تفسير رسالة العبرانيين اصحاح 8 كنيسة مار مرقس بمصر الجديدة

الأَصْحَاحُ الثَّامِنُ
المسيح يهبنا السماء وبركات العهد الجديد

 

يستمر القديس بولس في هذا الأصحاح في عقد مقارنة بين رئيس الكهنة الأرضى العبرانى من سبط لاوي وبين السيد المسيح، ويبرز هنا تَمَيُّز السيد المسيح له المجد، فهو في عمله الكهنوتى يستطيع أن يدخل إلى قدس أقداس السماء عينها لا إلى قدس أقداس مسكن أرضى قد صنعه البشر كنموذج قدَّمه الله للإنسان للمسكن الحقيقي السمائى الذي يسكنه الله.

(1) المسيح الكاهن السماوي (ع1-6):

1 وَأَمَّا رَأْسُ الْكَلاَمِ فَهُوَ أَنَّ لَنَا رَئِيسَ كَهَنَةٍ مِثْلَ هَذَا، قَدْ جَلَسَ فِي يَمِينِ عَرْشِ الْعَظَمَةِ فِي السَّمَاوَاتِ 2 خَادِمًا لِلأَقْدَاسِ وَالْمَسْكَنِ الْحَقِيقِيِّ الَّذِي نَصَبَهُ الرَّبُّ لاَ إِنْسَانٌ. 3 لأَنَّ كُلَّ رَئِيسِ كَهَنَةٍ يُقَامُ لِكَيْ يُقَدِّمَ قَرَابِينَ وَذَبَائِحَ. فَمِنْ ثَمَّ يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ لِهَذَا أَيْضًا شَيْءٌ يُقَدِّمُهُ. 4 فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ عَلَى الأَرْضِ لَمَا كَانَ كَاهِنًا، إِذْ يُوجَدُ الْكَهَنَةُ الَّذِينَ يُقَدِّمُونَ قَرَابِينَ حَسَبَ النَّامُوسِ، 5 الَّذِينَ يَخْدِمُونَ شِبْهَ السَّمَاوِيَّاتِ وَظِلَّهَا، كَمَا أُوحِيَ إِلَى مُوسَى وَهُوَ مُزْمِعٌ أَنْ يَصْنَعَ الْمَسْكَنَ. لأَنَّهُ قَالَ: «انْظُرْ أَنْ تَصْنَعَ كُلَّ شَيْءٍ حَسَبَ الْمِثَالِ الَّذِي أُظْهِرَ لَكَ فِي الْجَبَلِ». 6 وَلَكِنَّهُ الآنَ قَدْ حَصَلَ عَلَى خِدْمَةٍ أَفْضَلَ بِمِقْدَارِ مَا هُوَ وَسِيطٌ أَيْضًا لِعَهْدٍ أَعْظَمَ، قَدْ تَثَبَّتَ عَلَى مَوَاعِيدَ أَفْضَلَ.

 

ع1: رأس الكلام: أي خلاصة الكلام.

جلس : أي استقر وتعنى دوامه في المجد.

يمين : المجد والقوة.

عرش : الكرامة العظمى.

يستنتج من المقارنات في الأصحاحات السابقة بين المسيح من ناحية والملائكة وموسى ويشوع وهرون من الناحية الأخرى، أنه قد تمَّم كرئيس كهنة فداءنا على الصليب وصعد إلى السماوات إلى مجده الأول ليدوم فيه إلى الأبد، يشفع فينا وينتظرنا لنتمجد معه.

 

ع2: خادمًا : رئيس كهنة يشفع فينا بدمه إلى الأبد.

للأقداس : عرش الله السماوي الذي كان يرمز إليه قدس الأقداس في خيمة الاجتماع.

المسكن الحقيقي : السموات التي كانت ترمز إليها خيمة الإجتماع وتسمى المسكن، أي مسكن الله وسط شعبه.

صعد المسيح بعد إتمامه فدائنا، ليشفع فينا في السموات التي خلقها وأعدها الله بنفسه، وليس خيمة الإجتماع أو هيكل سليمان الذي صنعه البشر.

 

ع3: رئيس الكهنة اللاوي لا بُد أن يقدم ذبائح دموية للتكفير عن نفسه وشعبه أمام الله، وهي ترمز للمسيح، وبالتالي المسيح رئيس كهنتنا قدَّم ذبيحة نفسه على الصليب لفدائنا ويقدمها لنا كل يوم على المذبح جسدًا ودمًا حقيقيين.

 

ع4: يؤكد بولس الرسول أن المسيح هو الكاهن السماوي الذي ننتظره ليعطينا الخلاص والحياة الأبدية، لأنه لو ظلّ على الأرض ولم يمت ويفدينا لكان مثل الكهنة الذين من سبط لاوي الذين يقدمون ذبائح دموية ترمز للكاهن الآتي الذي يرفعنا إلى السموات.

 

ع5: رؤساء الكهنة اليهود لم يكونوا يخدمون السماويات نفسها مثل السيد المسيح، بل مثال الأشياء السماوية ورموزها، وهذا واضح في سفر الخروج (خر25: 40) من كلام الله لموسى أن يحرص على صنع خيمة الإجتماع وكل ما فيها بحسب النموذج الذي أوضحه له وهو معه على جبل سيناء، تأكيدًا من القديس بولس أن الذي يخدموه مثال ورمز.

 

ع6: خدمة أفضل : ذبيحة المسيح على الصليب بدلًا من الذبائح الحيوانية.

عهد أعظم : عهد النعمة التي تسند الإنسان في تنفيذ الوصية وليس عهد الناموس الذي يحكم على ضعف الإنسان وتقصيره.

مواعيد أفضل : ميراث ملكوت السموات وليس ميراث أرض الميعاد أي كنعان الأرضية.

يلخِّص ق. بولس عمل المسيح الفدائى بأنه خدمة أفضل من خدمة كهنوت العهد القديم التي في الذبائح الدموية، وبفدائه لنا على الصليب بدأ عهد النعمة الذي يسندنا فيه لتنفيذ وصاياه فننال المواعيد العظمى وهي ملكوت السموات.

† إرفعنى أيها الحبيب ربى يسوع المسيح من سطحية الأرضيات إلى عمق روحيات السماء، انتشلنى أنا البائس من المزبلة واجلسنى بفضلك وبنعمتك مع أشراف أبنائك في السماء، حِّول عينى كى لا أرى ولا أنظر ولا أهتم بأباطيل الأرض بل أتمتع برؤياك حقا في من حولى. يا رئيس كهنة السماء، يا من وحدك لك كل القدرة على رفعى إلى السماء أعن ضعفى وحرِّرنى من أفكار التراب إلى مجد السماء، أمت حواسى الأرضية يا إلهي وأيقظ حواسى الروحية، أنت تعلم وأنا أعلم ضعفى لكن لى ثقة كاملة يا إلهي يسوع المسيح في قوة عملك وفي قوة حبك آمين.

(2) بركات العهد الجديد (ع7-13):

7 فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ ذَلِكَ الأَوَّلُ بِلاَ عَيْبٍ لَمَا طُلِبَ مَوْضِعٌ لِثَانٍ. 8 لأَنَّهُ يَقُولُ لَهُمْ لاَئِمًا: «هُوَذَا أَيَّامٌ تَأْتِي يَقُولُ الرَّبُّ، حِينَ أُكَمِّلُ مَعَ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ وَمَعَ بَيْتِ يَهُوذَا عَهْدًا جَدِيدًا. 9 لاَ كَالْعَهْدِ الَّذِي عَمِلْتُهُ مَعَ آبَائِهِمْ يَوْمَ أَمْسَكْتُ بِيَدِهِمْ لِأُخْرِجَهُمْ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ، لأَنَّهُمْ لَمْ يَثْبُتُوا فِي عَهْدِي، وَأَنَا أَهْمَلْتُهُمْ يَقُولُ الرَّبُّ. 10 لأَنَّ هَذَا هُوَ الْعَهْدُ الَّذِي أَعْهَدُهُ مَعَ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ بَعْدَ تِلْكَ الأَيَّامِ يَقُولُ الرَّبُّ: أَجْعَلُ نَوَامِيسِي فِي أَذْهَانِهِمْ، وَأَكْتُبُهَا عَلَى قُلُوبِهِمْ، وَأَنَا أَكُونُ لَهُمْ إِلَهًا وَهُمْ يَكُونُونَ لِي شَعْبًا. 11 وَلاَ يُعَلِّمُونَ كُلُّ وَاحِدٍ قَرِيبَهُ وَكُلُّ وَاحِدٍ أَخَاهُ قَائِلًا: اعْرِفِ الرَّبَّ، لأَنَّ الْجَمِيعَ سَيَعْرِفُونَنِي مِنْ صَغِيرِهِمْ إِلَى كَبِيرِهِمْ. 12 لأَنِّي أَكُونُ صَفُوحًا عَنْ آثَامِهِمْ، وَلاَ أَذْكُرُ خَطَايَاهُمْ وَتَعَدِّيَاتِهِمْ فِي مَا بَعْدُ». 13 فَإِذْ قَالَ «جَدِيدًا» عَتَّقَ الأَوَّلَ. وَأَمَّا مَا عَتَقَ وَشَاخَ فَهُوَ قَرِيبٌ مِنَ الاِضْمِحْلاَلِ.

 

ع7: لأنه لو كان العهد الأول الذي يسبق السيد المسيح بنواميسه وبعمل رؤساء الكهنة الأرضيين قد أعطى برًا للبشر وخلَّصهم من خطاياهم، لما تكلم الله في سفر أرميا عن الإحتياج إلى عهد آخر (أر31: 31-34).

 

ع8: يستكمل بولس الرسول كلام الله في أرميا المذكور في (أر31)، موضحًا أن الله يوبخهم لكثرة خطاياهم وانقسامهم إلى مملكتين هما إسرائيل ويهوذا، وفي نفس الوقت يشجِّعهم برجاء في العهد الجديد الذي يقطعه معهم بفدائه لهم على الصليب وهو أسمى من العهد القديم ذى الذبائح الدموية التي ترمز للمسيح.

 

ع9: العهد الجديد الذي بدم المسيح الفادي ليس مثل العهد الأول الذي قد عمله أيام خروجهم من مصر على يد موسى بذبح خروف الفصح، وحذرهم من الرجوع عنه حين قال “احترزوا من أن تنسوا عهد الرب إلهكم الذي قطعه معكم وتصنعوا لأنفسكم تمثالا منحوتًا صورة كل ما نهاك عنه الرب إلهك” (تث4: 23).

ولكن بعد أن حرَّرهم من عبودية مصر خانوا العهد وعبدوا العجل الذهبي (خر32: 8)، فغضب عليهم الله وتخلى عنهم جزئيًا ليتوبوا.

 

ع10: يكمل الرسول كلام الله في أرميا عن عهده مع شعبه إسرائيل الذين يؤمنون بالمسيح الفادي، هذا العهد الجديد يجدد الله فيه قلوبهم فيؤمنون بوصاياه ويتمسكون بها بقلوبهم وأفكارهم وليس مجرد تطبيقًا حرفيًا لها بل يثبتون فيها، ويبدأ عهد صلح معه فتكون ألوهيته لهم مصدر فرح ولذة وراحة ويفتخرون بأن يكون إلههم وهو يفرح بهم كشعبه الخاص المقرب إليه.

 

ع11: يواصل الله حديثه في أرميا، فينبئهم عن عمل روحه القدوس في المؤمنين به بالعهد الجديد حيث يسكن الروح القدس في كل مؤمن ويعرفه بالله ويربطه به في الكنيسة المقدسة، فيكون الله معلنًا لكل أولاده المؤمنين به في العالم كله وليس معروفًا لشعب واحد وهو اليهود أو للأنبياء فقط، بل يعمل الروح القدس في الجميع الكبار والصغار، المتعمقين والبسطاء، المتقدمين والمبتدئين.

وهذا بالطبع ليس ضد التلمذة الروحية والتعلم في الكنيسة من الروح القدس، لأن الروح واحد وهو الذي يعمل في كل إنسان وفي الكنيسة ككل.

 

ع12: يضيف أرميا أن الله يغفر خطايا شعبه المؤمن به في العهد الجديد بدم المسيح الفادي وهذا يتم في أسرار المعمودية والاعتراف والتناول.

 

ع13: العهد الجديد الذي صنعه المسيح الفادي جعل عهد الذبائح الرمزية قديمًا، إذ كان يرمز للعهد الجديد، والقديم الرمزي يزول بمجيء الجديد كما أن أي إنسان يشيخ في الأيام هو قريب من الموت أو أي مادة لها زمان طويل هي قديمة ومعرَّضة للزوال والفساد. فيعلن بوضوح للمسيحيين من أصل يهودي ضرورة أن يتمسكوا بالإيمان المسيحي ويتركوا عنهم كل العوائد الناموسية التي أصبحت بلا قيمة بعد مجيء المسيح.

† ليتك تتمتع بنعمة العهد الجديد من خلال الأسرار المقدسة لتنال غفران خطاياك وقوة للنمو الروحي وتمتعًا بوصايا الله. إهتم بالصلوات والتأملات لتنال فيضًا من نعمة الله.

تفسير عبرانيين 7 عبرانيين 8  تفسير رسالة العبرانيين تفسير العهد الجديد تفسير عبرانيين 9
كنيسة مار مرقس بمصر الجديدة
تفاسير عبرانيين 8  تفاسير رسالة العبرانيين تفاسير العهد الجديد

 

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى