أف5: 25). فقد كنتم غرباء عن بعضكم البعض، ولكنكم جُمعتم بشركة الزواج. لتكن هذه الرابطة الطبيعية، هذا النير الذى وضع عليكم بفعل البركة الزوجية، صلة وصل، تجمع فيما بينكم رغم المسافات ([832])]. وأيضاً: [كما أن الحية تفرغ سمها خارجاً احتراماً للزواج، كذلك على الزوج أن يتخلى عن جفاء طبعه اللاإنسانى أحياناً احتراماً للرابطة الزوجية ([833])].

7 – كيف نفذ السيد المسيح الوصية: يترك الرجل أباه وأمه ويلتصق بامرأته (تك2: 24؛ مت19: 5)؟

يقول القديس أغسطينوس: [ترك أباه، إذ أظهر ذاته كمن هو غير مساو للآب بإخلاء نفسه وأخذ شكل العبد (فى2: 7) وترك أمه المجمع الذى منه وُلد حسب الجسد، ملتصقاً بامرأته أى كنيسته ([834])].

8 – ما هى نظرة الزوجين فى إنجاب الأطفال؟

يقول القديس إكليمنضس السكندرى [هكذا صار الإنسان على صورة الله يشترك فى خلقه الإنسان ([835])].

9 – ما هو سرّ المساواة بين الزوج والزوجة؟

يقول القديس إكليمنضس السكندرى: [يحمل الجنسان ذات الفضيلة. فإن إلهاً واحد، سيّدهما واحد، كنيسة واحدة، ضبط للنفس واحد، تواضع واحد، طعام مشترك، يحملان نيراً متساوياً فى زواجهما، يشتركان فى التنفس والنظر والسمع والمعرفة والرجاء والطاعة والحب، حياتهما مشتركة، خلاص مشترك، حب مشترك، وتداريب مشتركة ([836])].

ويقول القديس أمبروسيوس: [ليت الرجل يقود زوجته كربان، يكرمها كشريكة معه فى الحياة، يشاركها كوارثه معه فى النعمة ([837])]. كما يقول: [الرجل بدون زوجته يحسب كمن هو بلا بيت ([838])].

ويقول القديس يوحنا الذهبى الفم: [المحبة من اختصاص الرجال، أما الخضوع فمن اختصاص النساء، فإن قدم كل إنسان ما يلتزم به تثبت الأمور، فالرجل بحبه للمرأة تصيره هى محبة له، والمرأة بطاعتها للرجل يصير وديعاً معها. لا تنتفخى لأن الرجل يحبك، فقد جعله الله يحبك لتطيعه فى خصوع بسهولة. لا تخافى من خضوعك له، لأن الخضوع للمحب ليس فيه صعوبة ([839])]. [اهتم بها بنفس العناية التى تعهد بها المسيح الكنيسة. نعم، حتى وإن احتاجت أن تقدم حياتك! نعم، وإن احتاجت أن تتقطع أجزاء ربوات الموات! نعم، لنحتمل أى ألم مهما كان ولا تمتنع ([840])]. [إن رأيتها تزدرى بك وتأنف منك وتحتقرك، فتفكيرك العظيم تجاهها ومودتك ولطفك تقدر أن تخضعها لك، فإنه ليس شئ أعظم قوة فى الاستمالة أكثر من هذه الرباطات، خاصة من الزوج والزوجة!… نعم فإنه بالرغم مما تعانيه من بعض الأمور من ناحيتها فلا تعنفها، لأن المسيح لم يفعل ذلك ([841])].

يدعو القديس يوحنا الذهبى الفم الاثنين للحب المتبادل فيقول: [ليس هنا شئ يلحم حياتنا مع بعضنا البعض هكذا مثل حب الرجل وزوجته ([842])]. [امرأة شابة عاقلة كتومة وتقيّة أفضل من كل مال العالم. أخبرها بأنك تحبّها أكثر من حياتك، لأن هذه الحياة الحاضرة ليست شيئاً.

يقول العلامة أوريجينوس: [الزوج والزوجة هما واحد كما أن الخمر والماء هما واحد عند امتزاجهما معاً. كما أن الشريك غير المؤمن يفسد المؤمن. لهذا السبب فإن الذى لم يتزوج بعد يلزمه بكل حرص إما أنه لا يتزوج نهائياً أو يتزوج فى الرب ([843])].

يقول القديس أغسطينوس: [نلاحظ أن فى شريعة الزواج يخضع الرجل لنفس القواعد التى فرضت على المرأة. فعندما يحدث الرسول المرأة: “ليس للمرأة تسلط على جسدها، بل الرجل” (1كو7: 4)، يحدث الرجل أيضاً: “وكذلك الرجل أيضاً ليس له تسلط على جسده، بل للمرأة” فما دامت القواعد بينهما متشابهة، لذلك لا يجوز للمرأة أن تترك رجلها إلا لعلة الزنا كالرجل تماماً ([844])].

10 – ما هو مفهوم خضوع الزوجة لرجلها؟

كثيرون يسيئون فهم العبارة الرسولية “أيها النساء (الزوجات) اخضعن لرجالكن كما للرب” (أف5: 22)، فيحسبونها دعوة لخنوع المرأة واستسلامها، ولبث روح السلطة للرجل.

“الخضوع” فى المسيحية ليس خنوعاً ولا ضعفً، ولا نقصاً فى الكرامة، هذا ما أعلنه كلمة الله المتجسد حين أعلن طاعته للآب وخضوعه له مع أنه واحد فى الجوهر، رافعاً من فضيلة “الخضوع” ليجعلها موضع سباق لعلنا نبلغ سمة المسيح الخاضع والمطيع. والعجيب أن الإنجيلى لوقا يقول بأن “يسوع” كان خاضعاً للقديسة مريم والقديس يوسف النجار (لو2: 51)، مع كونه خالقهما ومخلصهما، وخضوعه لم يعقه عن تحقيق رسالته التى غالباً لم يدركاها فى كمال أعماقها، إذ قال بتواضع وصراحة: “لماذا كنتما تطلباننى؟ ألم تعلما أنه ينبغى أن أكون فى ما لأبى” (لو3: 49). فالخضوع ليس استسلاماً على حساب رسالة الشخص، ولا طاعة عمياء دون تفكير، وإنما اتساع قلب وقبول لإرادة الغير بفكر ناضج متزن.

يقول القديس يوحنا الذهبى الفم: [اخضعهن لأجل الرب، لأن هذا الأمر يكرمهن… ولا أعنى ذلك الخضوع كما لعبيد أمام سيدهم، وليس خضوع تحتمه طبيعتهن، بل هو لأجل الرب… لأنه يمكن للإنسان الذى يحب أن يكون قاسياً بعض الشئ، وما يقصده إذن هو، لا تتشاجرا، لأنه ما من شئ أمر من ذلك الشجار وخاصة حينما يقع من جانب الزوج ضد زوجته… وإذ تجد الزوجة نفسها محبوبة، فإنها أيضاً تحب وتخضع، فيبذل رجلها لأجلها ويرضخ. تأملوا كيف تسير الطبيعة نسقها: أن واحداً يخضع والآخر يحب. لكن، إذا تخضع لكم زوجاتكم، لا يليق أن تستبدوا، وأنتن إذ يحبكن رجالكن لا تنتفخن متكبرات، وليت حب الرجل لا يصيب المرأة بالخيلاء، ولا خضوع الزوجة يجعل الزوج ينتفخ متغطرساً… لا تخشين من خضوعكن، لأن خضوعكن لمن يحبكن لا يشكل صعوبة. ولا تخشوا الحب، إذ بالحب ترضخ لكم نساؤكم. وفى كلا الحالين يتوثق رباط (العلاقة الزوجية) ([845])].

كما يقول: [المرأة بطاعتها للرجل يصير وديعاً نحوها… بالمحبة تزول كل مقاومة، فإن كان الرجل وثنياً يقبل الإيمان سريعاً، وإن كان مسيحياً يصير أفضل ([846])].

11 – ما هو مدى مسئولية كل شخص عن حياته الروحية؟

يليق ألا يلقى باللوم على الطرف الآخر. يقول القديس أمبروسيوس: [هذا تحذير ألا يعتمد أحد على الآخر. فالتى خٌلقت معينة تحتاج إلى حماية الأقوى. بنفس المعنى “الرجل رأس المرأة” (أف5: 23) وبينما أعتقد أنه محتاج إلى معونة زوجته سقط بسببها. لهذا يليق ألا يضع احد حياته فى يد آخر، ما لم يختبر أولاً فضيلته. ولا يدعى أحد أنه يقوم بدور الحماية لمن يظن أنه اقل منه فى قوته، بل بالأحرى يلزمه أن يشاركه نعمته الخاصة مع الآخر. خاصة بالنسبة للشخص الذى فى وضع القوة الأعظم ويمارس دور المدافع ([847])].

12 – هل تطيع الزوجة رجلها إن طلب كسر الوصية الإلهية؟

يقول القديس يوحنا الذهبى الفم: [إن كان الأب أممياً أو هرطوقياً يلزمنا ألاَّ يخالف الرب) إذ هو لا يأمر “فى الرب” ([848])]. ويقول القديس أغسطينوس: [الزوج المسيحى يمكنه أن يترك زوجته دون لوم عليه حتى إن كانا قد تزوجا قانونياً ما دامت ترفض الزوجة أن تعيش معه لأنه مسيحى ([849])].

13 – ما هو دور الزوجة كمعينة لرجلها؟

يقول القديس إكليمنضس السكندرى: [لقد قيل فى الكتاب المقدس أن الله أعطى المرأة معينة للرجل. فى رأيى أنه من الواضح أنها تقدر أن تقوم بعلاج جميع متاعب زوجها فى تدبير خدمتها، وذلك خلال سلوكها الحسن وقدرتها. فإن لم يخضع (متأثراً بسلوكها) فإنها تسعى ما فى استطاعتها أن تسلك فى حياة طاهرة… آخذة فى اعتبارها أن الله هو معينها والمساعد لها فى سلوكها هذا، وأنه هو المدافع الحقيقى عنها، ومخلصها فى هذا الحياة والحياة الأخرى (1بط3).

لتأخذ الله قائداً لها ومرشداً لها فى كل أعمالها، حاسبة الوقار والبرّ عملها، ناظرة إلى إحسانات الله غايتها. بالنعمة يقول الرسول فى رسالته إلى تيطس “كذلك العجائز فى سيرة تليق بالقداسة غير ثالبات غير مًستعبدات للخمر الكثر معلمات الصلاح. لكى ينصحن الحدثات أن يكن محبات لرجلهن ويُحببن أولادهن. متعقلات عفيفات ملازمات بيوتهن صالحات خاضعات لرجالهن لكى لا يجدف على كلمة الله” (2: 3 – 5) ([850])].

14 – ما هو سرّ الجمال الحقيقى للزوجة؟

يرى القديس إكليمنضس السكندرى أن الزينة الحقيقية للمرأة ليست التى من عمل الآخرين، أى الزينة الخارجية، بل التى تتعب هى بنفسها فيها أى زينة الروح المجاهدة، إذ يقول: [لأن عمل أيديهن يهب لهن جمالاً خالصاً أكثر من كل شئ، فيدربن أجسادهن ويزين نفوسهن بمجهوداتهن وليس من عمل الغير. المرأة الصالحة تنسج بيديها ما تريد. فإنه غير لائق بمن قد تشكلت بصورة الله أن تتزين بالأمور التى تُباع فى السوق، بل بعملها الداخلى ([851])].

يقول القديس يوحنا الذهبى الفم: [أتريدين أن تكونى جميلة؟ تسربلى بالصدقة. البسى العطف، توشحى بالعفة. كونى خالية من التشامخ. هذه كلها أوفر كرامة من الذهب. هذه تصير الجميلة جزيلة البهاء وغير الجميلة جميلة. عندما تُغالين فى التزين أيتها المرأة تكونين أشنع من العارية لأنك خلعت حسن الجمال… قولى لى لو أعطاك أحد ثوباً ملكياً فأخذتيه ولبست فوقه ثوب العبيد، أما يكون لك خزى يليه عذاب؟ قد لبست سيد الملائكة، أترجعين إلى الأرض؟ قولى لى لماذا تتزينين، هل لكى ترضى زوجك؟ افعلى هذا فى منزلك ([852])!]. فى اختيار الزوجة يقول: [لا تركضوا وراء الغنى والنسب وجمال الجسد، فتشوا عن جمال النفس ([853])].

15 – هل يلزم أن يكون الزواج من مؤمن أو مؤمنة؟

يقول القديس أغناطيوس النورانى: [يجب على المتزوجين والمتزوجات أن يجروا اتحادهم برأى الأسقف، لكى يكون الزواج مطابقاً لإرادة الله لا بحسب الشهوة ([854])].

كما يقول القديس أمبروسيوس: [إذا كان لابد أن يعقد الزواج بحلة كهنوتية وبركة، فكيف يمكن أن يكون زواج حيث الإيمان مختلف؟! ([855]).

فى القرن الرابع أعلن قسطنطين أن الزواج المسيحى / اليهودى غير شرعى، وفى عام 338م أعلن قانون مسيحى رومانى أن الذين عقدوا زواجاً مع غير مسيحيين يعيشون فى ولاية زانية ([856]). يقول العلامة ترتليان: [إنهما يصليان معاً، ويصومان معاً، ويعلمان ويحثان ويسندان بعضهما البعض. يشاركان بعضهما البعض متاعبهما والاضطهاد والانتعاش. يبتهجان بزيارتهما المرضى، ومساعدتهما المحتاجين وتقديم العطاء بسخاء. المسيح يفرح حين يسمع ويرى هذا يحدث ([857])].

قد يعترض أحد معتمداً على قول الرسول: “لأن الرجل غير المؤمن مقدس فى المرأة والمرأة غير المؤمنة مقدسة فى الرجل وإلا فأولادكم نجسون، وأما الآن فهم مقدسون” (1كو7: 14).

يجيب القديس يوحنا الذهبى الفم: [واضح أن المرأة التى ترتبط بعابد وثن هى معه جسد واحد. حسناً! هما جسد واحد، ومع ذلك لا تصير دنسة، بل طهارة الزوجة تغلب دنس الزوج… لأنه هنا يوجد رجاء أن العضو الضائع قد يخلص الزواج… لكن الأمر هنا ليس بخصوص شخصين لم يجتمعا بعد (بالزواج) بل بخصوص الذين ارتبطوا فعلاً به. إنه لم يقل إن أراد أحد أن يأخذ له زوجة غير مؤمنة، بل قال: “إن كان أخ له امرأة غير مؤمنة” (1كو7: 12)… ماذا إذن هل اليونانى (الأممى غير المؤمن) مقدس؟ بالتأكيد لا، إذ لم يقل إنه مقدس بل قال إنه “مقدس فى زوجته”، قال هذا لا ليعنى انه مقدس (فى ذاته)، وإنما لكى يخلص المرأة تماماً قدر المستطاع من مخاوفها ويقود الرجل لكى يرغب فى الحق ([858])].

16 – هل يسلب أحد الزوجين الطرف الآخر فى العلاقات الزوجية؟

يقول الرسول بولس: ليوف الرجل المرأة حقها الواجب وكذلك المرأة أيضاً الرجل… لا يسلب أحدكم الاخر إلا أن يكون على موافقة إلى حين، لكى تتفرغوا للصوم والصلاة، ثم تجتمعوا أيضاً معاً، لكى لا يجربكم الشيطان لسبب عدم نزاهتكم “(1كو7: 5).

يقول القديس أغسطينوس: [ليس من الصعب بالنسبة للمتزوجين المخلصين أن يضعوا لمدة أيام ما تعهد به الأرامل والبتوليون القديسون أن يفعلوه كل أيام حياتهم، لهذا لتلتهب فيكم الغيرة، ولتضبط الشهوات ([859])].

ويقول العلامة أوريجينوس: [يلزم أن تتم أسرار الزواج بقدسية وبتريث وليس بأهواء مشوشة ([860])]. كما يقول: [يسمح الله لنا بالزواج، إذ ليس كل إنسان قادراً على حالة السمو المُلزم بالنقاوة المطلقة ([861])]. [إنك تمتنع عن زوجتك التى ارتبطت بها. تقول إننى لا أسئ إليها وتظن أنك تقدر أن تعيش عفيفاً فى نقاوة أعظم. أنظر كيف تحطم زوجتك البائسة كنتيجة لتصرفك، فإنها عاجزة عن احتمال طهارتك! يجب أن تلتصق بها جسدياً، لا من أجلك وانما من أجلها هى! ([862])].

يقول القديس يوحنا الذهبى الفم: [لست أخجل أن أنطق بهذا ما دام بولس لم يخجل من القول: “لا يسلب أحدكم الآخر” (1كو7: 5) فيبدو ما يقوله مخجل أكثر مما أقوله، ومع هذا لم يخجل. فإنه لا يهتم بالكلمات بل بالأعمال التى توضع فى مكانها اللائق كما بسيوف ([863])].

[لماذا هذا؟ لأن شروراً عظيمة تصدر عن هذا النوع من الامتناع. لأن الزنا والنجاسة ودمار العائلات غالباً ما يحدث بسبب هذا. فإن كان الرجال وهم لهم نساؤهم يتعرّضون لارتكاب الزنا فبالأكثر يسقطون إن نُزعت عنهم هذه التعزية… يمكنك أن تعيش مع زوجة وتهتم بالصلاة. ولكن بالعفة تصير الصلاة أكثر كمالا. إذ لم يقل: “لكى تصلوا، بل قال:” لكى تتفرغوا للصلاة “، فما يتكلم عنه ليس بسبب دنس ما، وإنما للتفرغ أكثر… ألا ترون المعنى القوى الذى يقصده بأن العفة أفضل، ومع هذا فهو لا يُلزم الشخص العاجز عن بلوغها، لئلا يعترض أحد ([864])].

17 – ما هو دور السيد المسيح والكنيسة فى الأسرة المسيحية؟

يقدر الزوجان أن يتذوقا محبة السيد المسيح عريسها خلال حب الزوج لزوجته، ويدركان طاعة الكنيسة له خلال طاعة الزوجة لزوجها، ويختبر أبناؤهما أبوة الله وأمومة الكنيسة خلال أبوة أبيهم وأمومة أمهم. فى البيت المسيحى الحقيقى يتذوق الكل مفهوم شركة القديسين معاً فى شخص المسيح. بمعنى آخر أن الحياة الزوجية المقدسة تقدم لكل أعضائها وللغير صورة للعلاقات السماوية الخالدة.

يقول القديس أغسطينوس: [لدى الإنسان مسئولية من جهة أهل بيته، فمن الواضح أنه بحسب القانون الطبيعى والإنسانى أنه على اتصال بهم بطريقة أسهل وأسرع من غيرهم، ليمارس اهتمامه بهم. هذا هو السبب الذى لأجله يقول الرسول: “إن كان أحد لا يعتنى بخاصته، ولا سيما أهل بيته، فقد أنكر الإيمان، وهو أشر من غير المؤمن” (1تى5: 8). هذا هو الموضع الذى فيه يبدأ السلام العائلى ([865]).

18 – ما هو دستور الأسرة الرئيسى؟

أولاً: الحب هو دستور الأسرة الرئيسى. يقول القديس باسيليوس الكبير: [لا يمكننا أن ندرك مدى الحب المتبادل بين صغار الحيوانات وكبارها ضمن العائلة الواحدة، إذ أن الله الذى خلقها شاء أن يعوض لها فقدان عقلها بحرارة عاطفتها. فكيف نفسر معرفة الحمل الصغير لأمه بلونها وصوتها من بين ألاف الخراف؟ وكيف يسرع إليها للرضاعة رغم شح أثدائها، ومع أنه يمر فى طريقه أمام كثير من النعاج ذوات الحليب الوافر؟ ثم كيف تعرف الأم صغيرها من بين ألاف الحملان، مع أن للجميع صوت واحد ولون واحد ورائحة واحدة، بحكم حاسة شمنا نحن؟ بالحقيقة إن لها فى ذلك ما هو انحف بكثير وأشد حيوية من ذكائنا ولا نستطيع له تفسير ([866])].

كما يقول [ “أيها الأولاد، أحبوا آباءكم. وأنتم أيها الآباء لا تغضبوا أولادكم” (أف6: 4). أليس هذا ما تقوله الطبيعة؟ ان القديس بولس لا يعلم شيئاً جديداً، وانما يعلم على توثيق الربط الطبيعة. وإذا كانت اللبؤة تحب صغارها والذئب يدافع عن جراميذه، فماذا نقول عن الإنسان الذى لا يعمل بهذه الوصية ويخرق نظام الطبيعة بعينه؟ كالولد يحتقر شيخوخة أبيه، أو كالأب ينسيه زواجه الثانى بنيه الأوائل؟ ([867])].

ثانياً: العفة والطهارة. يقول القديس جيروم: [كما يحب المسيح الكنيسة مقدسة عفيفة وبلا دنس، فليحب الأزواج أيضاً زوجاتهم فى عفة. وليعلم كل أحد كيف يحفظ إناءه فى قداسة وكرامة، وليس فى دنس الشهوة الردية كالأمم الذين لا يعرفون الله “لأن الله لم يدعنا (يختارنا) للنجاسة، بل للتقديس عالمين أنكم قد خلعتم الإنسان العتيق بأفعاله ولبستم الإنسان الجديد الذى يتجدد (باستمرار) لمعرفة صورة ذاك الذى خلقه! (كو3: 9 – 10) ([868])].

ويقول القديس إكليمنضس الرومانى: [لنوجه نساءنا إلى ما هو صالح حتى يظهرن شخصية طاهرة نُعجب بها، فيُظهرون مشاعر التواضع الحقيقى ([869])].

19 – هل حياة البتولية مقدسة فى الرب؟

السيد المسيح، كلمة الله المتجسد، يقدم لنا نفسه نموذجاً فريداً. يقول القديس جيروم: [المسيح نفسه وإن كان فى الجسد بتولاً، كان له فى الروح زوجة واحدة، وهى الكنيسة].

قدم لنا التاريخ الكنسى صورة جميلة لأناس تدرّبوا على العفة فى حياتهم الزوجية باعتدالهم فى علاقاتهم الجسدية، ومنهم من عاش بلا علاقات جسدية برضا الطرفين. وقد خرجت عائلات بأكملها ملتهبة بالحب تمارس حياة البتولية والرهبنة بفرح حقيقى وبرضا واتفاق مشترك كما ذكر لنا آباؤنا ومعلّمونا على حد تعبير العلامة ترتليان ([870]).

يرى ما ريعقوب السروجى البتولية هى حالة آدم وحواء قبل الخطيئة:

[سمو البتولية هو أعلى من كل الأعالى، وكل أعالى العالم موضوعة تحت رجليها.

هى الدرجة الأولى التى قام فيها آدم، وتباهى بها قبل أن يأكل من الشجرة.

فى هذه الدرجة المجيدة والسامية والمملوءة جمالاً قامت حواء قبل أن تتكلم معها الحية…

البتولية تخطّت الأعالى، وطارت فى الهواء، وعبرت الموضع بمركبة النار البهية…

جناحاً البتولية عظيمان وسريعان، وهى تطير إلى عش السمائيين العالى.

هموم المسكن والأرضيات منزوعة عنها، لأنها لا تريد أن تسكن فى العالم وتمكث فيه،.

لا تفكر مطلقاً فى البنين ولا فى البنات، لكنها تحب الاسم الحسن وتفتخر به،.

هذا العالم ليس هو موضع البتولية، ولا تريد أن تٌقيم فيه ورثة ليقتنوه،.

نظر البتولية متجه إلى موضع العلى إلى بيت الملائكة الذين يسمون على الزواج…

الدرجة السامية التى قام فيه آدم قبل أن يخطئ هى البتولية المختلطة مع الملائكة ([871])].

يرى مار يعقوب السروجى أقصى جمال البتولية نجده فى مريم.

[أقصى حد جمال البتولية هو مريم التى صارت أما لمصوّر الأجنة فى البطون،.

حلّ فى البتول، وأعطى إكليلاً للبتولية ليتضح بأن طريقها هى أسمى من الدروب،.

لا يوجد جمال يبلغ سمو البتولية، ولا منزل كان يستحقه إلا هى ([872])].

يقول العلامة أثيناغوراس: [تجد بيننا رجال ونساء لم يتزوجوا على رجاء أن يعيشوا أكثر التصاقاً بالله]. كما طالب القديس أغسطينوس ([873]) المسيحيين الذين سموا فى حياتهم الروحية، إن أمكن، أن يضبطوا أنفسهم فى علاقتهم الجسدية بالقدر الذى به ينجبون الأطفال، دون أن يتوقف نمو حبهم الزوجى يوماً ما. وهنا يجب علينا أن ندرك أنه لا يعنى الامتناع عن العلاقات الجسدية فى ذاته قداسة، بل هو نوع من الصوم كمن يتنسك فى الطعام والشراب الخ. يقول القديس أغناطيوس الثيؤفورس: [البتولية ليست احتقاراً للزواج… لأن العلاقة بين الرجل والمرأة كعلاقة المسيح بالكنيسة ([874]).

ويقول القديس إكليمنضس السكندرى: [الزواج وعدم الزواج، كل منهما له نوع مختلف من الخدمة والعمل لحساب الرب ([875])].

كرس البعض حياتهم للعبادة بكامل حرية إرادتهم، لحبهم لله، ورغبتهم الحارة للاتحاد معه فى أعماق متزايدة. يرى العلامة أوريجينوس فى البتوليين إكليل زهور يزين الكنيسة البتول، وهم يحتلون المرتبة التالية للشهداء مباشرة ([876]). إنه يقول: [البتولية تخلص من المتاعب الأرضية، وتتحرر بطهارتها، إذ هى تنتظر العريس الطوباوى ([877])].

20 – لماذا سمحت الشريعة الموسوية بالطلاق؟

يقول القديس أغسطينوس: [لم تأمر الشريعة الموسوية بالطلاق بل أمرت من يطلق امرأته أن يعطيها كتاب طلاق، لأن فى إعطائها كتاب طلاق ما يهدّى من ثورة غضب الإنسان. فالرب الذى أمر قساة القلوب بإعطاء كتاب طلاق أشار إلى عدم رغبته فى الطلاق ما أمكن. لذلك عندما سُئل الرب نفسه عن هذا الأمر أجاب قائلاً: إن موسى من أجل قساوة قلوبكم أذن لكم (مت19: 8)، لأنه مهما بلغت قسوة قلب الراغب فى طلاق زوجته، إذ يعرف أنه بواسطة كتاب الطلاق تستطيع أن تتزوج من آخر، يهدأ غضبه ولا يطلقها. ولكى يؤكد رب المجد هذا المبدأ، وهو عدم طلاق الزوجة باستهتار جعل الإستثناء الوحيد هو علة الزنا. فقد أمر بضرورة احتمال جميع المتاعب الأخرى (غير الزنا) بثبات، من أجل المحبة الزوجية ولأجل العفة. وقد أكد رب المجد نفس المبدأ بدعوته من يتزوج بمطلقة زانياً ([878])].

21 – هل يجوز الزواج الثانى للأرامل أو الأرملة أو المُطلق أو المُطلقة؟

لم يكن آباء الكنسة الأولون يستحبون زواج المطلقين حتى فى حالة زنا الطرف الآخر مادام لا يزال على قيد الحياة، ولا زواج الأرامل، وإن كانت الكنيسة لم تدن هذا الزواج الثانى. إنه ليس ممنوعاً لكنه غير مستحب. يليق بالأرملة أن تكرس حياتها للرب. فى عام 150م كان عدد الأرامل المكرسات للخدمة فى روما 150 أرملة ([879]). يقول هرماس: [إن ماتت زوجة أو زوج والآخر تزوج فهل هذا خطية؟ لا، لكن إن بقى بدون زواج ينال كرامة أعظم ومجداً أفضل فى عينى الرب ([880])].

يقول القديس جيروم [إذ أعلنت المرأة السامرية المذكورة فى الإنجيل أن رجلها الذى كان معها هو السادس، انتهرها الرب لأنه لم يكن زوجها. من جانبى أعلن مرة أخرى بكل حرية أن الزواج الثانى digamy لا تشجبه الكنيسة، ولا حتى الزواج الثالث trigamy، ويمكن للمرأة أن تتزوج زوجاً رابعاً… أو عدد أكبر ما دام الزواج شرعياً… لكن وإن كان الزواج الثانى غير مشجوب إلا أنه غير مستحب… “كل الأشياء تحل لى ولكن ليس كل الأشياء توافق” (1كو6: 12) ([881]).

22 – هل يجوز للرجل أن يعيش مع زوجته إن زنت ورفضت التوبة عن زناها؟

يقول هرماس: [إذا اكتشف (الزوج) أن (زوجته) تزنى، ورفضت أن تتوب، فإنه يكون شريكاً معها فى زناها وخطيتها إن عاش معها ([882])].

23 – ماهى نصائح القديس يوحنا الذهبى الفم للوالدين فى تربية أولادهم؟

يتطلع القديس يوحنا الذهبى الفم إلى دور الآباء فى تربية أطفالهم أنه عمل مقدس، يمارسه الآباء لقدموا لله ذبائح شكر موضع سروره وبهجته. يؤكد أنه لا يطلب كل طفل الحياة الرهبانية أو أن يُعد لها، إنما يعلم الآباء أبناءهم أن “يكونوا وقورين (فى الرب) من شبابهم المبكر” ([883]). إذ يدعوه عملاً مقدساً، يجعل من الوالدين أن يقتربا إلى أطفالهما لا منذ ولادتهم بل وهم فى البطن كما إلى مقدسات إلهية، بروح التقوى، مسنودين بروح الله القدوس، ليقدموا لله ما يليق بهم. إنهم عطية الله، وكلاء عن هذه العطية الفائقة. يقول القديس يوحنا الذهبى الفم:

[أن يكون (للمؤمن) أطفال هذا يمس الطبيعة، أما تربيتهم وتعليمهم فى الفضائل فهو أمر يخص الفكر والإرادة]. [لا أعنى بالالتزام بالتنشئة هو ألا يُترك الأطفال يموتون جوعاً فحسب، كما يقف كثيرون عند هذا الحد بخصوص أطفالهم، فإن هذا تعلنه الطبيعة نفسها كما بصوت عالٍ، ولا يحتاج إلى كتب أو سنن لتعليمه. إنما ما أتكلم عنه هو الاهتمام بقلوب الأطفال والتقوى. هذا واجب مقدس، من ينتهكه يرتكب بصورة ما جريمة قتل للأطفال].

[هذا الالتزام يخص الآباء كما الأمهات أيضاً. يوجد آباء يضحون بكل شئ لكى يؤمنون لأطفالهم معلمين للتمتع بالملذات، ويجعلون منهم ورثة أغنياء. أما أن يصير الأولاد مسيحيين ويمارسون التقوى، فلا يبالون كثيراً بهذا. يا للعمى الذى يُحسب جريمة! إنه إهمال سخيف، مسئول عن الارتباك الذى يجعل المجتمع فى مرارة. لنفترض أنك تُعد لهم ممتلكات عظيمة. فإنهم إن كانوا يجهلون كيف يسلكون فى حياتهم، فحتماً لن تدوم هذه الممتلكات معهم. إنها ستتبدد، وتهلك مع أصحابها، ويصير ميراثاً غاية فى الخطورة!].

[سيكون أبناؤك فى غنى بما فيه الكفاية على الدوام، إن تقبلوا منك تنشئة صالحة، قادرة أن تدبر حياتهم الأخلاقية وسلوكهم. هكذا ليتك لا تجاهد لتجعلهم أغنياء، بل لتجعلهم أتقياء، سادة على أهوائهم، وأغنياء فى الفضائل. علمهم ألا يفكروا فى احتياجات مخادعة، فيحسبون أنهم يُكرمون حسب مستواهم الزمنى (العالمى المادى). راقب بلطف تصرفاتهم، ومعارفهم وأصدقاءهم، ولا تتوقع أية رحمة تحل من عند الله إن لم تتمم هذا الواجب].

ركز القديس يوحنا الذهبى الفم على النقاط التالية:

أولاً: لا تشغلنا ممتلكاتنا عن تربية أبنائنا. [إننا نهتم بممتلكاتنا من أجل أبنائنا، أما أبناؤنا أنفسهم فلا نبالى بهم قط! أية سخافة هى هذه؟! شكل نفس ابنك باستقامة، فينال كل ما تبقى بعد ذلك، فإنه متى كان بلا صلاح لا ينتفع شيئاً من الغنى، أما متى كان صالحاً فغنه لا يصيبه ضرراً من القفز].

ثانياً: لا نوبخهم كمنبوذين بل كأبناء. [ليتنا لا نمنعهم من عمل ما هو مقبول بل مما هو ضار، ولا نتهاون معهم كمنبوذين بل كأبناء ([884])]. [لا تغيظوا أولادكم كما يفعل الكثيرون بواسطة حرمانهم من الميراث، أو التبرؤ منهم، أو معاملتهم بتصلف كأنهم عبيد لا أحرار].

ثالثاً: تعليمهم حب الحكمة الحقيقية. [إن علمناهم من البداية حب الحكمة الحقيقية، ستكون لهم ثروة أعظم وأفضل مما يجلبه الغنى. إن تعلم طفل التجارة أو نال تعليماً عالياً فى مهنة مربحة للغاية، هذا كله يُحسب كلا شئ إن قورن بفن التخلى عن الغنى. إن أردت أن تجعل طفلك غنياً علمه هذا. أن يكون بالحقيقة غنياً فلا يشتهى الممتلكات العظيمة، ولا يحيط نفسه بالثروة، بل لا يطلب شيئاً!].

رابعاً: قدم له الأمور العظيمة لا التافهة. [لا تسأل كيف يمكنه أن يتمتع بعمر طويل هنا، بل كيف يتمتع بحياة ابدية لا نهائية فى الحياة العتيدة. لا تجاهد لتجعل منه خطيباً بارعاً… لست أقصد أن التعليم الزمنى بلا قيمة وأن نتجاهله، وإنما يلزمك الا نرتبك به فى مبالغة!].

خامساً: سلّمه فى يدىّ الرب! [لماذا ترفضون الاقتداء برجل نساء العهد القديم القديسين؟ أخبرونى، خاصة أنتن أيتها الأمهات، فلتفكرن فى حنة كمثال، أنظرن ماذا فعلت. لقد أحضرت ابنها الوحيد صموئيل إلى الهيكل حينما كان لا يزال طفلاً!… (1صم1: 28) أؤدعيه فى يدىّ ذاك القادر أن يجعله عظيماً. ومن هو هذا؟ الله!… لتخجلوا أيها الرجال أمام حكمة هذه المرأة].

سادساً: لتقتدوا بالآباء المهتمدين بأبنائهم. [لتقتدوا بأيوب الذى كان يهتم باستمرار بأبنائه، ويقدم ذبائح لأجل الرحمة عن أى فعل خاطئ ربما ارتكبوه خفية (أى1: 5). لتقتدوا بإبراهيم الذى لم يشغل نفسه بطلب الغنى مثل انشغاله بحفظ كل عضو فى بيته شريعة الله، فشهد الرب له. “لأنى عرفته لكى يوصى بنيه وبيته من بعده أن يحفظوا طريق الرب ليعملوا براً وعدلاً” (راجع تك18: 19)].

سابعاً: الاهتمام المبكر بتربية الطفل. يطالب الذهبى الفم شعب الله أن يبكروا فى تربية أطفالهم قدر المستطاع. فإن الطفل فى بدء حياته يكون أكثر استعداداً لقبول التوجيه ([885]). فإن تأخر الشخص فى بدء التربية يصعب تغيير شخصية الطفل وتوجيهها إلى ما هو أفضل ([886]).

[إن كان الرسول يأمرنا أن نهتم بالآخرين أكثر من اهتمامنا بأنفسنا، وإن كنا نحسب مخطئين متى أهملنا ما هو لنفعهم، ألسنا بالأكثر نكون مخطئين إن كان هذا يخص من هم قريبين منا؟ سيقول لنا الرب: “ألست أنا الذى أعطيت لهؤلاء الأطفال مكاناً فى عائلتكم؟ ألست أنا الذى عهدت بهم لرعايتكم، وجعلتكم سادة وحراساً وقضاة عليهم؟ لقد أعطيتكم سلطاناً كاملاً عليهم. سلمتهم بالكامل لأيديكم من أجل تنشئتهم. ستخبروننى أنهم لم يريدوا أن يحنوا رقابهم للنير، وأنهم طرحوه عنهم. لكن هذا كان يُمكن تجنبه من البداية ذاتها. كان يليق بكم أن تحنوا نفوسهم الصغيرة تحت نير الالتزام، وتعودوهم على ذلك، وتعلموهم هذا، وتضمدون الجرح فى بداية انفتاحه. كان يليق بكم أن تقتلعوا الزوان عندما بدأ يظهر حول النبات، وما كان يليق بكم أن تنتظروا حتى تتعمق جذوره، فصار لا يمكن ضبط الأهواء وترويضها بتقويتهم تدريجياً خلال تكوينهم ونموهم].

[الأبناء الخاضعون والمخلصون لله فى طاعتهم لشريعته يجدون مصدر فيض للسعادة حتى فى هذه الحياة الزمنية. الرجل الفقير مع أخلاقيات مسيحية يوحى للآخرين بتقديم الوقار له والحب. بينما من كان له قلب شرير منحرف، لن يُنقذك كل غناك من غضب كل أحد حولك وبغضه لك].

[الشاب الذى تهبه نشأة صالحة ليس فقط يتمتع بتقدير عام، وإنما سيصير عزيزاً جداً لك أنت أيضاً. سيكون التصاقك به ليس عن انجذاب طبيعى مجرد، وإنما لثمرة فضائله. لهذا فإنك فى شيخوختك تتقبل منه ثمرة خدمات محبته البنوية. سيكون عوناً لك. وكما أن الذين لا يوقرون الرب يستخفون بوالديهم، فإن الذين يوقرون الله، أب كل البشر، سيقدمون كل أحترام للذين أعطوهم الحياة].

24 – ما هى أهم النصائح العملية التى يقدمها القديس يوحنا الذهبى الفم للوالدين؟

أولاً: اختيار اسم الطفل. يرى القديس يوحنا الذهبى الفم أو أول درس يقدمه الوالدان لطفلهما هو اختيار اسمه، فقد عالج هذا الموضوع فى شئ من الإطالة، مطالباً ألا يُدعى الطفل باسم أحد أفراد الأسرة، بل باسم أحد الشهداء أو الرسل أو الأساقفة ([887]). وكأنه أراد من الوالدين أن يدركا أن طفلهما ينتسب للأسرة السماوية أكثر مما لهما أو لعائلتهما. فالطفل يعتز باسمه الذى ناله ليتشبه بالشهداء والرسل والأساقفة، مقدماً قلبه بالكامل مُكرساً للرب. بناء على هذه النصيحة يرى البعض أن أول هدية تقدم للطفل فى عيد ميلاده (أو عماده) هى أيقونة القديس الذى يحمل الطفل اسمه.

ثانياً: تعليمه الرضا والقناعة. يقول الحكيم: “القليل مع مخافة الرب خير من كنز عظيم مع هم. أكلة من البقول حيث تكون المحبة خير من ثور معلوف ومعه بغضة” (أم15: 16 – 17).

ثالثاً: توجيهه نحو الأسفار المقدسة. يجنى الوالدان أول ثمرة من هذا التوجيه، حيث يدربهما الكتاب المقدس على الطاعة للوالدين. فيجد الوالدان فى أبنائهما روح الوداعة والطاعة لهما.

[لما كان تقديم النصح للأبناء ضرورياً يوجه الرسول خطابه إلى الآباء، قائلاً: “وأنتم أيهاالآباء… ربوهم بتأديب الرب وإنذاره” (أف6: 4). أتريد أن يكون ابنك مطيعاً؟ ربه من البداية على تعليم الرب وتهذيبه. لا تظن أنه ليس من الضرورى أن يصغى الطفل إلى الأسفار المقدسة، فإن أول ما يسمعه منها هو: “أكرم أباك وأمك” (خر20: 12)، وفى الحال تبدأ تجنى مكافأتك. لا تقل إن الكتاب المقدس للرهبان، هل أريد أن أجعل ابنى راهباً؟ ليس من الضرورى أن يكون راهباً. اجعله مسيحياً!].

رابعاً: تسليمه فى يدى الرب! [أودعيه فى يدى ذاك القادر أن يجعله عظيماً. ومن هو هذا؟ الله! أودعت حنة صموئيل فى يدى الله. لم يكن رئيس الكهنة عالى قادراً بالحقيقة أن يشكله، فقد فشل فى تشكيل ابنيه. إنه إيمان الأم وغيرتها جعلاً كل شئ ممكناً].

خامساً: إدراك اهتمام الله نفسه بتربية الأبناء. هذه النفوس ثمينة فى عينيه. فهو الذى خلق فى الوالدين الأبوة والأمومة، خلال هذا الدافع “الوالدية” يشعر كل من الأب والأم بالالتزام بتربية الطفل.

[يعطى الله نفسه اهتماماً عظيماً بتربية الأبناء. هذا هو السبب الذى لأجله وضع مثل هذا الانجذاب الطبيعى فى الوالدين نحو أطفالهما، وذلك لكى يضع الوالدين فى مركز يُلزمهما برعاية أطفالهما بالضرورة. لقد شرع قوانين خاصة بهذا الاهتمام، وأسس أعياداً تأمرنا أن نوضح معانيها لأبنائنا. فلخص معنى الفصح فى التعليم التالى: “وتخبر ابنك فى ذلك اليوم قائلاً: من أجل ما صنع إلىّ الرب، حيث أخرجنى من مصر” (خر13: 8). صنع نفس الأمر بخصوص الشريعة. فعندما تحدث عن البكر أضاف مرة أخرى: “ويكون متى سألك ابنك غداً قائلاً: ما هذا؟ تقول له: بيد قوية أخرجنا الرب من مصر، من بيت العبودية. وكان لما تقسى فرعون عن إطلاقنا، أن الرب قتل كل بكر فى أرض مصر، من بكر الناس إلى بكر البهائم، لذلك أنا أذبح للرب الذكور من كل فاتح رحم، وأفدى كل بكر من أولادى” (خر13: 14 – 15). خلال هذا كله يأمره الله أن يقود أطفاله إلى معرفة الله. حتى بالنسبة للأطفال أنفسهم أمرهم الله كثيراً بخصوص الوالدين، مكافئاً المطيعين ومجازياً العاصين، حتى يجعلهم فى موضع أكثر اعتزازاً عند الوالدين].

سادساً: تقدير قيمة الطفل وقدراته. يتطلع القديس الذهبى الفم إلى الطفل فى تقدير عجيب واعتزاز به، فيرى فى الأطفال فلاسفة فى تكوينهم، مصارعين فى تداريبهم، ومواطنين يتشكلون ويتهيأون للسكنى الأبدية فى السماء ([888]). يرى القديس فى الطفل مدينة ذات أبواب أو مداخل كثيرة فالنفس يقطنها حكام أو قضاة صالحون وأيضاً أشرار غير موقرين. لذا يحتاج الطفل إلى نواميس تضبط التصرفات الخاطئة. فالتسيب يقود إلى دمار المدينة ([889]). أما أبواب المدينة التى تحتاج إلى حراسة فهى الحواس الخمس: اللسان (التذوق والكلام) والنظر والشم واللمس والسماع ([890]).

سابعاً: الحنو والتحذير من العقوبات البدنية! يقول الشهيد كبريانوس: [إن أردت بالحق أن تحب أطفالك، إن أردت أن تظهر لهم عذوبة الحب الكامل الأبدى، يلزمك أن تكون بالأكثر مترفقاً، لكى بأعمالك البارة تستودع أطفالك مع الله].

ويرى القديس يوحنا الذهبى الفم أن الأب الحكيم (أو الأم) يلزمه أن يكف عن الاستخدام المستمر للعقوبة البدنية، أو ما يدعوها بالعصا. فإن استخدام العصا يقود الطفل إلى الاستخفاف بها وعدم المبالاة بالعقوبة، كما لا تولد فيها محبة الفضيلة ([891]). ويقول القديس أغسطينوس: [التوبيخ يجب أن تسبقه الرحمة لا الغضب ([892]).

ثامناً: ليكن تعليم الطفل وتدريبه حسب قدراته ([893]).

تاسعاً: التعليم بالقوة.

عاشراً: الاهتمام باختيار من لهم تأثير على الطفل.

حادى عشر: الاهتمام بتقديس حواس الطفل. جاء فى تعليم الاثنى عشر رسولاً: [مجد الآباء قداسة أبنائهم].

ثانى عشر: اهتمام الوالدين بتوجيه طفلهما نحو نقاوة القلب الداخلى ([894]).

ثالث عشر: عدم السماح للطفل بالذهاب إلى المسارح ([895])، وتشجيعه على الزواج المبكر.

رابع عشر: عدم بث مفاهيم خاطئة فى أذهان الأبناء.

خامس عشر: اهتم بخلاص أولادك! [إن كنا نحاسبهم عما تعلموه فى المعاهد العالمية، فلماذا لا نسألهم عم سمعوه فى بيت الرب؟].

سادساً عشر. تشجيع الأبناء على التكريس. [الأبناء القديسون الذين يكرسون قلوبهم وحياتهم يكونون سنداً لآبائهم. فمن أجل داود النبى بارك الرب ابنه سليمان وبعض أحفاده كحزقيا الملك، وأيضاً كان صموئيل النبى الذى جاء ثمرة صلوات أمه هو سرّ بركة أيضاً لأمه].

سابع عشر: رب ابنك فلا يربه الزمن! [إن جاهد الآباء الصالحون ليقدموا لأبنائهم تربية صالحة، لا نحتاج إلى شرائع وقضاة ومحاكم ولا إلى عقوبات. فالذين ينفذون العقوبات، وُجدوا بسبب عدم وجود أخلاقيات فينا].

ثامن عشر: تهيئتهم للزواج المقدس. [لنأخذ لهم زوجات فى سن مبكر، حتى يتحدوا مع عرائسهم بأجساد طاهرة غير فاسدة].

25 – بماذا ننصح الأبناء؟

يقول القديس جيروم: [لتطيعى والديك ممتثلة بعريسك ([896])].

ويقول العلامة أوريجينوس: [لنتعلم يا أحبائى الخضوع لوالدينا… خضع يسوع وصار قدوة لكل الأبناء فى الخضوع لوالديهم أو لأولياء أمورهم إن كانوا أيتاماً… إن كان يسوع ابن الله قد خضع لمريم ويوسف، أفلا أخضع أنا للأسقف الذى عينه لى الله أباً؟!… ألا أخضع للكاهن المختار بإرادة الله؟! ([897])].

فى رسالة كتبها القديس جيروم إلى أم وابنتها قام بينهما نزاع، جاء: [كان الرب يسوع خاضعاً لوالديه، لقد احترم تلك الأم التى كان بنفسه أباً لها. لقد كرم أباه حسب التبنى هذا الذى كان المسيح نفسه يعوله! حقاً، إننى لا أقوم للأم شيئاً، لأنه ربما يكون فى كبر سنها أو ضعفها أو وحدتها ما يعطيها عذراً كافياً، لكننى أقول لك أيتها الابنة: هل منزل أمك أصغر من أن يحتملك، هذه التى لم تكن بطنها صغيرة عن حملك؟! ([898])].

وكتب إلى لئيتا يرشدها فى تربية ابنتها جاء فيها: [كونى مدرسة لها، نموذجاً لما تريدين أن تكون عليه فى طفولتها… لا تفعلى أنت أو والدها شيئاً مما إذا قلدتكما فيه تكون قد ارتكبت خطية… بسيرتكما تعلماها أكثر مما تعلمانها بوصاياكما ([899])].

كما يقول: [يأمرنا الكتاب المقدس بطاعة والدينا، ولكن من يحبهم أكثر من المسيح يخسر نفسه ([900])].

يقول القديس أغسطينوس: [لكنك تقول إننى أخشى غضب من هم أعلى منى، اعمل كل وسيلة ألا تغضبهم حتى لا تُغضب الله. يا من تخاف أن تكدر من هم أعلى منك، انظر عما إذا كان هناك إله أعلى من الذى تخاف تكديرهم، فبكل وسيلة لا تغضب الأكبر منك… والدك ووالدتك هما أول من هم أكبر منك، فإن كانا قد علماك الحق وأحضراك إلى المسيح، فلتسمع لهما فى كل شئ، وينبغى طاعتهما فى كل أمر. ليتهما لا يوصيان بما يخالف من هو فوقهما حتى يُطاعا].

كما يقول: [حقاً يليق بالأب ألا يغضب عندما يُفضل الله عنه! ولكن عندما يأمر الأب بما لا يناقض الرب فيلزم الاستماع إليه كما لله، لأن طاعة المرء لأبيه أمر إلهى ([901])].

ملاحظة

إن كانت هذه هى نظرة الكنيسة للزواج، فما هى نظرتها للرهبنة؟ هذا ما سنجيب عنه بعد الحديث عن الأسرار الكنسية بمشيئة الرب.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى