ها أنتِ جميلة يا حبيبتي

«ها أنتِ جميلة يا حبيبتي، ها أنتِ جميلة. عيناكِ حمامتان» (1: 15)

«ها أنتِ جميلة يا حبيبتي»

في عدة مواضع من النشيد يستحسن العريس جمال العروس:

+ «أريني وجهكِ. أسمعيني صوتكِ. لأن صوتكِ لطيف ووجهك جميل» (2: 14)
+ «كلك جميل يا حبيبتي ليس فيكِ عيبة» (4: 7)،
+ «ما أجملَكِ وما أحلاكِ أيتها الحبيبة باللذات» (7: 6)
+ «أنتِ جميلة يا حبيبتي كترصة، حسنة كأورشليم، مُرهبة كجيش بألوية» .(6: 4)

أورشليم هي المدينة التي يحلُّ فيها الله، ويسكن في هيكلها. فقوله «حسنة كأورشليم» فيه تلميح أن جمال العروس ليس من ذاتها ولكنه من حلول الله فيها. فجمالنا هو من جمال المسيح الذي وضعه فينا.

فحينما يستحسن المسيح جمالنا، لا ننسى أنه انعكاس لجماله هو فينا. إشعياء النبي يقولها بوضوح لأورشليم: «وإلهكِ زينتكِ» (إش 60: 19)، فالزينة التي تتزين بها العروس هي إلهها والجمال الذي فيها هو مجرد انعكاس لنور المسيح على وجهها. ويقولها أيضًا إشعياء بصيغة أخرى على فم الله: «وأُزيـن بيـت جمالي» (إش 60: 7). وفي حزقيال 16 يحكي عن أورشليم المُنجسة الملقاة في الطريق، إلى أن لاقاها الرب فغسلها وطهرها وجملها وقال لها: «وخرج لكِ اسم في الأمم لجمالكِ، لأنه كان كاملاً ببهائي الذي جعلته عليك، يقول السيد الرب» (حز 16: 14).

«عيناكِ حمامتان»

عينا العروس غلبتا قلب العريس: «حوّلي عنِّي عينيكِ فإنهما قد غلبتاني» (نش 6: 5). لماذا؟ لأن العين تُعبّر عن مشاعر الحب. فنظرات الحب التي نرفعها للعريس هي التي تسبي قلبه: «قد سبيتِ قلبي يا أختي العروس، قد سبيتِ قلبي، بإحدى عينيكِ بقلادة واحدة من عنقكِ» (نش ٤ : ٩)، أي بنظرة واحدة من نظرات حبكِ التي ترفعينها إليَّ. فالعريس يُغلب من نظرات الحب التي تقدمها العروس له.

الكنيسة ككل هي العروس والراهب موقعه في الكنيسة هو بمثابة العينين للجسد، ليس له عمل آخر سوى تقديم نظرات الحب ونبضات القلب للعريس بالنيابة عن الكنيسة كلّها. فتصوَّر لو أن الراهب أهمل في عمله هذا، ولم يقدّم محبة قلبه على الدوام للعريس؛ فهو بالتالي يكون كعضو في الجسد لا يقوم بوظيفته التي جعل لأجلها، بل يكون بلا فائدة للجسد. أما إذا قام بدوره العريس ويجعله يرضى عن الكنيسة كلّها، فيسكب المواهب عليهـا ويستجيب هذا، فإنه يسبي قلب لصلواتها ويفيض عليها بركاته ونعمه.

 رفعُ العينين إلى السماء يُعطي الصلاة قوةً كبيرةً، وخصوصا عندما نرفعهما في شركة مع المسيح الذي رفع عينيه إلى السماء كلما كان يُصلّي أثناء حياته على الأرض، مثلاً عند إشباع الجموع (مت 14: 19) وعند إقامة لعازر (يو 11: 41)، وفي صلاته الأخيرة في يو 17. لقد أخذ المسيح منا عينين بشريتين من دمنا، أي من صميم جبلتنا ورفعهما في صلاته إلى الآب – كما يقول القديس كيرلس الكبير – [لكي يجعل أذن الآب مصغيةً لصلاتك]. على أن كل أفعال المسيح لم تكن محصورةً في الزمن الذي تمت فيه، وأثرها لا ينحصر في العصور اللاحقة لها فقط، بل يتسحب أيضًا بأثر رجعي على كل صلوات الأبرار في العهد القديم فيُعطي قيمة عُظمى لكل العيون البشرية المرفوعة إلى السماء، سواء كانت قبل المسيح أو بعده، حتى أن أبرار العهد القديم اختبروا هذه القوة الفائقة الكائنة في رفع العينين إلى السماء: «تبددت عظامهم عند الجحيم لأن عيوننا إليك يا رب» (مز 141في الأجبية).

نقرأ في سفر أخبار الأيام الثاني عن معجزة عجيبة حدثت نتيجة لرفع عيون الشعب إلى السماء كان ذلك في أيام يهوشافاط ملك يهوذا، عندما تحالف عليه ثلاثة جيوش لمحاربته، ولأنه كان ملكًا تقيا صرخ بالنيابة عن الشعب كله إلى الرب قائلاً: «ونحن لا نعلم ماذا نعمل ولكن نحوك أعيننا» (2أي 20: 12)، ثم أقام مغنين بزينة مقدسة وجعلهم في مقدمة الجيش وأخذوا يُسبحون الرب قائلين: «احمدوا الرب لأن إلى الأبد رحمته»، أي جعل التسبيح هو خط الدفاع الأول، وفي النهاية كانت النتيجة باهرة؛ فعند الصباح وجدوا أن هذه الجيوش أهلكـت بعضها بعضا، ولم يبقَ أمام يهوشافاط وشعبه سوى أن يجمعوا الغنيمة!! الكلام لنا كرهبان، فنحن بتسبيحنا تمثل خط الدفاع الأول للكنيسة. وكان السبب الأول في هذه النصرة العجيبة أن الشعب كله رفع عينيه إلى الله !

«عيناكِ حمامتان»

الحمامة رمز للروح القدس. الحمامة ترمز للوداعة والطهارة التي هي من أهم صفات الروح القدس. ونَعلَم أيضًا أن الروح القدس هو روح الحب الإلهي الذي سكبه الله في قلوبنا (رو 5: 5) فعيناكِ حمامتان بسبب محبة الروح القدس التي فيهما. ونلاحظ هنا أن الروح القدس مقترن بالعينين لأنه «يفحص كل شيء حتى أعماق الله» (1كو 2: 10). وقد رآه .ق. يوحنا في رؤياه بمثابة سبعة أعين الخروف: «خروف قائم كأنه مذبوح له سبعة قرون وسبع أعين هي سبعة أرواح الله المرسلة إلى كل الأرض» (رؤ 5: 6) ، وفي هذا تأكيد على علاقة الروح بالعين الروحية. ولنفس السبب يُسمّيه القديس بولس «روح الحكمة والإعلان في معرفته مستنيرةً عيون قلوبكم» (أف 1: 17) ويسميه مار إسحق في حديثه عن القدس وو الحب الإلهي روح الاستعلانات.

الصلاة في الروح القدس

نحن من أنفسنا «لسنا نعلم ما نُصلّي لأجله كما ينبغي، ولكن الروح نفسه يشفع فينا بأناتٍ لا ينطق بها» (رو 8: 26).

الصلاة يجب أن تكون مرفوعةً في الروح القدس، حسب تعبير كـل مـن يهوذا الرسول وبولس الرسول:

+ «وأما أنتم أيها الأحباء فابنوا أنفسكم على إيمانكم الأقدس مصلين في الروح القدس» (يه 1: 20).
+ «مصلين… كل وقتٍ في الروح» (أف 6: 18).

الصلاة المرفوعة «في الروح القدس» هي المرفوعة «بمحبة الله المنسكبة في قلوبنا بالروح القدس المُعطى لنا إنها نظرات محبة الروح القدس» (عيناكِ حمامتان) التي تغلب الحبيب وتجعله يستجيب.

المسيح أوصانا بالثبات في محبته، وَوَعَدَ باستجابة الصلاة المرفوعة بالثبات في محبته:

+ «اثبتوا في محبتي… إن ثبتم في وثبت كلامي فيكم تطلبون ما تريدون فيكون لكم» (يو  15: 9,7).

فشرط الاستجابة هو الثبات فيه وفي محبته. وقد سبق أن رأينا رمزا للثبات الدائم فيه في «طاقة الفاغية» أي نبات الحناء بصبغتها التي لا تُمحى، ثم رأينا ارتباط ذلك بـ «كروم عين جدي» رمز الثمر المتكاثر.

نحن موجودون في هذا الدير من أجل الصلاة الدائمة، لكي نطلب من الرب لأجل الكنيسة كلّها. هذه هي دعوتنا الأساسية داخل الجسد الواحد. نحن مدعوون لكي نكون مثل البواب الذي أوصاه سيده بالسهر فالرب «أعطى لكل واحد عمله وأوصى البواب أن يسهر» (مر 13: 34) فكل واحد في الكنيسة له عمله الخاص، ولكن عمل الراهب الأساسي هو السهر. فلا ننعس لئلاً نكون مثل الوكيل الشرير الذي لا يقوم بواجبه، فيأتي سيده ويشقه من وسطه ويجعل نصيبه مع عديمي الإيمان. نطلب من الرب أن يعطينا حياة السهر الدائم داخل القلب مع الصلاة الدائمة في الروح القدس. له المجد إلى الأبد. آمين.

صلاة

نشكرك يا إلهنا الحبيب من كل قلوبنا
يا من اخترتنا لكي نعيش في بيتك إلى الأبد.
أقمتنا على أسوار أورشليم،
لنكون حراسًا لا يسكتون كل النهار وكل الليل
« يا ذاكري الرب، لا تسكتوا ولا تدعوه يسكت،
حتى يجعل أورشليم تسبيحة في الأرض».
ربنا الحبيب، يا من أعطيتنا هذه الدعوة
أعطنا إمكانية تحقيقها.
أعطنا الروح القدس حتى نستطيع أن نصلي في الروح القدس،
فتكون كل صلواتنا مقبولة عندك.
اجعل عيوننا بالحق حمامتين،
تنظران إليك على الدوام فننال منك كل ما نطلب.

 

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى