تفسير سفر ايوب اصحاح 12 للقديس يوحنا ذهبي الفم
الإصحاح الثاني عشر
رد أيوب
هل أنتم الوحيدون حكماء؟
١- أجاب أيوب وقال: هل أنتم الوحيدون أناس (حكماء) أو هل الحكمة ستموت معكم؟ (۱۲: ۱- ۲).
(إن أيوب قال هكذا) ذلك لأنهم قالوا ما هو واضح ومؤكد. انظر كيف أن افتتاحيات أيوب أكثر اعتدالاً بينما نهاية أحاديثه مختلفة. وهذا ما جعله يقول: «كل مرة أبداً في التكلم تنخسنى كلماتي» (٦: ٤). وهنا كما لو كان يقول لهم: يمكنكم أن تأخذوا حكمتكم وتمضوا.
انظر (أيها القارئ) كيف هو فى كل موضع يبدأ أحاديثه (باعتدال) ثم يتفوه بعد ذلك بأشياء مؤلمة لكى لا تدينه ( عليها ) ، وكيف هو فى كل موضع يبدأ في الوفاء بواجباته نحو الله ويقول أنه عظيم ومثير للإعجاب ولا يظلم أبداً.
قال أيوب «هل أنتم الوحيدون أناس (حكماء) أو هل الحكمة ستموت معكم؟»
هل لأنني وقعت في البلية فقدت الإحساس الجيد؟ لكن أنا أيضاً لى قلب (فهيم) مثلكم.
أنا أعلم أن كل شيء مرتب من يد الله
۲- إن الإنسان البار والذى بلا لوم قد صار هدفاً للسخرية. لأنه مرتب من يد الله أن أسقط فى يد أناس آخرين وينهب بيتى المجرمون في وقت معين (منه) مثلكم (۳:۱۲).
إنه هنا يقدم نفسه كبار بأن يشهد للفضيلة الكاملة، لكن كمن لم يظلم أحداً وكمن لا يستطيع أى شخص آخر أن يلومه.
.. وينهب بيت المجرمين
كان ينبغى (يا أصدقائي) أن يكون الأمر هكذا، لأنه قد ترتب من فوق. لكن لا تظنوا أن هذه البلايا ستتوقف عندي، لأنه إن كنت أنا أعانى هكذا، بينما لم اقترف أى إثم، فكم بالأولى جداً سيعاني الشرير!
كل الناس (حرفياً العالم) تعلم أن الشرير سيعاقب
۳- قال أيوب: “لكن ليت لا أحد ممن يغيظون الرب يظن أنه لن يُعاقب مع كونه شريراً. فكيف هم لن يفحصوا؟ (٦:١٢).
إن أيوب يقول : إن هذا أمر واضح ومعروف. أليس واضح لكل الناس أن الشرير سيدينه الله على كل حال ؟ وهذا الأمر واضح ليس فقط للبشر بل أيضاً للحيوانات وللأرض نفسها والتي هي عديمة الإحساس.
٤- قال أيوب: “حسناً! اسأل ذوات الأربع إن كانت تستطيع أن تكلمك أو طيور السماء إن كانت تستطيع أنت تعلن لك.
أخبر الأرض إن استطاعت أن تخاطبك بكلمة، وإن كان سمك البحر يستطيع أن يفصح عن نفسه أمامك (فيقولونه لك).
لأن من لا يعلم من كل هذه الخلائق أن يد الرب هى التى عملت كل هذا وأن في يده حياة كل الكائنات ونفس كل إنسان؟ (۱۲: ۷: ۱۰).
فلماذا (يا أصدقائي) تتصرفون كأنكم وجدتم لقية (لقطة) عظيمة ورائعة؟ كان يلزم تماماً أن مثل هذا الإنسان (الشرير) يهلك ولا أحد يجهل هذا، ونحن أيضاً نعلم أن «في يد الرب حياة كل البشر».
أتنظر (أيها القارئ) كيف أنه ليس فقط الخليقة بل أيضاً العناية الإلهية تشهد الله. إنهم يشهدون أنه يعضد الكل ويحفظ الكل ويحفظ حياة ونفوس البشر بحيث أنه يمكنه أن يعاقبهم عندما يريد.
ه – ” إن الذهن يميز الكلمات والحنك هو الذي يميز مذاق الأطعمة”.(۱۱:۱۲)
هذا الكلام يعني أنه إن كانت الحيوانات تعرف هذه الأشياء، فكم بالأولى نحن الذين نملك ذكاء، وليس فقط حنكاً لتمييز الأكل مثلهم.
أو أن هذا يعني: لأننى لست بدون ذكاء، لذلك أعرف هذا إن كان الله قد أعطانا حنكاً لتمييز طعم الأطعمة، فإنه أعطانا ذهناً لنتخذ به قراراتنا، والزمن يتيح لنا أن نقتنى هذا العلم. إنه طبيعى بالنسبة للذهن أن يميز وللحنك أن يستطعم، لكن أن يجد الإنسان الحكمة فهذه مسألة وقت.
٦- قال أيوب يلزم وقت طويل لاقتناء الحكمة، وحياة طويلة لاكتساب العلم .(۱۲:۱۲)
بناء على هذا النص فإن الذكاء الطبيعي للبشر ، وهو كغريزة الأكل تماماً.
وفى البداية فإن أيوب قال: هل أنتم وحدكم ( حكماء) بين الناس؟ (۱۲: ۲). أي أنه يريد القول: مادمت أنا إنسان فأنا أيضاً أستطيع فهم ما تفهمونه أنتم أيضاً، وهو قال (أيضاً) إنه يلزم وقت لاكتساب العلم.
ويبدو لى من سياق الكلام أن أيوب يلومهم هنا وهو قال لهم (أيضاً): فهل تظنون أنكم اكتشفتم (معرفة) كل شيء؟ لأنه حتى لو امتلكنا ذهناً للتمييز، فنحن مع ذلك نحتاج لوقت لنجد هذه المعرفة ( ونتقنها).
– قال أيوب (عن الله ) : عنده الحكمة والقدرة. له المشورة والفطنة” (۱٣:۱۲)
إنه قال: إن كل الحكمة في تمامها موجودة لدى الله وهو لا يحتاج لوقت (مثلنا) لاكتسابها. وهل بحجة أننا نعرف هذا نكون بذلك نعرف كل شيء؟ إنني أعلم أن الأشرار سيُعاقبون. لكن هوذا أنا أيضاً بالرغم من بري قد عوقبت، وهل يلزم وقتاً لمن جلب عديداً من الأمثلة الشبيهة أن يفهم هذا؟
أترى (أيها القارئ) عمق الخبرة التي تعطيها الأسفار ؟ فإن ما يمتلكه الشيوخ – بالتحديد – بخبرة الأحداث التي اجتازوها)، تمتلكه أنت أيها الشاب بفيض بفضل ما سرد لك من أحداث في الأسفار المقدسة). هم (الشيوخ) عانوا أتعاباً كثيرة ورأوا أشياء كثيرة، وأنت أيضاً سترى الكثير لو وافقت على تصفح الكتب المقدسة بانتباه عظيم. لهذا السبب أيضاً قال أحد الكتاب لتسمع كل خبر «بالله (سيراخ ٦: ٣٥)، وفي نص آخر يقول لا تتضجر من كلام الشيوخ ( لماذا ) لأن هؤلاء تعلّموا من آبائهم» (سيراخ ۸: ۹). وأنت لست بحاجة لوقت لأنه لو أراد الله نفسه أن يعطيها لك عن طريق الأسفار فلا يوجد احتياج حتى لوقت.
أنا أيضا أعلم كل حكمة الله
– بعد ذلك تحدث أيوب عن قدرة الله على العقاب والقصاص فقال: “لو هدم فمن سيبني؟ لو أغلق على إنسان فمن سيفتح له؟ لو أوقف المياه، فإنه ييبس الأرض، ولو أطلقها فإنه يقلب الأرض ويهلكها هو فيه القوة والقدرة، وفيه العلم والفطنة (١٢: ١٤ – ١٦).
٩- بعد ذلك تحدث أيوب عن حكمة الله أيضاً فقال: يذهب بالمشيرين أسرى ويحمق قضاة الأرض، ويقيم الملوك على العروش ويشد أحقائهم بمنطقة. يذهب بالكهنة أسرى ويقلب أقوياء الأرض. هو الذى يغير شفاء الأمناء وهو الذى يعرف فطنة الشيوخ وينشر الخزى على الشرفاء ويشفى المذلين (۱۲:۱۲ – ۱۷).
إنه أعلن: أليس هنا أيضاً براهين الحكمة ؟ إننى من جانب أعلم أن غالبيتها هي من أعمال الله العجيبة.
١٠- قال أيوب: ” هو الذى يخرج الأشياء العميقة من الظلمات ويخرج ظل الموت إلى النور. هو الذي يُضل الأمر ويهلكها. هو الذى يسقط الأمر ويقودها، ويغيّر قلوب رؤساء الأرض. إنه يضلهم فى طريق لا يعرفوه فيتلمسون فى الظلام بدون نورا. ويتهيون كإنسان سکران (٢١:٢٢ – ٢٥).
تفسير أيوب 11 | سفر أيوب 12 | تفسير سفر أيوب | تفسير العهد القديم | تفسير أيوب 13 |
القديس يوحنا ذهبي الفم | ||||
تفاسير سفر أيوب 12 | تفاسير سفر أيوب | تفاسير العهد القديم |