التفسير القديم للكتاب المقدس- لوقا أصحاح 8
1:8 – 18 مثل الزارع وأسرار الملكوت
وسار بعد ذلك في كل مدينة وقرية، يعظ ويبشر بملكوت الله، ومعه الاثنا عشر، ونسوة أبرئن من أرواح شريرة وأمراض، وهن مريم المعروفة بالمجدلية، وكان قد خرج منها سبعة شياطين، وحنة امرأة خوزی خازن هيرودس، وسوسنة، وغيرهن كثيرات كن يساعدنهم بأموالهن.
واحتشد جمع كثير، وأقبل الناس إليه من كل مدينة، فكلمهم بمثل قال: «خرج الزارع ليزرع زرعه. وبينما هو يزرع، وقع بعض الحب على جانب الطريق، فداسته الأقدام، وأكلته طيور السماء. ومنه ما وقع على الصخر، فما إن نبت حتى يبس، لأن لا رطوبة له. ومنه ما وقع بين الشوك، فنبت الشوك معه فخنقه. ومنه ما وقع على أرض طيبة، فتنبت وأثمر مائة ضعف». قال هذا وصاح: «من كان له أذنان تسمعان فليستمع؟»
فسأله تلاميذه ما مغزى هذا المثل. فقال: «أنتم أعطيتم أن تعرفوا أسرار ملكوت الله». وأما سائر الناس فيكلمون بالأمثال: «لكي ينظروا فلا يبصروا ويسمعوا فلا يفهموا».
«وإليكم مغزى المثل: الزرع هو كلمة الله. والذين على جانب الطريق هم الذين يسمعون، ثم يأتي إبليس فينتزع الكلمة من قلوبهم، لئلا يؤمنوا فيخلصوا. والذين على الصخر هم الذين إذا سمعوا الكلمة تقبلوها فرحين، ولكن لا أصل لهم، فإنّما يؤمنون إلى حين، وعند التجربة يرتدون. والذي وقع في الشوك يمثل أولئك الذين يسمعون، فيكون لهم من الهموم والغنى وملذات الحياة الدنيا ما يخنقهم في الطريق، فلا ينضج لهم ثمر . . وأما الذي في الأرض الطيبة فيمثل الذين يسمعون الكلمة بقلب طيب كريم ويحفظونها، فيثمرون بثباتهم».
«ما من أحد يوقد سراجا ويغطيه بوعاء أو يضعه تحت سرير، بل يضعه على منارة ليستضيء به الداخلون. فما من خفي إلا سيظهر، ولا من مكتوم إلا سيُعلم ويعلن. فتنبهوا كيف تسمعون! لأن من كان له شيء، يُزاد، ومن ليس له شيء، يؤخذ منه حتى الذي يظنه له».
نظرة عامة:
يخبرنا لوقا أن كثيرات من النسوة وضعن أموالهن تحت تصرف يسوع والاثني عشر. والرسل سيقتفون أثر يسوع بتعيين نساء لمساعدتهم على تبشيرهم بالإنجيل (أوغسطين). يسوع نفسه هو الــارع الـذي يـزرع الـزرع (كيرلس الإسكندري)، وهو حارث الأرض منذ خلق الكون (إقليمس الإسكندري). على البذر أن يموت أولا قبل أن ينبت ويثمر (إقليمس أسقف رومية)، وأن يزرع في الطريق الذي هو يسوع نفسه (أوريجنس).
«من له أذنان تسمعان فليسمع»، – الأذن مدخل للقلب وللإنسـان الـبـاطـن (باسيليوس)، صنف يسوع الناس صنفين: أولئك الذين أعطاهم الله معرفة أسرار الملكوت، وأولئك الذين لا يعرفونها (كيرلس الإسكندري).
إضافة إلى قوله إن الزرع هو كلمة الله (أي الإنجيل)، يلفت يسوع النظر إلى أن الطيور هي إبليس الذي يخطف الزرع الجيد الواقع على الطريق (كيرلس الإسكندري)، فيزيل كلام التعليم المسيحي من الذاكرة (سمعان اللاهوتي الجديد). النفس الجاحدة للنعمة هي طريق للشر (أفرام). البراعم الجافة على الصخر ترمز إلى الذين يستسلمون للشر في التجارب والمحن (كيرلس الإسكندري). إن كلمة الله تجد في أثناء الاضطهاد أرضا جـافـة (أفـرام)، ويــرمـز الـشـوك إلـى الاهتمامات والثروات وملذات الدنيا التي تخـنـق الـبـذر (كيرلس الإسـكـنـدري باسكاسيوس دوميوم). هناك درجات في نجـاح الـثمر الجيد (كيرلس الإسكندري). الـكـلـمـة المنيرة المزروعة في المعمد تنير الكنيسة التي في بيته، فيشع منه الثور وينقلب إلى منارة يهتدي بها المبحرون (أوريـجـنـس). مـن كـان لـه إيمان وحـيـاة وثبات، فله ذلك بفضل العطايا المنحدرة من لدن الكلمة، والخلاص لا يأتي إلا في اليوم الأخير (أفرام).
3-1:8 تأييد النسوة ليسوع
اقتداء الرسل بيسوع.
أوغسطين: كل من كلم لا يصدق أن الرسل صحبوا، حيثما بشروا، نـسـاء قديسات لأداء الخدمة، فليسمع الإنجيل فيدرك أنهم اقتدوا بـالـرب نفسه. (عمل الرهبان 6.5)
8-4:8 مثل الزارع
الزارع هو يسوع نفسه.
كيرلس الأسكندري: إن يسوع يزرع فينا نحن حقله كل ما هو جيد. أما حصاد الثمر الروحي فهو به ومنه علمنا هذا بقوله: «بدوني لا تقدرون على شيء». (تفسير القديس لوقا 41)
واحـد هـو حـارث الـتـربـة.
إقليمس الإسكندري: واضح أن التربية اليونانية ومعها الفلسفة نزلنا من لدن الله على البشر، كمطر ينهمر على أرض طيبة وعلى السماد والبيوت، فينبت العشب والحنطة معا، وتنمو أشجار التين وغيرها من أشجار حول القبور وتنمو أشجار أصيلة من نوعها مكتسبة من المطر نفسه، لكنها تفتقر إلى جمال الشجر النامي في التربة الغنية. لذا تذبل أو تقتلع. إن لمثل الزارع كـمـا شـرحـة الـرب فـائـدة عظيمة هناك حارث واحد للتربة بين البشر. منذ اللحظة الأولى، أي منذ تأسيس الـكـون، كـان يـزرع الزرع المغذي ويمطر عليها بكلمته في كل وقت. أما الاختلاف بينها فيحدث بين تربة وأخرى سبب وقت قبول الكلمة ومكانه. (المنوعات، 1. 7. 1-5)
البذر الذي ينمو يجب أن يموت أولاً.
إقليمس أسقف رومية: النّهار والليل يعلنان لنا القيامة. الليل يغفو والنّهار يستيقظ. النّهار يعبر والليل يعود. فلنجن الثمار. كيف وبأية طريقة يتم الزرع؟ خرج الزارع وألقى في التربة البذر فسقط في الأرض الـيـابـسـة الـعـاريـة واعتراه الجفاف، إلا أن عظمة عناية السيد أنهضته وأحيته؛ فمن بذر واحد نمت بدور كثيرة وأثمرت. (الرسالة إلى كورنثوس 3:24 – 5)
تزرع في المسيح الذي هو الطريق.
أوريجنس: إذا اكتفينا بسماع الكلمة تنتج «للحين» أرضنا نباتا «يذوي» قبل أن ينضج أو يثمر، فتسمى في تلك الحالة أرضا «صخرية». يجب علينا أن نتملى مما يقال فيتأصل ويثمر أعمالاً تكون بذورا للأعمال المقبلة، ثم يثمر كل واحد منا على أرضه وفقا لإمكـانـاتـه، «البعض مئة ضعف»، والبعض «ستين»، والبعض الآخر «ثلاثين». من الضروري أن ننبهكم ليسلم ثمرنا من «الروان» أو «البيقة». على أن لا يكون بذرنا على جنبات الطريق، بل على الطريق، ويسوع هو الطريق كما قال «أنا هو الطريق».(1) بهذا نـقـي ثـمـرنـا أو كـرمـنـا مـن طـيـور السماء الجائعة. (مواعظ على سفر التكوين 1. b4 )
تشير الآذان إلـى الإنسـان الـبـاطـن.
باسيليوس: ما الذي يجب قوله في الآية «من له أذنان تسمعان، فليسمع»؟ إنه لجلي أن للبعض أذانا أكثر حساسية لاستيعاب كلام الله. ماذا يقول للذين ليست لهم تلك الآذان؟ «أيها الصم اسمعوا، أيها العميان انظروا وأبصروا». تستخدم أمثال هذه الأقـوال للإشارة إلى الإنـسـان الـبـاطـن. (موعظة 13.16 على المزمور 33)
8: 9-10 معنى الأمثال
أسرار الملكوت تعلن للمؤمنين.
كيرلس الإسكندري: إن كلمة المخلص مخفية دائما. أشار كاتب المزامير المبارك إلى ذلك بقوله: «أفتح فمي بالأمثال». ها وقد أتم يسوع ما قيل عنه. «احتشد جمع كثير، وأقبل النّاس إليه من كل مدينة، فكلمهم بأمثال». لم يكونوا مستحقين الإلمام بأسرار ملكوت السماوات، فغمضت عليهم الكلمة. لم تغط لهم معرفة أسرار ملكوت السماوات، بـل أعطيت لنا. فنحن مؤمنون وبفعل إيماننا مهيؤون لفهم المثل وإدراك معاني القول الغامض، والـكـشـف عـن كـلام الحكـمـاء وألغازهم. الأمثال ليست صورا لما يرى، بل لما هو عقلي وروحاني. إنها تشير إلى البصيرة أي إلى ما لا يرى بعين الجسد. فيصوغ بصـفـاء، عـن طـريـق الأمـور المحسوسة والملموسة، جمال ما هو عقلي. (تفسير القديس لوقا 41)
15-11:8 شرح مثل الزارع
يخطف إبليس الزرع الجيد من الطريق كيرلس الإسكندري: الزرع هو كلام الله. ومـا وقـع عـلـى جـانـب الـطـريـق هـم الذين سمعوا كلام الله، فـجـاء إبليس واختطف الكلام من قلوبهم، لئلا يؤمنوا فيخلصوا. نرى أن صلابة الأرض تـهـون وتيسر اختطاف ما زرع في الطريق الصلب غير المحروث، لأنه موطئ لأقدام الجميع. إنه ينبذ الزرع، الذي يقع على سطحه، فتأتي طـيـور الشـمـاء وتتلقفه أصحاب العقول الصلبة والقاسية يستعصي عليهم الزرع المقدس، فلا يجد النُصح الإلهي المقدس سبيلا إليهم. ويرفضون كلاما يثير فيهم خوف الله ويجعلهم يثمرون ثمار الفضيلة الممجدة. لقد جعلوا أنفسهم مدعسا تدوسه الشياطين النجسة، فتعسّر عليهم أن يثمروا ثمرا مقدسا. فليفتح ذوو القلوب العقيمة والمجدبة عقولهم وليقبلوا الزرع المقدس، وليكونوا أرضا محروثة مثمرة، يحملون إلى الله أثمارا ترفعهم إلى حياة لا يعتريها فساد. (تفسير القديس لوقا 41).
يختطف إبليس منهم كلام التعليم.
سمعان اللاهوتي الحديث: متى جئت إلى الكنيسة، لا تشغل نفسك بمسائل باطلة وغير مفيدة، خشية أن يأتي إبليس ويجدك منهمكا بها. فكما أن الغراب يجد حبة قمح في السهل مغطاة بالتُراب، فيلتقطها ويحلق بها، هكذا يزيل إبليس من قـلـوبـكـم كـلام التعليم المقدس، فتخلون أنفسكم من كل ما فيه خلاص لكم. (محادثات 1. 30 حول التوبة والندم)
النفس الناكرة للجميل هي طريق للشر.
أفرام: «وقع بعض الحب على جانب الطريق». هذه صـورة الـنـفـس الـثـاكرة للجميل، إنها كمن تسلم وزنة واحدة وأدار ظهره لمن نفحه بها. ولأن هذه الأرض كانت بطيئة في تقبل الزرع، فقد أصبحت طريقا لكل شر. فلم يعد فيها للمعلم مكان يدخل منه كعامل، ويكسر صلابتها، ويزرع زرعة فيها. يصور الرب الشرير بصورة طير يختطف البذر.ومن المعروف أن الشرير لا يخطف عنوة مـن الـقـلـب مـا يختزنه القلب من تعليم في مجازية هذا المثل، يتجلى صوت الإنجيل الواقف على باب الأذن كحبة قمح ملقاة على سطح تربة لم تحفظ في رحمها زرعا من قبل. لا يسمح للطيور أن تبحث في تربة عن زرع حباته تحت جناحيها. (تفسير الإنجيل الرباعي لتاتيان 11. 13)
يسبب الاضطهاد ارتبـاكـا وفـقـدانـا للإيمان.
كيرلس الإسكندري: لننظر إلى من قال فيهم المسيح إن «الذين على الصخر هم الذين إذا سمعوا الكلمة يتقبلونها فرحين، ولكن لا أصل لهم، فإنما يؤمنون إلى حين؛ وسرعان ما يرتدون عند التجربة». هناك أناس لم يترسخ فيهم الإيمان، على الكلام يعتمدون، أما عقولهم فلا يعملونها في الكشف عن الشر تقاهم واهن لا جذور له. عندما يدخلون الكنيسة، يحسون بمتعة وهـم يشاهدون جموع المصلين، يتلقون بفرح تعليم الأسرار ممن يمدحهم ويثني عليهم. غير أنهم يتلقونه بنية غير طاهرة. ولا يـخـرجـون مـن الكنيسة حتى ينسوا العقائد المقدسة ويعودوا إلى عاداتهم. إنهم لا يحتفظون لأنفسهم بشيء يفيدهم في المستقبل. يتابع أولئك حياتهم بسلام إذا لم تعكر صفوها تجربة، لأنهم بالكد يحافظون على الإيمان… فعندما يحل بهم اضطهاد ويـهـا جـم أعـداء الحق كنائس المخلص، تـتـراجـع قـلـوبـهـم عن الدفاع عن الإيمان، وتتخلى عقولهم عن الدرع ويهربون. (تفسير القديس لوقا 41)
التوبيخ لا يجد له مكانا على أرض صخرية.
أفـرام: «وقع بعضه على الصخر…» الرب الصالح أعلن رحمته. فرغم صلابة الأرض غير المحـروثة، لـم يضن عليها بالزرع. إنّها تمثل الذين ابتعدوا عـن تـعـلـيـمـه قائلين: «هذا كلام عسير، من يطيق سماعه؟» إنهم كيهوذا الذي سمع كلمـتـه وتـزيـن بـايـاته، لكنّه لم يثمر سـاعـة الـتـجـربـة. (تفسير الإنجيل الرباعي لتاتيان 11. 14)
الاهـتـمـامـات الـدنـيـويـة تـخـنـق الزرع بأهواء الجسد.
كيرلس الإسكندري: «الذي وقع في الشوك يمثل أولئك الذين يسمعون، فـيـكـون لـهـم مـن الـهـمـوم والغنى وملذات الحيـاة الـدنـيـا مـا يخنق ما سمعوه، فلا يثمرون». يزرع المخلص الزرع فيرسخ في نفوس الذين تسلموه. لكنه يبقى مرئيا على السطح، فـتـخــفـه الاهتمامات الدنيوية ويجف، غارقا بأعمال باطلة. قال النّبي: «هم سنبل لا يعطي قمحا». كمزارعين مهرة علينا أن نقتلع الشوك وكل ما يؤذي، ثم نزرع الزرع في أخـاديـد نـظيفة وبـاطـمـئـنـان يـقـول المرء إنهم «يرجعون مرتمين وحاملين حزمه». إذا زرع المرء زرعة في أرض مشوكة تغطيها خدامة غير مفيدة، يتحمل خسارة مضاعفة، ويخسر زرعه وعمله لنطرح عنا كل اهتمام دنيوي، وكل هم عقيم يعيقنا عن الشعي إلى أن نكون أغنياء في العقل، فينبت الزرع الإلهي فينا ويينع. (تفسير القديس لوقا 41 )
عمل الخير والإيمان عوضا عن الغنى.
باسكاسيوس دوميـوم: تذكر أن الموت لا يفارقك. إنه قريب منك كل يوم، وتصرف كما لو أنك مدفون في القبر. (أسئلة وأجوية الآباء اليونانيين 43. 2)
يعطي الزرع الجيد ثمرا مضاعفا.
كيرلس الإسكندري: يحظى الزرع الجيد بكل إعـجـاب. الأرض المخصـابـة تـثـمـر مـائـة ضعف. يقولون إن الأراضي الجيدة غير المحروثـة تـثـمـر مـائـة ضعف… قـال أحد الأنبياء القديسين نـقـلا عـن فـم الله: وتهتتكـم جـمـيـع الأمم، لأن أرضكم مشتهاة» عندما تستقر الكلمة الإلهية في العقل الثقي يتطهر صاحبه من الأهواء، وتترسخ جذور الـكـلـمـة فـيـه بعمق وتتفتق السنابل. ويرتدي الثمر أوراقا غضة ويتبرج بأزهار زاهية جميلة. (تفسير القديس لوقا 41)
18-16:8 حث على التعليم والسماع
كلمة الله نور ينير الكنيسة التي في البيت.
أوريـجـنـس: لا يتـحـدث الـكـتـاب المقدس عـن نـور مـحـسـوس، بـل عـن نـور عقلي. لا «يوقد» المرء سـراجــا ويـخـفـيـه «تحت المكيال»، أو يضعه «تحت الفراش»، بل على «منارة» في القلب. أوعية البيت هي قدرات الـنـفـس الـفـراش هـو الجسد. «الداخـلـون» هـم الـذيـن يسمعون المعلم. يسمي الكنيسة منارة. تنير كلمة الله، بتبشيرهـا، جـمـيـع أهـل الأرض وتضيء البيت والقاطنين فيه بأشعة الحق، فتمتلى العقول بالمعرفة الإلهية. (مواعظ على لوقا، المقاطع 120-122)
يعطى الإيمان والغفران لأهل الشريعة.
أفرام: «من كان له شيء، يعطى فيزاد. ومن لا شيء له يؤخذ منه ما له» هذه الآية تشبه الآية القائلة: «من له أذنان تسمعان، فليسمع». إنها موجهة للذين لهم أذان روحية في آذانهم الجسدية، ليسمعوا كلامه الروحي. (تفسير الإنجيل الرباعي لتاتيان 6. 19-20)
19:8 – 21 القربى الجديدة
وجاءت إليه أمه وإخوته، فلم يستطيعوا الوصول إليه لكثرة الزحام. فقيل له: «إنّ أمك وإخوتك واقفون في خارج الدار يريدون أن يروك». فأجابهم: «إن أمي وإخوتي هم الذين يسمعون كلمة الله ويعملون بها».
نظرة عامة:
إن كـلـمـة الله، إذا سمعت بإيمان، تـخـلـق عـائـلـة الله الجديدة، أي الكنيسة المسيحية والجماعة السماوية حيث يـحـكـم يسوع القديم الأيام (كيرلس الإسكندري). يبطل يسوع قوانين العهد الـقـديـم لـلـقـرابـة الـتـي حددت هـويـة المرء كعضو فـي إسـرائـيـل بـنـسـبـه وبعلاقاته العائلية، لأن عائلة الله تتألف الآن من الذين يعملون إرادته (باسيليوس). عائلة يسوع الجديدة تتألف من الذين يسمعون كلمة الله ويعملون بها. كيرلس الإسكندري: يعلمنا أننا بطاعتنا لله وبسماعنا له نؤتى كل نعمة. دخل بعضهم وتحدث عن أمه المقدسة وإخوته. فأجابهم بقوله: «إن أمي وإخوتي هم الذين يسمعون كلمة الله ويعملون بها».
لا يتصورن أحد أن المسيح احتقر الإكرام الواجب أداؤه لأمه أو تجاهل، عن غطرسة، المحبة اللائقة بإخوته. إنه أيد الشريعة التي أعطاها لموسى باستشهاده بالوصية القائلة: «أكرم أباك وأمك، لتطول أيامك وتلقى خيرا على وجه الأرض». لذا أطرح السؤال: «كيف يرفض المـحـبـة الـواجـب أداؤها للإخوة، وهو الذي أمرنا بأن لا نحب إخوتنا فحسب، بل أعداءنا أيضا؟ يقول: «أحبوا أعداءكم». ماذا يريد المسيح أن يعلمنا؟ يريد أن يشمل بمحبته كل راغب في إحناء عنقـه لـوصـايـاه. سأشرح كيف يتم ذلك، إن أعـظـم إكرام وأصدق محبة هما اللذان ندين بهما لأمهاتنا وإخوتنا، لم يفهم الجميع قوله «إن أمي وإخوتي هم الذين يسمعون كلمة الله ويعملون بها» أنه يخص به أتباعه بمحبة كاملة جديرة بهم. إنه يرغبهم في إخضاع أنفسهم لكلامه وفي تسليم عقولهم لنيره بطاعة كاملة. (تفسير القديس لوقا 42)
القرابة ليست بالجسد لكن بالعمل بإرادة الله.
باسيليوس: إن التآلف مع الرب لا يدرك بالانتساب إليه بالجسد، بل بالعمل بمشيئته. (الأخلاق 22)
8 :22 – 25 يسوع يُسكن العاصفة
و في أحد الأيام ركب قارباً هو وتلاميذه، فقال لهم: «لنعبر إلى شاطئ البحيرة المقابل». فأقلعوا. وبينما هم سائرون نام يسوع. فهبت على البحيرة عاصفة فكاد الماء يغمرهم، وأصبحوا في خطر. فدنوا منه فأيقظوه وقالوا: «يا معلم ! يا معلم! نحن نهلك». فاستيقظ وزجر الريح والموج، فسكنا وعاد الهدوء. فقال لهم: «أين إيمانكم؟» فـخـافـوا وتعجبوا، وقال بعضهم لبعض: «من ترى هذا حتى الرياح والأمواج يأمرها فتطيعه؟!»
نظرة عامة:
كان هبوب العاصفة اختبارا لإيمان الـثـلامـيـذ (كيرلس الإسكندري). يسوع هو رب الخـلـيـقـة الـذي أتـي لـيـهـرم إبليس، كما فعل في طرده للشياطين وإغراقه الخنازير (أفـرام). الخليقة تطيع أمره (كيرلس الإسكندري). عندما يسكن يسوع الريح والموج، يتحول الاضطراب إلى طمأنينة والفوضى إلى فردوس للأمان (الذهبي الفم).
قلة الإيمان تجرب بهبوب العاصفة.
كيرلس الإسكندري: عندما سكَّن المسيح الـعـاصـفـة تـحـول إيمان التلاميذ القديسين المترجرج مع السفينة المضطربة إلى ثقة. أودع قلوبهم الأمان والاطمئنان، وسكن أمواج إيمـانـهـم الضعيف. فقال لهم: «أين إيمانكم؟» يؤكد إنجيلي آخر أنه قال: «ما لكم خائفين، يا قليلي الإيمان؟» عندما يطغى خـوف الموت عـلـى الـنـاس، يـنـال أحيانا من العقل الراسخ، ويعرضه للشك والريب. (تفسير القديس لوقا 43)
يظهر يسوع أنه هو ابن الخالق.
أفرام: أوقظ المسيح الـثـائـم، فأغـرق الـبـحـر في الـكـرى. وبـيـقـطـة الـبـحـر الـهـاجـع أعلن أن لاهوته لا يأخذه نوم. زجر الريح فسكنت. ما هي هذه القدرة، أو ما هو صلاح يسوع هذا؟… أظهر ربنا أنه ابن الخالق بتهدئته أمواج البحر وإسكاته الأرواح والشياطين. (تفسير الإنجيل الرباعي لتاتيان 6. 25)
كل الخلق مطيع لأمر المسيح.
كيرلس الإسكندري: هناك إعجاب كبير يستولي على السامعين. فالخلائق تطيع ما يأمرها به المسيح فما هو عذرنا في مكابرتنا وتـمـردنـا؟ وما ينقذنا مـن الـثـار والدينونة؟..عندما ندرك أن ما أوجده الله لا يخالف إرادته، نفهم أنه علينا أن نتمثل بخـلائـقـه ونـتـجـــب عـصيـانـا يـؤدي إلى الهلاك. لتذعن إلى من يدعونا إلى الخلاص والعيش الإنجيلي القويم. سيملؤنا المسيح بعطايا منه تهبط علينا من عل. (تفسير القديس لوقا 43)
استعدوا لرحلة شاقة.
الذهبي الفم: إننا لا نبحر إبـحـارا من أرض إلى أخرى، بل ننتقل من أرض إلى سماء، لنعد فكرنا ليكون ربـانـا يقودنا إلى العلاء، ولتأت ببحارة يطيعوننا لنعد سفينة قوية، لا تغرقها محن الحياة وبلاياها، ولا تتلاعب بـهـا ريـاح الـكـبـريـاء، بـل تـكـون منيعة متماسكة، لتعد السفينة، والربان، والبحارة لتبحر بريح مؤاتية ونجذب إلينا ابن الله، الربان الحق. فهو لن يسمح لسفينتنا بأن تغرق، ولو هبت عليها العواصف من كل جانب، سيزجر الريح والبحر فيسود الهدوء وتعم السكينة. (تفسير الإنجيل كما دونه يوحنا 1)
8. 26- 39 طرد الشياطين وغرق الخنازير
ثم أرسوا في ناحية الجرجسيين، مقابل شاطئ الجليل. ولما نزل إلى البر، تلقاه رجل من المدينة فيه شياطين. ولم يكن يلبس ثوبا من زمن طويل، ولا يسكن في بيت، بل بين القبور. فلما رأى يسوع صرخ، ثم ارتمى على قدميه وصاح بأعلى صوته: «ما لي ولك يا يسوع ابن الله العلي ؟ أسألك ألا تعذبني». لأنه أمر الروح النجس أن يخرج من الرجل. وكثيرا ما استحوذ عليه، فكان يضبط مكبلاً بالسلاسل والقيود، فيحطم الربط ويسوقه الشيطان إلى البراري. فسأله يسوع: «ما اسمك ؟» قال: «جيش» لأن كثيرا من الشياطين كانوا قد دخلوا فيه. “فتوسلوا إليه أن لا يأمرهم بالذهاب إلى الهاوية. ” وكان يرعى هناك عند الجبل قطيع كبير من الخنازير، فسألوه أن يأذن لهم بالدخول فيها، فأذن لهم. فخرج الشياطين من الرجل ودخلوا في الخنازير، فوثب القطيع من المنحدر إلى البحيرة فغرق. فلما رأى الرعاة ما جرى، هربوا ونقلوا الخبر إلى المدينة والمزارع. فخرج الناس ليروا ما جرى. وجاؤوا إلى يسوع، فوجدوا الرجل الذي خرج منه الشياطين جالسا عند قدمي يسوع، لابسا سليم العقل، فاستولى عليهم الخوف. فأخبرهم الشهود كيف نجا الممسوس. فسأله أهل ناحية الجرحسين كلهم أن ينصرف عنهم، لما نالهم من الخوف الشديد. فركب القارب ورجع من حيث أتى .
فسأله الرجل الذي خرج منه الشياطين أن يصحبه، فصرفه يسوع قال: «ارجع إلى بيتك وحدث بكل ما صنع الله إليك». فمضى ينادي في المدينة كلها بكل ما صنع يسوع إليه.
نظرة عامة:
هناك تفاصيل في سرد المعـجـزة تبدو غريبة لمن لـم يـصـادف شخصا مسه الشيطان: العري، السلسلة، الجنـون، الـهـاويـة، وغرق الخنـازيـر هـذه التفاصيل تظهر قسوة الشياطين عندما يـمـشـون إنسـانـا أمـا يسوع فيعتق المسـتـعـبـديـن مـن قـبـضـة الشيطان الذي يزهية. إن الشياطين يخاطبون يسوع بتكبر وصلف (كيرلس الإسكندري)، يا للغرابة: اعتراف الممسوس بيسوع كابن الله العلي خير من اعتراف ذوي النحلة. (هيلاريون). يسأل يسوع عن اسم الشيطان لإنقاذ من به مـس مـن الشياطين (كيرلس الإسكندري). كان هذا الممسوس أمميا ديسا من خارج إسـرائـيـل، وصـورة لأمـم مـصيـرهـا الموت، غرقها في تـفـاهـة عبـادة الأوثان (أمبروسيوس)، الـتـي هـي حـقـا عبادة الشياطين.
يحدث باهتداء الممسوس تغير، إذ يتحرر من سجن قبره (برودينتيوس). ثم تختفي الشياطين من الشرد. قد يتساءل السامع عما حدث لهم بعد غرق الخنازير، لا يعطينا السّرد جوابا عن ذلك، لكنه يقدم ملاحظات عديدة. المدهش هو رحمة يسوع (أفرام). الأرواح النجسة تتّخذ لها مساكن في الحـيـوانـات الــجـسـة ومـنـهـا الخنازير (أمبروسيوس). يسمح يسوع للشياطين بأن يدخلوها لأن لا قوة لهم عليها، مع أنها أدنى خلق الله. واستطرادا لا قوة لهم على البشر الذين هم أسمى خلق الله (كيرلس الإسكندري). إن حضور يسوع، الذي يعترف به الشيطان «كابن الله العلي» يستقبله البعض بإيمان ويزور عنه البعض الآخر. إن مثل الزارع يشرح ردتي فعل المجمع اليهودي والكنيسة (أمبروسيوس).
26:8- 27 إطار السرد – الممسوس عُريان ومقيم في القبور
مس الشيطان يظهر عنفه.
كيرلس الإسـكـنـدري: كـان الممسوس يتجول بين الـقـبـور عـاريـا بائسا. كانت حياته تعيسة مزرية. وكانت تدل على عنف الشياطين. ونجاستهم. إنهم يجعلون من كل الذين يخضعونهم صورا يتجسد فيها البوس والحزمـان، ويـمـسـكـون عـنـهـم كل نعمة ويعدمونهم كل رشد وكل تفكير.
يتساءل بعضهم: «لماذا يمس الشيطان الناس؟» أجيب الثائقين إلى معرفة الشرح أن السبـب عـمـيـق جـدا خـاطـب الله أحد القديسين بـقـولـه: «أحـكـامـك يـا رب غمر عميق». ما دمنا على علم بهذا الأمر، فلن نخفق في إصـابـة الـهـدف، فالله يسمح لبعضهم بأن يقعوا تحت قبضة إبليس، لا ليتألموا، بل لنتعلم بمثالهم كيف يعامل الشياطين ضحايـاهـم، فنتجنب الخضوع لهم. فمعاناة شخص واحـد تـكـون أمثولة تهذب الكثيرين. (تفسير القديس لوقا 44)
8: 28- 31 المسألة – تـخـاف الشياطين من يسوع لأنه ابن الله العلي
جواب إبليس ناشئ عن خوف وعن تكبر.
كيرلس الإسكندري: جيراسيني، أي قطيع الشياطين المخفي في داخله، ارتمى على قدمي يسوع وصاح بأعلى صوته: «ما لي ولك يا يسوع ابن الله العلي؟ أسألك ألا تعذبني»، لاحظ الخوف ممزوجا بالقحة والتهور. تجزوه على القول «ما لي ولك يا يسوع ابن الله العلي؟» تهور يختال في كبرياء! لكنك تعرف أنت حق المعرفة أنه هو ابن الله العلي فانظر، مرة ثانية، إلى مجد المسيح الذي لا يضاهي ولا يداني، وكيف سحق إبليس بضربة قاضية عندما عزم على مناواته. (تفسير القديس لوقا 44)
تعرف الشياطين من هو يسوع أكثر مـن أهـل النحلة.
هيلاريون: ألم يعرف الشياطين طبيعة صاحب هذا الاسم؟ من المبهج أن يؤثم الشياطين أهل النحلة قبل أن تؤثمهم تعاليم الرسل. كثيرا ما يعلنون: «ما لي ولك يا يسوع ابن الله العلي؟» يخرج الحق الشياطين فيعترفون به مكرهين، ويشهد حزنهم على تغلب هذه القوة عليهم. فيهجرون أجساد من مشوهم واستوطنوا فـيـهـم إنـهـم يـجـلـون المسيح ويعترفون بطبيعته، ويشهد المسيح، بمعجزاته وباسمه، أنه هو الابن. أيها المبتدع، أين تجد اسم المخلوق أو حظوة التبني في كلام أقـرت فـيـه الـشـيـاطيـن بـهـويـتـه؟ (الثالوث 6. 49)
يسأل يسوع عن اسم الشيطان من أجل تدبير الخلاص.
كيرلس الإسكندري: سأله المسيح وأمره بأن يقول اسمه. قال: «جيش، لأن كثيرا من الشياطين كانوا قد دخلوا فيه». هل سأله المسيح هذا لأنه لم يعرفه، كما لا تعرفه، فتاق إلى تعلم ما قد فاته؟ أوليس من الشخف بمكان أن نقول أو نتصور شيئا مثل هذا؟ الله يعرف كل شيء ويمتحن الأفئدة والأكباد. سأله لنتعلم أن جيش الشياطين كان في نفس الرجل، وولد فيه ما يعانيه من آفات. كان هذا الإنسان شغل الشياطين الشاغل. إنهم حكماء في عمل الشر، كما يقول الكتاب المقدس، لكن لا يعرفون عمل الخير.( تفسير القديس لوقا 44).
يمثل الممسوس الـعـريـان الأمم.
أمبروسيوس: يخبرنا متى في إنجيلـه أن رجلين ممسوسين لـقـيـا المسيح في بلدة جيراسيني، ولكن القديس لوقا يخبرنا عن رجل واحد عريان، إن من خلع عنه لباس الفضيلة هو عريان. يختلف الإنجيليان على عدد الأشخاص، لكنهما يتفقان على السر. الرجل الذي فيه روح شريرة هو رمز للأمم، مكسو بالرذائل، غـريـان بسبب الضلال، وخـاطـئ (عـرض الـقـديـس لـوقـا 6. 44).
محررا من سجن قبره.
برودينتيوس: كسر الشيطان المتوحش في سجن قبره أغلال الحديـد التي كانت تقيده، وانطلق وارتمى على قدميه أمام يسوع. لكن الرب حرر الرجل وأمـر بـأن يـصـاب الشيطان بالجنون. فغرق وقطيع الخنازير في أعماق البحر. (مشاهد من التاريخ المقدس أو الغذاء المضاعف 36)
33-32:8 طرد الشياطين ودخولهم في الخنازير
دخل الشياطين الخنازير مظهرين قوة يسوع الرحيم.
أفرام. اتخذ الجدريون قرارا بعدم الخروج لرؤية آيات الرب. لذلك أغرق الرب خـنـازيـرهـم ليكرههم على الخروج. «جيش»، يرمز إلـى الـعـالـم، قد أدب. أمـر الشياطين بأن يدخلوا في الخنازير، فمن قيل عنه «إنه يطرد الشياطين ببغلزبول» حارب إبليس في الجبـل وحـارب جيش الشياطين زعماء قواته. فما إن دخلوا في الخنازير حتى أغرقوها. بذلك عرفت قوة الرحيم الذي حفظ الرجل. فتوسلوا إليه ألا يأمرهم بالذهاب إلى خارج تلك الناحية ولا إلى الجحـيـم. (تفسير الإنجيل الرباعي لتاتيان 6. 26)
عاش الممسوس كخنزير، لذلك تسلمت الخنازير شياطينه.
أمبروسيوس: الإنسان يصنع محنته. إذا لـم يـحـي المرء حيـاة الخنزير، فلن تكون لإبليس قدرة عليه. أما إذا تمكن منه، فتكون له قدرة على تجربته لا على تدميره. بعد مجيء ء الرب أصبح إبليس عاجزا عن إفساد الخير، لذلك لم يعد يسعى إلى تدمير كل البشر، بل إلى تدمير المتقلبين منهم فقط. المعتدي لا يكمن للمسلحين، بل للغزل. بما أن القوي يحتقره والمقتدر يدمره، فـهـو بـالـمـوبـقـات يضايق الضعيف ويتلاعب بمصيره. قد يتساءل المرء: «لماذا يجـيـر الله هذا للشيطان؟» أجيب: «حتى يختبر الأخبار ويعاقب الأشرار، هذا هو قصاص الخطيئة». (عرض القديس لوقا 6. 47-49)
37-34:8 جـواب الـرعـاة وأهـل الناحية
ليس للشياطين قوة على الخنازير أو علينا.
كيرلس الإسكندري: إنا نتعلم هذا مما حدث لقطيع الخنازير. فالشياطين أشرار، عنف، مؤذون، قساة، غزارون بمن هم تحت قبضتهم. حقيقة هذا الأمر واضحة بدفع الخنازير إلى المنحدر وإغراقها في الماء. لباهم المسيح إلى طلبهم لنتعلم مما حدث أنهم قساة الطبع، وحشيون، لا تلين لـهـم عـريـكـة، ولا يبتغون إلا إلحاق الأذى بالمتسلطين عليهم.
إن كان بيننا من هو منحرف، وحشي، قدر، ملوث برجس الخطيئة، فالله يسمح بأن يقع في قبضتهم وبأن يغرق في هاوية لا قرار لهـا أمـا مـجـبـو المـسـيـح فـلا يـخـضـعـون للشيطان. ونحن بنجوة من العقاب ما دمنا نقتفي أثره، ولا تهمل العمل بما هو قويم، ونرغب في الكرامة، ونسير سيرة محمودة فاضلة رسمها لنا المسيح بفروض إنجيله المقدس. (تفسير إنجيل لوقا 44)
39-38:8 إجابة الشياطين
انطلاق الممسوس من المجمع اليهودي إلـى الـكـنـيـسـة بـيـتـه الـروحـي.
أمبروسيوس: يقول: «لما رأى الرعاة ما جری، هربوا». يتعذر على أساتذة الفلسفة وأئـمـة المجـامـع الـيـهـوديـة أن يقدموا أي علاج عندما يموت النّاس. المسيح وحده يغفر خـطـايـاهـم، شرط أن يذعنوا لشفائه. فهو يرغب عن شـفـاء الـذيـن يـرفـضـون الضعيف ويتخلون عنه، كأنه عبء عليهم ينووون به، وهذا ما بدر من أهل ناحية الجرجسيين. خرجوا من ناحيتهم، وهي صـورة عـن المـجـمـع، وسألوه أن ينصرف عنهم، لما نالهم من الخوف والهلع. لماذا لا يقبل المسيح من شفاه، بل يوصيه بأن يرجع إلى بيته؟ ربما ليتجنّب من نال الشفاء التفاخر والصلف وليعطي غير المؤمنين ما يتمثلون به… بعد أن تلقى الممـسـوس شـفـاء الـعـقـل، أمـره المسيح بمغادرة القبور والرموس وبالرجوع إلى ذلك البيت الروحي. فمن كان للعقل قبرا أصبح لله هيكلاً. (عرض القديس لوقا 6. 50-53)
56-40:8 إبراء منزوفة وإحياء ابنة يائيرس
ولما رجع يسوع، رحبت به الجموع لأنهم كانوا كلهم ينتظرونه. ؛ وإذا برجل اسمه يائيرس، وهو رئيس المجمع، قد جاء فارتمى على قدمي يسوع، وتوسل إليه أن يأتي بيته ؛ لأن له ابنة وحيدة في نحو الثانية عشرة من عمرها، قد أشرفت على الموت. وبينما هو ذاهب، كانت الجموع تزحمه. “؛ وكانت هناك امرأة منزوفة منذ اثنتي عشرة سنة، وكانت قد أنفقت جميع ما عندها على الأطباء، فلم يستطع أحد منهم أن يشفيها. فدنت من خلف ولمست هدب ردائه، فوقف نزف دمها في الحال. فقال يسوع: «من لمسني؟» فلما أنكروا كلهم، قال بطرس: «يا معلم، الجموع تزحمك وتضايقك! » ؟ فقال يسوع: «قد لمسني أحدهم، لأني شعرت بقوة خرجت مني ». ؛ فلما رأت المرأة أن أمرها لم يخف عليه، جاءت راجفة فارتمت على قدميه، وذكرت أمام الشعب كله لماذا لمسته وكيف برئت في الحال؛ فقال لها: «يا ابنتي، إيمانك خلصك، فاذهبي بسلام». وبينما هو يتكلم، جاء واحد من عند رئيس المجمع فقال: «ابنتك ماتت، فلا تزعج المعلم» فسمع يسوع فأجابه: «لا تخف: آمن فحسب تخلص ابنتك». ولما وصل إلى البيت لم يدع أحدا يدخل معه إلا بطرس ويوحنا ويعقوب وأبا الصبية وأمتها. وكان جميع الناس يبكون وينوحون عليها. فقال: «لا تبكوا، لم تمت، إنما هي نائمة». فضحكوا منه، لعلمهم بأنها ماتت. أما هو فأخذ بيدها، وصاح بها: «يا صبية، قومي!» فرجعت روحها وقامت في الحال. فأمر بأن تعطى طعاما. ” فدهش أبواها، فأوصاهما الا يخبرا أحدا بما جرى.
نظرة عامة:
إن موت ابنة في نحو الثانية عشرة من عمرها، ومرض امرأة منزوفة منذ اثنتي عشرة سنة، يشهدان على أن يسوع هو القيامة والحياة (كيرلس الإسكندري). يبرز السّرد كثيرا من التشابه والتوازي: كانت الفتاة في نحو الثانية عشرة من عمرها عندما أشرفت على الموت، وكانت لا تزال تقارب سن المراهقة. أما المرأة فقد لازمها النزيف منذ اثنتي عشرة سنة، أي منذ ولادة الفتاة. يحيي يسوع الأولى ويشفي الثانية (أفرام).
تمثل الابنة المشرفة على الموت المجمع اليهودي، والمرأة المصابة بنزف الدم تشبه الكنيسة، إذ تدنو بإيمان من خلف وتلمس هذب رداء يسوع (أمبروسيوس). إن المرأة المنزوفة غير طاهرة؛ وهذا هو سبب تخفيها في محاولتها الحصول على الشفاء اختلاسا بلـمـس هـذب رداء يسـوع (كيرلس الإسكندري). في تخفيها أعلن لاهوت يسوع، وأعلن إيمـانـهـا الـذي خـفـي علـى الجموع (أفرام).
أعلن يسوع قدرته على الطبيعة، وعلى مس إبليس، وعلى المرض. تؤدي هذه المعجزات الثلاث إلى المعجزة النهائية: الام يسوع وقيامته من بين الأموات (أمبروسيوس). تلمس المرأة هذب ردائه المقدس فتشفى (برودنـــيـوس). سبب شفاء يسوع لرحمها إعلانه عن لاهوته على الرغم من أنه صار بشرا (أفرام). يقول يسوع للمرأة المنزوفة «يا ابنتي، إيمانك خلصك، فاذهبي بسلام». الإيمان هـو الـطـريـق إلـى عـائـلـة يسوع، والسّلام هو تاج الانتصار الذي تسلمته بسبب إيمانها (أفرام). قال يسوع هذا الكلام لأبـي الـفـتـاة مـن أجـل مـواسـاتـه (كيرلس الإسكندري). الإيمان بإمكانية إنهـاض ابنته من بين الأموات هو إيمان بأن يسوع المسيح هو منبع الحيـاة (كيرلس الاسكندري).
ضحك الناس منه لأنه قال: «لا تبكوا، لم تمت، إنما هي نائمة». لكن يسوع لا يكذب، لأن الذين يموتون في المسيح سيقومون من بين الأموات (كيرلس الإسكندري). وبعد أن أقـامـهـا مـن بين الأموات أمر بأن تطعم، ليظهر أنها حية ومالكة لكل حيويتها وحواسها (أفرام). أوصى أبويها ألا يخبرا أحـدا قـبـل قـيـامـتـه بـمـا جـرى، ليفهم الموعوظين أن قـيـامـتـه مـحـور للإيمان ولـلأسـرار المقدسة، التي بها تتغذى أجـسـادهـم وأنـفـسـهـم بـالـطـعـام المقدس، وتـلـمـس بـقـدرة الـقـيـامـة المـجـيـدة (أمبروسيوس).
40:8-42 ابنة يائيرس أشرفت على الموت
تشهد المعجزتان على أن يسوع هو القيامة والحياة.
كيرلس الإسكندري: منذ الأزل كان المسيح واعيا لسره. وفي دهر العالم الأخير تجلى لسكان الأرض، فحمل خطيئـة الـعـالم، وأبطلها كما أبطل الموت الذي حل بنا بسببها. قال: «أنا هو القيامة والحياة»، و«مـن يـؤمـن بـي فـلـه الحيـاة الأبدية، ولا يأت إلى دينونة، بل انتقل من الموت إلى الحياة…». أتى حاكم المجمع الـيـهـودي وارتمى على قدمي المخلص، وسأله أن يخلص ابنته من أشداق الموت. كـانـت قـد أشـرفـت عـلـى الموت، وكادت أن تلفظ أنفاسها! لبى المخلص طلبه، وانطلق معه… وفي الطريق أنقذ المرأة التي كانت ضحية مرض عضال. لم يقدر أحد على أن يوقف نزف دمها الذي أبطل فن الأطباء. فما إن لـمـسـت هـدب ثـوبـه بـإيمان حتى شفيت. (تفسير القديس لوقا 46)
تقام ابنة في نحو الثانية عشرة من عمرها، وتـشـفـى مـنـزوفة منذ اثنتي عشرة سنة. أفرام: لما علمت المنزوفة أن الـرب قـال لـقـائـد المـجـمـع: «أمن فحسب تخلص ابنتك»، فكرت في أن القدير على إعادة نفس فتاة في نحو الثانية عشرة من عمرها إلى جسدها قادر على إقصاء مرض بليت به منذ اثنتي عشرة سنة، وعلى تطهير الجسد منه. لما سمعته يقول: «أمن فحسب تخلص ابنتك» فكرت مليا. قالت في نفسها: «إنني قادرة على أن أظهر إيمانا يطلبه مني ثمنا». بكلمة من شفتيه تم الشفاء، وفاوض على ثمنه بإيمان تعلله شفتا المرأة. شفاها بجلاء، وطلب منها ثمنا بينا. إن الشفاء الذي خرج من شفتيه يسمع بصفاء، وقد طلب من شفتيها إيمانا يعلن صافيا. اعترفت المرأة على مسمع من الجميع، فلم يصدقوها، لاسيما أن علتها كانت مخفية. ولما فتح الرب عيني الأعمى سموه مجنونا، ولـمـا أعـاد الحيـاة إلـى الـــعـازر لم يؤمن بعضهم من الذين رأوا ذلك رأي العين. لقد رد الحياة على فتاة في نحو الثانية عشرة من عمرها. فالقدير على رد الحياة إلى جسد فتاة في نحو الثانية عشرة من عمرها، قادر على وقف نزف دم استمر اثنتي عشرة سنة، والقدير على إبراء مرض، قادر على طرد مرض آخر، والقدير على إحياء أعضاء الفتاة الميتة، قادر على شفاء رحم المرأة. (تفسير الإنجيل الرباعي لتاتيان 7. 26)
48-43:8 شفاء المرأة المنزوفة.
البنت تمثل المجمع، والمرأة الكنيسة.
أمبروسيوس: الشـعـوب هـي كـالمرأة التي أنـفـقـت جـمـيـع مـا عندها على الأطباء. فخسرت كل ما تملك وبددت ميراث الحياة. كانت مقدسة، خجولة، تقية، مؤمنة، لكن تـواضـعـهـا جعلها تتردد، والتّواضع هو الاعتراف بقلة الإيمان وبعدم اليأس من الغفران. لمست المرأة الخجولة هذب ثوبه. دنـت مـنـه هـي المؤمنة الثقيـة الحكيمة، فشعرت بأنها شفيت. والشعوب المقدسة التي آمنت بالله خجلت من خطيئتها، فنأت الله. أما المرأة فـقـد أمـنـت وأظـهـرت عن ورعـا… لـبـسـت الحكمـة لتسترد صحتها وعافيتها. كانت واثقة ومعترفة بحقيقة غريبة اختطفتها.
لماذا لمس المسيح من خلف هل لأنه كتب: «الرب إلهكم تتبعون»؟ لماذا كانت فتاة في نحو الثانية عشرة من عمرها تشرف على الموت؟ ولماذا كانت امرأة تنزف دما لاثنتي عشرة سنة؟ لماذا كانت الكنيسة تتألم فيما المجمع اليهودي مـا زال يزدهر؟ ضعف المجمع فضيلة للكنيسة. بضلاله أتى الخلاص إلى الأمم. نهـايـة المـجـمـع بـدء للكنيسة والخلاص. (عرض القديس لوقا 56.6-59)
تخفت المرأة لأنها تعرف أنها غير طاهرة.
كيرلس الإسكندري: ما الذي دفع تلك المرأة إلى التخفي؟ وصمت شريعة موسى الحكيم بالأنس كل امرأة مصابة بنزف دم، ونصت على أنه لا يجوز للمدنس أن يلمس ما هو مقدس أو يقترب من قديس. لهذا السبب حرصت المرأة على أن تبقى متخفية، خشية أن تخالف الشريعة وتنزل بها العقوبة المنصوص عليها في الشريعة. ما إن لمسته حتى شفيت لساعتها. (تفسير القديس لوقا 45)
تشهد المرأة للاهوت يسوع، ويشهد يسوع لإيمانها.
أفرام: المجد لك، أيها الأب المخفي الوجود. معاناتها المخفية أعلنت إبراءك إياها، وشفاؤك امرأة يرونها، مكنهم من رؤية لاهوت لا يرى. تجلى بالشفاء لاهوت الابن، وتجلى به إيمانها. كان له سببا، وهي تجلت معه، تجلى الحق مع المبشرين به. لقد كانت المرأة شاهدة على لاهوته، وهو كان على إيمانها شاهدا.
سكبت عليه الإيمان مكافأة، وكافأها على إيمانها بشفائها من دائها. صار إيمانها علنيا، وشفاؤها علنيا. لقد خاب سعي الأطباء في علاجها، وتألقت قـدرة يسوع وعـظـم الابـن تـفـوق الإيمان العظيم على معالجات الطب وأفانينه، وتفوقت القدرة المخفية على علاج داء مرئي. (تفسير الإنجيل الرباعي لتاتيان 7. 1-2)
المعـجـزات عـلامـات لآلام يـسـوع وقيامته.
أمبروسيوس: «جاء أحدهم من عند رئيس المجمع وقال: «ابنتك ماتت، فلا تزعج المعلم». ما كانوا يؤمنون بالقيامة التي أنبأ بها يسوع في الشريعة وتمت في الإنجيل. لما دخل يسوع البيت اختار شـهـودا عـلـى إنـهـاض الموتى، لأن الـكـثيـريـن مـن الـنـاس مـا كانوا يؤمنون بالقيامة. قال الرب: «الفتاة لم تمت، إنما هي نائمة». فضحكوا منه وهزئوا به. فـالـذيـن لـم يـؤمـنـوا سخروا منه. إن الذين يظنون أنهم أموات سيبكون على أمواتهم، لكن، للمؤمنين بالقيامة يبدو الموت نوما ورقادا. (عرض القديس لوقا 59.6 – 61)
هدب ثوبه المقدس.
برودنتيوس: ثم لـمـسـت امـرأة ضعيفة واهنة هـذب ثـوبـه المقدس، فبرئت من علتها في الحال، وهجر الشحوب خديها، وزال عنها ما عانت منه سنوات وسنوات. (كتاب التراتيل اليومية 9. 39-44)
سبب شفاء يسوع لرحمها.
أفرام: «من لمسني، لأنني شعرت بقوة خرجت مني؟» لم يذكر في أي مكان آخر تفصيل كهذا عن طبيبنا، لأنه لم يشف من قبل مثل هذا الداء. عرض هذا الداء على أطباء كثيرين، لكن طبيبا واحدا شفى منه. تفحصه الكثير منهم فخانهم اختصاصهم. واحد فقط أراح المرأة من عناء التنقل من طبيب إلى طبيب. واجه فن الاستشفاء داء مخجلاً، وأضاف ألما إلى ألم. وكان أنه كلما توافد الأطباء ازداد الداء سوءا. أما حين لمسها هذب ثوب الرب فقد اقتلع الداء من جذوره، وأحست المرأة بالشفاء التام من عاهتها.
خرست أسـالـيـب الاسـتـشـفـاء المكسوة بحكمتنا العملية، ونطق اللاهوت المكسو بالثياب لـبـس يسوع الجسد ونزل إلى النّاسوت ليغنم غنائم كثيرة. بالآيات أعلن لاهـوتـه فـصـار الإيمان بالنّاسوت وحده ليس كافيا. أعلن ناسوته لتؤمن الكائنات العلوية بأنه كائن دنيوي، وأعلن لاهوته لتقبل به الكائنات الدنيوية كائنا علويا. أخذ جـسـدا إنسـانـيـا ليـتـجـد الـنـاسـوت باللاهوت، وأعلن لاهـوتـه حـرضـا على نـاشـوتـه مـن أن تـدوسـه الأقدام. (تفسير الإنجيل الرباعي لتاتيان 15.7-17)
إرسالها بسلام تاج لانتصارها.
أفرام: لو انسلت المرأة التي شفاها في استخفاء، لحرمـهـا الـرب تاج الانتصار. كان يليق بالإيمان الذي توهج في ألم مخفي أن يتوج جـهـرا أمام الملأ. نسج لـهـا المسيح تاجا عظيما إذ قال: «اذهبي بسلام». السّلام الذي أعـطـاه كـان تـاج انـتـصـارهـا قـال: «اذهبي بسلام»، لكنه لم يتوقف هنا، بل أضاف: «إيمانك خلصك» ليعرفوا أن هذا كان تاج الرب. يفصح هذا عن أن السلام الذي نسجه فـمـه كـان تـتـويـجـا لإيمانها. «إيمانك خلصك». لقد أعادها الإيمان إلى الحياة، فتوج إيمانها تتويجا. صاح: «من لمس ردائي؟» قال هذا ليعرف كل إنسان أنهـا هـي الـتـي لـمـسـتـه أكثر من غيرها. اخـتـارت أن تـكـرمـه أكـثـر مـن غـيـرهـا، بـاقـتـرابـهـا مـنـه من خلف وبلمسها هدب ثوبه، يكرمها أمام الناس، مقابل تكريمها إيـاه أضعاف تـكـريـمـهـم. (تفسير الإنجيل الرباعي لتاتيان 7. 10)
56-49:8 إقامة ابنة يائيرس
آساه بـقـوله «لا تخف».
كيرلس الإسكندري: جـاء رسـول مـن عـنـد رئيس المجـمـع فـقـال: «ابنتك ماتت، فلا تزعج المعلم». ما كان جواب المسيح سيد العالم؟ إن رب الحياة والموت يتم بمحض إرادته ما يرغب فيه، رأى الرجل حزينا، مكتئبا، مدلها، يائسا من خلاص ابنته من أشداق الموت. فالمحن تضعضع من كان ثابت الفكر وتشوشه وتريكه، ليخفف عنه واساه بأعذب الكلام وألطفه وثبت إيمانه: «لا تخف، آمن فحسب تخلص ابنتك». (تفسير القديس لوقا 46).
الموت نوم عند الذين سيقومون في المسيح.
كيرلس الإسكندري: جاء إلى بيت من توسّل إليه، فهدأ المراثي وأسكت الزمر، وكفكف دموع الباكين بقوله: «الفتاة لم تمت، إنما نائمة». ضحكوا منه. أرجو هي أن تلاحظ هنا حكمة تدبيره العظيم. فرغم معرفته بأن الفتاة كانت قد ماتت قال: «لم تمت، إنما نائمة». ما هذا الكلام؟ قوله إن الفتاة نائمة يضحك الناس عليه. قد هي يـقـاوم بعضهم مجده ويرفضون المعجزة الإلهية… في قولهم كانت الفتاة ميتة. أما في القول إنها كانت نائمة فلا يظن أحد أن المسيح حـاد عن الواقع، فبما أنه الحياة بطبيعته، فلا شيء عنده ميت. نحن نترجي قـيـامـة الأمـوات ونقول إن الأموات نيام. إنهم سيقومون في المسيح، وكما يقول بولس المبارك، «إنهم يحيون لله»، إنهم سيحيون. (تفسير القديس لوقا 46)
يقيم المسيح الفتاة بقدرة كلمته.
كيرلس الإسكندري: لما وصل يسوع إلى البيت، لم يدع أحدا يدخل معه إلا ثلاثة من الـرسـل الـقـديسين وأبـا الصبية وأمها. إنّ أسلوب إجرائه للمعجزة جدير بالله، «أخذ بيـدهـا، وصاح بـهـا: «يا صبية، قومي!» فقامت من وقتها». يا لقدرة كلمته وقوة أوامره التي لا تقاوم! يا لعظمة حياة من يدة تلغي الموت والفساد! هذه هي : ثمار الإيمان، من أجلها منحت يد موسى الشريعة للقدماء. (تفسير القديس لوقا 46)
أُقيمت الفتاة الثائمة وأعطيت طعاما ليظهر أنها حية.
أفرام: لما شفيت المرأة قال ربنا: «من لمسني؟» ليعلن شفاءها أمـام الجـمـيـع وعـن الـفـتـاة قال: «إنها نائمة» ليشهد الناس على أنها بعد أن كانت ميتة ردت الحياة إلـيـهـا، ولـيـهـتـدي الضالون إلى الإيمان. فالشهادة التي أدوها عن موت الفتاة وإعادتها إلى الحياة على يد الرب كانت إنباء بموته. إن الذين رأوه حيا، بعد موته، لن ينكروه. (تفسير الإنجيل الرباعي لتاتيان 7.27)
تـنـاولـهـا الـطـعـام يـبـرهـن أنـهـا حية.
أمبروسيوس: ماذا أقـول عـن ابـنـة رئيس المجمع، التي انتحب الناس على موتها ونـفـخ الـعـارفـون فـي المـزمـار؟ رأوا أنهـا ماتت، فأقاموا صلاة الجناز عليها. ردت الروح إليها عندما صاح الرب بها، فقامت بجسد حي، وتناولت طعاما أثبت أنها حية ترزق. (حول أخيه ساتيروس. 2. 82.)
تقوم الكنيسة كالفتاة لتأكل طعاما مقدسا.
أمبروسيوس: أخذ يسوع بيدها، وأمـر بـأن تعطى طعاما هذا ليس شبحا، بل هذا برهان للحياة، ودليل على الإيمان بالحق. طوبى لمن بيده الحكمة أرجو أن يمسك البر بأعمالي وبيدي. أريد أن تمسكني كلمة الله وتدخلني خدرك، وتبعد عني روح الضلال، وتبدله بروح الخلاص، فأتلقى أمرا بأن أعطى طعاما! كلمة الله هو خبز السماء. والحكمة التي ملأت المذبح المقدس بطعام الجسد الإلهي وبـالـدم، تقول «تعـال، كـل مـن طـعـامـي واشرب الخمر التي مزجتها لك». ما سبب هذا التنوع؟ هناك أقام المسيح ابن الأرملة علانية وهنا أخرج عدة شهود. أظن أن عطف الرب كشف عندما سارع إلى مواساة الأرملة المفجوعة بابنها الأوحد. أقام ابنها في الحال، تخفيفا لأحزانها. إنه من الحكمة أن تـؤمـن الـكـنـيسـة مـن سـاعتها لدى مشاهدتها إنهاض ابن الأرملة من الموت. (عرض القديس لوقا 63.6-64)