مت6: 24 …لا تقدرون أن تخدموا الله والمال
“لاَ يَقْدِرُ أَحَدٌ أَنْ يَخْدِمَ سَيِّدَيْنِ، لأَنَّهُ إِمَّا أَنْ يُبْغِضَ الْوَاحِدَ وَيُحِبَّ الآخَرَ، أَوْ يُلاَزِمَ الْوَاحِدَ وَيَحْتَقِرَ الآخَرَ. لاَ تَقْدِرُونَ أَنْ تَخْدِمُوا اللهَ وَالْمَالَ.“ (مت6: 24)
تفسير القمص تادرس يعقوب ملطي
إن كان غاية العبادة هي الالتقاء مع الله أبينا السماوي لنحيا معه في ابنه إلى الأبد، فإنه يسألنا أن نحيا بالعين البسيطة التي لا تعرج بين السماء والأرض، فيرتفع الجسد كلّه مع القلب إلى السماء. أمّا العدوّ الأول للبساطة فهو “حب المال” الذي تنحني له قلوب الكثيرين متعبّدة له عِوض الله نفسه، ويجري الكثيرون نحوه كعروسٍ تلتصق بعريسها عِوض العريس السماوي. إنه يقف منافسًا لله نفسه يملك على القلب ويأسره، وهنا يجب التأكيد أننا لا نتحدّث عن المال في ذاته وإنما “حب المال”.
“لا يقدر أحد أن يخدم سيّدين،
لأنه إمّا أن يبغض الواحد ويحب الآخر،
أو يلازم الواحد ويحتقر الآخر،
لا تقدرون أن تخدموا الله والمال” [24].
كلمة المال هنا “Mammon” كلمة عبريّة تُشير إلى المقتنيات الماديّة بشكل عام، وكانت في الأصل تُشير إلى ما يعتزّ به الإنسان من مال ومقتنيات، لكنها تطوّرت لتعني المال كإله يُستعبد له الإنسان.
* يُسمى حب المال سيدًا ليس بطبيعته الخاصة به، وإنما بسبب بؤس المنحنين له. هكذا أيضًا تُدعى البطن إلهًا (في 3: 19) ليس عن كرامة هذه السيدة، وإنما بسبب بؤس المستعبدين لها[335].
* من يخدم المال يخضع للشيطان القاسي المهلك، فإذ يرتبك بشهوته للمال يخضع للشيطان ويلازمه رغم عدم محبّته له، لأنه من منّا يحب الشيطان؟ ويكون بذلك يشبه إنسانًا أحب خادمة لدى شخص عظيم، فرغم عدم محبته لسيدها إلا أنه يخضع لعبوديته القاسية بسبب محبته للخادمة [336].
المال ليس في ذاته إلهًا، ولا هو شرّ نتجنّبه، إنّما يصير هكذا حينما يسحب القلب إلى الاهتمام به والاتكال عليه، فيفقده سلامه ويدخل به إلى ظلمة القلق؛ يفقده النظرة العميقة للحياة ليرتبك بشكليّاتها. عِوض الاهتمام بالحياة ذاتها ينشغل بالأكل والشرب، وعِوض الاهتمام بالجسد كعطيّة مقدّسة وأعضاء تعمل لخدمة القدّوس يهتم بالملبس. هكذا بالمحبّة المال تحصر الإنسان خارج حياته الحقيقية: نفسه وجسده، ليرتبك بأمور تافهة باطلة وزائلة. يقول السيد: “لذلك أقول لكم لا تهتمّوا لحياتكم بما تأكلون وبما تشربون، ولا لأجسادكم بما تلبسون. أليست الحياة أفضل من الطعام؟! والجسد أفضل من اللباس؟!“ [25].
تفسير القمص أنطونيوس فكري
آية (24) :-
لا يقدر أحد أن يخدم سيدين لأنه أما أن يبغض الواحد ويحب الأخر أو يلازم الواحد ويحتقر الأخر لا تقدرون أن تخدموا الله والمال.
هى تتمة ما سبق فلا يمكن لأحد أن يعبد سيدين الله والمال= لأنه لا يستطيع أحد أن يحيا فى النور والظلمة معاً. فالمال كما قلنا سيد قاسٍ يجعل من يعبده يتخلى عن الله وضميره وأحباؤه ويجرى فقط وراء المال أماّ راغب القداسة فيبيع كل شىء ويطلب الله = عينه تكون بسيطة أى أعطى قلبه بلا إنقسام لله = يبغض الواحد ويحب الآخر. والله ليس ضد الأغنياء فإبراهيم واسحق ويعقوب كانوا أغنياء، ولكن الله ضد أن نكون عبيداً للمال متكلين على المال كضمان للمستقبل (مر 24:10). وكلمة المال هنا كلمة عبرية تشير إلى المقتنيات المادية بشكل عام، وكانت فى الأصل تشير إلى ما يعتز به الإنسان من مال ومقتنيات لكنها تطورت لتعنى المال كإله يستعبد له الإنسان.