تفسير رسالة العبرانيين أصحاح 8 للقديس يوحنا ذهبي الفم
الأصحاح الثامن
العظة الرابعة عشر (عب8: 1-13)
” وأما رأس الكلام فهو أن لنا رئيس كهنة مثل هذا قد جلس في يمين عرش العظمة في السموات خادماً للأقداس والمسكن الحقيقي الذي نصبه الرب لا إنسان”(عب 8: 1-2) .
1- يمزج الرسول بولس بين الأمور المتواضعة والأمور السامية، هذا الذي يتمثل بمعلمه . علي الدوام، إذ أنه يجعل الأمور المتواضعة طريقاً نحو الأمور السامية، فمن خلال المتواضعات يقودهم إلى الساميات، وعندما يصلوا إلي الأمور السامية يتعلموا أن هذه الأمور كانت نتيجة لغفران الله هذا إذاً هو ما يفعله هنا. لأنه بعدما قال إنه قدم نفسه، وأظهر أنه رئيس كهنة، أضاف
“وأما رأس الكلام فهو أن لنا رئيس كهنة مثل هذا قد جلس في يمين عرش العظمة في السموات” (عب 8: 1)
وإن كان هذا بالطبع ليس ملمح الكاهن (أن يجلس)، بل هو ملمح للمكانة التي يجب أن يكون فيه الكاهن.
ثم يقول “خادماً للأقداس” ليس فقط يخدم، لكنه “خادماً للأقداس”.
” والمسكن الحقيقي الذي نصيه الرب لا إنسان” (عب 8: 2).
أرأيت التسامح الذي له؟ ألم يُميز قبل قليل بين الابن والملائكة)، أليس جميعهم أرواحاً خادمة؟”. ولأجل هذا السبب لم يسمعوا ” إجلس عن يميني ؟ يقول هذا لأنه في كل الأحوال، ذاك الذي يجلس ليس بخادم. وبناء علي ذلك فهو يسمع هذا الكلام أي أجلس عن يميني، لأن الكلام ينصرف إلي وضعه في الجسد. أما كلمة “المسكن ” فهو يقصد بها هنا، السماء.
ومن أجل هذا يُظهر الفرق بين هذا المسكن وبين خيمة اليهود، فيضيف قائلاً ” الذي نصبه الرب لا إنسان”.
لاحظ كيف سمي بنفوس المؤمنين من غير اليهود، وهو يتحدث بهذا الكلام، لأنه كان من الطبيعي أن يفكر هؤلاء وأن يقولوا ليس لدينا مثل هذا المسكن، وها هو يقول أنه كاهن وعظيماً وأعظم بكثير من ذاك (أي رئيس الكهنة اليهودي، وأنه قدم ذبيحة مثيرة للدهشة أكثر من الذبيحة القديمة). لكن هل هذه الأمور مجرد كلام وافتخار وتسلية ؟ هي ليست كذلك، ولهذا فقد أكد عليها أولاً من خلال القسم، وبعد ذلك من خلال المسكن. بالطبع هذا الفرق كان واضحاً، لكن الرسول بولس، يقصد فرق آخر، إذ يقول “الذي نصبه الرب لا إنسان”. إذاً أين هم أولئك الذين يقولون أن السماء تتحرك؟ أين هم هؤلاء الذين يكرزون بأن (السماء) لها شكل دائرة؟ إن القولين قد أُبطلا هنا. يقول “وأما رأس الكــلام”. رأس الكلام يُقال دوماً عن أعظم الكلام. مرة أخري ينزل بمستوي الحديث، بعدما تكلم عن رأس الكلام أو الكلام الأساسي، يتكلم بعد ذلك وبدون خوف عن الأمور المتواضعة.
ولكي تعرف أن كلمة ” خادماً “، قد قيلت عن الطبيعة الإنسانية، لاحظ كيف يؤكد علي هذا أيضاً.
يقول” كل رئيس كهنة يقام لكي يقدم قرابين وذبائح فمن ثم يلزم أن يكون لهذا أيضاً شيء يقدمه” (عب 8: 3).
لا تتصور وأنت تسمع أنه جلس أن من الحماقة أن يُقال عنه أنه رئيس كهنة. لأن من حيث أنه قد جلس”، فهذا ملمح أو سمة لمقام الله، بينما كلمة “خادما” تظهر مدي محبته الفائقة للبشر وعنايته بنا . ولهذا يمهد لذلك ويصر بالأكثر عليه، لأنه يخشي أن هذا الأمر يُبطل ذاك، لأنه جلس من أجل هذا أيضاً ينتقل إلي ذلك الحديث، لأن البعض سألوا لكي يعرفوا لأي سبب قد صار كاهناً بعدما مات ؟ لكن لا يوجد كاهن بدون ذبيحة. وبناء علي ذلك كان يلزم أن يكون لهذا ذبيحة. كذلك فإنه يقول ” في السموات “، ويبرهن في كل موضع علي أنه كاهناً، من خلال ملكي صادق، وبواسطة القسم، وبواسطة الذبيحة التي يقدمها. وإنطلاقاً من هذا يُقدم رؤية أخري هامة، إذ يقول
” فإنه لو كان (المسيح) علي الأرض لما كان كاهنا إذ يوجد الكهنة الذين يقدمون قرابين حسب الناموس” (عب 8: 4)
إذاً لو أنه كاهناً مثل الآخرين، فكان ينبغي أن يطلب موضع آخر. لأنه لو كان علي الأرض لما كان كاهناً. إذاً كيف سيكون (كاهنًا)؟ فهو لم يقدم تقدمات ، ولم يمارس عمل كهنوتي، وهذا صواب جداً ، لأنه كان يوجد كهنة، وهذا يُظهر أنه لم يكن ممكناً أن يكون كاهناً علي الأرض. لأنه كيف يحدث هذا أو بأي طريقة ؟ هنا من الضروري أن نفكر بتركيز وأن نتعرف جيداً علي حكمة بولس، لأنه يظهر مرة أخري الفرق بين كهنوت المسيح، والكهنوت اليهودي إذ يقول:
” الذين يخدمون شبه السمويات وظلها ” (عب 8: 5).
عن أي سماويات يتكلم هنا ؟ إنه يتكلم عن الروحيات، لأنه بالرغم من أن الروحيات تُمارس علي الأرض، لكنها مستحقة للسماويات. فحين يكون ربنا يسوع المسيح قد ذبح، وعندما يأتي الروح القدس، وعندما يكون ذاك الذي يجلس عن يمين الآب قائم هنا بيننا، وعندما يصير البشر أبناء بالمعمودية، وعندما يصبح أولئك الذين في السماويات من مواطني السماء، عندما يكون هناك وطننا ومدينتنا وكل أمور حياتنا ، وعندما نشعر بأننا غرباء في هذا العالم، فكيف لا يكون كل هذا ، سماويات؟
2 – لكن ماذا ؟ أليست التسابيح سماويات؟ وتلك التي ترتلها الخوارس الإلهية التي للقوات غير الجسدانية، ألا نرتلها نحن أيضاً الذين علي الأرض في إتفاق معهم، أليس المذبح سماوي ؟ كيف؟ من حيث أنه ليس فيه أي شيء مادي. كل ما هو أمامنا يصير روحي. عندما الذبيحة لا تنتهي إلي رماد أو إلي دخان ورائحة دخان بل تصير التقدمات الصالحة في بهاء ومسرة. وكيف لا تكون تلك الممارسات سماوية ، عندما يسمع أولئك الذين يخدمون هذه الروحيات “من غفرتم خطاياه تغفر له ومن أمسكتم خطاياه أمسكت” . كيف لا يكون كل هذا سماوي، عندما يكون لهؤلاء مفاتيح السماء؟
ثم يقول “كما أوحي إلي موسي وهو مزمع أن يصنع المسكن. لأنه قال أنظر أن تصنع كل شيء حسب المثال الذي أظهر لك في الجبل”.
لأن حاسة السمع لدينا تأتي بعد الرؤية لأننا لا نستودع أو نضع في أنفسنا تلك الأمور التي سنسمعها ، بقدر ما نضع تلك التي نراها بأعيننا، فقد أظهر له كل شيء. إذاً إما أنه يقول هذا شبه وظل”، إما أنه يشير إلي الهيكل، لأنه أضاف أنظر أن تصنع كل شيء حسب المثال الذي أظهر لك في الجبل”. إذاً فهو قد رأي ما يختص بصناعة الهيكل، أو رأي ما يخص الذبائح وكل ما يتعلق بالأمور الأخرى. ربما لا يكون المرء مخطئاً لو قال هذا أيضاً. لأن الكنيسة سماوية، وليست شيئاً أخر سوي السماء.
” ولكنه الآن قد حصل (يسوع) علي خدمة أفضل بمقدار ما هو وسيط أيضا لعهد أعظم قد تثبت علي مواعيد أفضل” (عب 6:8).
أنظر كم هي أفضل هذه الخدمة (التي ليسوع) من أي خدمة أخري، طالما كانت تلك الخدمة (القديمة) ظلال ومثال، بينما هذه الخدمة (خدمة السماويات)، هي الحقيقية. لكن هذا لم ينفع المستمعين بشيء ولا أسعدهم، ولهذا تكلم بما أسعدهم للغاية. “لعهد أعظم قد تثبت على مواعيد أفضل”. بعدما شجعهم بواسطة المكان، والكاهن والذبيحة، يشير بعد ذلك إلي الفرق في العهد بين القديم والجديد)، وقد أورد هذا الإختلاف فيما سبق، عندما برهن علي أن القديم ضعيف وبلا نفع أو عديم الفائدة. ولاحظ إلي أي ضمانات يشير ، عندما ينوي أن يُبطله. لأنه بعدما قال فيما سيق” بحسب قوة حياة لا تزول ، حينئذ قال ” يصير إبطال الوصية السابقة . ثم يشير أخيرًا إلي شيء عظيم قائلاً ” به نقترب، إلي الله”
لكنه هنا بعدما إرتفع بنا إلي السماء، وأظهر أن السماء قد صارت بدلاً من الهيكل، وأن الممارسات والإجراءات القديمة كانت مثال (للحقائق) التي لنا ، وبعد ما سمي بالخدمة لدي هؤلاء، نجده بعد ذلك يسمو بالكهنوت بشكل طبيعي جداً.
لكنني قلت أنه أشار لذلك الذي أسعدهم للغاية، قائلاً “لعهد أعظم قد تثبت علي مواعيد أفضل من أين يتضح هذا؟ من أن هذا العهد القديم) قد أُزيح، وحل محله العهد (الجديد).
ولهذا قد تثبت لأنه أفضل تماماً مثلما يقول ” فلو كان بالكهنوت اللاوى كمال إذ الشعب أخذ الناموس عليه ماذا كانت الحاجة بعد إلي أن يقوم كاهن آخر علي رتبة ملكي صادق ، هكذا هنا أيضاً يستخدم نفس الفكر، قائلاً:
” فإنه لو كان ذلك الأول بلا عيب لما طلب موضع لثان” (عب 8: 7)
بمعني إن كان بلا نقائص، إن كان قد جعل الناس كاملين. ومن حيث أنه يقول هذا الكلام، لأجل هذا الأمر (أي ليؤكد علي إمتياز العهد الجديد)، إسمع الكلام اللاحق، يقول” لأنه يقول لهم لائماً “، لم يقل لائما للعهد الأول (القديم)، بل لائما لهم (أي بيت إسرائيل).
” لأنه يقول لهم لائماً هو ذا أيام تأتي يقول الرب حين أكمل مع بيت إسرائيل ومع بيت يهوذا عهداً جديداً لا كالعهد الذي عملته مع أبائهم يوم أمسكت بيدهم لأخرجهم من أرض مصر لأنهم لم يثبتوا في عهدي وأنا أهملتهم بقول الرب” (عب 8: 8-9)
من أين يتضح أنه أنتهي؟ بالطبع هذا قد أظهره من خلال هذا الكاهن، لكنه الآن يظهره بوضوح وبنفس الكلمات، أنه قد أُبطل. كيف؟ بقوله “لعهد أعظم قد تثبت علي مواعيد أفضل”. أخبرني، هل تستطيع أن تجد تساوي بين الأرض والسماء ؟ لكن لتلاحظ أنت كيف أنه هناك أيضاً يتكلم عن “مواعيد”، لكي لا تتهمه لأجل هذا الأمر. لأن هناك يقول “يصير إدخال رجاء أفضل به نقترب إلي الله” ، فقد أظهر أن هناك أيضاً يوجد رجاء، وهنا أيضاً يقول “مواعيد أفضل” قاصداً بأن هناك أيضاً يوجد وعد.
لكن لأنهم دوماً كانوا يُدينون، ها هو يقول “هوذا أيام تأتي يقول الرب حين أكمل مع بيت إسرائيل ومع بيت يهوذا عهداً جديداً” لم يتكلم عن عهد ما عتيق أو قديم ولكي لا يستطيعوا أن يقولوا هذا، حدد الزمن أيضا. لأنه لم يقل شبيهاً بالعهد الذي أكملته مع آباءهم، لكي لا تفهم أنه العهد الذي قطعه مع إبراهيم أو مع نوح، لكن العهد الذي تحدث عنه، وقد أظهره، بقوله “لا كالعهد الذي عملته مع آبائهم .
هو ذلك الذي كان في الخروج (أي الخروج من أرض مصر). ولهذا فقد أضاف “يوم أمسكت بيدهم لأخرجهم من أرض مصر لأنهم لم يثبتوا في عهدي وأنــا أهملتهم بقول الرب”.
3- أرأيت أن الشرور تبدأ من جهتنا؟ أولا يقول عن هؤلاء أنهم لم يبقوا مؤمنين. ثم بعد ذلك يتضح أن اللامبالاة تأتي من قبلنا، بينما الخيرات والأمور الصالحة، أي الإحسانات فتأتي من الله. هنا يبدو كما لو أنه يدافع عن نفسه، مظهراً السبب الذي لأجله قد أهملهم. يقول
” لأن هذا هو العهد الذي أعهدة مع بيت إسرائيل بعد تلك الأيام يقول الرب أجعل نواميسي في أذهانهم وأكتبها علي قلوبهم وأنا أكون لهم الها وهم يكونون لي شعباً” (عب 10:8).
هذه الأمور يقولها عن العهد الجديد، لأنه يقول “لا” كالعهد الذي عملته”. لكن هل هناك فرق غير هذا ؟ فلو أن شخصاً قال أن الفرق ليس في هذا الأمر، لكن في أنه أعطي في قلوبهم، لا يطرح فرق في إطار الوصايا ، بل يُظهر الطريقة التي بواسطتها يعطي هذه (النواميس). لأن العهد لن يكون محفور بحروف، هكذا يقول، بل مكتوب علي القلوب. إذا فليستحق اليهودي ما حدث في وقت ما لم يستطع أن يجد (هذا العهد)، لأن العهد أيضاً صار بحروف بعد العودة من بابل. لكنني سأبرهن على أن الرسل لم يتسلموا أي شيء مكتوب، بل أنهم قد قبلوه في قلوبهم بمعونة الروح القدس. ولهذا فقد قال المسيح ” وأما المعزي الروح القدس الذي سيرسله الآب بأسمي فهو يعلمكم كل شيء ويذكركم بكل ما قلته لكم “
” ولا يعلمون كل واحد قريبه وكل واحد أخاه قائلاً أعرف الرب لأن الجميع سيعرفونني من صغيرهم إلي كبيرهم لأني أكون صفوحاً عن آثامهم ولا اذكر خطاياهم وتعدياتهم فيما بعد” (عب 8: 11-13).
ها هي علامة أخرى سيعرفونني من صغيرهم إلي كبيرهم”، ولن يقولوا “أعرف الرب “. متى حدث هذا سوي الآن؟ لأن كل ما يتعلق بنا هو أمر ظاهر لكن ما يتعلق بهم غير واضح، بل أنه محصور في زاوية. كذلك فإن الجديد آنذاك كان يقال، عندما يوجد عهد أخر (جديد) ، ويُظهر أنه لديه شيئاً آخر أكثر من العهد القديم. لكن جديد هو هذا العهد أيضاً، عندما تنتزع منه أشياء، والبعض الأخر لا يُنتزع. وسأتكلم بأمثلة ، فلو أن شخصاً كان يقيم في بيت قديم آيل للسقوط، وترك كل شيء، وأصلح الأساس، فعلي الفور نقول أنه قد جعله جديداً، عندما ينزع بعض الأشياء، ويضع بدلاً منها بعض الأشياء الأخرى.
لأن السماء أيضاً يُقال عنها جديدة، عندما لا تكون بعد جافة، بل تعطي مطراً. ونفس الأمر بالنسبة للأرض أيضاً جديدة عندما تكون مثمرة، وليس حين تتغير (وتصبح غير مثمرة).
هكذا يكون البيت جديداً عندما تُنزع عنه بعض الأشياء، ويبقي البعض الآخر. وبناء علي ذلك بالصواب قال عهداً جديداً”، لكي يوضح أن ذلك العهد قد صار قديماً، طالما أنه لم ينتج ع(نه) أي ثمر. ولكي تعرف هذا جيداً، أقرأ ماذا يقول حجي وماذا يقول زكريا، وماذا يدعوه عزرا
وكيف لم يسأل أحد الرب، طالما أن هؤلاء قد خالفوه، ولا هم أنفسهم قد عرفوه؟ أرأيت كيف أنه (أي اليهودي) قد خالف ما هو خاص بالعهد الجديد كما ورد في القديم؟ إنني أذكر ما يخصني في العهد القديم، لأن هذا (العهد) كان من الممكن أن يُقال عنه جديداً. فضلاً عن هذا ولا ذلك العهد أيضا أسمح أن يقال عنه (أنه جديد). لأجل هذا، تقول “ها أنذا خالق سموات جديدة ٣٥٤ ، لأنه عندما يقول في سفر التثنية ” وتكون سماؤك التي فوق رأسك نحاساً “، لم يشر إليها بإعتبارها ممتدة، بل سماء جديدة، فلو أنكم أطعتم هل ستصير جديدة ؟
لذلك يقول سيعطي عهداً آخراً، لأنهم لم يثبتوا في عهدي (القديم) وهذا سأبينه من خلال كل ما يقوله لأنه ما كان الناموس عاجزا عنه في ما كان ضعيفاً” وأيضاً ” فالآن لماذا تجربون الله بوضع نير علي عنق التلاميذ لم يستطع أباؤنا ولا نحن أن نحمله. يقول “لأنهم لم يثبتوا في عهدي .
هنا يُظهر أنه يعتبرنا مستحقين لأمور روحية أسمي. لأنه يقول” في كل الأرض خرج منطقهم وإلي أقصي المسكونة كلماتهم أي ولا يُعلمون كل واحد قريبه.. أعرف الرب” وأيضا “الأرض تمتلئ من معرفة مجد الرب كما تُغطي المياه البحر”
يقول ” فإن قال جديداً عتق الأول. وأما ما عتق وشاخ فهو قريب من الإضمحلال (عب 8: 13)
إنتبه للأمر السري، كيف كشف فكر النبي. كرّم الناموس، ولم يُرد أن يدعوه قديماً. لكنه قال هذا ، لأنه إن كان ذلك العهد جديداً، لما دعي هذا العهد الذي أُعطي أخيراً جديداً. وبناء علي ذلك يُقدم شيئاً أكثر ومختلفاً، فيقول “عتق الأول”. إذا فقد بطل، وأنتهي ولا وجود له بعد ذلك وهو قد أخذ جرأة من النبي لينتقده أكثر من أجل نفعنا، موضحاً أن الأمور التي تختص بنا هي الآن تزهر، أي أظهر أن ذلك العهد ، هو عهدًا قديم.
بعد ذلك يأخذ الصفة القديمة، ويضيف له صفة أخرى هي الشيخوخة، ثم أخذ الكلام الباقي من الآخرين، وقال “قريب من الإضمحلال “. وبناء علي ذلك فالعهد الجديد لم يُبطل فقط العهد القديم، بل أبطله بإعتباره قد شاخ وبلا نفع ولهذا قال: من أجل ضعفها وعدم نفعها ” و الناموس لم يكمل شيئاً ، “لو كان ذلك الأول بلا عيب لما طلب موضع لثان. ماذا تعني كلمة ” بلا عيب ؟ ” تعني نافع، وقوي، وهو يقول هذا لا لكي يُظهر أنه كان موضع إدانة، بل لأنه كان غير قوي، تكلم هكذا ببساطة، كما لو أن شخصاً قد قال أن البيت ليس بلا عيب، أي أن به بعض العيوب أو النقائص، ليس متين أو ثابت أو أن الثوب ليس بلا عيب، أي أنه بالفعل يهتريء. إذا فهو هنا لا يقول هذا الكلام لأنه ( أي العهد القديم ) كان سيئاً، بل لأنه كان غير كامل، أي لم يكمل شيئًا.
4. هكذا تحديداً نحن جدد، أو من الأفضل أن نقول صرنا جدد، لكن الآن قد شخنا، ولهذا فنحن نوجد علي مقربه من الإضمحلال والهلاك. لكن إن أردنا ، فمن الممكن أن تزيل هذه الشيخوخة. بعد المعمودية لا نستطيع أن نضع هذا بعد، بل يمكن أن يحدث هذا هنا بالتوبة كل ما هو عتيق داخلنا، فلنخلعه أو نلقيه عنا. فلننقي كل غَضَن كل دنس ، وكل أثر (للخطية)، ولنصر في حالة جميلة بهية، لكي يحب الملك جمالنا . فمن الممكن حتى وإن سقطنا في أسوء الشرور بشاعة، أن نكتسب مرة أخري ذلك الجمال، الذي يقول عنه داود ” إسمعي يا بنت وأنظري وأميلي أذنك وأنسي شعبك وبيت أبيك فيشتهي الملك حسنك “
لكن الغفلة لا تصنع الجمال أعني جمال النفس عن أي غفلة يتحدث؟ غفلة الخطية. يتوجه إلي الكنيسة التي أتت من الأمم كنيسة الأمم)، ناصحا ومرشداً ألا تتذكر ما يخص حياتها القديمة أي أولئك الذين كانوا يذبحون للأوثان، لأن من أولئك تكونت ولم يقل ألا تنشغلي بهذه الأمور، بل قال ألا تفكر في هذه الأمور، الأمر الذي كان يُعد شيء أكثر من ذلك. وقد قال هذا في موضع أخر “لا أذكر أسماءهم بشفتي ” ، وأيضاً لا يتعدي فمي من جهة أعمال الناس”. هذه ليست بعد هي الفضيلة الكبرى، أو من الأفضل أن نقول هي كبيرة ، لكن ليست كبيرة بالقدر الكافي لأن هناك ماذا يقول ؟ لم يقل لا يتعدي فمي من جهة أعمال الناس”، بل قال ولا تتذكر. أرأيت كم يريد أن نكون في منأى عن الشر ؟ لأن من لا يتذكر لا يفكر، ومن لا يفكر لن يتكلم، ومن لا يتكلم لن يعمل شيء. أرأيت كيف حصرنا بعيداً، وإلي أي مسافة بعيدة قد أبعدنا ، وإلي أبعد مسافة قد وضعنا؟
إذا فلنسمع نحن أيضاً، ولننس شرورنا ، ولكن ليس خطايانا (أي يجب أن تتذكرها). يقول “تذكر أنت أولاً وأنا لن أذكرها بعد”. ماذا أريد أن أقول، أنه ينبغي ألا نتذكر بعد ما إرتكبناه، لكن لنسترجع الأمور السابقة. هذا يعني أن ننسي الشرور، وأن تبعد فكر السلب أو الخطف وألا نقبله بعد أبداً، بل أن نمحوه، مع كل المخالفات السابقة. لكن من أين يأتينا نسيان الشر؟ من تذكر صلاح الله.
إن تذكرنا الله بإستمرار، فأننا نستطيع أن نتذكر تلك الخطايا. يقول ” يسبحك فمي إذا ذكرتك علي فراشي في السهد ألهج بك” بالطبع عندما يهدأ فكرنا ، وحين يتمكن المرء من إدانة نفسه بهذا التذكر، وعندما يبقي في دائرة هذا التذكر، وقتها يجب عليه أن يتذكر الله بإستمرار لأنه إن تذكرناه في فترة النهار (فقط)، فينشغل الذهن بأمور أخرى تؤدي إلي إضطربات كثيرة، فتبتعد هذه التذكرة مرة أخرى لكن خلال فترة الليل من الممكن أن تتذكره علي الدوام، حين تكون النفس في حالة هدوء وراحة في برودة وسلام. يقول “تكلموا في قلوبكم علي مضاجعكم وأسكتوا “
كان ينبغي خلال فترة النهار كله، أن تكون لكم هذه التذكرة، لكن لأنكم بإستمرار في حالة إنشغال، وتهتمون بالأمور المعيشية. فعلي الأقل وقتها (أي في الليل) لتتذكروا الله في مخدعكم، وفي النهار لتتأملوا في عظمته. فلو أننا فحصنا هذه الأمور بالنهار، سنتقدم في عملنا بأمان ولو أننا وضعنا في أولوياتنا طلب رضي الله أولاً ، بالإضافة إلي التأمل في عظمته، وتقدمنا للأمام هكذا يتضرع، فلن يكون أمامنا أي عدو. وإن كان أمامك (العدو)، فإنك ستزدري به طالما تخطي برضي الله في كل خطواتك. هناك حرب تصير في السوق، ومعركة الأمور الحياتية اليومية، ونوات وشتاء. إذا فنحن نحتاج لأسلحة، والصلاة هي أعظم سلاح نحتاج لريح مواتية يجب أن نتعلم كل شيء، يجب أن نقطع المسافة كل النهار بلا إخفاقات وإصابات. لأن كل يوم تواجهنا صخور كثيرة، وباستمرار تصطدم بها السفينة وتغرق. ومن أجل هذا نحتاج للصلاة، وبشكل أساسي في هي الصباح وفي المساء.
لا لقد تتبع الكثيرون منكم الألعاب الأولمبية. ولم يوجد فقط مشاهدين، بل ومناصرين، ومعجبين بالرياضيين هذا الرياضي هو لهذه اللعبة)، والأخر يمارس لعبة أخري. تعرفون إذاً أنه خلال فترة النهار وخلال فترة الليل الخاصة بهذه الألعاب أن المدرب الذي يُحاضر ويحذر اللاعبين طوال الليل، لا يعتني أو يهتم بشيء أخر، سوي أن يكون الرياضي وهو خارج للمنافسة، في حالة لياقة تامة، وألا يلعب بطريقة سيئة وردية. لكن أولئك الذين يجلسون بالقرب من نافخ البوق وينصحونه أن لا يتكلم مع أحد ، حتى أنه عندما ينتهي من نفخته، يصير موضح سخرية. إذاً فلو كان ذاك الذي ينوي أن ينافس أمام أناس آخرين، يهتم (بإعداد نفسه إعدادًا جيدًا، فبالأكثر جداً يليق بنا نحن أن نعتني وأن نهتم بأولئك الذين كل حياتهم هي صراع. إذاً ليكن كل ليل بالنسبة لنا (جهاد) ولنعتني كيف أنه عندما ينتهي النهار ، ألا نصير موضع سخرية. ويا ليت نصير موضع سخرية فقط. لكن الآن مشرع الجهاد، يجلس عن يمين الآب، ويسمع ربما نقول شيئاً غير لائق شيئاً منفر، لأنه ليس ديان لأعمالنا فقط، بل لأقوالنا أيضاً.
أيها الأحباء لنسهر ممارسين للصلوات. فلنا نحن أيضاً معجبين إن أردنا ، فبجوار كل منا يجلس ملاك لكن نحن نغط في نوم عميق طوال الليل، وليت هذا فقط ما يحدث. فالكثيرين يعملون أعمال شائنة، البعض يذهب إلي بيوت الدعارة والبعض الأخر يجعل بيوتهم مكان للعهر، لأنهم يقودون شركائهم إلي هناك. بالطبع هذا يحدث، لأنهم لا يعتنون أن يجاهدوا حسناً . وآخرون أيضا يسكرون ويهزأون، والبعض يُثيرون ضجيجًا، والبعض الآخلا يسهرون مفكرين في الشر، والبعض يُمارسون الخداع والمكر، وهم أسوء من أولئك الذين ينامون والبعض الأخر يُحصي أرباحه، والبعض الأخر يعذب نفسه بإهتمامات عالمية ويسعي بالأكثر نحو الأمور الأخرى، أكثر من تلك التي تليق بالجهاد.
من أجل هذا أترجاكم لنترك كل هذه الأمور، ولننظر إلي شيئاً واحداً فقط، وهو كيف ننال المجازاة، ونلبس التاج لنفعل كل تلك الأمور التي نستطيع بها أن نتمتع بالخيرات التي وعدنا بها الله، والتي ليتنا ننالها جميعاً بالنعمة ومحبة البشر اللواتي لربنا يسوع المسيح الذي يليق به مع الآب والروح القدس المجد والقوة والكرامة، الآن وكل أوان وإلي دهر الدهور أمين.
تفسير رسالة العبرانيين 7 | رسالة العبرانيين 8 | تفسير رسالة العبرانيين | تفسير العهد الجديد | تفسير رسالة العبرانيين 9 |
القديس يوحنا ذهبي الفم | ||||
تفاسير عبرانيين 8 | تفاسير رسالة العبرانيين | تفاسير العهد الجديد |