تفسير رسالة تيموثاوس الأولى أصحاح 1 للقديس يوحنا ذهبي الفم
الموعظة الأولى 1تي 1: 1-4
“بولس رسول يسوع المسيح، بحسب أمر الله مخلصا وربنا يسوع المسيح رجائنا ، إلى تيموثيئوس الابن الصريح في الإيمان” (1: 1-4).
التحليل
1- وظيفة الرسول، جلال هذا المقام البنوة حسب الإيمان.
2- الإيمان ليس في حاجة إلى امتحان.
3- ضد التعاليم الخاطئة وعلى الأخص ضد الطالع الذي ليس إلا مذهب الوهية الكون وضد الإعتقاد بالقضاء والقدر.
1- وظيفة الرسول وجلال هذا المقام :-
عظيمة وعجيبة هي كرامة الرسول وتستحق حقا الإعجاب، وفي كل مکان نرى بولس يوضح مصدر هذه الكرامة، بأنه شرف لا يعود عليه، بل كأمر استؤمن عليه، ووضعت الضرورة لفعله. فعندما يقول : إنه “المدعو وأنه رسول بمشيئة الله” (1كو 1: 1) وفى مكان آخر الضروره موضوعه على ” (1كو 9: 16) وعندما يقول إنه مفرز لإنجيل الله (رو 1: 1) بكل هذه الأقوال يطرح الرسول عنه بعيدا الولع بالتطلع إلى السمو والمجد الباطل. لأن الذي يرفع نفسه إلى مرتبة شرف لم تعط له من الله يستحق أشد اللوم ، وكذلك فإن من يرفضها ويحجم عنها عندما تقدم له من الله فهو يستحق لوما من نوع آخر، هو لوم عدم الطاعة والتمرد. ولذلك فإن بولس في بدء هذه الرسالة إلى تيموثينوس يقدم نفسه قائلا : “بولس رسول يسوع المسيح” بحسب أمر الله لا يقول هنا المدعو لكن “بحسب الأمر” فهو يبدأ بهذا الأسلوب لكى لايشعر تيموثيئوس بضعف سائد بين البشر لتوهمه أن بولس يخاطبه بنفس اللهجة التى يخاطب بها التلاميذ الآخرين. وأين أعضى الله هذا الأمر ؟ إنه ورد في أعمال الرسل، أن الروح القدس يقول: “افرزوا لى برنابا وشاول” (أع 13: 2) وبولس في جميع رسائله. يدعو نفسه رسولاً، حتى لايظن سامعوه أن أقواله مصدرها الحكمة الإنسانية، لأن الرسول (المرسل) لايستطيع أن يقول شيئا من نفسه وكلمة رسول تسمو بفكر المستمع إلى الذي أرسله. ولذا فإنه يضع هذا اللقب في بداية رسائله كضمان للإيمان الجديرة به أقواله، ويتضح ذلك في قوله: “بولس رسول يسوع المسيح حسب أمر الله مخلصنا” . ويلاحظ أن الأمر لم يوجه من الآب فى أى مكان، بل في كل مكان، نرى أن المسيح هو الذي يخاطبه، فالسيد المسيح هو الذي يقول له : “اذهب فإني سأرسلك إلى الأمم بعيداً (أع 22: 21) وفى موضع آخر “ينبغي لك أن تقف أمام قيصر” (أع 27: 24) ولكنه يطلق على كل الأوامر التي يعطيها الأبن أنها أوامر من الآب. كما ينسب أوامر الروح القدس للأبن. فإن الروح القدس هو الذي أرسله، (أى الرسول) وهو الذي أفرزه ويستخدم هذه الكلمات بحسب أمر الله. لماذا ؟ هل سلطة الأبن محدودة، حتى أن رسوله أرسل حسب أمر الآب ؟ قطعا ،لا، فأنظروا كيف يظهر أن هذه القوة لكليهما معاً؛ إذ أنه بعد عبارة حسب أمر الله مخلصنا . يضيف العبارة الآتيه يسوع المسيح رجائنا”. تأملوا دقة النصوص التي يستعملها . المرتل يدعو الله رجاءه إذ يقول: “لأنك أنت رجائى ياسيدى الرب متكلى منذ صبائ (مز71: 5) والقديس بولس بدوره في رسالته يقول: “لأننا لهذا نتعب ونعير لأننا قد القينا رجاءنا على الله الحي الحقيقي”.
كان على المعلم أن يتحمل المخاطر، ومخاطره أكثر كثيرا عن التلاميذ. أضرب الراعى فتتبدد خراف الرعية (مت 26: 31) إذا فمن الطبيعى أن الشيطان يثور بعنف أقوى على الراعي، بما أن ضياع الراعي بسبب تشتت القطيع. ضياع الخراف ينقص القطيع، ولكن ضياع الراعى يبدد القطيع كله من هنا يتضح أنه يمكنه بمجهود أقل أن يحصل على نتيجة أكبر، ويقضى على الكل بفقدان نفس واحدة، لذلك فإن الشيطان يوجه هجومه خاصة على الرعاة. ولهذا يبادر الرسول برفع روح تيموثيئوس بقوله له لنا مخلص هو الله، ورجاء هو المسيح. نحن نعاني الكثير من الآلام، لكن لنا رجاء عظيم، نحن معرضون للمخاطر والمكائد لكن لنا مخلص ليس هو بإنسان، بل هو الله. وبما أن مخلصنا هو الله فلا تعوزه القوة، ولن تتغلب علينا المخاطر مهما كانت جسامتها ، ولن يُخزى رجاؤنا مادام مصدره المسيح.
البنوه بحسب الإيمان :-
“إلى تيموثيئوس الأبن الصريح في الإيمان” هذه العبارة تحمل في معناها تشجيعا لأنه إذا كان تيموثيئوس قد أظهر ما يكفي من الإيمان ليكون ابناً وابناً صريحاً لبولس سيكون مليئا بالثقة في المستقبل. لأن الإيمان في الواقع هو عدم الإستسلام للكدر واليأس عندما لا تتطابق الأحداث مع الوعود. ولكن سيقولون هذا ابن ابن صريح إلا أنه ليس من نفس جوهر أبيه . كيف هذا هل هو من جنس آخر؟ ويصرون أنه ليس أبنا لبولس – هذه الكلمة لا تدل على البنوة في معناها الحقيقي؛ لأنه بعد أن قال “أبنى” أضاف “في الإيمان”. لايوجد بينهما اختلاف في شئ : التشابه بينهما فى الإيمان كالتشابه بين الناس فى الطبيعة. الأبن يشبه أباه، ولكن ليس تماما على الرغم من أن الأب والأبن من نفس المادة، إلا أنهما يختلفان في وجوه كثيرة مثل اللون الشكل الفهم، السن، الميول، في صفات النفس والجسد ، وصفات الظروف الخارجيه، وفي أمور كثيرة ممكن أن يتشابها أو يختلفا. ولكن هنا لا يوجد شئ من هذا الإختلاف. بأمر” عبارة أقوى من كلمة المدعو” أما عبارة إلى تيموثيئوس الأبن الصريح فيمكن أن نقربها لما قاله بولس لأهل كورنثوس : “لأني أنا ولدتكم في المسيح يسوع (1كو 4: 15) أى فى الإيمان وهو يضيف الأبن “الصريح” لكي يشهد على دقة التشابه بينه وبين تيموثيئوس أكثر من الآخرين الذين معه من حيث المودة والإستعداد الروحي. ولهذا أيضا وضع حرف الجر “في” قبل كلمة إيمان أنظروا المدح الذي تحمله هذه العبارة حيث يدعوه ليس ابنه فقط، بل أبنه الصريح.
2- الإيمان ليس في حاجة إلى امتحان :-
يقول : “نعمة ورحمة وسلام” “من الله أبينا والمسيح يسوع ربنا” لماذا يذكر كلمة رحمة في صدر هذه الرسالة ولم يذكرها في الرسائل الأخرى؟ إن حنانه المتدفق أملى عليه هذه الكلمة، من أجل أبنه كانت صلاته أوسع نطاقا ، لأنه يخاف ويرتعد من أجله. ولشدة اهتمامه به كان هو الوحيد الذي أرسل له نصائح تتعلق باحتياجاته الماديه فقال له: “إستعمل خمراً قليلا من أجل معدتك وأسقامك الكثيرة ( 1تي 5: 23) فالذين يعلمون هم في حاجة أكثر للرحمة من الله أبينا والمسيح يسوع ربنا” هنا أيضا يوجد تشجيع؛ لأنه إذا كان الله أبانا، فهو يعتنى بأولاده، ويقول لنا السيد المسيح “أم أي إنسان منكم إذا سأله أبنه خبزا يعطيه حجراً (مت 7: 9).
كما طلبت إليك أن تمكث في أفسس إذ كنت أنا ذاهبا إلى مكدونية (1تي 1: 30) اصغوا لرقة هذه العبارة، إنها لا توحي قط بصوت المعلم الذي يقوم بالتعليم بل توحى بالتوسل . لم يقل قط أوصيت، نظمت أمرت، ولكن : “طلبت إليك” ولا يجب التعامل بهذا الأسلوب مع كل التلاميذ بل فقط مع الأتقياء منهم والودعاء، وعلى العكس مع الذين قد فسدوا وليس هم تلاميذ بالحق فيلزم التفاهم معهم بلغة أخرى، كما يشهد بذلك الرسول نفسه بقوله: “وبخ بكل سلطان” (تى 2: 15) وفى هذه الرسالة أنظروا ماذا يضيف لكي يوصي قوماً (لا أن يطلب منهم) أن لا يعلموا تعليماً أخر (1تى 1: 3) ولم يذكر اسماءهم حتي لا يذلهم أكثر من ذلك بإعلان لومه لهم. كان بين اليهود الكثير من الرسل الكاذبين الذين كانوا يحاولون جذب المؤمنين إلى الشريعة التي كان الرسول يهاجمها في كل رسائله، لأنهم كانوا لا يفعلون ذلك من دافع ضميرهم بل للتباهي ولأنهم كانوا يريدون تكوين تلاميذ لهم، وقصداً في منازعة الطوباوى بولس وحقدا عليه. وهكذا كان هذا هو اتجاه التعاليم الأخرى.
أن لا يصغوا إلى خرافات وأنساب :-
ويتابع : أن لا يصغوا إلى خرافات وأنساب الخرافات التي يقصدها ليست هي الشريعة، حاشا لله، بل الإضافات الغير حقيقية. العملة المزيفة للشريعة الآراء المخادعة. يبدو أن اليهود فى غرورهم استخدموا كل قواهم العقلية لتقدير الأنساب للحصول على الشهرة كرجال علماء ومثقفين.
“لكي يوصى قوما أن لا يعلموا تعليما آخر ولا يصغوا إلى خرافات وأنساب لاحد لها “. ترون كيف يلوم الرسول هذه المباحثات الغبيه إذ حيث يوجد الإيمان لاجدوى من المباحثات، وماجدوى الفحص حيث لا يوجد شي للبحث عنه ؟ الفحص يستبعد الإيمان في الواقع أن الذي يبحث لم يجد بعد ولا يمكن أن يكون عنده إيمان. ولذلك يقول الرسول: “لا نشغل أنفسنا بالمباحثات. إذا بحثنا فليس لدينا الإيمان الذي هو مصدر راحة التفكير العاقل. كيف إذن يقول السيد المسيح أطلبوا تجدوا إقرعوا يفتح لكم (مت 7: 7) وأيضا فتشوا الكتب لأنكم تظنون أن لكم فيها حياة أبدية (يو 5: 39) هنا كلمة أطلبوا قيلت عن الصلاة ورغباتها الحارة وعبارة “فتشوا الكتب” لم تقل للدخول في أتعاب المباحثات، بل للحد منها. ولما قال السيد المسيح فتشوا الكتب يقصد بذلك أن نتعلم ونحصل على المعنى الصحيح وليس لكي نبحث بصفة دائمة، بل نضع حدا لهذه المباحثات. دون بنيان الله الذى فى الإيمان” إن عبارة “بنيان الله عبارة صائبة، لأن الله أراد أن يعطينا خيرات فائضة، ولكن العقل لا يستطيع إدراك عظمة تدابير الله. هنا عمل الإيمان أفضل دواء للروح المباحثات إذن مضادة للقصد الإلهى، وماهي الخطة المشيدة على الإيمان؟ هي أن نتقبل إحسانات الله ونكون خيرين لانتشاجر ولانشك، بل نشعر بالراحة لأن الذي أتمه الإيمان وبناه تقلبه المباحثات كيف يكون ذلك؟ بإثارة التساؤلات ووضع الإيمان جانبا.
ولا يصغوا إلى خرافات وأنساب لا حد لها قد يقال ما هو الضرر الذي تسببه هذه الأنساب ؟ السيد المسيح قال : ينبغي أن نخلص بالإيمان، لأنه بما أن هناك تأكيد أن الوعد هو للدهر الحاضر، وتحقيقه في الدهر الآتى، فإن الإيمان ضرورى وعلى ذلك فالأشخاص المشغولون بالفحص العقلاني، كانوا عقبة للإيمان وأعتقد أنه يتكلم هنا عن الوثنيين، مقدما بيانا بالهتهم عندما قال “خرافات وأنساب”.
3- ضد التعاليم الخاطئة :-
إذن لنحذر الإرتباط بهذه المباحثات، حيث أن لقب مؤمنون هو تعهد منا بتصديق الكلمه دون شك أو تردد. لأنه لو كانت هذه الكلمة من إنسان لوجب علينا وضعها تحت الإختبار، وأما إذا كانت من الله فينبغي علينا توقيرها وتصديقها، فإن كنا لا نصدق هذه الكلمة هذا يعني أننا لا نصدق أنها من الله، لأنه كيف نعرف أن الله هو الذى يتكلم ونحاسبه على كلمته ؟ البرهان الأول لمعرفتنا الله هو الإيمان بكلامه دون براهين أو تحاليل الإيمان الذي صنع مجد أباؤنا ونقص الإيمان هو سبب الفساد.
لنرتبط إذاً بالإيمان ونمتلكه ونتمسك به. وبذلك سنبعد عن أنفسنا كل عقيدة فاسدة لا تتمشى مع إيماننا، مثل عقيدة الطالع والقضاء والقدر.
إذا آمنت بالقيامة وبالدينونة سوف تبعد عن نفسك كل هذه العقائد، آمن بعدالة الله وسوف لاتؤمن بوجود الطالع الظالم، أمن بالعناية الإلهيه وسوف لا تؤمن بالطالع الذى يخضع له كل شئ آمن بالعقوبة الإلهيه وبملكوت الله وسوف لا تصدق الطالع الذي يسلبنا حريتنا ليخضعنا لضرورة ملحة لا تزرع ولا تغرس قط، لاتحارب، وفي كلمة واحدة لا تفعل شيئا بإرادتك أو بدونها ، فإن كل شئ سيحدث حسب الطالع ماذا يتبقى إذاً للصلاة؟ لماذا ترغب أن تكون مسيحيا إذا كانت هذه العقيدة حقيقية؟ لأنه طبقا لها لا يمكن ادانتك بأى خطية. من أين تأتى العلوم (فنون الحياة) ؟ هل من الطالع ؟ هم يجيبون بنعم، ولكن الواقع يقول: إن الإنسان يصير حكيما بمشقة كبيرة . أه أرنى شخصا ما قد وصل دون مشقة؟ إذا العمل هو الذي يصنع ا العلماء وليس الطالع.
قد يوجه سؤال لماذا يتمتع إنسان شرير بثراء ورثه من أبيه بينما آخر يبذل جهدا كبيرا ومع ذلك يظل فقيراً ؟ لأن هذا هو موضوع جدالهم بصفة دائمه فهم لا يثيرون إلا مسائل الغنى والفقر، ولا يبحثون الرذيلة والفضيلة. وإذا كانت عقيدة القضاء والقدر لها هذا القدر من القوة فلتظهرها في الأمور الهامة كالفضيلة والرذيلة، وليس في الغني والفقر. وقد يقال أيضا : لماذا يعيش هذا مريضا وذاك يتمتع بالصحة؟ لماذا يتمتع هذا بالوقار وذاك يهان. لماذا هذا ينجح فى تحقيق رغباته ويوفق في كل أعماله، وذاك يعاني ألف وألف عقبة؟ حد عن الطالع وسوف تفهم كل هذا، آمن بالعناية الإلهية وسوف ترى كل شئ بوضوح. يجيب منافسي (خصمي) لا أستطيع لأن هذا الخلط لا يسمح لي قط بالإعتقاد في أن العناية الإلهية هى مصدر لكل هذا . كيف يصدق أن الله الذي لا حدود الصلاحه، وعطفه، يعطى الغنى لقليل الحياء، وللشرير، وللإنسان الطماع ولا يعطيه للإنسان الخير، ماهي الوسيلة لتصديق هذا؟، والواقع الذي نلمسه لا يدعونا إلى هذا التصديق.
أقول لهم هل هذا ناتج من طالع عادل أم ظالم؟ سيقولون أنه الظالم ومن هو الفاعل؟ هل هو الله ؟ سيقولون كلاً لأنه ليس له فاعل قط – وكيف يجرى هذا الطالع كل ذلك دون أن يكون له مصدر؟ هنا يبدو التناقض واضحا .
وعلى هذا الإعتقاد نخلص إلى عدم جدوى من وجود الله ومع ذلك فلنبحث عمن صنع السماء – سوف يقولون الطالع – ومن صنع الأرض؟ والبحر؟ والفصول؟ ثم نسق الطبيعة التى لاحياة فيها في نظام تام وتوافق كامل، ونحن الذين وجد كل هذا لأجلنا، هل كان قد قدر لنا أن نحيا في فوضى؟ كمن ينسق منزلا فخما بعنايته المدركة للأمور، ولا يفعل شيئا للذين سيقطنونه. من يسهر على تتابع الظواهر الطبيعية ومن وضع النواميس المنظمه للطبيعة؟ من نظم سير النهار والليل؟ هذه كلها تفوق الطالع – سوف يقول خصمى : كلاً، كل هذا حدث بالصدفة. كيف يكون مثل هذا النظام ناتج عن الصدفة، ويلحون سائلين : كيف يتأتى أن الصحة والثراء والشهرة هي ثمار الطمع أحياناً، وثمار الإرث والعنف أحيانا أخرى؟ ولماذا سمح الرب بذلك ؟ لأنه ليس هنا يكافأ الإنسان طبقا لما يستحق بل في الدهر الآتى أرنى أنه سيكون حينذاك كما هو الحال الآن في العالم – ويقولون أعطنى أولا ميراث هذا العالم، أنا لا أطلب خيرات العالم الآخر . – لهذا السبب لم تعط لكم تلك الخيرات. لأنه إذا كنتم حرمتم من اللذات وتحبونها لدرجة أنكم تفضلونها على الخيرات السماوية، فماذا يحدث لو كنتم تتمتعون بلذة دائمة بدون تعكير؟ الله يريد بهذا أن يريكم أن هذه الميزات ليست حقيقية، بل ليست ذات أهمية، وإلا ما كان أعطاها قط للأشرار.
الخادم الذي يغذيه سيده ويسكنه مثل زملائه لا يظن أنه أغنى منهم لأن شعره أكثر كثافة وأظافره أطول منهم. وبالمثل فإن الفخر بالخيرات الأرضية غرور باطل. لذلك يبعدها الله عنا لكي يسكن هذا الجنون ولكي يوجه الرغبه المتجهه إليها نحو السماء. إلا أننا مع ذلك لم نصبح عقلاء، كطفل يملك لعبة لاتفيده بشيء. ومع ذلك يفضلها عن أشياء أخرى هامه فينتزعها عنه والده ولو رغما عنه لكي يوجه فكره إلى عمل جاد. هكذا هو تصرف الله معنا لكي يقودنا إلى السماء. قد يقال لماذا يسمح الله للأشرار أن يمتلكوا الثروات ؟ لأنهم لا يهمونه ولماذا يسمح بها للصالحين؟ إنه أقتصر على عدم منعها عنهم. تكلمنا هنا بطريقة بدائية كما لو كنا نوجه الكلام إلى أناس يجهلون الكتب، أما إذا أردتم أن تؤمنوا وترتبطوا بالكلمات الإلهية فسوف لانكون فى حاجة إلى كل هذه الأحاديث وسوف تعرفون كل ما أنتم في حاجة إلى معرفته، ولأجل تعريفكم بأن الغنى والصحة، والمجد، أى منها لايساوي شيئا، سأريكم الكثير من الناس الذين كان يمكنهم الثراء ولن يفعلوا ، وكان يمكنهم أن يتمتعوا بصحة جيدة وحرقوا أجسادهم، وكان فى إمكانهم أن يكرموا وفعلوا كل ما في وسعهم لكي يحتقروا ، ومع ذلك لا يوجد إنسان صالح يحاول أن يكون شريراً. ليكن طموحنا دائما في الخيرات الحقيقية، وسنحصل أيضا على الأخرى في المسيح يسوع ربنا مع الآب والروح القدس، له المجد والقوة والكرامة الآن وفي كل أوان وإلى دهر الدهور آمين.
الموعظة الثانية 1تي1: 5-7
“وأما غاية الوصية فهى المحبة من قلب طاهر، وضمير صالح وإيمان بلا رياء الأمور التي إذا زاغ قوم عنها انحرفوا إلى كلام باطل، يريدون أن يكونوا معلمى الناموس وهم لايفهمون ما يقولون ولا ما يقررونه.” (1: 5-7)
التحليل
١- من أين تأتى الهرطقات – الاستعمال الواجب للناموس.
2- القديس ذهبي الفم يرى من الآيتين 9و10 اللتين ذكرت بهما أكبر الجرائم إشارة إلى اليهود – مما يتكون المجد الحقيقي.
3 – التباهي بالزينة – الرائحة العطرة للفضيلة ، فساد الخطية – ماهي البهجة الحقيقية.
1- من أين تأتي الهرطقات :-
لا يوجد بين الجنس البشرى أسوأ من احتقار المحبة بدلا من ممارستها بحماس ليس هناك ما يعمل على استقامة الحياة أكثر من الإجتهاد للوصول إلى هذه الفضيلة السيد المسيح يعلمها لنا بقوله: وأقول لكم أيضا إن اتفق أثنان منكم على الأرض في أي شئ يطلبانه فإنه يكون لهما من قبل أبى الذى في السموات” (مت 18: 19) وأيضا لكثرة الإثم تبرد محبة الكثيرين” (مت 24: 12) هنا أصل كل الهرطقات.
فعدم محبة الإخوة لبعضهم البعض أدى إلى الغيرة ممن لهم شهرة حسنة، وهذه بالتالي أدت إلى حب التسلط، الذى نتجت عنه كل الهرطقات ولذا بعد أن قال بولس لتيموثيؤس أن يوصى قوما أن لا يعلموا تعليما آخر” يعلمه كيف يستطيع النجاح. وماهى هذه الوسيلة ؟ إنها المحبة. كما قال أيضا لأن غاية الناموس هى المسيح (رو 10: 4) يريد بذلك أن يقول أن كمال الناموس لا يمكن أن نصل إليه بدون المسيح، وهكذا، لا يكمل الناموس بدون المحبة غاية الطب هى الصحة ، وعند امتلاكها فلاحاجة إلى علاج غير مألوف. هذا ينطبق على المحبة تماما فعندما نمتلكها لسنا في حاجة لوصايا كثيرة. وعن أية محبة يتكلم الرسول ؟ عن المحبة الحقيقية التي لا تقتصر على الكلام بل التي تقطن في شعور النفس ومشاركة الآلام، تلك التي تنبع من قلب طاهر. يقصد بذلك السلوك المستقيم والمودة الحقة، لأن حياة غير طاهرة مصيرها الإنقسامات “لأن كل من يعمل السيئات يبغض النور” (يو 3: 20) توجد أيضا صداقة بين الأشرار اللصوص يحبون اللصوص والقتلة يحبون القتلة، هذه الصداقه لا تنبع من ضمير صالح، بل شرير، ليست من قلب طاهر بل من قلب دنس، وليست نابعة عن إيمان صادق. فالإيمان يعلم الحق الإيمان الحقيقي يولد المحبة، لأن الذى يؤمن إيمانا حقيقيا بالله لا يمكن أن يفقد المحبه.
ويستمر النص قائلا: “الأمور التى إذا زاغ قوم عنها انحرفوا إلى کلام باطل” نعم قد انحرفوا ، لأنه يلزم المهارة لأختيار الطريق الصحيح وعدم التحول عن الهدف، أى أن نترك الروح تقودنا، هناك دوافع كثيرة تبعدنا عن الهدف الحقيقى؛ ويجب أن يكون هذا المفهوم على مرأى أبصارنا دائما. ثم يواصل الرسول “يريدون أن يكونوا معلمى الناموس تجدون هنا سببا آخر لهذه الفوضى وهو شهوة السلطة. لذلك قال السيد المسيح : وأما أنتم فلا تدعوا سيدى (مت 23: 8) ويقول الرسول بدوره هم لا يحفظون الناموس بل يريدون أن تختتنوا أنتم لكي يفتخروا في جسدكم (غل 6: 13) يريدون أن يكونوا مكرمين، ولذلك لا يتأملون الحقيقة. لا يفهمون حتي ما يقولون ولا ما يقررونة الرسول هنا يتهمهم بعدم معرفة هدف الناموس وجهلهم بمدى استمرار الحكم به. قد يقال مادام سلوكهم هذا بجهل لماذا ينسب لهم الخطأ ؟ لأن خطأهم لا يقتصر على انهم يريدون أن يكونوا معلمى الناموس بل أيضا لأنهم لا يصونون المحبة، ومن هنا ينتج الجهل. في الواقع أن النفس إذا استسلمت للأشياء المائتة، يصاب نظرها بالشلل، وتطرح خارجا عن المحبة، تقع في غيرة فتاكه وبعد ذلك تنطفئ عين ذكائها . الذي يستسلم لرغبة الأشياء المؤقتة، يسكر بعشقها ولا يمكن أن يكون الحاكم العادل للحقيقة. هم يبيعون كلاما باطلا فيما يتعلق بالناموس، وينشروا أحاديث طويله عن شعائر التطهير، والملاحظات الأخرى المادية دون التوقف للبرهنة على أن هذه الملاحظات ليست هي سوى ظلال الوصايا الروحيه والرموز البسيطة، يتناول الرسول موضوع أكثر جاذبية. هو مدح الناموس ويعنى هنا الوصايا العشر التي أخذ منها الملاحظات الشرعية. لأنه إذا كان المخالفون لهذه الملاحظات قد عوقبوا، فكم بالأحرى الذين يخالفون الوصايا العشر، فيقول: “نعلم أن الناموس صالح إن كان أحد يستعمله ناموسيا عالما هذا أن الناموس لم يوضع للبار (8:1، 9) يقول : إن الناموس صالح وغير صالح. كيف ! هل إستعمال الناموس بطريقة غير شرعية يبطل صلاحيته ؟ كلا هو دائما صالح؛ إنما مايريد الرسول أن يقوله : إعلان صلاح الناموس إذا أستكمل بالأعمال، هذا هو المقصود من عبارة إذا كان من يستعمله ناموسيا ولكن يفسر بالكلام وينتهك بالسلوك، فهذا هو الاستعمال غير الناموسى، فهم يستعملونه ولكن ليس لفائدتهم. ويجب إضافة شيئا آخر، أنك إذا استعملت الناموس استعمالا شرعيا سيقودك إلى المسيح. إن هدف الناموس فى الواقع هو تبرير الإنسان، إلا أنه يعجز عن تحقيق ذلك بذاته، فهو يقود إلى الذى له القدرة على ذلك، واستعمال الناموس استعمالا شرعيا يكون بمراعاته بدقه فائقة. كيف يكون ذلك ؟ مثل الحصان الذي يطيع اللجام بالطريقة المثلى، إذا كان لا يشب ولا يعض، ولكن إذا كان لا يحمل اللجام “المقود” سوى للشكل فقط؛ مثله مثل الإنسان الذي يستعمل الناموس استعمالا ناموسيا ولا يرجع بسلوكه الحكيم لنص الناموس. ومن هو هذا ؟ هو الذى يعلم أنه ليس فى حاجة إليه لأن الذي يجاهد ليصل إلى فضيلة سامية، مطالب بحياة مستقيمة ليس خوفا مما يوصى به الناموس بل للفضيلة ذاتها. فهذا هو الذي يستعمل الناموس إستعمالاً شرعياً ومؤكداً؛ عاملا به دون خوف منه، بل واضعاً أمام عينيه دينونة الله والعقوبة، هذا هو الإستعمال الصالح للناموس.
ويدعو الرسول هنا الصالح” من يمارس الفضيلة، إذ هو يستعمل الناموس استعمالا بارعاً – مثلما توضع علامات الوقف في الكتابة للأطفال ولكن الذي يضيفها إلى الكتابة حيث لا توجد يمتلك علي أكبر ويستعمل الكتابة استعمالاً أفضل، وهكذا أيضا من هو فوق الناموس لم يتعلم بواسطة الناموس، والذي ينفذه ليس عن خوف، بل عن رغبة حارة في الفضيلة، يكون أكثر إجادة فى تنفيذه. لأن الذى يخشى العقاب والذي يرغب في الشرف لايتممان الناموس بنفس الطريقة ، ولا يمكن تشبيه الذي تحت الناموس بالذى فوق الناموس، لأن الحياة فوق الناموس هي استعمال الناموس استعمالا شرعياً، ويعمل أكثر ما يتطلبه الناموس، ولا يجعل نفسه تلميذا للناموس. لأن الناموس بوجه عام يحرم الشر، ولكن هذا لا يكفى وحده للحصول على الصلاح، فلابد من إضافة التطبيق العملي للخير. بمعنى أن الذين لا يمتنعون عن الشر إلا بدافع الخوف الإستعبادي لا يتممون قط هدف الناموس وبما أن الناموس وضع لمنع الخيانة فهم يعملون طبقاً للناموس، ولكن خوفا من العقوبة فقط. يقول الكتاب: “أفتريد أن لاتخاف السلطان إفعل الصلاح (رو13: 3) أي أنه لا يعاقب سوى الأشرار، ولكن الذى يستحق الأكاليل ما فائدة الناموس له؟ فالطبيب ضرورى للجريح، وليس للذي يتمتع بصحة جيده.
2- رأى ذهبي الفم في الآيتين 9، 10:-
يضيف الرسول “الناموس وضع للأئمة والمتمردين، للفجار والخطاة الأئمة والمتمردون يقصد بهم اليهود . وفى مكان آخر يقول: “لأن الناموس ينشئ غضبا” (رو 4: 15) ماصلة هذا بالإنسان الصالح الذي يستحق الكرامة؟ كيف إذا لم يوضع الناموس من أجله؟ لأنه ليس خاضعا للعقوبة، ولأنه لا ينتظر توجيهاته، فنعمة الروح القدس التي بداخله هي التي تلهمه. لأن الناموس قد أعطى للردع بواسطة الخوف والتهديد. الحصان السهل في قيادته لا يحتاج إلى لجام “مقود” والمتعلم لا يحتاج إلى العلم.
من أجل الأئمة والمتمردين للفجار والخطاة الدنسين والمستبحين لقاتلي الآباء وقاتلي الأمهات الرسول هنا لم يستعمل الإيجاز عند اشارته للخطايا، بل ذكرها على وجه التفصيل لكى يخجل الذين تحت الناموس. من يقصد الرسول إذاً بكلامه هذا ؟ يقصد اليهود قتلة آبائهم وأمهاتهم هم المقصودون هم المقصودون بالدنسين والفجار هم الذين كانوا في ذهن الرسول عندما قال للفجار والخطاة وبما أنهم كانوا كذلك، كان لابد أن يوضع الناموس من أجلهم . قل لى ألم يعبدوا فعلا الأصنام ألم يريدوا رجم موسى؟ ألم تتدنس أيديهم بقتل إخوتهم ؟ ألم يوجه الأنبياء إليهم هذا اللوم ؟ كل هذا بعيد عن الذين تتجه أفكارهم نحو السماء.
“لقاتلي الآباء وقاتلى الأمهات لقاتلى الناس للزناة لمضاجعي الذكور لسارقى الناس للكذابين للحانثين وإن كان شئ آخر يقاوم التعليم الصحيح” بهذه الأمور كان ولع النفوس الفاسدة. يقول الرسول: “التعليم الصحيح هو التعليم الذي حسب انجيل مجد الله المبارك الذي أؤ تمنت أنا عليه علي أنه حتي فى الآن لازال الناموس ضروريا لتثبيت الإنجيل، ولكن ليس للذين يؤمنون. وإذا كان الرسول يسميه إنجيل مجد الله، فهذا لكي يوبخ الذين يخجلون منه بسبب الاضطهادات وآلام المسيح التي هي في ذاتها مجد، وأيضا للإيضاح عن أمور وأسرار المستقبل. لأنه إذا كان العصر الحاضر مليئا بالخزى والإغتصاب فلن يكون كذلك في المستقبل ورسالة “الإنجيل” تهدف بالأحرى للمستقبل عن الحاضر كيف إذا قال الملاك “فها أنا أبشركم بفرح عظيم أنه ولد لكم اليوم مخلص” (لو 2: 10 و11) المخلص ولد ولكنه سوف يكون مخلصا ، لأنه لم يصنع معجزاته عند ولادته.
“حسب إنجيل مجد الله المبارك” “المجد” يعنى تمجيد الله، ويقول لنا إذا كان الوقت الحاضر ملئ بمجده، ففى المستقبل سيكون أكثر كثيرا “عندما يضع أعداءه تحت قدمية ( 1كو 15: 25) عندما لا يوجد أي أعتراض على مجده وأن الأبرار سيرون هذه السعادة مالم تر عين، ولم تسمع أذن، ولم يخطر على بال إنسان (1كو 2: 9) يقول الإنجيل: “أريد أن يكونوا معى حيث أكون أنا لينظروا مجدى الذى أعطيتني” (لو 17: 24).
فلنعرف من هم هؤلاء لكيما نهنئهم لأنهم أعدوا للتمتع بمثل هذه الخيرات وللمشاركة في مثل هذا المجد ومثل هذا النور ! لأن مجد الأرض باطل وغير ثابت ومهما دام فلن يدوم أكثر منا ، إذاً فهو يتلاشى بسرعة. يقول الكتاب : “لأن عند موته لا ينزل وراءه مجدة (مز 49: 17) وبالنسبة لكثيرين لم يدم مجدهم معهم حتى إلى نهاية حياتهم. ولكن بالنسبة للمجد السماوى لا يمكن أن يشك أحد في دوامه، ولكن على العكس من ذلك سيدوم ولن تكون له نهاية. لأن هذه الهبات الإلهية دائمة ومستمرة وتفوق التغير والموت. إذاً فالمجد لاياتي من الأشياء الخارجية؛ وإنما ينبع من داخل نفوسنا ، وهو لايتوافر لنا مما نرتديه من ملابس ثمينة فخمة، أو ممن يحوط بنا من حشد من الخدم، أو من العربات التي تحملنا إن الإنسان يرتدى مجداً بعيداً كل البعد عن كل هذا . إن من يرتدى مجد المظاهر العالمية الزائف والزائل يتجرد من هذا المجد بمجرد أن يخلع عنه هذه المظاهر مثل الذين في الحمامات كلهم متساوون ومتشابهون إذ أن جميعهم عراة العظماء المشهورون والبؤساء المجهولون. ولكن الإنسان الطوباوي لم يفصل عن مجده فى أى مكان، وكذلك فإن الملائكة أينما يظهرون يحملون مجدهم فى ذواتهم، وهكذا أيضا بالنسبة للقديسين. الشمس ليست في حاجة إلى ملبس، وليست في حاجة إلى شمس أخرى، ولكن بمجرد ظهورها تبرق بمجدها. وهكذا سيكون في السماء.
3- التباهي بالزينة:-
لنتتبع إذاً هذا المجد الجدير بأقصى درجات السمو، ولنلفظ المجد الآخر الباطل. يقول الوحى الإلهى: لاتتفاخروا بملابسكم (يشوع بن سيراخ 11: 4) وهذا ماقالته الحكمه العالية للأغبياء. كيف تتفاخر بشئ يمكن أن تأكله منك الديدان إذا تعلقت به ؟ أترى إذاً كم مجد العالم الحاضر متقلب. أنت تتفاخر بشئ ممكن لحشرة أن تنتجه ولحشرة أخرى أن تلتهمه. إقتن الثوب إذا أردت ولكن الثوب المنسوج في السماء، حلة جديرة حقا ،بالإعجاب، حلّه من ذهب نقى تماما. هذا الذهب ليس منزوعا من المناجم بأيدى المحكوم عليهم . ولكنه ناتج عن الفضيلة. لنرتدى هذا الثوب الذي ليس من عمل الفقراء والعبيد ولكن من عمل المعلم نفسه.
كيف إذا نصل إلى هذا الحد من الجنون، حتى نظهر هذا الولع بأمور تافهة، ونجد ذواتنا على أتم الإستعداد للقيام بأعمال مشينة مثل الخيانة بالعناية بالخلاص الذي قدمه لنا، والإزدراء بجهنم، وإهانة الله ونسيان فقر المسيح ؟ ماذا نقول عن هذه الكثرة من العطور الواردة من الهند، وبلاد العرب والفرس، جافة كانت أم سائلة، عطور وروائح الحرارة الشهوة، وندفع فيها أثمان باهظة دون أية فائدة ؟ أيتها المرأة لماذا تعطرين الجسد وهو من الداخل ملآن بعدم النقاوه ؟ لماذا كل هذا الإنفاق من أجل شي غض أليس هو كما لو كنت تلقين عطرا على الوحل أو بلسما على فخار معدم ؟ إن العطر الحقيقي إذا أردت أن تقتنيه هو الذي يعطر نفسك، ولا يستورد من بلاد العرب والحبشة، ولا من الفرس، لكنه من السماء نفسها؛ لا يشترى قط بثمن ،الذهب، ولكن بالإرادة الصالحة والإيمان الصادق. أقتنى هذا العطر الذى يمكن أن تعطر رائحته الأرض كلها . إنه العطر الذي كان يستنشقه الرسل. ويقول الرسول : “لأننا رائحة المسيح الذكية لله في الذين يخلصون وفى الذين يهلكون” (2كو 2: 15، 16) ماذا تعنى هذه الكلمات ؟ إنها كما يقال إن الرائحة الممتعة تخنق الخنازير لم يكن فقط جسد الرسل، بل ملابسهم أيضا كانت تستنشق العطر الروحي. من ملابس بولس كان يخرج فوحان متميز لدرجة أنه كان يطرد الشياطين القرفة، والمر، هل فى إمكانها أن يتنافسا مع سحر وفاعلية هذا العطر ؟ فإذا كان هذا العطر قادراً على طرد الشياطين، أي شئ بعد ذلك يتعذر عليه أن يعمله ؟ لنحصل على هذا العطر، إنه فيض من الروح، ورحمته هي التي تعطينا إياه. ونحن سوف نستنشقه خارج هذا العالم وكما أن الذين يتعطرون هنا على الأرض يجذبون انتباه من هم حولهم، مثلما في الكنيسة وفى كل الاجتماعات المتعددة، وأينما يوجد تزين تفوح منه هذه الرائحة الكل يتجه نحوه ويقترب منه؛ وبالمثل في العالم الآخر، عندما تتقدم روح وتفوح منها الرائحة الروحية العطرة، الكل يقف وينحنى ليقدم لها الإكرام. وهنا الشياطين والرزائل لا تتوافر فيهم الشجاعة ولا القوة ليقتربوا منها : إذ هم فى حالة اختناق. لنتغطى بهذا العطر.
إن عطر العالم يضفي علينا صفة الرجال المتأنثه، أما هذا العطر فيعطينا صفة الرجال الشجعان الجديرين بالإعجاب، ويسبغ علينا رجولة مستقلة؛ ليست الأرض هى التى تعطيه، إنها الفضيلة هي التي تنتجه لا يجف، بل يزهر والذين يمتلكونه يكونون جديرين بالفخر. نحن اصطبغنا
به في المعمودية، لذلك تفوح منه رائحة عذبة يمكث إستنشاقها معنا باقي حياتنا تبعا لفضيلتنا . ولذلك فإن الكهنة فى العصور القديمة كانوا مدهونين بالعطور كرمز لرائحة الفضيلة العطرة التي يجب أن تفوح من الكاهن.
فساد الخطيه :-
أما عن الخطية فليس هناك ما هو أكثر تعفنا منها. أنظروا كيف يصف النبي طبيعتها : “جروحى نتنة وفاسدة” (مز 37: 7) وفي الحقيقة أن الخطية أسوأ وأنتن من العفن . أفيدونى هل يوجد ما هو أكثر عفونة من الزني؟ وإذا كانت رائحته لاتشم أثناء ممارسة الخطية جربوا بعد ذلك فسوف تشمون الفساد، وترون عدم النقاء، والتلوث والرجس. هكذا بالنسبة لكافة الخطايا : قبل ارتكابها تقدم لنا ما يجذبنا إليها، وبعد ارتكابها تتوقف اللذة وتذبل ويحل محلها الألم والخجل. أما الصلاح فهو على العكس تماما ؛ ففى البداية يسبب بعض الآلام، ولكن بعد ذلك يجلب السعادة والراحة. وكما أن اللذة فى ممارسة الخطية ليست هي لذة لأنك تنتظر الخجل والعقوبة، كذلك فإن الألم وأنت تمارس البر ليس هو ألما إذ يتخلله الأمل في المكافأة.
قولوا لي ماهو إدمان الخمر ؟ أليست لذته الوحيدة في السكر وبالأحرى قد لا يجدها في هذا الفعل؟ إذ عندما يقع السكير في حالة فقدان الشعور ولايرى شيئاً مما يحيط به، فأية لذة تبقى له ؟ الدعارة لا تعطى الشعور بالرضا ولو حتى مؤقتا، لأن النفس حينما تكون أسيرة رغباتها تفقد الحكم، فأى فرح يمكنها أن تشعر به ؟ وحتى إذا شعرت بفرحة ما هي إلا إثارة إن الفرح الحقيقي هو فرح الحياة الأخرى، حيث لا تعزب النفس وتتمزق الشهوة. هل الفرح في صرير الأسنان في جريان العيون في الشعور بالهياج وحرارة الحمى؟ هل هذه لذة تلك التي إذا مارسناها نسارع في التخلص منها ، وبعد بلوغنا شهوتها نعود للآلام ثانية؟ إذا كنتم رغم هذا تحسبونها لذة فلتحتفظوا بها. ولاشك أنكم سوف ترون جيدا أنها لاتحمل من اللذات سوى الإسم فقط. إن سعادة المسيحى ليست هذه قط، أنها سعادة حقيقية وليست لذة محمومة، تعطى الحرية للنفس وهى جذابة وغنية باللذات الحقيقية. وهذه هي السعادة التي عبر عنها القديس بولس بقوله: ولهذا أنا أفرح بل سأفرح أيضا” (في 1: 18) ويقول بعد ذلك “افرحوا في الرب كل حين” (في 4: 4) إن الفرح الآخر يجلب الخجل والعقاب ولايتم إلا في الخفاء وهو ملئ بعوامل الإشمئزاز : أما هذا فهو متحرر من كل هذه الآلام. لنتتبعه حتى نحصل على الخيرات المستقبلة بنعمة ورحمة ربنا يسوع المسيح مع الآب والروح القدس له المجد والقوة والعزة الآن وكل أوان وإلى دهر الدهور آمين.
الموعظة الثالثة 1تي1: 12-14
” وأنا أشكر المسيح يسوع ربنا الذي قواني، إنه حسبني أمينا . إذ جعلني للخدمة. أنا الذى كنت قبلا مجدفا ومضطهداً ومفترياً. ولكنني رحمت لأني فعلت بجهل فى عدم إيمان وتفاضلت نعمة ربنا جدا مع الإيمان والمحبة التى فى المسيح يسوع.” (1تى 1: 12-14).
التحليل
1- تواضع القديس بولس العجيب.
2- إذا كان قد اضطهد الكنيسة الناشئة، فقد فعل ذلك بجهل وحماس، وليس حبا في السيادة.
3- لتكن محبة الله هى القائدة لحياتنا – نرد الشر بالخير.
1- تواضع القديس بولس العجيب :-
نحن نعلم أنه بالتواضع نحصل على فوائد عديدة، ولكن لا يمكن إدراكه بسهولة، فكثيرة هي الأقوال المتواضعة ولكن لا يوجد فيها أي أثر للتواضع الحقيقى لكن القديس بولس الطوباوي قد مارس التواضع بحماس كبير، وكان يفكر في كل الأسباب التي تعمل على تواضع روحه. وبديهي أن التواضع ليس أمراً سهلاً بالنسبة للذين لهم ضمير وتقدموا كثيرا في عمل الخير، الأمر الذي جعل بولس يعاني من الآلام بعنف، لأن الخير الذى كان يؤديه بضمير صالح كان لابد أن يحدث انتفاخا في قلبه. تأملوا إذن ماذا يفعل، لقد قال أنه اؤتمن على إنجيل مجد الله المبارك ذلك الإنجيل الذى لا يمكن أن يشترك فيه الذين لازالوا يتبعون الناموس لأنه يوجد تنافر والمسافة كبيرة جدا بينهما، لدرجة أن الذين ينساقون بالناموس يظلون غير جديرين بعد للإشتراك فى الإنجيل، هكذا يقال إن الذين يلزمهم سلاسل ومحاكم لايمكن أن يكونوا في عداد الفلاسفة. وبعد أن تحمس وقال هذه العبارة الكبيرة عن نفسه يتواضع فورا ويحث الآخرين على أن يسلكوا نفس السلوك. فبمجرد ما كتب أنه اؤتمن على الأنجيل، يسارع بإضافة التصحيح حتى لاتظنوا أنه يتكلم بكبرياء. لاحظوا أنه يصحح حديثه بإضافة هذه الكلمات : “وأنا أشكر المسيح يسوع الذي قوانى إنه حسبني أمينا إذا جعلني للخدمة”.
الإنجيل الذي اؤتمنت عليه. هنا التمييز والعظمه، ولكنهما لا يخصانه بالكامل، أنظروا ماذا يقول: “أنا أشكر المسيح يسوع ربنا الذي قواني” هنا يذكر ما يخص الله ثم يذكر ما يخصه هو نفسه بقوله: “إنه حسبني أميناً أى أمينا على قدراته الصالحه. إذ جعلنى للخدمة أنا الذي كنت قبلا مجدفا ومضطهدا ومفتريا ولكنى رحمت لأني فعلت بجهل في عدم إيمان”.
لاحظوا كيف يظهر ما يخصه وما يخص الله ، ناسبا النصيب الأكبر للعناية الإلهية، مقللا مما يخصه هو ولماذا هذه الكلمات : الذي قواني؟ إن الحمل الثقيل الذي حمله الرسول كان لابد معه من الحاجه إلى معاونة كبيرة من أعلى. إنه كان يعاني يوميا من الإهانة، والشتائم والمكائد والأخطار، والسخرية، وخطر الموت، وكل ذلك دون أن يضعف وينزلق في الطريق، دون الرجوع إلى الوراء، بل طامحا في التقدم كل يوم، محافظاً على نظرة ثابتة وشجاعة، وهذا ليس في قدرة القوى البشرية، ولا حتى تكفيه مساعدة الله العادية، لكن الأمر في حاجة إلى دعوى خاصة، لأن الله قد أدرك مسبقاً ما سيكون عليه بولس الذي أختاره إسمعوا ماذا يقول قبل أن يبدأ بولس بنشر الإنجيل : “لأن هذا لى إناء مختار ليحمل إسمى أمام أمم وملوك (أع 9: 15) مثل الذين يحملون علم الملك في الحرب Le Labarum هم في حاجة إلى قوة وخبرة، حتى لا يقع منهم في يد الأعداء، أيضا الذين يحملون إسم المسيح، ليس فقط أثناء الحرب، ولكن أيضا في السلام التام، هم فى حاجة إلى قوة كبيرة لكي لا يخونوه أمام الأفواه التي تتهمه بل يتمسكوا به بفخر ويحملون الصليب. نعم يلزم قوة كبيرة للتمسك بإسم المسيح والذي يسمح لنفسه سواء في كلامه أو أعماله أو أفكاره بأى شئ غير لائق، فإنه لا يتمسك بالمسيح ولا يوجد المسيح فيه. الذي يحمله يجب أن يحمله بفخر والملائكة تحرسه وتعجب به.
يقول الرسول : “اشكر المسيح يسوع ربنا الذي قواني” لاحظوا أنه يشهد باعترافه بالجميل بأنه إناء مختار، يشهد بالجميل نحو الله. هذا اللقب يخصك أيها الطوباوى بولس، لأن الله لايحابي الأشخاص. كما لو كان يقول: أشكر الله الذي شرفنى بهذه الوظيفة التي حسبني أمينا بها . كما يحدث في منزل مثلا المشرف لايشكر سيده فقط لأنه وثق فيه، ولكنه يرى فى وظيفته شهادة منه، بأنه يثق فيه أكثر من الآخرين، وهكذا هو الحال في مجال الخدمة الرسولية . ثم تأملوا بعد ذلك كيف يعظم رحمة الله وحلمه عندما يتكلم عن حياته السابقه قائلا: “أنا الذي كنت قبلا مجدفا ومضطهدا ومفتريا”. وعندما يتكلم عن اليهود الذين لم يؤمنوا بعد، فإنه يتكلم بتحفظ كبير : “لأني أشهد لهم أن لهم غيرة الله ولكن ليس حسب المعرفة (رو 10: 2) وعلى العكس إذا تكلم عن نفسه يضعها في عداد المجدفين والمضطهدين. إنظروا إلى أى حد ينزل من نفسه مبتعدا عن المحبة الذاتية، ضابطا فكره فى التواضع لم يكفه أن يقول عن نفسه “مجدفا” بل يضيف “مضطهدا” ويُصر على ذلك. يقول: أنه لم يكتف بفعل الشر والتجديف فقط ولكنه كان يضطهد الذين يريدون إتباع طريق الدين. ولكن يضيف “لأن الله رحمنى لأنى تصرفت بجهل في عدم إيمان”.
2- اضطهاده للكنيسة كان بجهل وحماس :-
ولماذا لم يرحم باقى اليهود؟ لأنهم لم يخطئوا بجهل بل لأنهم كانوا يدركون وعلى علم تام بالشر الذى كانوا يرتكبونه. ولكي نفهم ذلك جيدا إسمعوا ما يقوله لنا الإنجيلي : “ولكن مع ذلك آمن به كثيرون من الرؤساء أيضا غير أنهم لم يعترفوا به، لأنهم أحبوا مجد الناس أكثر من مجد الله “(يو 12: 42، 43) والمسيح له المجد قال : كيف تقدرون أن تؤمنوا وأنتم تقبلون مجدا بعضكم من بعض (يو 5: 44) ، أيضا ماذكر عن أبوي الأعمى أنهما لم يعترفا لخوفهما من اليهود “لأن اليهود كانوا قد تعاهدوا أنه إن اعترف أحد بأنه المسيح يخرج من المجمع (يو 9: 22) وكانوا يقولون: هل ترون أننا نربح شيئا؟ لاشئ لأن كل العالم يسير وراءه. وفي الواقع أينما حلوا كان شغف محبتنهم للسلطة يكدرهم. وقد قالوا بأنفسهم: “من يقدر أن يغفر الخطايا إلا الله وحده (لو 5: 21) وفي الحال أثبت لهم يسوع أنه هو الله . فلم يكن الجهل بالنسبة لهم هو السبب. ربما يوجه سؤال أين كان بولس ؟ كان جالسا تحت قدمي عمالائيل لم يكن له آية شركة مع الجمع المتمرد. وأين كان عمالائيل؟ إنه كان شخصا لا يفعل أي شئ حبا فى السلطة. إذن كيف وجد بولس بعد ذلك مع هذا الجمع؟ كان يرى عدد المؤمنين يزداد، تؤمن الرؤوس ثم يتبعها الشعب. البعض أنضم للمسيح أثناء وجوده على الأرض، والبعض الآخر لتلاميذه.
أخيرا حدث انقساما كبيرا بين اليهود وما عمله بولس حينئذ لم يعمله بدافع حب السلطة إنما بدافع الحماس ولماذا كان يتردد على دمشق؟ لكي يتعرف على ما يجرى فيها ، ولكن هدفه ليس كالآخرين الذين لم تكن عنايتهم لتدبير شئون الجمهور، بل حبا فى السلطة التي يبتغونها . إسمعوا ماذا يقولون : “الرومانيون يأخذون موضعنا وأمتنا” (يو 11: 48) إنها المخاوف البشرية هي التي كانت تهزهم ما يهمنا فحصه هو كيف أن بولس المدقق فى تطبيق الشريعة، لايعرف هذا الإنجيل الذي قال هو عنه إن الله سبق فوعد به بأنبيائه (رو 1: 2) كيف كان لا يعرفه وهو الغيور على شريعة آبائه والمتعلم تحت أقدام غما لائيل؟ أخرون عائشون على شواطئ البحيرات والأنهار ، وفى مكاتب العشارين كانوا يسرعون نحو المسيح ليلتقطوا أقواله وأنت العالم فى الشريعة كنت تضطهدها . لذلك يدين نفسه قائلا: “أنا الذى لست أهلا أن أدعى رسول (1كو 15: 9) فهو يعترف بذلك أن في نفسه جهلا متولدا من عدم الإيمان، ولهذا يقول أنه موضع العناية الإلهية. وماذا تعنى إذن عبارة “حسبني أمينا ” ؟ تعنى أنه لم يخالف أية وصية من الوصايا التى تسلمها ؛ وأرجع كل شيء للملك المعلم حتى تصرفاته، ولم يخص نفسه بمجد الله إسمعوا ما يقوله في مكان آخر. “لماذا تفعلون هذا ؟ نحن أيضا بشر تحت الآلام مثلكم (أع 14: 14) وهذا ما يعنيه بهذه الكلمات “حسبنى أمينا” وبالفعل يقول في مكان آخر : “أنا تعبت أكثر منهم جميعا ولكن لا أنا بل نعمة الله التي معي (1كو 15: 10) كما يقول في مكان آخر : “لأن الله هو العامل فيكم أن تريدوا وأن تعملوا ” (فى 2: 13) هو يعترف باستحقاقه للعقوبة؛ لكن العناية الإلهية تتدخل فى هذه الظروف. وفى مكان آخر أيضا يقول : “أن القساوة قد حصلت جزئيا لإسرائيل” (رو 11: 25).
ولكنه يقول لتيموثيئوس “وتفاضلت نعمة ربنا جدا مع الإيمان والمحبة التي في المسيح يسوع” (1: 14) لماذا يتكلم هكذا ؟ حتى لا تظنوا أن الرحمة وحدها هى التى شملته . يقول الرسول : كنت مجدفا، مضطهدا ومفتريا وبالتالي كنت مستحقا للعقوبة ولكننى رحمت” وهل الرحمة كانت قاصرة على إنقاذه من العقوبة فقط كلاً بالتأكيد كلا: فقد أضاف الله إلى رحمته حسنات كبيرة وعديدة. الله لم يخلصنا فقط من العقوبة؛ بل صيرنا ،صالحين، أولاده إخوته، أصدقاءه، ورثته، شركاء في الميراث مع المسيح. ولهذا يقول الرسول النعمة تفاضلت لأن حجم حسناته قد فاق مستوى الرحمة وحدها فليس هذا عمل الرحمه وحدها، بل عمل المحبة والحنان المفرط الرسول بتعظيمه لصلاح الله الذي رحمه وهو المجدف والمضطهد والمفترى، ولم يقف عند هذا الحد، بل تفضل بمنحه حسنات كبيرة، ووقاه من مقاومات غير المؤمنين.
3- لتكن محبة الله هي القائدة لحياتنا :-
لنحب الله إذن بالمسيح، ولكن ماذا تعنى هذه الكلمة بالمسيح” تعنى أننا مدينون للمسيح بخلاصنا وليس للناموس. أترون كم من خيرات نحن مدينون بها له ولكن ماذا بالنسبة للناموس؟ الرسول لم يقل فقط أن النعمة كثرت، بل “تفاضلت”. نعم تفاضلت” لأنها حولت الذين يستحقون آلاف العقوبات إلى أبناء بالتبنى فى المسيح، يعنى بالمسيح. وهنا مرة أخرى استعملت كلمة “في” بدلا من “ب” إذا فالأمر لايتطلب الإيمان فقط، ولكن المحبة أيضا فكثيرون فى أيامنا هذه يؤمنون بأن المسيح هو الله، ولكنهم لا يحبونه، ولا يتصرفون كالمحبين. وكيف يحبونه وهم يؤثرون كل شئ عليه، الثراء الإيمان بالقضاء والقدر، التنبؤات العرافة. قولوا لي كيف نحب المسيح ونحن لا نعيش سوى لإهانته ليتنا نعطى المسيح على الأقل نفس الحب الذي نعطيه لصديق نحبه حبا حاراً مليئا بالحماس، ليتنا نعطى نفس الحب لله الذى سلم إبنه لأجل أعدائه، لأجلنا، ونحن لم نفعل شيئا يستحق كل ذلك بل على العكس قد ارتكبنا جرائم بجرأة تفوق الوصف، دون سبب، بعد أن قدم لنا ما لا يحصى من الخيرات، ما لا يحصى من دلائل المحبة، ومع كل ذلك لم يرفضنا؛ بل أنه في الوقت الذي كنا فيه في قمة الإثم أعطانا أبنه . ونحن بعد هذا المعروف الكبير، وبعد أن أصبحنا أصدقاءه، وبعد أن غمرنا بحسنات كبيرة جدا، بالمسيح. لانحبه كما نحب صديق لنا. ماذا سيكون رجاؤنا إذن؟ ارتعدوا من هذه العبارة ولعل الله يجعل هذا الإرتعاد شافيا لكم.
قد يقال كيف لانحب المسيح مثل أصدقائنا ؟ سأحاول أن أثبت لكم ذلك من أجل الأصدقاء المخلصين، كثيرون تألموا بمحض إرادتهم، وأما من أجل المسيح لايقبل أحد ليس فقط الالام بل مجرد الرضا بثروته الحالية، وكثيرا ما نتعرض للسب من أجل صديق، ونقبل الكراهية، ولكن من أجل المسيح لايقبل أحد هذا لاننظر بعدم اكتراث إلى صديقنا الذي يعانى من الجوع، ويوميا يأتى المسيح ويطلب منا ليس تضحيات كبيرة بل مجرد قطعة من الخبز، ولا نرحب به بينما نملأ وننفخ بطوننا إلى حد الإفراط الدنيء، ويتعفن نفسنا من النبيذ، نعيش في التراخي، ونعطى أموالنا بسخاء، البعض يعطيها لمخلوقات لاحياء لها، والبعض الآخر للمتطفلين أو إلى متملقين أو إلى وحوش أو مجانين أو أقزام لأننا نتخذ من نكبات الطبيعة أداة تسلية. نحن لانحسد أصدقاءنا الحقيقيين أبداً، ولا نتألم لنجاحهم، ولكننا نشعر بهذا الإحساس تجاه المسيح، إذن نرى أن للصداقة سلطة علينا أكثر من مخافة الله. الإنسان خائن وحسود ويحترم الناس أكثر من الله . كيف ذلك؟ لأن فكر الله الذى يرى أعماق القلوب لا يحيده عن مؤامرته؛ بينما لو رأه أحد من أمثاله وهو يدبر مؤامراته يشعر بأنه ضاع ويستولى عليه الخجل ويحمر وجهه. ماذا أقول أيضاً ؟ إذا وجدنا صديقا يمر بمحنة، وإذا تأخرنا عنه قليلا نخشى اللوم، ولكن كم من مرات مات المسيح في الأسر ولم نبال به نحن نهتم بأصدقائنا الذين هم في عداد المؤمنين؛ ليس لأنهم مؤمنون، بل لأنهم أصدقاؤنا.
4 – وكما ترون أننا لا نعمل أى شئ خوفا من الله، ولا محبة له، ولكننا نتصرف من أجل الصداقة أو بحكم العادة عندما يغيب عنا صديق نبكي ونئن، وفي حالة وفاته ننوح رغم أننا نعلم أنه ليس الفراق الأبدى، ولكن قد يبعد المسيح عنا يوميا، أو بالأحرى عندما نعمل نحن على إبعاده عنا، لا نشعر بأي ألم ولا نفكر فى أننا سوف نكون بؤساء حينما نرتكب الظلم وعندما نحزنه ونفعل ما لا يرضيه بل ولانرضى أن نتعامل معه كصديق وسوف أريكم أننا كثيرا ما نتعامل معه كعدو. كيف ذلك ؟ يقول الكتاب : اهتمام الجسد هو عداوة لله (رو 7: 8) ومع هذا فنحن ممسكون برباط هذا الإهتمام، ونضطهد المسيح الذي يريد أن يهرع إلينا، فهذه نتيجة طبيعية للأعمال الرديئة. إننا نجرم كل يوم في حق الله. الإهانة التي يتحملها من جراء طمعنا وسلبنا . قد يتمتع إنسان بشهرة ساطعة لأنه يعظم مجد المسيح ويفيد الكنيسة، نحن نحسده لأنه يعمل عمل الله، وفي الواقع نحن نحسده لأننا لانريد أن يتم هذا الخير بواسطة الآخرين بل نريد أن يتم بواسطتنا، ليس لأجل المسيح، بل لأجلنا؛ لأننا إذا رغبنا الخير للمسيح نفسه فسوف لانبالى إذا كان هذا الخير يتم بواسطة أيدى الآخرين أو بأيدينا.
قولوا لي إذا كان طبيب له ولد مهدد بالعمى، وهو عاجز عن شفائه ويجد طبيبا قادراً على شفائه هل يرفض علاج هذا الطبيب لإبنه ؟ بالتأكيد ،لا، بل يسرع بالقول: بواسطتك أو بواسطتي المهم أن يشفى أبني. لماذا ؟ لأنه لا ينشد مصلحته الخاصه وإنما شفاء إبنه. وبالمثل إذا تأملنا دعوى مجد المسيح : فلنعمل ما هو يجب عمله سواء بواسطتنا أو بواسطة غيرنا . وكما يقول الرسول : سواء بعلة أو بحق ننادى المسيح (في 1: 18) إسمعوا ماذا قال موسى ليشوع عندما أثاره حينما تنبأ الدادو ميداد: “هل تغار أنت لى ياليت كل شعب الرب كانوا أنبياء (عدد 11: 29). كل هذا يحدث بسبب حب الشهرة . أليس هذا المسلك هو مسلك الأعداء ؟ إذا كلمك أحد بسوء، رحب به هل هذا ممكن، نعم إذا أردت ذلك. ماذا تستحق إذا أحببت من يطريك ويمدحك؟ أنت لا تفعل ذلك من أجل المسيح بل لأجل شهرتك. هل أخطأ أحد في حقك؟ قدم له خيرا لأنك إذا خدمت من يخدمونك لم تعمل أى شئ يذكر. هل قاسيت ظلما أو أهانة كبيرة، اجتهد أن ترد الشر بالخير، أتوسل إليكم ان نتصرف هكذا، أن تكف عن إهانة وبغض أعدائنا الله يأمرنا بمحبتهم، ونحن نضطهد إله المحبه. ليت الأمر لا يكون كذلك نحن نسلك السلوك الحسن بأفواهنا فقط وليس بأعمالنا . تلك هى ظلمات الخطية، أن مالا نتـجـاسـر على قوله نتجاسر على فعله لنحصل على خلاصنا بصفحنا عن الذين أخطأوا في حقنا وأهانونا حتى نثبت استحقاقنا لنوال كل ما يخص أحباء الله في النهاية. ويسوع المسيح يقول: “أريد أن يكونوا معى حيث أنا أكون” (يو 17: 24) المجد الذي أتمناه هو أن نصل إليه جميعا بيسوع المسيح ربنا مع الآب والروح القدس له المجد الآن وكل أوان وإلى دهر الدهور آمين.
الموعظة الرابعة 1تي1: 15، 16
صادقة هي الكلمه ومستحقة كل قبول أن المسيح يسوع جاء إلى العالم ليخلص الخطاة الذين أولهم أنا لكنى رحمت ليظهر يسوع المسيح في أنا أولا كل أناة مثالا للعتيدين أن يؤمنوا به للحياة الأبدية (1تي 1: 15، 16)
التحليل
1- التبرير بالناموس لايساوي شيئاً
2- تواضع القديس بولس
3 – كيف نستطيع أن نمجد الله
١- التبرير بالناموس لا يساوي شيئاً
حسنات الله كبيرة جدا وتفوق كثيرا كل التوقعات وكل الآمال البشرية لدرجة أنه يوجد دائما من لايؤمن بها. وبالفعل فقد منحنا الله مالم يتوقعه أو حتى يفكر فيه إنسان، ولهذا فقد عانى الرسل كثيرا في تأسيس الإيمان بنوال مواهب الله. ولذلك عندما يتحقق للإنسان نوال شئ من عطايا الله الكبرى قد يقول : هل أنا فى حلم؟ تعبيرا عن شكه في تحقيقها. فهذا هو حال الإنسان إزاء عطايا الله. ماهي هذه العطية الكبرى التى لا نستطيع الإيمان بها؟ نتساءل كيف يتسنى لأعداء الله الأئمة الذين لم يتبرروا بالناموس ولا بالأعمال وفجأة بالإيمان فقط يحصلون على التبرير الذى هو أعظم العطايا ؟ يتوسع الرسول في هذا الموضوع في رسالته إلى رومية، وهنا أيضا يؤكد بقوله: “صادقة هي الكلمة ومستحقة كل قبول: إن المسيح يسوع جاء إلى العالم ليخلص الخطاة الذين أولهم أنا (1: 15) لأنه بما أن هذا هو المبدأ أو الشريعة التي يجد اليهود صعوبة في تطبيقها، كان يقنعهم بالا يرتبطوا بالناموس، لأنه به وحده وبدون الإيمان لا يمكن الخلاص. فهو كان يكافح لإثبات هذا المبدأ كما كان يعتقد أنهم يفكرون أنه من غير المعقول أن الإنسان الذي أمضى حياته السابقة في الضياع وفي الأعمال الرديئة يمكن أن يخلص بعد ذلك بالإيمان وحده . لهذا يقول : “صادقة هي الكلمة ولكن البعض كانوا يفترون كما يحدث الآن أيضا، ويزعمون كذبا أن الرسول قال : النفعل السيئات لكى تأتى الخيرات” (رو 3: 8) ويتعللون في غير فهم بما قاله الرسول: “حيث كثرت الخطية أزدادت النعمة جدا” (رو 5: 20) ولكن لماذا يقولون: “لنعمل السيئات لكى تأتى الخيرات ؟ الوثنيون خاصة هم الذين يقولون ذلك استهزاء بعقيدتنا . وحينما نكلمهم عن جهنم يقولون: كيف تكون هذه العقيدة جديرة بالله؟ إذا كان السيد يصفح عن خادمه الذي ارتكب أخطاء كثيرة، فكيف يعاقب الله بالآلام الأبدية؟ وعندما نكلمهم عن العماد، وعن مغفرة الخطايا الممنوحة بواسطته، يقولون: كيف يستحق الذي ارتكب العديد من الخطايا غفران الله؟ ألا ترون فساد أفكارهم، التي لا تنشغل سوى بالمجادلة ؟ مع أنه إذا كان الصفح ردينا يكون الخير في العقاب، وإن لم يكن الخير فى العقاب يكون في الصفح وأنا أتكلم هكذا من وجهة نظرهم؛ ولكن طبقا لتعاليمنا فإن كلا من العقاب والصفح له فائدته ؛ كيف ذلك؟ هذا ما سنحاول إيضاحه في مجال آخر، لأن هذا المجال حاليا غير ملائم. إنه سؤال عميق ويستحق شرحا مطولا لذا يلزم وضعه أمام عيون محبتكم.
كيف تكون هذه الكلمة صادقة ؟ يتضح ذلك مما سبق وما يتبع. تأملوا كيف يعد الرسول العقول لذلك ويقف عند هذه النقطة. حينما قال: أن الله رحمه وهو المجدف والمضطهد، كان يُعد العقل لهذه الكلمة. ولم يقل فقط أن الله عطف على، بل حسبني أمينا لأنه فعلا أشفق على. لأنه من يرى سجينا أصبح مضيفا في القصر الملكى ويشك فى أنه حصل على العفو وهذا مانراه فى بولس. ولكن أيضا كيف تكون هذه الكلمة صادقة؛ إنه يبرهن على ذلك من واقع اختباره الشخصى، فلم يخشى أن يدعو نفسه خاطئا، بل يعتز بالأكثر بأنه صار الأداة التي تجلت فيها عظمة الحنان الإلهى. كيف في موضع آخر يتكلم عن نفسه من جهة البر الذي في الناموس إنه بلا لوم (في 3: 6) وهنا يعلن أنه كان خاطئا بل وأول الخطاة؟ ذلك لأنه طبقا للبر الذي هو من عمل الله، والهدف الحقيقي لواجباتنا، يحب حتى الذين في الناموس أنهم خطاة. لأن الجميع أخطأوا وأعوزهم مجد الله إنه لم يقل ببساطة “البر” بل قال البر الذي في الناموس. كالذي يملك نقودا كثيره يظهر عليه الثراء، ويتباهى بنفسه ولكنه هو في الواقع فقير وأول الفقراء إذا ما قورنت أمواله بكنوز الإمبراطورية وهكذا البشر حتى الصالحين فيهم يحتسبون خطاة إذا ما قورنوا بالملائكة. ولكن إذا كان بولس الذي مارس البر الذي في الناموس يعتبر نفسه أول الخطاة؛ فأى من الآخرين يمكن أن يدعى بارا؟ لأنه لا يتكلم هكذا مشوها حياته، فلم يقل أنه زانى، فاسد، جشع أو غير ذلك، إنما ليظهر بمقارنة بر بآخر أن التبرير بالناموس لا يساوي شيئا ، والذين يحصلون عليه هم في عداد الخطاة – “لكنى لهذا رحمت ليظهر يسوع المسيح في أنا أولا كل أناة مثالا للعتيدين أن يؤمنوا به للحياة الأبدية.
2- تواضع القديس بولس الرسول :
أنظروا إلى أى درجة يتواضع هنا الرسول، ويُنزل من نفسه، مقدما سببا آخر أكثر تواضعا لتبريره؛ فحصوله على العفو بسبب جهله لايظهر شدة إجرامه ولا استحقاقه للوم الشديد وحتى يبعث الرجاء بالأكثر في نفس كل خاطئ مستبعداً منه اليأس من الآن فصاعدا في الحصول على رحمة الله، وضع نفسه في أقصى مرتبة للخطية إذ قال: “أنا أول الخطاة، مجدفاً ومضطهداً ومفترياً وأيضا : لست أهلا أن أدعى رسولاً (1كو 15: 9) إن كل ماذكره الرسول بولس عن نفسه يدل على قمة التواضع وللإيضاح نعرض المثال الآتى: إفترضوا مدينة مأهولة بالسكان، وسكانها كلهم مجرمون، مع الفارق بين البعض والبعض الآخر، إلا أن الكل مستحق الإدانة، فإن كان أحدهم يستحق العقوبة أكثر من الجميع لتلبسه بعدة أنواع من الجرائم ، فإذا أعلن الإمبراطور أنه يود العفو عن الجميع، ربما لا يصدق هذا الخبر مالم يتم العفو فعلا عن أكثرهم إجراما، حتى بهذا لا يطرأ أدنى شك لدى الآخرين فى العفو عنهم. وهذا ما يقصده معلمنا بولس، إن الله يريد أن يغمر البشر بالثقة الكاملة في أنه سيعفو عن كل خطاياهم فأختار الأكثر إجراما منهم . ولذلك يقول: لما أحصل أنا على العفو، وأنا أكبر المجرمين لايشك أحد بعد ذلك في العفو عن الآخرين بحيث يمكن استخدام القاعدة الآتية: إذا عفا الله عن هذا فلن يعاقب أحداً.
يوضح الرسول بولس هنا أنه لم يكن أهلا للعفو، لكنه حصل عليه لأجل خلاص الآخرين، فهو يريد أن يقول لهم فلا يشك إذا أحد في خــلاصـه مـادمـت أنا قد خلصت أنظروا إلى تواضع هذا الطوباوي، لم يقل: “لم يظهر الله فى أناته”، “بل كل أناته كأنه يقول إن الله لم يجد خاطئا بهذه الدرجة محتاجا إلى كل عفوه وكل أناته وليس لجزء منها مثله هو حتى أكون مثالاً للعتيدين أن يؤمنوا به للحياة الأبدية أي لتعزيتهم وتشجيعهم. وبعد أن قال عن الأبن هذه العبارة الكبيرة والمعبرة عن حسناته غير المحدودة التي أظهرها له، وحتى لا يفترض أحد أنه يسلب الآب مجده الذي يستحقه، أشار إليه قائلا: “وملك الدهور الذي لا يفنى ولا يرى الإله الحكيم وحده له الكرامة والمجد إلى دهر الدهور آمین (1: 17) ويقول الرسول: من أجل كل هذه الحسنات نحن نمجد ليس فقط الإبن ولكن الآب أيضا.
إسمعوا ما يثيره الهراطقة من مناقشات: لقد قال عن الآب أنه الإله الوحيد، إذن فالابن ليس إلها ؛ وقال إنه الخالد الوحيد؛ إذن فالأبن ليس خالد – عجبا! كيف الذي وهبنا الخلود بعد هذه الحياة لايملكه هو؟ نعم سيقول الهرطوقى، هو إله وخالد ، ولكن ليس كالآب – ماذا تقصدون بذلك؟ – هل هو من جوهر أقل من الاب وهكذا فإنه أقل خلوداً ؟ ماذا هل هناك خلود أقل وخلود أكثر، هل الخلود شئ آخر سوى عدم الموت ؟ يمكن أن يكون المجد أكبر أو أقل، ولكن لا يمكن أن يقال هذا عن الخلود. الكائن إما أن يموت أولا يموت. وقد يردون هل نحن مثل الله؟ كلا بالتأكيد؛ وفكره مثل هذه بعيدة عنا تماماً – وكيف تعقلونها ؟ هو خالد بطبيعته وقد اكتسبنا نحن منه هذا الخلود. ولكن هل خلودنا المكتسب هذا هو مثل خلود الإبن؟ طبعا لا، لأن الإبن هو أيضا خالد بطبيعته – وكيف توضحون ذلك ؟ أن الآب لم يولد من شخص آخر وأن الإبن ولد من أبيه، قد اتفقنا نحن لا ننكر أن الابن ولد خالدا من الآب. نحن نمجد الآب بولادته هذا الابن ألا تعلمون أنه كلما سمت عظمة الإبن يتمجد الآب بالأكثر ؟ لأن مجد الابن منسوب إلى مجد الآب والابن مساوى للآب في الجوهر فهو قوى بذاته، مكتفى بذاته، ويمتلك القدرة الذي به عمل “العالمين” (عب 1: 1، 2) هذا الكلام قيل عن ملك الدهور، وعن إبنه . والملاحظ عندنا في عالمنا هذا، أن هناك صناعة وهناك امتلاكاً، وهما أمران مختلفان تماما فواحد يتعب ويضنى نفسه ليفعل شيئا والآخر يمتلك هذا الشئ ويتمتع به. لماذا؟ لأن الذي يعمل هو الأدنى. أما في السموات، فالأمر ليس كذلك، فليس هناك أدنى وأعلى. ولذا فإن عبارة “الذي به عمل العالمين” لا تنزع قوة الخلق من الآب، كما أن عبارة “الآب” ملك الدهور” لاتنزع سلطة الإبن، لأن الآب والابن كلاهما مشتركان فى الأمرين معا؛ فالآب مبدع العالم وموحده لأنه ولد الابن صانع الخليقة، والابن ملك لأنه سيد المخلوقات. فهو ليس عامل أجير مثل عمالنا . ليست آلة سلبية مثلهم؛ ولكنه يتصرف من واقع حكمه ذلك الذاتى وحبه للبشر. وهل رأى أحد الأبن؟ لا يمكن أن يجرؤ أحد على قول ومع ذلك يقول الرسول وملك الدهور الذي لايقني ولايرى الإله الحكيم وحدة وأكثر من ذلك يقول الكتاب وليس بأحد غيره الخلاص لأن ليس اسم آخر تحت السماء قد أعطى بين الناس به ينبغي أن نخلص (أع 4: 12).
3- كيف نستطيع أن نمجد الله :-
ويواصل الرسول قائلا له الكرامة والمجد إلى دهر الدهور أمين الكرامة والمجد لا يتحققان بالكلام، والله نفسه لم يكرمنا بالكلام؟ بل بالأعمال المنفذه؛ فيجب علينا نحن أيضا أن نكرمه بأعمالنا. الكرامة التي يقدمها لنا تؤثر فينا أما التى نردها له فلا تجديه بشي؛ لأنه ليس في حاجة إلى مايأتى منا؛ بينما نحن المحتاجون لنعمه. فإننا إذ نرد إليه مجدا ، نفعل هذا لرفعتنا نحن كمن يفتح عينيه ليرى نور الشمس، فإنه يعمل عملا نافعا لنفسه، وأنه بإعجابه بجمالها لا يعطيها قط أي نعمة أو يكسبها ضوء أكثر ، وستظل الشمس باقية كما هي في موقعها، وبالمثل بل أكثر من ذلك فيما يتعلق بالله، فالذي يبجل الله ويقدم له الكرامة يخلص نفسه ويحصل على أعظم الخيرات. كيف ذلك، لأنه يتبع طريق الفضيلة والله يمجده. يقول الوحى الإلهى الذين يمجدوننى سوف أمجدهم كيف يقول إذن أننا نمجده مادام لا ينعم بالكرامة التى نقدمها له. آه ! بالمثل عندما يقول أنه جوعان وعطشان فإنه يخص نفسه بما للبشرية، حتى يجذبنا إليه.
فلنمجد الله ونعظمه فى أجسادنا وفى أرواحنا” (1كو 20:6) كيف يتسنى للإنسان أن يمجد الله فى جسده؟ وكيف في روحه؟ والروح هنا تعنى النفس بالمقابلة مع الجسد. ولكن كيف يمجدا الإنسان الله في جسده؟ وكيف يفعل ذلك في نفسه؟ يمجده في جسده برفضه للدنس والسكر، والجشع، والزينة الباطلة، ولايهتم بالجسد إلا في الحدود اللازمة للصحة يمجده الذى لا يرتكب الزنا ، وتلك التى لا تتعطر ولاتزين وجهها بالمساحيق، وترضى بما شكله الله لها، دون إضافة أي شي مبتكر . قولى لى: لماذا تضيفين من نفسك أشياء إلى عمل الله الذي أكمله ؟ فأنت لم تشكلى نفسك. أنت تفعلين ذلك كى تجذبي إليك الكثير من العشاق وبتصرفك هذا أنت تهينين الله – ستقولين وما العمل ؟ أنا لا أريد ذلك إنه زوجي هو الذي يجبرنى عليه – كلاً، هذا لا يحدث إلا للائي يردن إثارة الشهوة. الله جعلك جميلة لكي يكون موضع الإعجاب في عمله، وليس ليهان، فلا تردى على هباته بمثل هذا الفعل ولكن بسلوك متواضع ومنضبط. الله جعلك على جانب من الجمال لكي تنمى استحقاقك للوقار إسمعي ما يقول الكتاب عن يوسف: وكان يوسف حسن الصورة وحسن المنظر” (تك 39: 6) ماذا يهمنا من جماله؟ الوحى قال ذلك لكي نعجب بجماله وعفافه معا. الله جعلك جميلة ! لماذا إذن تشوهين نفسك؟ ان اللائي يتغطين بطبقة من المساحيق يشبهن الرجل الذي يلون تمثالا من ذهب باللون الأحمر. فهى ليست سوى طينا أحمر أو أبيض تضيفينه على نفسك.
قد يقال، لكن القبيحات لهن حق في التصرف هكذا . – لماذا قولوا لى هل لكى يخفين قباحتهن ؟ إنه جهد ضائع. متى كانت الطبيعة مغلوبة بالحيل؟ هل أصابك حزن من القباحة لأنها مرفوضة؟ إسمعى هذه الكلمة من رجل حكيم “لا تبتعد قط عن إنسان بسبب مظهره، ولا تمدح انسانا لأجل جمالة” (يشوع بن سيراخ 11: 2) ليكن إعجابكم بالله الفنان الكبير ولا تعجبوا بإنسان ليس هو الصانع لجماله. ماهى مزايا الجمال ؟ لاشئ بل على العكس مشاكل أكبر، وسوء ظن، ومخاطر وشكوك أكثر. تلك المرأة غير الجميلة لم تكن يوما محل شك، والأخرى إن لم تتوخ التحفظ التام فى تصرفاتها فسرعان ماتسوء سمعتها . ويصل الأمر بها إلى أن يشك زوجها حتى فى صديقتها . أى شقاء أكثر من هذا ؟ لن يجد لذة في رؤيتها بقدر الآلام من شكوكه اللذة تضعف على مر الأيام، إن عدم الإكتراث والتسيب يعتبر وقاحة وتصبح معه النفس غير سامية ومليئة بالكبرياء، والجمال على الأخص هو الذى يجلب هذه المصائب؛ وبدونه لن توجد كل هذه المضايقات، وبدونه لن نرى الكلاب تسب الحمل، ولكنه سيرعى في سلام تام، دون أن يقلقه الذئب ويهاجمه، ويستطيع الراعي البقاء جالسا بجانبه والعجيب هو ليس أن تكون الواحدة جميلة والأخرى على العكس، وإنما أن تكون المرأة ذات أخلاق سيئة دون أن تكون جميلة وأن تكون المرأة الجميلة فاضلة.
قولوا لي ماهي خاصية العيون ؟ هل أن تكون تجيد الحركة مستديرة، ومن اللون الأرزق الجميل، أو أن تكون مضيئة وثاقبة ؟ بالتأكيد أهم ما فيها أن تكون ثاقبة، والأنف ماهي خاصيته؟ هل أن يكون مستقيما وأملس من الجهتين، ومتناسق تماما ؟ أم أن يكون معد جيدا للشم. والأسنان متى تقول عنها أنها جيدة وقوية؟ هل عندما تكون حادة وتمضغ الطعام بسهولة، أو عندما تكون مرتبه بانتظام؟ واضح أن الأولى هي الأفضل. وبالمثل ينطبق هذا على كل الجسم إذا تأملناه بالتدقيق سنجد أن الذين يتمتعون بصحة جيدة هم من يؤدى كل عضو من أعضائهم وظيفته بدقة تامة. وأيضا ينطبق هذا على أية ألة أو حيوان أو نبات لا يحكم عليها بناء على شكلها أو لونها ولكن طبقا لكفاءة استعمالها. وكذا أيضا نقول أن الخادم الجيد هو الذي يقوم بعمله على أكمل وجه وليس الشاب اللطيف الخامل.
هل رأيتم الآن ما هو الجمال؟ عندما نستمع كلنا وبنفس الطريقة بالمزايا الكبيرة والفاخرة، لانكون قد حرمنا من أى شي. سأوضح ذلك كلنا نرى بنفس الطريقة العالم، الشمس القمر النجوم، ونستنشق الهواء، وكلنا لنا نصيب فى الماء والغذاء، سواء كنا على جانب من الجمال أو قبحاء. وربما اللائى لا يحملن الجمال يتمتعن بصحة أجود ويستمتعن أكثر بهذه الهبات فى الواقع أن السيدات الجميلات يتخذن الحيطة من اختلاف الفصول لا يعرضن أنفسهن للتعب، ويولعن بالفراغ، ويعشن في الظل ومن هنا كانت قدراتهن الطبيعية ضعيفة، وعلى العكس فإن السيدات الأخريات يتخلصن من هذه الهموم ويستخدمن ببساطة وسعة هذه القدرات.
إذن لنمجد الله ونحمله في أجسادنا، فلا نتزين لأنه اهتمام تافه وغير نافع. لا تعلمن أزواجكن أن لا يحبوا سوى شهوة العيون، لأنهم إذا شاهد وكن مزينات لا يرغبون سوى فى النظر إلى وجوهكن، ويتروكون أنفسهم تحت تأثير الإغراء، ولكن علمنهم أن يحبوا أخلاقكن، وتواضعكن، فسوف لا يخونكن بسهولة، فأنهم لن يجدوا هذه الصفات لدى إمرأة دون حياء بل على العكس سيجدون الرزائل لاتعلمنهم أن يستسلموا لابتسامة لأنوثة ظاهرية، خشية أن يعدوا السموم ضدكن علمنهم أن يعجبوا بالتواضع وسوف تفزن بإعجابهم إذا كان فعلا طابعكن التواضع، ولكن إذا كنتن متعاليات متهتكات، كيف يمكنكن أن تخاطبن بلغة جديرة بالإحترام، ومن لا يضحك عليكن ويسخر منكن؟ وما معنى أن يحمل الإنسان الله في نفسه ؟ بممارسته للفضيلة بتزيين نفسه، فهذه الزينة غير ممنوعة. نحن نمجد الله بفضائلنا ، وبذلك نجد أنفسنا أيضا ليس كالذين يتزينون، بل بطريقة مخالفة تماما ؛ لأن الرسول يقول: فإني أحسب أن آلام الزمان الحاضر لاتقاس بالمجد العتيد أن يستعلن فينا” (رو 8: 18) المجد الذي أتمناه أن يكون لجميعنا نصيبا فى يسوع المسيح إلهنا مخلصنا ، له مع الآب والروح القدس المجد والقوة والكرامة الآن وكل أوان وإلى دهر الدهور آمين.
الموعظة الخامسة 1تي1: 18-20
هذه الوصية أيها الإبن تيموثيئوس أستودعك إياها حسب النبوات التي سبقت عليك لكي تحارب فيها المحاربة الحسنة ولك إيمان وضمير صالح الذي إذا رفضه قوم إنكسرت بهم السفينة من جهة الإيمان أيضا. (1تی 1: 18-20).
التحليل
1- من هم الذين يجب إختيارهم للأسقفية – ماتعنيه هنا كلمة النبوة – الإيمان والضمير الصالح يدعمان بعضهما البعض – الحياة الرديئة نتيجتها غرق الإيمان
2- الرسل بأنفسهم كانوا يعاقبون الساقطين ويسلمون للشيطان من يريدون إصلاحهم. وهكذا كان الشيطان خادمهم، وهذه علامة ساطعة للنعمة التى كانت تعمل فيهم، كانت الكنيسة مميزة بالروح القدس كما كانت السحابة تميز معسكر العبرانيين.
3- ضد الذين يقتربون من سر التناول دون استحقاق أو يقتربون مرة واحدة في العام.
1- من هم الذين يجب إختيارهم للأسقفية –
عظمة التعليم والكهنوت كبيرة وعجيبة، وحقا يلزم معها التوسل إلى الله، لإيجاد الشخص الجدير بممارستها . وهكذا كان الوضع قديما ولا زال حتى الآن عندما نجرى هذا الإختيار بعيدا عن الأهواء البشرية، ودون إعتبار لأى شئ دينوى، كالصداقة والبغضة. ولو أن معونة الروح لنا ليست بالقدر الذي كان يمنح للرسل، إلا أن الإرادة الحسنة كافية، حتى يتم اختيار الله، لأن الرسل لم يكونوا قد حصلوا بعد على الروح القدس عندما اختاروا متياس، ولكنهم إعتمدوا على الصلاة وضموه إلى عداد الرسل، دون إعتبار لأى باعث بشرى. وهذا هو ما يجب أن يتم بيننا . ولكن نظرا لسوء إرادتنا فهل حتى الأسس اليقينية، وعندما نهمل ما هو واضح كيف يكشف لنا عما هو خفى؟ يقول الوحي الإلهي: “فإن لم تكونوا أمناء في القليل، فمن يأتمنكم على الكثير والحق” (لو 16: 10، 11) إذا ليس هنا تدخل لأى عامل بشرى.
ما تعنيه كلمة النبوة :-
الكهنة كانوا يختارون بموهبة النبوة . ما معنى هذا؟ أي كانوا يختارون بالروح القدس. والنبوة ليس عملها الجوهرى فقط هو إعلان المستقبل، بل تتناول الحاضر أيضا، فشاول تعين بالنبوة، بينما كان مختبئا؛ لأن الله يكشف سره للصالحين. كما كانت توجد نبوة أيضا في هذه الكلمات إفرزوا لى برنابا وشاول (أع 13: 2) وهكذا اختير تيموثيئوس نفسه. وبولس يتكلم هنا عن عدة نبوات وربما تتضمن النبوة التي اختار بها تيموثيئوس عندما ختنه وعينه. إذا كتب هو نفسه لتيموثيئوس قائلا: لاتهمل الموهبة التي فيك المعطاة لك بالنبوة مع وضع أيدى المشيخة (1تي 4: 14) مشجعا هكذا حماسه؛ ويعده للصيام والسهر، ويذكره بالذي اختاره وانتخبه، كما لو قال له : إن الله هو الذي عينك، ووضع ثقته فيك، وليس التأييد البشرى هو الذى وضعك في هذا الموقع فلا تخجل ولا تهين تأييد الله.
وماذا يقول له بعد هذه الكلمة المرعبة ؟ هذه الوصية أيها الأبن تيموثيئوس أستودعك إياها يعطيه توجيهاته كما لابن حقيقي، وليس كسلطة جائرة أو قوة حاكمة، ولكن يقول له: أيها الأبن تيموثيئوس” يشير إلى أنه يودع في حفظه الدقيق جدا وديعة لا نستحقها إذا أننا غير لائقين لها وإنما نعمة الله هي التي أعطتها لنا وهى الإيمان والضمير الصالح. وما أعطاه لنا فلنحافظ عليه. لأنه إن لم يكن قد جاء، فما كان الإيمان نفسه قد وجد ، ولا وجدت الحياة الطاهرة التى نتبعها بتعاليمه كما لو كان قد قال: لست أنا الذي يعطى الوصية ولا أنا الذى أخترتك. يعنى بقوله هذا، النبوات المقولة عن تيموثيئوس” إسمعها وكن مطيعا لها . وبماذا أمره؟ بأن يحارب فيها المحاربة الحسنة” إتماما لهذه النبوات. إذا أنه توجد محاربات رديئة قال عنها لأنه كما قدمتم أعضاءكم عبيد للنجاسة والإثم (رو 6: 19) فهؤلاء يخدمون تحت حكم طاغية، أما أنت فتحت حكم ملك ولماذا يلقب هذا العمل بالقتال ؟ لأن الحرب المخيفة تشن هجومها على الجميع، وعلى الأخص على الملتزم بتعليم الآخرين، لأننا في حاجة إلى أسلحة قوية للصوم والسهر السهر المستمر، لأنه يجب أن نستعد للدم والقتال والظهور على مسرح المعركة دون ذرة من الجبن. ويقول الرسول “أن تحارب فيها لأنه كما في الجيوش لا يستخدم الكل نفس الأسلحة، بل أنواعا مختلفة، هكذا فى الكنيسة، فواحد يقوم بدور المعلم والآخر تلميذ، وآخر مؤمن بسيط، أما أنت فاخدم كما قلت لك.
الإيمان والضمير الصالح :-
وحتى لا يعتقد تيموثيئوس، أن ماقاله بولس كان كافيا، يضيف الرسول بعد ذلك ولك إيمان وضمير “صالح” لأن الذي يعلم يلزمه أن يعلم نفسه أولا . وكالقائد الأعلى إن لم يكن أولا جنديا بارعا ، لن يكون أبدا قائدا حقيقيا. هكذا الذى يعلم . وفى مكان آخر يقول نفس المعنى: “حتى بعدما كرزت للآخرين لا أصير أنا نفسى مرفوضاً (1كو 6: 27) ويقول: لك إيمان وضمير صالح حتى يصبح بذلك أفضل من كل الآخرين. ولعل هذه الكلمات تعلمنا ألا نحتقر تحذيرات الذين هم أعلى منا عندما يطلب منا التعليم، لأنه إذا كان تيموثيئوس الذي لا يدانيه أحد منا يتقبل التحذيرات والتعاليم رغم أنه مكلف بالتعليم، فكم بالحرى يجب علينا أن نتقبل ذلك.
الحياة الشريرة الرديئة :-
الذي إذ رفضه قوم إنكسرت بهم السفينة من جهة الإيمان أيضا لاشك في ذلك لأن الذي يبتعد عن الحياة المسيحية يشكل لنفسه عقيدة تماثل عاداته، ومن هنا يمكن أن نرى كثيرين قد وقعوا في هوة من الشرور وضلوا حتى وصلوا إلى عبادة الأوثان وحتى لا ينزعجوا من الخوف من الحياة المقبلة، فهم يحاولون إقناع أنفسهم بأن كل شئ بيننا كاذب. وكثيرون يحيدون عن الإيمان محاولين إخضاع كل شئ لتفكيرهم. من هنا يحدث الغرق. بينما الإيمان شبيه بسفينة لاتفنى والذين يبتعدون عنها يغرقون بالضرورة.
2- الرسل كانوا يعاقبون الساقطين بأنفسهم :-
والرسول يوضح ذلك بمثل ويقول : الذين منهم هيمنايس والإسكندر وهكذا يعلمنا الحذر. ألا تلاحظون أنه منذ ذلك الوقت وجد المعلمون الكذبة؛ أناس أشرار يرفضون الإيمان ويريدون أن ينفردوا بالبحث بأنفسهم؟ فكما أن الذى يغرق يتجرد من كل شئ، هكذا فإن الذي يفقد الإيمان يفقد كل شئ السند الميناء، الملجأ، ولا يجد نوعا من الحياة بقدر أن يجنى منه بعض الفوائد، لأنه إن كانت الرأس معلولة فما فائدة باقي الجسد؟ إذا كان الإيمان بدون الأخلاق لافائدة له، فكم بالحرى تكون الأخلاق بدون الإيمان؟ فإذا فقد الإنسان الإيمان لا يقدر أن يتعلق بأى شي، بل يطفو هنا وهناك حتى يبتلع فى النهاية. يقول الرسول: “اللذان اسلمتهما للشيطان لكى يؤدبا حتى لايجدفا” إذا تفسير الأمور الإلهية طبقا للتفكير البشرى يعتبر تجديفا . ولاشك في ذلك لأنه أية شركة بين التفكير البشرى والأمور الإلهية؟ وكيف يعلمهما الشيطان ألا يجدفا؟ وهو لازال هو نفسه مجدفاً ؟ أليس بالأحرى أن يعلم نفسه قبل أن يعلم الآخرين؟
الرسول لم يقل حتى يعلمهما الشيطان عدم التجديف، بل قال: “لكي يؤدبا لأن الشيطان ليس من عمله التعليم التعليم يتم عن طريق التأديب. وهكذا يقول الرسول فى موضع آخر عن الزاني: ” أن يسلم مثل هذا للشيطان” لهلاك الجسد لكى تخلص الروح ( 1كو 5: 5) فالشيطان ليس هو الفاعل. وكيف يتم ذلك ؟ كما أن الجلادين وهم أنفسهم بائسون ولكنهم يكونون سببا في إصلاح الغير هكذا يكون الأمر بالنسبة للشيطان.
ولماذا لم تعاقبهما بنفسك كما عاقبت بار يشوع وكما عاقب بطرس حنانيا، بل أسلمتهما للشيطان؟ لكى يتعلما وهذا أفضل من عقابهما . مع أن بولس لديه السلطة إذ قال يوما ماذا تريدون أبعصا أتى إليكم (1كو 4: 21) وأيضا ليس لكي نظهر نحن مزكين بل لكي تصنعوا أنتم حسنا وأيضا للبنيان لا للهدم (2كو 13: 7، 10) لماذا يستدعى الشيطان للعقوبة ؟ لأنه مع قوة وشدة العقاب يكون الإذلال أكبر وأقسى أو بالأحرى لأن الرسل كانوا يعلمون بأنفسهم غير المؤمنين، ويسلمون للشيطان الذين أرتدوا عن الإنجيل. كيف يكون الأمر كذلك، ونحن نعلم أن القديس بطرس عاقب بنفسه حنانيا ؟ لأنه لم يكن قد دخل بعد في الإيمان فكذب على الروح القدس. حتى يتعلم غير المؤمنين أنهم لا يمكنهم الإستمرار في جهلهم لذلك عاقبهم الرسل بأنفسهم، أما المتعلمين الذين ضلوا فقد أسلموهم للشيطان لكى يظهروا لهم أنه ليست فضيلتهم الخاصة هي التي تحفظهم من الشيطان، بل لابد من صون الرسل لهم للحفاظ عليهم. وأن الذين كانوا يتمسكون بكبرياء أحمق كانوا يسلمون للشيطان. وهكذا كان الوضع مع الملوك إذ كانوا يضربون أعداءهم الأجانب بأنفسهم ويسلمون من يستحق العقاب من رعاياهم للجلادين.
يشير بولس هنا إلى أن الأمور كانت تسير هكذا بفضل عناية الرسل. فضلا عن ذلك أن تكليفه للشيطان لا يعنى ضعف سلطته، بل على العكس يظهر خضوع الشيطان للرسل، إذ صار مسخرا ومتنازلا رغما عنه. علامة واضحة جدا يظهر فيها بجلاء مدى النعمة التي كان يتمتع بها الرسل. وكيف أسلموه للشيطان ؟ إسمعوا ماذا يقول: “باسم ربنا يسوع إذ أنتم وروحي مجتمعون مع قوة ربنا يسوع المسيح أن يسلم هذا للشيطان (1کو 5: 4، 5) وكان قد طرد من اجتماع المؤمنين، وفصل عن القطيع هجر سلم للذئب. كما كانت السحابة ترشد عن معسكر العبرانيين كذلك الروح القدس كان يرشد عن الكنيسة. إذن فإذا استبعد أحد منها، حكم عليه بالفناء واستبعاده كان يحكم الرسل. هكذا أسلم السيد المسيح يهوذا إلى الشيطان، إذ بمجرد أن أخذ اللقمة دخله الشيطان (يو ١٣: ٢٦، (٢٧) أيوب سلم إلى الشيطان ولكن ليس بسبب أخطائه بل لزيادة مجده.
3- ضد اللذين يقتربون من سر التناول دون استحقاق :
نجد الكثير من الأحداث المماثلة تحدث حتى في أيامنا هذه. لأنه إذا كان الكهنة لا يعرفون كل الخطاة، فكل الذين يشتركون في الأسرار المقدسة دون استحقاق، فإن الله يسلمهم بنفسه للشيطان. عندما تنتابنا الأمراض والآلام والكوارث المختلفة، يكون هذا هو السبب. وهذا ما وضحه بولس بقوله : “من أجل هذا فيكم كثيرون ضعفاء ومرضى وكثيرون يرقدون” (1كو 11: 30) . وقد يقال كيف ذلك ونحن لا نقترب من المائدة المقدسة سوى مرة واحدة فى العام؟ هذا هو الشئ المخيف الذي لا يدل على طهارة ،الضمير، بل أن الفترة الزمنية التي تنقضي هي التي تحدد مدى لياقتكم لهذا العمل أنكم تعتقدون أن الحذر هو عدم تكرار التقرب، متجاهلين أن التناول بدون استحقاق حتى لو كان لمرة واحدة قد يجعلكم ملوثين، في حين أن التناول بإستحقاق حتى لو كان متكرراً سوف يخلصكم. ليس التهور فى دوام التقرب، بل التهور في أن نفعل ذلك دون استحقاق، ولو مرة واحدة في الحياة، إذا كنا لهذه الدرجة عديمي الإحساس وتعساء، لأننا بإرتكابنا آلاف الخطايا على مدار السنة، لا نكترث بتطهير أنفسنا منها، معتقدين أنه يكفينا ألا نقترف سفاهات مستمرة، وألا تدوس بقدمينا بإستمرار جسد المسيح، ولا نفكر في أن الذين صلبوا المسيح لم يصلبوه سوى مرة واحدة، ولكن هل وطأة الخطية أقل لأنها أرتكبت مرة واحدة ؟ يهوذا لم يخن سوى مرة واحدة، فهل هذا كان مبرراً لخلاصه؟
لماذا تحددون أوقاتا معينة تقتصرون عليها ؟ فليكن لكم وقت التناول وقتاً لتطهير ضمائركم. أن السر الذى يتم فى الفصح لايمتاز عن الذي نتممه الآن، فهو نفس السر الوحيد، إنه دائما عيد الفصح وأنتم أيها المشتركون في السر تعلمون ذلك سواء أن يتم يوم الجمعة أو يوم السبت، أو الأحد أو يوم عيد الشهداء، فهى دائما نفس الذبيحة التي تقدم فإنكم كلما أكلتم هذا الخبز وشربتم هذه الكأس تخبرون بموت الرب” (1كو 11: 26) الرسول لا يحدد وقت الذبيحة. وقد يقال لماذا تسمونه الفصح؟ ذلك لأنه في هذا الوقت المسيح تألم من أجلنا، وبذل ذاته عنا.
لا نهتم بمناسبات معينة، فإن أثر الذبيحة هو هو نفس الاستحقاق نفس النعمة، نفس الجسد، فإن هذا القربان ليس أكثر قداسة، وذاك اقل كرامة. أنتم أنفسكم تعرفون ذلك، لأنكم لاترون شيئاً جديداً سوى هذه الأبسطة الأرضية، وهذا الجمهور المزين وأن ما يميز هذه الأيام عن الأيام الأخرى، هى أنها أصبحت مبدأ ليوم خلاصنا ، حيث قدم فيه المسيح ذبيحة، أما الأسرار فهى هى نفسها ولا تتميز عن الأخرى. قولوا لي، كيف تغسلون فمكم لتأكلوا طعاماً مادياً، ولا تغسلون نفوسكم عندما تقتربون من المائدة المقدسة، وتبقون مشحونين بالنجاسة ؟ وقد تقولون ألا تكفى الأربعون يوما صياما لتطهيرنا من قذارة خطايانا العديدة ؟ وقولوا لي ماذا يفيد تنظيف المكان الذى سوف يعطر بعطر وافر، إذا كان بعد لحظة من نثر هذا العطر يوضع فيه سماد ؟ ألا تختفى هذه الرائحة الذكية ؟ وهذا هو ما يحدث لنا. فقد جعلنا أنفسنا طبقا لقدراتنا جديرين بالإفخارستيا في وقت التقدم إليها، ثم نعود ونتلوث من جديد. وتقول هذا عن الذين يستطيعون أن ينتطهروا فعلا أثناء الصوم الكبير. أتوسل إليكم ألا نهمل خلاصنا ، ويقول الكتاب : الإنسان الذى يبتعد عن خطية ثم يعود إليها كالكلب الذي يعود لقيئة ليت جهدى لا يكون بلا فائدة. لأننا بذلك نستطيع أن نحاسب ونحن مستحقون لهذه المكافآت التي أتمنى أن نحصل عليها كلنا في المسيح يسوع ربنا مع الآب والروح القدس له المجد والقوة، والعزة الآن وكل أوان وإلى دهر الدهور آمين.
فهرس | رسالة تيموثاوس الأولى 1 | تفسير رسالة تيموثاوس الأولى | تفسير العهد الجديد | تفسير رسالة تيموثاوس الأولى 2 |
القديس يوحنا ذهبي الفم | ||||
تفاسير 1 تيموثاوس 1 | تفاسير رسالة تيموثاوس الأولى | تفاسير العهد الجديد |