مت3: 12 الذي رفشه في يده وسينقي بيدره….

 

“الَّذِي رَفْشُهُ فِي يَدِهِ، وَسَيُنَقِّي بَيْدَرَهُ، وَيَجْمَعُ قَمْحَهُ إِلَى الْمَخْزَنِ، وَأَمَّا التِّبْنُ فَيُحْرِقُهُ بِنَارٍ لاَ تُطْفَأُ» (مت3: 12)

تفسير القمص تادرس يعقوب ملطي

 

والآن قد وضعت الفأس على أصل الشجر.

فكل شجرة لا تصنع ثمرًا جيدًا تُقطع، وتُلقى في النار”  [10].

ماذا يقصد بالفأس التي يضرب بها الشجر غير المثمر، أو الشجر الذي يحمل ثمارًا غير جيّدة إلا صليب ربّنا يسوع المسيح الذي يضرب أصل طبيعتنا الفاسدة ليهلك الإنسان القديم، مقيمًا الإنسان الجديد الذي على صورة خالقه الذي يقدّم ثمر الروح القدس المفرح. إنه يدفن الإنسان العتيق في مياه المعموديّة كما في القبر مع السيد، أو يُلقي به كما في النار ليقدّم لنا خبرة الحياة. لهذا فلا عجب إن كمَّل النبي حديثه بخصوص المعموديّة المسيحيّة، بكونها طريق هدم الإنسان القديم وقيامة الإنسان الجديد، إذ يقول: “أنا أعمّدكم بماء للتوبة، ولكن الذي يأتي بعدي من هو أقوى مني، الذي لست أهلًا أن أحمل حذاءه، هو سيعمّدكم بالروح القدس ونار” [11].

يقول القديس مار يعقوب السروجي[المعموديّة هي الكور العظيم الممتلئ نارًا، فيها يُسبك الناس ليصيروا غير أموات[117].]

يقول القديس كبريانوس: [إنها المعموديّة التي فيها يموت الإنسان القديم، ويولد الإنسان الجديد كما يُعلن الرسول مؤكّدًا أنه خلصنا بغسل التجديد[118].]

يرى القدّيس يوحنا المعمدان أنه غير مستحق أن يحمل حذاء السيّد المسيح، وفي موضع آخر يُعلن أنه غير مستحق أن يحلّ سيور حذائه (يو 1: 27)، ماذا يعني بهذا؟ إن كان كلمة الله غير المُدرَك قد صار كمن يلبس حذاء بتجسّده، إذ صار كواحدٍ منّا يسير بيننا، فإن القدّيس يوحنا يُعلن أنه غير مستحق أن يحمل هذا السرّ الفائق الذي للتجسّد، ولا أن يحلّ أختامه (سيوره) إذ لا يمكن التعبير عنه.

يقول الأب غريغوريوس (الكبير): [من لا يعرف أن الحذاء يُصنع من جلد الحيوانات الميّتة؟! إذ صار الرب متجسّدًا، يظهر بين الناس كمن هو محتذي، إذ لبس لاهوته غطاءً قابلًا للموت لذلك يقول النبي: على أدوم أطرح نعلي (مز 60: 8). لقد أُشير للأمم بأدوم… خلال الجسد صار معروفًا لدى الأمم، كما لو أن اللاهوت قد جاء إلينا بقدم محتذي. لكن لا يمكن للعين البشريّة أن تخترق سرّ التجسّد. فإنه ليس من طريق به يتحقّق إدراك كيف صار الكلمة متجسّدًا، وكيف انتعش الروح العلوي واهب الحياة داخل أحشاء أم، وكيف حُبل بذاك الذي بلا بداية وصار إلى الوجود. إذن فسيور الحذاء إنّما هي أختام السرّ. لم يكن يوحنا مستحقًا أن يحلّ حذاءه إذ كان عاجزًا عن البحث في سرّ تجسّده… إني أعرف أنه وُلد بعدي، لكنّني أعجز عن فهم سرّ هذا المولود. انظر! فإن يوحنا الممتلئ بالروح -روح النبوّة- والمستنير بالمعرفة يُعلن أنه لا يعرف شيئًا بخصوص هذا السر[119].]

سر نجاح القدّيس يوحنا المعمدان هو تواضعه؛ فبقوله إنه غير مستحق أن يحلّ سيور حذاءه يقول القديس يوحنا الذهبي الفمكأنما يقول: [إنه عالٍ عليِّ جدًا، ولا استحق أن أُحسب أقل عبد عنده، فإنّ حلّ سيور الحذاء هي أكثر الأعمال وضاعة[120].]

بعد أن طالبهم بالتوبة العمليّة الحاملة للثمر الروحي، مقدّمًا لهم المعموديّة كسِّر صلب إنسانهم العتيق والتمتّع بالحياة الجديدة، متّحدثًا في تواضع أنه غير مستحق إدراك أسرار الحمل الفائق، أوضح مجيء هذا الحمل كديّان: “الذي رَفْشه في يده، وسينقّي بيْدره، ويجمع قمحه إلى المخزن، وأما التبن فيحرقه بنار لا تُطفأ” [12].

هكذا يقدّم لهم القدّيس يوحنا المعمدان السيّد المسيح كديّان، فإن كان بلطفه يترك الحنطة مع التبن إنّما إلى حين، وسيأتي الوقت حتمًا ليذَرّي الحصاد، ويفصل القمح إلى المخزن، والتبن إلى النار. الآن يعيش الأبرار مع الأشرار، والمؤمنون مع غير المؤمنين، حتى يأتي يوم الرب العظيم الذي يقوم بنفسه بالتذرية. يمسك رفشه في يده ولا يسلّمه لآخر، فإنه وحده العارف القلوب والقادر أن يفصل الحنطة من التبن بحكمة دون أن يخطئ.

يطمئننا القديس أغسطينوس أنه وإن وُجدت الحنطة مختلطة بالتبن هنا، لكن هذا لن يؤذي الحنطة ولا يفقدها إكليلها، فسيأتي الوقت لعزلها عن التبن حيث يحرق التبن في النار: [هذا التبن لا يُهلك من هم حنطة الرب، والذين هم قليلون إن قورنوا بالآخرين، لكنهم هم جمع عظيم. لا يهلك مختارو الله الذين يُجمعون من أقاصي العالم، من أربعة رياح، من أقصى السماء إلى أقصاها (مت 24: 31). ويصرخ المختارون قائلين: خلِّص يا رب، لأنه قد انقرض التقي، لأنه قد انقطع الأمناء من بني البشر (مز 12: 1). فيقول لهم الرب: من يصبر إلى المنتهى (حيث يُقيد الشرّ) فهذا يخلُص (مت24: 13)[121].]

فاصل

تفسير القمص أنطونيوس فكري

آية (12): “الذي رفشه في يده وسينقي بيدره ويجمع قمحه إلى المخزن وأما التبن فيحرقه بنار لا تطفأ.”

هنا نرى المسيح الديان. الرَفْشُ يستخدم للتذرية [الرفش هو المذراة وهي ساق لها أصابع خشبية ترفع بها الحبوب المختلطة بالتبن والقش، فتسقط الحبوب لأسفل لثقلها أما القش والتبن فيطيران بعيداً. وبهذا تجمع الحبوب وحدها والتبن وحده وهذا يتم في مكان متسع بجانب الحقل يسمى البيدر أو الجرن. وتوضع الحبوب في المخزن، أما التبن والقش فيحرقان. والرفش إشارة لكلمة الله التي ستدين غير المؤمنين وغير التائبين (يو48:12)] ويشير الرفش لسلطان المسيحبَيْدَرَهُ = أي كنيسته ويشير لنهاية العالم. قَمْحَهُ = المؤمنين الأبرار. الْمَخْزَنِ = الكنيسة أو المجد في السماءالتِّبْنُ = الأشرار. نَارٍ لاَ تُطْفَأُ أي الدينونة الأبدية في جهنم. فالمسيح يترك الآن القمح مع التبن والزوان ولكن هناك يوم يفصل فيه بين هذا وذاك. ولكن من الآن فالتذرية موجودة وهناك فاصل بين الذي يؤمن والذي لا يؤمن وبين الذي يتوب والذي لا يتوب.

فاصل

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى