تفسير إنجيل لوقا أصحاح 10 – أ. بولين تودري
3- هو مسيح العالم كله (10: 1-24).
أرسل الرب يسوع سبعين رسولًا، اثنين اثنين، إلى كل قرية ومدينة في بيرية، التي سيجتازها بدلًا من السامرة التي رفضته، ليسبقوه ويبشروا بملكوت الله. وذلك لكثرة مدن المنطقة عبر الأردن (بيرية كلمة يونانية معناها عبر)، وكثرة سكانها. وزودهم بوصاياه التي لا تختلف عن وصاياه للاثنيّ عشر رسولًا إلا في شيء واحد. وهي أنه حينما أرسل الاثني عشر أوصاهم قائلًا “إلي طريق أمم لا تمضوا، بل أمضوا إلى خراف بيت إسرائيل الضالة” (مت 10: 5، 6). أما هؤلاء السبعين فجاءت الوصية بالكرازة غير محصورة في شعب معين. لأن بيرية كان يسكنها يهود وأمم: فقال لهم “أي مدينة دخلتموها وقبلوكم.. قولوا لهم قد أقترب منكم ملكوت الله. وأوصاهم أن يأكلوا مما يقدم لهم ولا يخشون من التنجس حسب شريعة موسي فإنه ليس وقت للأطعمة المحللة والمحرمة، إنما الوقت لجذب النفوس لمعرفة طريق الحياة الأبدية.
وأوصاهم أيضًا:
1- اطلبوا وصلوا قبل كل عمل.
2- انتظروا الضيقات في الخدمة.
3- لا يعطلكم عن التبشير مجاملات.
4- كونوا مكتفين بما عندكم قنوعين.
5- اشفوا المرضي فترحموا الناس بالقوة التي أعطيتها لكم.
6- ليكن موضوع تبشيركم هو تمام المواعيد بمجيء المسيح.
7- انذروا من لا يسمع البشارة بنتيجة رفضهم.
8- سيكون لكم الشرف كسفراء للمسيح أن تكونوا شركاؤه في الكرامة.
ولأن القديس لوقا كان يكتب إنجيله لليونانيين من الأمم، انفرد وحده بذكر إرسالية هؤلاء السبعين. إذ أراد أن يقول أن يسوع المخلص هو مسيح العالم كله، وليس مسيح اليهود فقط.
وتوالى رجوع السبعين رسولًا وكانت قوة إيمانهم بسبب إجماعهم على نتائج موحدة لرحلاتهم. لقد زاد إيمانهم بسلطان ابن الله بعدما شاهدوا الشياطين تخضع لهم باسمه. وجدد لهم الرب يسوع وعده بأن تدوم معهم هذه النعمة، مهما شابه مقاوميهم الحيات والعقارب. فليفرحوا إذن لأن أسماءهم كتبت في ملكوت السموات.
وهنا تهلل يسوع بالروح لأن رسله عرفوا قوته وأدركوا بنوته لله. فهذه هي الحكمة الجديدة التي تفرح قلب الرب أن نصير أولاد الله أو أطفاله ونتعرف على أسراره الإلهية.
أذن لنكن أطفالًا حقيقيين ونسلك كأبناء لله بحسب وصاياه. فيكشف لنا الرب أسراره ويتهلل من أجل الحكمة التي يهبنا إياها.
4- الرب يعلمني من هو قريبي: (10: 25-37)
ومرة أخرى يؤكد لنا القديس لوقا قبول المسيح للأمم. فقال، جاء ناموسي أي عالم بناموس موسى ليمتحن الرب. حمل الناموسي صورة التقوى حينما قام ليسأل السيد، واضمر الشر في داخله إذ أراد أن يجربه. ولعل الناموسي أراد أن ينصب فخًا للمسيح إذ حسبه سيقدم وصايا جديدة مستهينًا بالشريعة الموسوية. ولكن الرب الذي يعرف قلبه، لم يصده بل استخدم معه اللطف لكي يكسبه. فرد مؤكدًا أهمية حفظ الوصايا. وقدم له مثلًا ليعلمه.
إن المسافة من أورشليم إلى أريحا حوالي عشرين ميلًا. وتستغرق من المسافر حوالي سبعة ساعات. وكانت أورشليم أعلى من أريحا. ومعظم الأرض في هذه المسافة صخرية لا تصلح للزراعة. لذلك خلت من السكان، وكثرت الكهوف في صخورها، واشتهرت بكثرة اللصوص حتى سميت (الطريق الحمراء أو الدموية). وبالرغم من ذلك كان يجتازها الكثيرون لأن أريحا يومئذ كانت مدينة كبيرة وغنية. فهناك من يقصدها للتجارة، وآخرون لطلب الراحة، حتى الكهنة واللاويون المفرزون لخدمة الله كانوا يقصدونها حين يفرغون من خدمة الهيكل. فجاء مثل السامري الصالح من واقع حياتهم. وبهذا المثل قدم الرب لنا ضرورة تقبل البشرية بكل أجناسها كأقرباء، لقد أظهر لنا أن القرابة لا تقف عند حدود الدم، ولكنها تقوم على تنفيذ وصية الحب والرحمة (نحن أقرباء، كل البشر أقرباء لبعضهم البعض، إذ لنا أب واحد هو الله – القديس جيروم).
ولكن توجد قرابة أخرى سماوية. فمن هو الإنسان النازل من أورشليم إلى أريحا إلا أنا وأنت وكل البشرية. تركنا أورشليم بيت الله. وسرعان ما وقعنا بين أيدي الخطية وملذاتها. وظهرت جروحها في كلامنا وسلوكنا ومعاملاتنا فمر علينا السامري أي الرب يسوع. اقترب منا بتجسده وقبوله الآلام عنا، وسكب علينا زيت رحمته، وأتى بنا مرة أخرى إلى كنيسته لنستريح (الفندق)، وترك لنا روحه القدوس (المال الذي أعطاه السامري لصاحب الفندق).
ليعيننا في كل عمل صالح حتى يرجع إلينا في مجيئه الثاني، فصار قريبنا. (ليته لا يخف إنسان ما من الهلاك، مهما كان سقوطه، فإن السامري الصالح الذي هو حارس النفوس، أقول أنه لن يتجاوزه بل يحنو عليه ويشفيه – القديس أمبروسيوس).
5- هو نصيبنا الصالح (10: 38- إلخ.)
وصل الرب يسوع إلى بيت عنيا أي بيت الطاعة. ووجد استعدادًا كبيرًا من أسرة صغيرة لاستقباله. فدخل بيت مرثا ومريم ولعازر أخيهما، وأصبح هذا البيت فيما بعد موضع راحته وعنايته الخاصة في وقت الأحزان. ففيه استراح كلما كان بالقرب من أورشليم وبالذات في الأسبوع الأخير من حياته على الأرض. وأخذ تلاميذه إلى هناك حيث الذكريات السعيدة وودعهم وأيدهم بسلطانه وصعد إلى الأمجاد التي نزل منها. أحب الرب مريم ومرثا لأن كل منهما حاولت أن تعبر عن حبها بطريقتها وموهبتها وإمكانياتها. ولكنه نبه مرثا إلى تبسيط أمور الدنيا والاتجاه إلى ما يحتاج إليه الإنسان فعلًا، وهو السعي إلى ملكوت الله وخلاص نفسه، إلى النصيب الصالح الذي اختارته مريم. فهل سيفرح قلب الله ويرتاح حينما يدخل بيوتنا كما شعر من قبل وهو في بيت عنيا؟ هل سيجد من يهتم بخدمته وينصت لكلماته؟