تفسير سفر عاموس ٥ للقمص أنطونيوس فكري
شرح عاموس – الإصحاح الخامس
في هذه العظة الثالثة والأخيرة يوجه مرثاة على عذراء إسرائيل الساقطة مع مجموعة من الويلات ضدها.
الآيات (1-3): “اسمعوا هذا القول الذي أنا أنادي به عليكم مرثاة يا بيت إسرائيل. سقطت عذراء إسرائيل لا تعود تقوم.انطرحت على أرضها ليس من يقيمها. لأنه هكذا قال السيد الرب.المدينة الخارجة بألف يبقى لها مئة والخارجة بمئة يبقى لها عشرة من بيت إسرائيل.”
مرثاة على عذراء إسرائيل = كأنها ماتت في شبابها قبل أن تنعم بحياة الزوجية فلم يكن لها أولاد، وهذا في نظر اليهودي يستحق الرثاء، كما فعلت أبنة يفتاح الجلعادي (قض1:11-37) التي بكت عذراويتها شهرين قبل أن تموت بيد أبيها. وهنا يعتبر النبي إسرائيل عذراء (فهي بدون ثمار، وربما لأنها لم تقع في السبي من قبل) وقد ماتت (لأنها قد اختارت طريق الموت الروحي فإنفصلت عن عريسها الله). الخارجة بألف يبقي لها مئة = الخارجة للحرب وفيها تهلك الأغلبية وتنجو الأقلية (مئة) وهم البقية الأمينة القليلة. هذه هي البقية المنتشلة من النار، كما انتشل لوط وعائلته من سدوم. سقطت = وهذا حدث بعد سنين عديدة من النبوة إلاّ أن النبي لأنه رآه يكتب بصيغة الماضي. ليس من يقيمها = لن ينفعها أحد من محبيها السابقين، فقد رفضها الله عنه، وهو الذي كان يحميها لذلك انطرحت على الأرض.
الآيات (4-7): “لأنه هكذا قال الرب لبيت إسرائيل اطلبوني فتحيوا. ولا تطلبوا بيت إبل والى الجلجال لا تذهبوا والى بئر سبع لا تعبروا.لان الجلجال تسبى سبيا وبيت إبل تصير عدما. اطلبوا الرب فتحيوا لئلا يقتحم بيت يوسف كنار تحرق ولا يكون من يطفئها من بيت إبل. يا أيها الذين يحوّلون الحق افسنتينا ويلقون البر إلى الأرض.”
مع أن الله قال عنهم أنهم سقطوا إلاّ أنه عاد ليعطيهم أملاً في الخلاص أن لم يذهبوا لبيت إيل والجلجال وبئر سبع. هذه الأماكن التي كانت مقدسة فدنسوها بأوثانهم (تك17:28 + يش2:5-9 + تك15:22-19) وبسبب تدنيس هذه الأماكن ستصير عدماً وتخرب. والله مازال ينادي علينا أن نترك أماكن الخطية لأنها ستخرب، فإذا هربنا الآن نجينا أنفسنا. لئلا يقتحم بيت يوسف كنار تحرق = لعل كثير من أسباط إسرائيل كانوا يطوبون بني يوسف لأن جبل بيت إيل قد جاء من نصيبهم (يش1:16،2) ولكن إذا أسئ استخدامه فسيحرقه الله. وهم بهذا حوّلوا الحق إفسنتيناً وألقوا البر إلى الأرض = بمزجهم العبادة الوثنية مع عبادة الله. والحق حلو جداً والله هو الحق وهم حولوا بيت الله أي بيت إيل إلى مغارة لصوص = افسنتين وهو عشب مر للغاية لا يطيقه الإنسان. والعبادة الحقة تفرح قلب الله، وبالتوبة يصير فرح في السماء ومزج عبادة الله بالخطية يكون بالنسبة لله كالإفسنتين. وفي ترجمات أخرى جاءت يلقون البر إلى الأرض هكذا “تهملون العدل على الأرض” كما جاء في آية (11) تدوسون المسكين. فمثل هذا الظالم حين يذهب ليعبد الرب يكون كالإفسنتين في مرارته بالنسبة لله.
الآيات (8،9): “الذي صنع الثريا والجبّار ويحوّل ظل الموت صبحا ويظلم النهار كالليل الذي يدعو مياه البحر ويصبها على وجه الأرض يهوه اسمه. الذي يفلح الخرب على القوي فيأتي الخرب على الحصن.”
الثريا والجبار = هما مجموعتان من الكواكب. وقد عبد إسرائيل النجوم وتركوا خالقهم. ويحول ظل الموت صبحاً = أي يحول الليل صباحاً. ويظلم النهار كالليل = ويحول النهار إلى الليل فهو الذي يحدد الأوقات ولكن إذا تأملنا في هذه الآية نجدها تعنى أيضاً أن المسيح بصليبه وقد قال “قد أكمل” إنكشفت كل النبوات وتحققت ويكون ظل الموت هو ظلال الناموس حيث كان الإنسان ساقطاً تحت الموت وهذا تحَّول إلى نور. وعند الصليب إظلمت الشمس وتحوَّل النهار إلى ليل. وأيضاً بالمسيح تتحول كل آلامنا في هذه الحياة (ظل الموت) لمجد (صبح) أما للأشرار فيتحول نهارهم إلى ليل. الذي يدعو مياه البحر ويصبها على وجه الأرض = هو يهوة القادر على كل شئ، يحول مياه البحر إلى سحب تغطى الأرض وتمطر عليها. وإرسال المطر رمز لإرسال الروح القدس ليجعلنا أرضاً مثمرة. الذي يفلح الخرب على القوى = الله القادر على كل شئ قادر أن يعطي نجاحاً للإنسان المسلوب ضد القوى الذي خَرَّ به فيأتي الخرب على الحصن الذي تحصَّنَ به القوى ويسترد ماله. والخِرب هو الإنسان الذي خدعه إبليس فسقط ومات وخَرِبَ. وبالمسيح انتصرنا عليه وهو القوى واسترد أولاد الله مالهم.
الآيات (10-13): “انهم في الباب يبغضون المنذر ويكرهون المتكلم بالصدق. لذلك من اجل إنكم تدوسون المسكين وتأخذون منه هدية قمح بنيتم بيوتا من حجارة منحوتة ولا تسكنون فيها وغرستم كروما شهية ولا تشربون خمرها. لأني علمت أن ذنوبكم كثيرة وخطاياكم وافرة أيها المضايقون البار الآخذون الرشوة الصادّون البائسين في الباب. لذلك يصمت العاقل في ذلك الزمان لأنه زمان رديء.”
أنهم في الباب يبغضون المنذر = الباب المقصود به القضاء. فالقضاة كانوا يجلسون في أبواب المدينة. وهذه صورة للظلم المتفشي. فهم كانوا يجاملون الظالم ويدوسون المسكين = بل يطالبون المسكين بدفع قوته هدية قمح فيجوع هو ويبنون هم بيوتاً من حجارة. وكانوا يبغضون من ينذرهم بأنهم يخطئون بهذا وإذ تزايد الظلم جداً مع رفضهم سماع أي كلمة صدق = لذلك يصمت العاقل في ذلك الزمان لأنه زمان رديء = العاقل هو من يكتشف أن الزمان رديء وأن لا أمل في قضاء معوج فيصمت حين يُظلم، ولا يلجأ للقضاء بل يلجأ لله القاضي العادل الصالح، أما هؤلاء الظالمين فلن يكون لهم خير ولا طمأنينة فهم يبنون بيوتاً ولا يسكنون فيها ويغرسون كروماً ولا يشربون خمرها. أيها المضايقون البار = أي الذين يظلمون البرئ ليحصلوا على رشوة.
الآيات (14،15): “اطلبوا الخير لا الشر لكي تحيوا فعلى هذا يكون الرب اله الجنود معكم كما قلتم. ابغضوا الشر واحبوا الخير وثبّتوا الحق في الباب لعل الرب اله الجنود يترأف على بقية يوسف.”
كما قلتم = هم لا يهتمون بالإنذارات بدعوى أن الله معهم. لكن لن يكون الله معهم أن لم يقدموا توبة حقيقية وإن جاءت الضربات سيبقى الله بقية = يتراءف على بقية يوسف = كأنها نبوة عن الخراب الآتي وبقاء بقية. وذكر اسم يوسف ليذكرهم بسلوك هذا البار فيقتدوا به ويتعلموا منه.
الآيات (16-17): “لذلك هكذا قال السيد الرب اله الجنود.في جميع الأسواق نحيب وفي جميع الأزقة يقولون آه آه ويدعون الفلاح إلى النوح وجميع عارفي الرثاء للندب. وفي جميع الكروم ندب لأني اعبر في وسطك قال الرب.”
الله هنا يعبر في وسطهم لا كسر حياة لهم إنما لمعاقبتهم وتأديبهم لذا تتحول كل إسرائيل للندب والولولة، إذ صار الكل في حالة موت يقولون آه آه = ويل ويل. وفي(17) وفي جميع الكروم ندب = الكروم رمز للبهجة. إذاً ستختفي البهجة وتتحول إلى ندب، وهذا يشير لنهاية أفراح العالم.
الآيات (18-20): “ويل للذين يشتهون يوم الرب.لماذا لكم يوم الرب.هو ظلام لا نور. كما إذا هرب إنسان من أمام الأسد فصادفه الدب أو دخل البيت ووضع يده على الحائط فلدغته الحيّة. أليس يوم الرب ظلاما لا نورا وقتاما لا نور له.”
يوم الرب هو نور ولكن للأعمي روحياً الذي فقد بصيرته بمحبته للخطية يصير هذا النور له ظلاماً فهو لا يبصر. فيوم الرب ظلمة لمن يستحق الظلمة. وتحول يوم الرب للخاطئ بدلاً من أن يكون يوم نصرة ليكون يوم دينونة ومرارة، لا يستطيع أحد أن يهرب منه. فمن يهرب منه يكون كمن حاول الهرب من الأسد فوقع في براثن دب، وهذا بطشه أقوى. فالذين لا تؤدبهم قصاصات الله ويحاولون الهرب منها يجدون قصاصات أشد.
الآيات (21-24): “بغضت كرهت أعيادكم ولست التذّ باعتكافاتكم. أني إذا قدمتم لي محرقاتكم وتقدماتكم لا ارتضي وذبائح السلامة من مسمّناتكم لا التفت إليها. ابعد عني ضجّة أغانيك ونغمة ربابك لا اسمع. وليجر الحق كالمياه والبرّ كنهر دائم.”
لأن عبادتهم مظهرية وليست من القلب قال لهم أعيادكم.. محرقاتكم فالله لا يقبل عبادة سوى من القلب وإذ يُسَّرْ بها يحسبها أعياده.. وحتى ترانيمهم حسبها ضجة = ضجة أغانيك (1كو1:13) وحتى تكون عبادتهم مقبولة = ليجر الحق كالمياه والبر كنهر دائم = أي لتمتزج حياتكم بالعدل وحب العطاء عوض الظلم والقسوة وليكن هذا كنهر دائم أي له صفة الثبات وليس متقطعاً. ولتكن حياتكم وعبادتكم طاهرة كالمياه.
الآيات (25-27): “هل قدمتم لي ذبائح وتقدمات في البرية أربعين سنة يا بيت إسرائيل. بل حملتم خيمة ملكومكم وتمثال أصنامكم نجم إلهكم الذي صنعتم لنفوسكم. فأسبيكم إلى ما وراء دمشق قال الرب اله الجنود اسمه.”
كان الأنبياء يتطلعون لفترة البرية على أنها أزهي عصور علاقتهم بالله، حيث عالهم بالمن. وفي البرية لم يهتم الله بالذبائح بل بأتباعهم للوصايا الأدبية = هل قدمتم لي ذبائح = هذه موجهة لأبائهم في البرية ومع هذا ومع أنه لم تكن هناك ذبائح، إلا أن هذه الفترة كانت أزهي عصورهم هنا الله يريد أن يظهر أنه يهتم ويطلب الالتزام القلبي بالوصايا أكثر من تقديم ذبائح.
بل حملتم خيمة ملكومكم = هذه موجهة للجيل الحالي الذي عبد الإله ملكوم الوثني، (وهذا كانوا يشعلون تحته ناراً حتى تحمر ذراعاه فهو من النحاس الأجوف، ثم يلقون الأطفال عليه، أي على ذراعاه، ليقدمونهم كذبائح حية عليه) وعبدوا النجوم = نجم إلهكم. لذلك يسبيهم الرب إلى ما وراء دمشق= أي إلى أماكن بعيدة (أشور) فكما سبوا أنفسهم لعبادة ا لأوثان هكذا يسمح الله ويسبيهم ليد أعدائهم.
تفسير عاموس 4 | عاموس 5 | تفسير سفر عاموس |
تفسير العهد القديم | تفسير عاموس 6 |
القمص أنطونيوس فكري | ||||
تفاسير عاموس 5 | تفاسير سفر عاموس | تفاسير العهد القديم |