تفسير إنجيل القديس يوحنا 19 للقمص أنطونيوس فكري
الأصحاح التاسع عشر
الآيات (يو1:19-16):-
” 1فَحِينَئِذٍ أَخَذَ بِيلاَطُسُ يَسُوعَ وَجَلَدَهُ. 2وَضَفَرَ الْعَسْكَرُ إِكْلِيلاً مِنْ شَوْكٍ وَوَضَعُوهُ عَلَى رَأْسِهِ، وَأَلْبَسُوهُ ثَوْبَ أُرْجُوَانٍ، 3وَكَانُوا يَقُولُونَ:«السَّلاَمُ يَا مَلِكَ الْيَهُودِ!». وَكَانُوا يَلْطِمُونَهُ. 4فَخَرَجَ بِيلاَطُسُ أَيْضًا خَارِجًا وَقَالَ لَهُمْ:«هَا أَنَا أُخْرِجُهُ إِلَيْكُمْ لِتَعْلَمُوا أَنِّي لَسْتُ أَجِدُ فِيهِ عِلَّةً وَاحِدَةً». 5فَخَرَجَ يَسُوعُ خَارِجًا وَهُوَ حَأمِلٌ إِكْلِيلَ الشَّوْكِ وَثَوْبَ الأُرْجُوانِ. فَقَالَ لَهُمْ بِيلاَطُسُ:«هُوَذَا الإِنْسَانُ!». 6فَلَمَّا رَآهُ رُؤَسَاءُ الْكَهَنَةِ وَالْخُدَّامُ صَرَخُوا قَائِلِينَ:«اصْلِبْهُ! اصْلِبْهُ!». قَالَ لَهُمْ بِيلاَطُسُ:«خُذُوهُ أَنْتُمْ وَاصْلِبُوهُ، لأَنِّي لَسْتُ أَجِدُ فِيهِ عِلَّةً». 7أَجَابَهُ الْيَهُودُ:«لَنَا نَأمُوسٌ، وَحَسَبَ نَأمُوسِنَا يَجِبُ أَنْ يَمُوتَ، لأَنَّهُ جَعَلَ نَفْسَهُ ابْنَ اللهِ». 8فَلَمَّا سَمِعَ بِيلاَطُسُ هذَا الْقَوْلَ ازْدَادَ خَوْفًا. 9فَدَخَلَ أَيْضًا إِلَى دَارِ الْوِلاَيَةِ وَقَالَ لِيَسُوعَ:«مِنْ أَيْنَ أَنْتَ؟». وَأَمَّا يَسُوعُ فَلَمْ يُعْطِهِ جَوَابًا. 10فَقَالَ لَهُ بِيلاَطُسُ: «أَمَا تُكَلِّمُنِي؟ أَلَسْتَ تَعْلَمُ أَنَّ لِي سُلْطَانًا أَنْ أَصْلِبَكَ وَسُلْطَانًا أَنْ أُطْلِقَكَ؟» 11أَجَابَ يَسُوعُ: « لَمْ يَكُنْ لَكَ عَلَيَّ سُلْطَانٌ الْبَتَّةَ، لَوْ لَمْ تَكُنْ قَدْ أُعْطِيتَ مِنْ فَوْقُ. لِذلِكَ الَّذِي أَسْلَمَنِي إِلَيْكَ لَهُ خَطِيَّةٌ أَعْظَمُ». 12مِنْ هذَا الْوَقْتِ كَانَ بِيلاَطُسُ يَطْلُبُ أَنْ يُطْلِقَهُ، وَلكِنَّ الْيَهُودَ كَانُوا يَصْرُخُونَ قَائِلِينَ:«إِنْ أَطْلَقْتَ هذَا فَلَسْتَ مُحِبًّا لِقَيْصَرَ. كُلُّ مَنْ يَجْعَلُ نَفْسَهُ مَلِكًا يُقَاوِمُ قَيْصَرَ!». 13فَلَمَّا سَمِعَ بِيلاَطُسُ هذَا الْقَوْلَ أَخْرَجَ يَسُوعَ، وَجَلَسَ عَلَى كُرْسِيِّ الْوِلاَيَةِ فِي مَوْضِعٍ يُقَالُ لَهُ «الْبَلاَطُ» وَبِالْعِبْرَانِيَّةِ «جَبَّاثَا». 14وَكَانَ اسْتِعْدَادُ الْفِصْحِ، وَنَحْوُ السَّاعَةِ السَّادِسَةِ. فَقَالَ لِلْيَهُودِ:«هُوَذَا مَلِكُكُمْ!». 15فَصَرَخُوا: «خُذْهُ! خُذْهُ! اصْلِبْهُ!» قَالَ لَهُمْ بِيلاَطُسُ: «أَأَصْلِبُ مَلِكَكُمْ؟» أَجَابَ رُؤَسَاءُ الْكَهَنَةِ:«لَيْسَ لَنَا مَلِكٌ إِلاَّ قَيْصَرَ!». 16فَحِينَئِذٍ أَسْلَمَهُ إِلَيْهِمْ لِيُصْلَبَ. فَأَخَذُوا يَسُوعَ وَمَضَوْا بِهِ. “
(آية1): “فحينئذ اخذ بيلاطس يسوع وجلده.”
بيلاطس هنا يريد أن يستدر عطف الشعب بأن يعاقب المسيح عقوبة شكلية ثم يطلقه. ولكن نلاحظ أن هذه العقوبة كانت دون حكم رسمي بل هي لإرضاء الشعب الهائج. ولكن بيلاطس دون يدرى أكمل كأس آلام السيد التي تحملها عنا. وكل ما فعلوه بعد ذلك هو الهزء منه كملك. والمسيح قبل هذا الهزء ليعيد لنا كرامتنا. ولبس إكليل الشوك ليرد لنا إكليل المجد. والجلد كان عقوبة رهيبة وكان من يُجْلَدْ يسقط أمام قضاته كتلة من اللحم المشوه الممزق. ويقال أن الجلد كان الساعة 9صباحاً. وبهذا الجلد تغطى جسد المسيح بالدم من رأسه المغطى بالدم بسبب إكليل الشوك إلى قدميه (والتغطية بالدم هي الكفارة، فجسد المسيح هو كنيسته).
آية(2): “وضفر العسكر إكليلًا من شوك ووضعوه على رأسه وألبسوه ثوب أرجوان.”
هنا نرى الاستهزاء بالمسيح كملك. وثوب الأرجوان خلعه عليه هيرودس استهزاء به. والشوك نتيجة للخطية (تك17:3، 18). وكان منظر المسيح وهو لابس إكليل الشوك هو منظر الإنسان المطرود من أمام وجه الله خارجًا من جنة عدن حاملًا اللعنة والشوك.
آية(3): “وكانوا يقولون السلام يا ملك اليهود وكانوا يلطمونه.”
السلام يا ملك اليهود= هي التحية التي تقال للملوك. وأخذ منها كلمة السلام الملكي. فالسلام الملكي بالموسيقى هو تحية الملوك عوضًا عن أن يقولوا السلام للملك. وهي نفسها هايل سيزار ومنها أخذت التحية الألمانية “هايل هتلر” فالسلام الملكي بالموسيقى صار عوضًا عن قولهم هايل سيزار.
آية(4): “فخرج بيلاطس أيضًا خارجًا وقال لهم ها أنا أخرجه إليكم لتعلموا أني لست أجد فيه علة واحدة.”
لقد حاول بيلاطس أن يوقظ الروح الإنسانية عند اليهود ولكنه فشل.ولكن استسلامه لليهود كان إدانة لهُ هو أيضًا.
آية(5): “فخرج يسوع خارجًا وهو حامل إكليل الشوك وثوب الأرجوان فقال لهم بيلاطس هوذا الإنسان.”
هوذا الإنسان= Ecce homo يقولها بيلاطس بعد أن رفع عنه كل كرامة ليظهره لليهود كإنسان ضعيف بلا ثوار يساندونه كملك، أو قالها ربما ليذكرهم بإنسانيتهم وأنه أخوهم في الإنسانية ليتنازلوا عن موضوع صلبه ولكن هذه الكلمة تشير للمسيح وقد أخلى ذاته آخذًا صورة عبد، بل حمل عار العبيد ومذلة البشر. هو الإنسان الكامل والنموذج السليم للإنسان حسب قصد الآب الذي بلا خطية لكنه صار ابن الإنسان الذي حمل خطايا الإنسان وعاره. وهو الإنسان المملوء نعمة وهو الإنسان الذي سيأتي يومًا في مجد الآب، ليس في صورة المصلوب المهان بل كديان الأرض كلها العادل. هو الإنسان الذي ليس مثله، ليس إنسانًا عاديًا. هو الإنسان محل الخلاف والقضية أيها اليهود. بل وحتى الآن. هي نبوة من بيلاطس دون أن يدرى كما تنبأ قيافا دون أن يدرى (يو50:11، 51).
آية(6): “فلما رآه رؤساء الكهنة والخدام صرخوا قائلين اصلبه اصلبه قال لهم بيلاطس خذوه انتم واصلبوه لأني لست أجد فيه علة.”
كان فعلاً لا بد للصلب أن يتم، ليتم الفداء فالصليب لعنة (تث21: 23) والمسيح بصلبه حمل اللعنة عنا. ونرى حتى هذه اللحظة أن بيلاطس غير موافق على الصلب. وبذلك حمَّل بيلاطس اليهود دم المسيح (أع13:3-15). ولكن خطأ بيلاطس أنه فَضَّل موت المسيح وهو يعلم ببراءته حتى لا يحدث إضطراب سياسي أو تُشَوَّهْ صورته لدى قيصر.
آية(7): “أجابه اليهود لنا ناموس وحسب ناموسنا يجب أن يموت لأنه جعل نفسه ابن الله.”
اليهود هنا يرفضون المساومة مع بيلاطس رفضًا تامًا. ومعنى كلامهم أن حكمهم على المسيح هو حكم إلهي وما على بيلاطس سوى التنفيذ. واليهود هنا أظهروا للوالي الوثني معتقداتهم الدينية لعله يقبل بصلبه أي لو وجدته أنت بريئًا من الناحية المدنية فهو من ناحية ديننا فهو محكوم عليه. ولكن ذكرهم أنه ابن الله أتى بأثر عكسي إذ خاف منه بيلاطس.
آية(8): “فلما سمع بيلاطس هذا القول ازداد خوفًا.”
لقد أحس بيلاطس بالرهبة في حديثه أولًا مع المسيح حين ذكر أصله الإلهي، والآن يزداد خوفًا حينما يسمع أن المسيح هو ابن الله. وبحسب فكر بيلاطس الروماني أنه بدأ يدخل حربًا مع الآلهة. فالرومان يعتقدون أن الآلهة يمكن أن تتجسد وتنزل وسط الناس.
آية(9): “فدخل أيضًا إلى دار الولاية وقال ليسوع من أين أنت وأما يسوع فلم يعطه جوابًا.”
من أين أنت= يقصد هل أصلك سماوي أم أرضى. والمسيح لم يرد فبيلاطس لن يفهم لأن مفاهيم بيلاطس عن البنوة لله مأخوذة من الأساطير اليونانية. فهو لن يفهم قطعًا ما هو المقصود. فإن كان اليهود وعندهم النبوات لم يفهموا أفيفهم بيلاطس.
الآيات(10، 11): “فقال له بيلاطس أما تكلمني الست تعلم أن لي سلطانًا أن أصلبك وسلطانًا أن أطلقك. أجاب يسوع لم يكن لك علي سلطان البتة لو لم تكن قد أعطيت من فوق لذلك الذي أسلمني إليك له خطية اعظم.”
المسيح هنا يشرح لبيلاطس من أين يستمد سلطانه، فهو يصحح معلومات بيلاطس. هنا المسيح يشرح لبيلاطس أن الله هو ضابط الكل، وأن أي شيء يصيبنا هو بسماح من الله وليس بسبب سلطان الرؤساء. فنحن في يد الله ولسنا في يد إنسان. فالله هو الذي أعطى السلطان للرؤساء [رو1:13+أع23:2+26:4-28]. وإن هذا ليشعرنا بمنتهى الاطمئنان. “التقليد القبطي يقول أن بيلاطس وزوجته صارا مسيحيين واستشهدا”
لهُ خطية أعظم= فبيلاطس أخطأ لأنه استخدم القانون المدني لقتل المسيح خوفًا. ولكن رؤساء الكهنة خطيتهم أعظم إذ هم استخدموا الناموس الإلهي في تلفيق تهمة ضد المسيح، فهم خطيتهم تعتبر قتل مع سبق الإصرار والتعمد.
آية(12): “من هذا الوقت كان بيلاطس يطلب أن يطلقه ولكن اليهود كانوا يصرخون قائلين أن أطلقت هذا فلست محبًا لقيصر كل من يجعل نفسه ملكًا يقاوم قيصر.”
رد المسيح على بيلاطس جعله يزداد خوفاً، وكان يريد إطلاقه، وهنا يتمسح رئيس الكهنة بقيصر، فإن رفض بيلاطس قتل المسيح يلصق به تهمة خيانة قيصر. ورئيس الكهنة بفعلته هذه ترك الله ليذهب لأوثان قيصر. في لحظة إنقلب هؤلاء اليهود المتعصبون للناموس إلى رومان متعصبين لقيصر. محباً لقيصر= كان هذا لقب الضباط العظام الذين يقومون بأعمال جليلة لحساب الإمبراطورية. واللقب المضاد “ليس محباً لقيصر” يشير للخيانة وهذا ما قالوه لبيلاطس يقاوم قيصر. وكان طيباريوس قيصر سامعاً للوشايات يلقى بمن يتهم بأنه ضده مع المنبوذين ويرفع من يسمع عنهم أنهم يحبونه. لذلك خاف بيلاطس أن تصل هذه التهمة لطيباريوس. “ويقول يوسيفوس أن بيلاطس وُشى به بعد ثلاث سنوات عند طيباريوس فعزله فإنتحر يأساً”. ومن المنطقى أن المؤرخ اليهودي يكتب أنه إنتحر إذا كان قد إستشهد بحسب التقليد القبطي.
ولاحظ أن السنهدريم حاكموا المسيح بتهمة دينية بأنه ادعى أنه ابن الله. ولما ذهبوا لبيلاطس اتهموه بتهمة مدنية أنه ضد قيصر ويمنع دفع الجزية (لو2:23). ولماّ برأه بيلاطس من هذه التهمة (لو14:23) بل وهيرودس (لو15:23) غيروا التهمة أمام بيلاطس إلى تهمة دينية مرة أخرى (يو7:19). وحاول بيلاطس إطلاقه إذ شعر بزيف التهمة. فغير اليهود كلامهم ثانية أن يسوع يقاوم قيصر (يو12:19). ما يحدث هو تلفيق تهم ضد المسيح لقتله بأي وسيلة.
آية(13): “فلما سمع بيلاطس هذا القول اخرج يسوع وجلس على كرسي الولاية في موضع يقال له البلاط وبالعبرانية جباثا.”
بيلاطس أدرك خطة اليهود الخبيثة ضده فلم يجازف بحياته بل ضحى بالمسيح وكان شعاره فلأحيا أنا وليمت المسيح. جلس على كرسي الولاية= لينطق بحكم الصلب ضد المسيح. جبّاثا= البلاط= هو رصيف مرتفع مرصوف بقطع بلاط مرمر يتبع البيت وهو مرتفع مستدير ليراه كل الواقفين. يقع بين قلعة أنطونيا وبين الهيكل. وكان يجلس عليه الوالي وقت إصدار الأحكام.
آية(14): “وكان استعداد الفصح ونحو الساعة السادسة فقال لليهود هوذا ملككم.”
هنا يحدد يوحنا يوم الحكم= استعداد الفصح وساعة الحكم= السادسة= أنظر موضوع الساعة السادسة فيما يلي. ويوم الجمعة عمومًا ما يسمى الاستعداد للسبت ولكن هذه الجمعة اسمها بالذات استعداد الفصح لأن الفصح كان يوم السبت لذلك سمى هذا السبت عظيمًا (آية31) هوذا ملككم= هنا بيلاطس يسخر من اليهود. ولكنه دون أن يدرى يسجل الحقيقة.
آية(15): “فصرخوا خذه خذه اصلبه قال لهم بيلاطس أأصلب ملككم أجاب رؤساء الكهنة ليس لنا ملك إلا قيصر.”
هم يريدون أن يتخلصوا من المسيح الذي يبكتهم. أأصلب ملككم= فيها أيضًا سخرية من بيلاطس، فاليهود ملكهم هو الله. ولكنهم بلعوا السخرية بل زادوها بقولهم ليس لنا ملك إلاّ قيصر= ولنلاحظ أن الذي قال ذلك ليس الشعب إنما رؤساء الكهنة وقارن مع (يو33:8). نجدهم هنا وقد طمسوا معالم إيمانهم بل لقد جدّفوا. والله استمع لما طلبوه فملًّك عليهم قيصر فأذلهم بل أحرقهم وأحرق دولتهم واستعبدهم وشتتهم في كل الأرض “مخيف هو الوقوع في يدي الله الحي” (عب31:10) ولكن لنلاحظ أن الله استخدم والٍ وثني ليسمع اليهود ورؤساء كهنتهم كلام حق.
آية(16): “فحينئذ أسلمه إليهم ليصلب فاخذوا يسوع ومضوا به.”
حسب القانون الروماني كان يتحتم أن يمر يومان على الأقل بين صدور الحكم بالإعدام ويوم تنفيذه. بل في أيام طيباريوس قيصر صارت المدة عشرة أيام، لعله يظهر دليل براءة للمتهم فلا يتم التنفيذ. ولكن عمومًا لم يراعي أحد القوانين في هذه القضية فاليهود متشوقين لقتله سريعًا خوفًا من تردد بيلاطس. هم حسبوا أن بيلاطس قد يأمر ثانية بإطلاق سراحه. وجنود الرومان ملهوفين على ذلك بدافع غطرستهم وتعصبهم لجنسهم (مزمور1:2، 2) ومع أن الذي قام بالصلب عساكر الرومان قيل اسلمه إليهم ليصلب فمسئولية الصلب واقعة على اليهود حتمًا.
الآيات (يو16:19-37):-
“ 16فَحِينَئِذٍ أَسْلَمَهُ إِلَيْهِمْ لِيُصْلَبَ. فَأَخَذُوا يَسُوعَ وَمَضَوْا بِهِ. 17فَخَرَجَ وَهُوَ حَأمِلٌ صَلِيبَهُ إِلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي يُقَالُ لَهُ «مَوْضِعُ الْجُمْجُمَةِ» وَيُقَالُ لَهُ بِالْعِبْرَانِيَّةِ «جُلْجُثَةُ»، 18حَيْثُ صَلَبُوهُ، وَصَلَبُوا اثْنَيْنِ آخَرَيْنِ مَعَهُ مِنْ هُنَا وَمِنْ هُنَا، وَيَسُوعُ فِي الْوَسْطِ. 19وَكَتَبَ بِيلاَطُسُ عُنْوَانًا وَوَضَعَهُ عَلَى الصَّلِيبِ. وَكَانَ مَكْتُوبًا:«يَسُوعُ النَّاصِرِيُّ مَلِكُ الْيَهُودِ». 20فَقَرَأَ هذَا الْعُنْوَانَ كَثِيرُونَ مِنَ الْيَهُودِ، لأَنَّ الْمَكَانَ الَّذِي صُلِبَ فِيهِ يَسُوعُ كَانَ قَرِيبًا مِنَ الْمَدِينَةِ. وَكَانَ مَكْتُوبًا بِالْعِبْرَانِيَّةِ وَالْيُونَانِيَّةِ وَالّلاَتِينِيَّةِ. 21فَقَالَ رُؤَسَاءُ كَهَنَةِ الْيَهُودِ لِبِيلاَطُسَ: «لاَ تَكْتُبْ: مَلِكُ الْيَهُودِ، بَلْ: إِنَّ ذَاكَ قَالَ: أَنَا مَلِكُ الْيَهُودِ!». 22أَجَابَ بِيلاَطُسُ:«مَا كَتَبْتُ قَدْ كَتَبْتُ». 23ثُمَّ إِنَّ الْعَسْكَرَ لَمَّا كَانُوا قَدْ صَلَبُوا يَسُوعَ، أَخَذُوا ثِيَابَهُ وَجَعَلُوهَا أَرْبَعَةَ أَقْسَأمٍ، لِكُلِّ عَسْكَرِيٍّ قِسْمًا. وَأَخَذُوا الْقَمِيصَ أَيْضًا. وَكَانَ الْقَمِيصُ بِغَيْرِ خِيَاطَةٍ، مَنْسُوجًا كُلُّهُ مِنْ فَوْقُ. 24فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ:«لاَ نَشُقُّهُ، بَلْ نَقْتَرِعُ عَلَيْهِ لِمَنْ يَكُونُ». لِيَتِمَّ الْكِتَابُ الْقَائِلُ:«اقْتَسَمُوا ثِيَابِي بَيْنَهُمْ، وَعَلَى لِبَاسِي أَلْقَوْا قُرْعَةً». هذَا فَعَلَهُ الْعَسْكَرُ. 25وَكَانَتْ وَاقِفَاتٍ عِنْدَ صَلِيبِ يَسُوعَ، أُمُّهُ، وَأُخْتُ أُمِّهِ مَرْيَمُ زَوْجَةُ كِلُوبَا، وَمَرْيَمُ الْمَجْدَلِيَّةُ. 26فَلَمَّا رَأَى يَسُوعُ أُمَّهُ، وَالتِّلْمِيذَ الَّذِي كَانَ يُحِبُّهُ وَاقِفًا، قَالَ لأُمِّهِ:«يَا أمْرَأَةُ، هُوَذَا ابْنُكِ». 27ثُمَّ قَالَ لِلتِّلْمِيذِ:«هُوَذَا أُمُّكَ». وَمِنْ تِلْكَ السَّاعَةِ أَخَذَهَا التِّلْمِيذُ إِلَى خَاصَّتِهِ. 28بَعْدَ هذَا رَأَى يَسُوعُ أَنَّ كُلَّ شَيْءٍ قَدْ كَمَلَ، فَلِكَيْ يَتِمَّ الْكِتَابُ قَالَ:«أَنَا عَطْشَانُ». 29وَكَانَ إِنَاءٌ مَوْضُوعًا مَمْلُوًّا خَّلاً، فَمَلأُوا إِسْفِنْجَةً مِنَ الْخَلِّ، وَوَضَعُوهَا عَلَى زُوفَا وَقَدَّمُوهَا إِلَى فَمِهِ. 30فَلَمَّا أَخَذَ يَسُوعُ الْخَلَّ قَالَ:«قَدْ أُكْمِلَ». وَنَكَّسَ رَأْسَهُ وَأَسْلَمَ الرُّوحَ. 31ثُمَّ إِذْ كَانَ اسْتِعْدَادٌ، فَلِكَيْ لاَ تَبْقَى الأَجْسَادُ عَلَى الصَّلِيبِ فِي السَّبْتِ، لأَنَّ يَوْمَ ذلِكَ السَّبْتِ كَانَ عَظِيمًا، سَأَلَ الْيَهُودُ بِيلاَطُسَ أَنْ تُكْسَرَ سِيقَانُهُمْ وَيُرْفَعُوا. 32فَأَتَى الْعَسْكَرُ وَكَسَرُوا سَاقَيِ الأَوَّلِ وَالآخَرِ الْمَصْلُوبِ مَعَهُ. 33وَأَمَّا يَسُوعُ فَلَمَّا جَاءُوا إِلَيْهِ لَمْ يَكْسِرُوا سَاقَيْهِ، لأَنَّهُمْ رَأَوْهُ قَدْ مَاتَ. 34لكِنَّ وَاحِدًا مِنَ الْعَسْكَرِ طَعَنَ جَنْبَهُ بِحَرْبَةٍ، وَلِلْوَقْتِ خَرَجَ دَمٌ وَمَاءٌ. 35وَالَّذِي عَأيَنَ شَهِدَ، وَشَهَادَتُهُ حَق، وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ لِتُؤْمِنُوا أَنْتُمْ. 36لأَنَّ هذَا كَانَ لِيَتِمَّ الْكِتَابُ الْقَائِلُ:«عَظْمٌ لاَ يُكْسَرُ مِنْهُ». 37وَأَيْضًا يَقُولُ كِتَابٌ آخَرُ:«سَيَنْظُرُونَ إِلَى الَّذِي طَعَنُوهُ». “
آية(17): “فخرج وهو حامل صليبه إلى الموضع الذي يقال له موضع الجمجمة ويقال له بالعبرانية جلجثة.”
كان مكان المحاكمة قريباً من الباب الشمالي الغربي المؤدى إلى خارج المدينة حيث مكان الصلب. فخرج وهو حاملٌ صليبه= فخرج= تشير لخروجه خارج المحلة (أورشليم) ليحرق كذبائح الخطية والكفارة (لو31:9). أما عن الصليب يقول التاريخ أنه لم يستطع حمله سوى إلى باب المدينة ويقال أنه سقط به 3 مرات. وبعد خروجه بدأ طريق الآلام (عب11:13-14). والمسيح خرج من دار الولاية أمام قلعة أنطونيا عبر شوارع المدينة من المرتفع الذي يُقال له جبَّاثا. وكان النسوة يستقبلنه بالبكاء. وخرج من باب سور المدينة الشمالي الغربي الذي يُدعى باب دمشق لأنه قرب الطريق المؤدى إلى دمشق. وسموه بعد ذلك باب إسطفانوس فخارج هذا الباب رجموا إسطفانوس. موضع الجمجمة= بالعبرانية جولجوثا הגולגולתא وباليونانية إكرانيون κρανίο وباللاتينية كالفاريا Calvaria. ومكان الصلب سمى هكذا حسب رأى البعض أنه فيه دُفِن آدم ، ورأى آخر أن الصخرة تشبه الجمجمة ، ورأى ثالث أن المكان مخصص للرجم والصلب وبه جماجم كثيرة. ومكان الصلب كان على بعد دقائق من باب المدينة (يو20:19) وكان يوجد في المكان بستان به المغارة التي دفن فيها المسيح، وفي هذا المكان قدم اسحق ذبيحة.
آية(18): “حيث صلبوه وصلبوا اثنين آخرين معه من هنا ومن هنا ويسوع في الوسط.”
الرومان جعلوا الصلب للمجرمين الخطرين في مستعمراتهم، وأيضًا للعبيد. ولما جاء قسطنطين وقَبِل الإيمان المسيحي الغي الحكم بالصلب وأنتهي من العالم نهائيًا بمنشور تحذيري. والتقليد القبطي يقول أن اسم اللص اليمين هو ديماس. وهناك تفسير لماذا لم يذكر يوحنا حديث اللصين وتعييرات الناس؟ يقول التفسير أن يوحنا ذهب ليحضر العذراء مريم، فأتى بعد أن صُلِب المسيح وهو لا يذكر سوى ما رآه.
آية(19): “وكتب بيلاطس عنوانًا ووضعه على الصليب وكان مكتوبًا يسوع الناصري ملك اليهود.”
كانت العادة الرومانية أن يوضع فوق رأس المصلوب لوحة بها اسمه وعلَّة صلبه (مت37:27). وهناك تفسير لماذا اختلف البشيرون فيما كتب على هذه اللوحة أن المكتوب كان بثلاث لغات وربما اختلف ما جاء بكل ترجمة، والتفسير الآخر أن البشيرين اهتموا بالمعني وليس بالحرف. وما كتب كان بالعبرية واللاتينية واليونانية
العبرانية = هي لغة الشعب والكتاب المقدس والدين اليهودي، وبهذا كانت الكتابة بالعبرية فيها شهادة أن يسوع المصلوب هو المسيا الموعود.
اللاتينية = لغة الحكام والسياسة. وهذه الكتابة شهدت أن المسيح ملك الملوك، ملك المؤمنين.
اليونانية = هي لغة الثقافة والفلسفة التي كانت سائدة في العالم كله. ولغة الفلسفة شهدت أن المسيح هو رب الحق.
ولنلاحظ أن اليونانية سادت العالم كله وبهذا انتشر الإنجيل الذي كُتِبَ باليونانية. وكانت التوراة والعهد القديم قد ترجم لليونانية سنة 189 ق.م فيما يسمى بالترجمة السبعينية.
وحينما امتلك الرومان العالم اهتموا بشق الطرق في كل مكان لتؤدى إلي روما وكانوا على كل طريق يكتبون المسافة إلى روما. ومن هنا جاء المثل “كل الطرق تؤدى إلى روما” وشق الطرق أدى لسهولة انتقال الرسل عبر العالم كله لينتشر الإنجيل.
ولماذا كتب بيلاطس يسوع الناصري ملك اليهود INRI
1- هو كتبها باللاتينية ليظهر لقيصر أنه قتل من إدّعى الملك وقاوم قيصر، فيكافئه.
2- كتبها بالعبرانية إهانة لشعب اليهود، فهوذا ملككم مصلوبًا، فهو مغتاظ منهم لأنهم قاوموه وأصروا على صلب المسيح وكان هو يريد أن يطلقه. وهو لم يعبأ باحتجاجهم، بل هو أعلن أمامهم أن حجتهم في شكايته لقيصر قد انتهت بصلب ملك اليهود. وربما أراد أن يحررهم من انتسابهم الزائف إلي قيصر.
3- والبعض قالوا أن بيلاطس كان يكن للمسيح شعورًا فائقًا جعله يكتب هذا تعبيرًا عن مشاعره وتقديرًا له واعتذارًا عما حدث.
آية(20): “فقرا هذا العنوان كثيرون من اليهود لأن المكان الذي صلب فيه يسوع كان قريبًا من المدينة وكان مكتوبًا بالعبرانية واليونانية واللاتينية.”
لأن مكان صلب المسيح كان على مقربة من الطريق المؤدى إلى دمشق، وهو طريق هام وعام. قرأ العنوان كثيرون من الداخلين والخارجين إلى المدينة. ونلاحظ أن الوقت كان وقت الفصح والزائرين بمئات الألوف أو بالملايين. وهم حملوا هذه الأخبار للعالم كله فمهدوا الطريق للبشارة.
آية(22): “أجاب بيلاطس ما كتبت قد كتبت.”
لقد نصَّب المسيح نفسه ملكًا على العالم بالصليب واستخدم بيلاطس ليعلن هذا للعالم.
الآيات(23، 24): “ثم أن العسكر لما كانوا قد صلبوا يسوع اخذوا ثيابه وجعلوها أربعة أقسام لكل عسكري قسما واخذوا القميص أيضًا وكان القميص بغير خياطة منسوجًا كله من فوق.فقال بعضهم لبعض لا نشقه بل نقترع عليه لمن يكون ليتم الكتاب القائل اقتسموا ثيابي بينهم وعلى لباسي القوا قرعة هذا فعله العسكر.”
يقول يوسيفوس أن القميص المنسوج كله من فوق بغير خياطة لم يحل لبسه إلاّ لرؤساء الكهنة، وبالتالي فهذا القميص الذي يشبه ملابس رئيس الكهنة جعل المسيح يذهب إلى صليبه كرئيس كهنة يقدم ذبيحته. وكان القميص بهذه الطريقة ثمين جدًا لذلك لم يشقوه بل ألقوا عليه قرعة. وكونهم لا يشقوه فهو يشير للكنيسة التي لا تنشق ولا تنقسم (قارن مع مزمور22. والعسكر هم عساكر الرومان). منسوجًا من فوق= إشارة لأن الله هو الذي أسس كنيسته ليس لإنسان أن يمزقها.
ملابس الربيين والتي كان الرب يسوع يلبسها
كانوا يلبسون داخليا ما يسمى “الكيتونا” وهو ينزل إلى الكعبين. وهذا لا بد أن يلبسه كل مَنْ له عَمَل بالمجمع وكل من يقرأ في الترجوم أو الكتاب المقدس. وهذا الرداء أو القميص بحسب تسمية القديس يوحنا، يكون منسوجا من أعلى إلى أسفل بدون أي شق وله أكمام. ويربط وسطه بزنار لتثبيت القميص على الجسم. وكان الرداء الخارجى يسمى “الطاليث” ومزود في أركانه الأربعة بالعصائب والأهداب (والأهداب مصنوعة من جدائل بكل ركن. وكان يضع على رأسه غطاء يسمونه “السودار” وهو على شكل عمامة. ويضع في قدميه صندلا. هذه هي الثياب التي إقتسمها الجنود عند صلب السيد. وكانت أربعة أقسام وهي غطاء الرأس والصندل والطاليث والزنار. وأما القميص فلم يقسموه.
آية(25): “وكانت واقفات عند صليب يسوع أمه وأخت أمه مريم زوجة كلوبا ومريم المجدلية.”
بعد أن اطمأن اليهود أن فريستهم قد صُلِبَ ذهبوا لإعداد الفصح فتركوا المكان وأعطوا فرصة لأحبائه أن يقتربوا من الصليب، فاقترب يوحنا مع العذراء الأم.
وفي (مت56:27) نجد من حول الصليب مريم المجدلية ومريم أم يعقوب ويوسى وأم ابني زبدى. وفي (مر40:15) نجدهم مريم المجدلية ومريم أم يعقوب الصغير ويوسى وسالومه وهنا نجدهم أمُّه وأخت أمه مريم زوجة كلوبا ومريم المجدلية. وفي الترجمات الإنجيليزية جاءت الآية أمه وأخت أمه، مريم زوجة كلوبا
ومريم المجدلية وبالتالي نفهم أنهن كن أربعة حول الصليب
الشاهد |
|
|
|
|
(مت56:27) |
|
مريم المجدلية |
مريم أم يعقوب ويوسى |
أم ابني زبدى |
(مر40:15) |
|
مريم المجدلية |
مريم أم يعقوب الصغير ويوسى |
سالومة |
(يو25:19) |
أمه (العذراء) |
مريم المجدلية |
مريم زوجة كلوبا |
أخت أمه |
1) من هذا الجدول نفهم أن سالومة هي أخت العذراء مريم وزوجها اسمه زبدى وهي أم يوحنا ويعقوب الكبير ابنا زبدى. وبالتالي فيوحنا هو ابن خالة السيد المسيح وهو تواضعًا لم يذكر اسم أمه. كما يتحاشى ذكر اسمه هو شخصيًا.
2) مريم زوجة كلوبا (واسمه حلفى أيضًا) ويوحنا أسماها زوجة كلوبا حتى لا يظن أحد أنها أمه (أو أم يعقوب أخيه) لو قال أم يعقوب. وهي لها ولدان يعقوب الصغير ويوسى. (يعقوب الكبير هو أخو يوحنا). ومرقس قال أم يعقوب الصغير حتى لا يظن أحد أنها أم يعقوب ويوحنا. وطبعًا فإن يعقوب ويوسى هنا هم غير يعقوب ويوسى إخوة الرب (مر3:6).
3) يوجد شخصان باسم يعقوب، أكبرهم سنًا هو يعقوب بن زبدى أخو يوحنا وأصغرهم سنًا هو يعقوب بن حلفى (أو كلوبا).
4) متى لم يحدد يعقوب بأنه الصغير إذ هو أورد اسم يعقوب الآخر بقوله ابني زبدى وهما معروفان بأنهما يعقوب الكبير ويوحنا. فلم يجد ضرورة لتعريف يعقوب بن حلفى بأنه الصغير.
5) يوحنا يذكر أولًا العذراء مريم ثم أختها دون أن يذكر اسمها. ويبدو أن العذراء مريم لم يكن لها سوى أخت واحدة.
6) لم يذكر متى ومرقس وقوف العذراء بجانب الصليب لأنها غالبًا لم تكن موجودة منذ بداية الصلب وأن يوحنا أتى بها أخيرًا. وهو قد أحضرها لأنه شعر أن السيد يريد أن يودعها وهي أيضًا. وهذا ما حدث فعلًا (آية 26).
آية(26): “فلما رأى يسوع أمه والتلميذ الذي كان يحبه واقفًا قال لأمه يا امرأة هوذا ابنك.”
يا امرأة هو ذا ابنك= صارت أمًا للتلميذ الذي يحبه يسوع بل هي صارت أمًا لكل كنيسة يسوع، جسده. والمسيح هنا يسميها امرأة وهذه صفة الأم، أم الكنيسة جسد ابنها يسوع. فنحن بالمعمودية بالروح القدس نصير جسد المسيح وبهذا أيضًا صار يوحنا أخًا للمسيح، لقد رفعه المسيح الذي صار بكرًا بين إخوة كثيرين (عب11:2). كلٌ منا ابن لحواء وإبن للعذراء مريم لقد سميت حواء امرأة وصارت أمًا للعالم والعذراء سميت امرأة لكونها صارت أم الكنيسة.
آية(27): “ثم قال للتلميذ هوذا أمك ومن تلك الساعة أخذها التلميذ إلى خاصته.”
كون أن المسيح يسلم العذراء ليوحنا فهذا دلالة قاطعة على أنها لم يكن لها أولاد آخرين بالجسد وإلاّ لكان قد أسلمها لهم، وهي أيضاً خالته. ونرى هنا أن المسيح رفع مستوى الأمومة والبنوة من مستوى الجسد واللحم والدم إلى أمومة روحية وبنوة روحية. هي وحدة روحية لبناء الكنيسة. ويوحنا أخذ العذراء فوراً معهُ في علية صهيون وكانت معهم يوم الخميس. وهي إستمرت مع يوحنا 11سنة في أورشليم ثم رافقته إلى أفسس وغالباً إنتقلت هناك إذ يوجد قبر للعذراء مريم في تركيا. ولكن يوجد قبر آخر للعذراء بَنَتْ عليه الملكة هيلانة كنيسة يقول تقليد آخر أنه قبر العذراء. وكان يوحنا من الجليل ولكن غالباً لهُ بيت في أورشليم أخذ العذراء مريم إليه.
آية(28): “بعد هذا رأى يسوع أن كل شيء قد كمل فلكي يتم الكتاب قال أنا عطشان.”
(مز15:22+21:69). ونلاحظ أن المسيح لم يشتكى كل مدة الصلب إلاّ بهذه العبارة لأنه كان قد وصل لقمة العذاب، وسال دمه وعرقه ووصل إلى لحظة الإحتضار بعد سلسلة من الآلام الجسدية كان قمتها الصلب وآلام نفسية من خيانة الأحباء وتخلى التلاميذ واستهزاء الناس وآلام روحية إذ حجب الآب وجهه عنه حينما حمل خطايا العالم وصار ذبيحة إثم أمام الله. والمسيح لم ينتبه إلى آلامه وعطشه إلاّ بعد أن تمم الخلاص وكان كل شيء قد كمل، وتمم كل النبوات (أع27:13-29). والخل الذي شربه كان يزيد من إحساسه بالعطش. ولكن لو قارننا هذه العبارة بقول السيد للسامرية “أعطني لأشرب” فنفهم أن السيد كان عطشانا لخلاص النفوس.
آية(29): “وكان إناء موضوعًا مملؤًا خلًا فملأوا إسفنجة من الخل ووضعوها على زوفا وقدموها إلى فمه.”
الخل هو نوع من النبيذ الرخيص يستعمله الجنود. وكان من أعمال الرحمة للمصلوب أن يسقوه خلًا مع مرارة لتسكين الألم لذلك كانت الزوفا والإسفنجة موجودتين بالمكان للزومهما لعملية الصلب (أم6:31).
آية(30): “فلما اخذ يسوع الخل قال قد أكمل ونكس رأسه واسلم الروح.”
المسيح أسلم روحه بإرادته وهو في ملء الحياة. وقوله قد أكمِلَ= هي صرخة النصر الأخيرة فهو أكمل الخلاص. نكس رأسه= أي أمال رأسه. وكل إنسان يسلم الروح ثم ينكس الرأس بغير إرادته. فالإنسان يظل رافعًا رأسه بقدر إمكانه حتى آخر لحظة حتى يمكنه التنفس وإذ يموت تسقط رأسه. أمّا المسيح ففعل العكس إذ نكس رأسه ثم أسلم الروح فهو أسلمها بإرادته ونكس رأسه بإرادته (يو18:10) وهكذا قال إشعياء “سكب للموت نفسه” (12:53) فلم تؤخذ روحه منه كالبشر بل سكب هو نفسه بنفسه، بإرادته، أسلم روحه في يد أبيه كمن يستودع وديعة هو وشيك أن يستردها.
على الصليب
والصلب كان يقوم به الرومان فكان المصلوب يخلع ملابسه بالقرب من الصليب تمامًا كنوع من الإحتقار. ولكن في اليهودية كانت تراعى الأداب اليهودية في الحشمة ويغطون جسد المصلوب وهذا ما إتبع مع الرب يسوع. ومع اليهود بدافع الرحمة كانوا يعطون المصلوب خلا مخلوطا بالمر (الخل هو نبيذ مختمر) وهذا يعتبر كمخدر، لذلك رفض مخلصنا الشرب منه كما رفض تعاطف بنات أورشليم اللواتي كن يبكين عليه. أراد أن يحمل ألامنا وحده حتى أقصاها فرفض تخدير الألم ليتحمل كل الآلام الجسدية، ورفض حتى المساندة والمشاركة النفسية من بنات أورشليم. وكان ثمن الخل والمر يتكفل به جمعية من سيدات أورشليم. وكان القانون يفرض وضع لافتة تعلق على صليب المحكوم عليه تعلن سبب صلبه.
سخرية اليهود من الرب يسوع كانت سببا في سخرية الجند منه كملك لليهود فهم يكرهون اليهود ويحتقرونهم وكانت سخريتهم من الرب يسوع هي سخرية ممن إعتبروه ملكا لليهود الذين يكرهونهم. وبهذا كانت تصرفات رؤساء اليهود والسنهدريم من شخص الرب يسوع في الواقع هي نوع من الإنتحار الأدبي بالنسبة لرجاء إسرائيل في وجودها وكيانها. فهم شاركوا الجند الرومان في السخرية من الرمز. وكان الرومان يسمعون سخرية اليهود من المسيح ويكررونها ولكن كنوع من السخرية من اليهود في شخص ملكهم. ويأخذ اليهود سخرية الرومان من شخص الرب كملك لليهود ويكررونها هم ضد الرب. ولاحظ أن موضوع السخرية هو أمل اليهود في إستعادة حريتهم تحت ملك منهم. وكانت التهمة المعلقة على الصليب أن المسيح هو ملك اليهود، إذاً نفهم أنهم صلبوا رمز الأمل والرجاء في حريتهم من الرومان وأن تكون لهم مملكتهم. وهكذا كما باع يهوذا معلمه ثم إنتحر، باع اليهود رمز وطنهم الذي يحلمون به فإنتحروا ولنراجع ما عمله تيطس سنة 70 م.
بعد أن تمم الرب كل عمله لفدائنا قال “قد أكمل” ونادى يسوع بصوت عظيم وقال “يا أبتاه في يديك أستودع روحي”.
عجيب أن الرب يسوع في هذه اللحظة وهو في منتهى الضعف الجسدي وفي لحظة موت *يصرخ بصوت عظيم. فالإنسان العادي في لحظة موته لا تكون له قدرة على الصراخ بصوت عظيم. بل كان صراخه في لحظة موته سببا في أن قائد المئة الموجود بجانب الصليب يقول “حقا كان هذا الإنسان ابن الله” (مر15 : 39) وهذا يدل على قوة جبارة ناشئة عن إتحاد ناسوته الضعيف بلاهوته. وعجيب أيضًا أن نسمع *”ونكَّس رأسه وأسلم الروح. فالطبيعي أن يُسلِّم الإنسان الروح أولًا ثم ينكس رأسه وليس العكس، وذلك لإنه يحاول أن تظل رأسه مرفوعة بقدر الإمكان ليتنفس، ولكنه بعد أن يموت تسقط رأسه. وهاتين الملحوظتين يشيران أن موت المسيح لم يكن كموت أي إنسان عادي، بل هو بسلطانه سلَّم حياته أي مات بإرادته حينما أراد أي حينما تمم عمله. وبهذا نفهم أن الموت لم يبتلع المسيح بل أن المسيح هو الذي إبتلع الموت كغالب وليس كمغلوب. الموت لم يغلب الرب بل هو الذي غلب الموت، ونزل إلى الجحيم بروحه المتحدة بلاهوته ليفتح الأبواب لمن ماتوا على الرجاء ويأخذهم إلى الفردوس.
اللاهوت لم يساند الناسوت في أي لحظة ليحمل ألامه، بل أراد المسيح أن يحمل الآلام بالكامل ليشابهنا في كل شيء. وهذا معنى قول بولس الرسول “أنه يُكَمِّلْ رئيس خلاصهم بالآلام” (عب2 : 10). فالمسيح لم يكن من المفروض أن يتألم، فالألم نتج عن الخطية وهو بلا خطية. ولكنه بإرادته أراد أن يتذوق الموت والألم ليصير كواحد منا. ولكن في لحظات الموت ظهر عمل اللاهوت لا ليحمل عنه ألامه فهو قال “أنا عطشان” وقال “إلهى إلهى لماذا تركتنى” وهذا دليل على أن ألامه كانت حقيقية. ولكن معنى ظهور عمل اللاهوت هنا هو أن الموت لا يمكنه أن يهاجم المسيح ويغلبه، بل هاجم المسيح الموت حينما أسلم روحه بإرادته. ونظرا لإتحاد روحه باللاهوت الحي إبتلعت الحياة التي في اللاهوت المتحد بالناسوت الموت، ولم يبتلع الموت الحياة التي في المسيح فهي حياة أبدية لا تموت. وهذا معنى العبارة التي نرددها – بالموت غلب الموت].
[“فلكى يتم الكتاب قال أنا عطشان” = المسيح لم يشرب لأنه عطشان فقط، إذ هو عطشان لخلاصنا. ولم يشرب الخل (وهو نوع من النبيذ الذي يستعمله الجنود) فقط ليتمم النبوات. بل أنه كان يتمم طقس الفصح الجديد. ففي طقس الفصح اليهودي يشرب المجتمعين حول المائدة أربعة كئوس. والكأس الأخير أي الرابع يعلن إنتهاء طقس الفصح. فالمسيح شرب هذا الكأس الرابع على الصليب فربط الصليب بسر الإفخارستيا. فالإفخارستيا هي نفسها ذبيحة الصليب، والصليب شرح كيف أن المسيح قد أعطى تلاميذه على مائدة الفصح جسده ودمه مأكلا ومشربا حقيقيين. ويُرجى الرجوع لكتاب الجذور اليهودية والموجود في مقدمة سر الإفخارستيا في كتاب الأسرار الكنسية.
(يو38:19-42)
آية(38): “ثم أن يوسف الذي من الرامة وهو تلميذ يسوع ولكن خفية لسبب الخوف من اليهود سأل بيلاطس أن يأخذ جسد يسوع فأذن بيلاطس فجاء واخذ جسد يسوع.”
عجيب أن موت المسيح جذب تلاميذه الذين كانوا مختفين(يو32:12). والمحبة تظهر وقت الشدائد. كلمة مشير تعني أنه من السنهدريم. وكان تسليم بيلاطس جسد يسوع ليوسف الرامي عملًا يُحسب لبيلاطس فعادة تسليم الأجساد يكون برشاوى.ويوسف أخذ يسوع خوفًا من أن يعتدي عليه اليهود.
آية(39): “وجاء أيضًا نيقوديموس الذي آتى أولًا إلى يسوع ليلًا وهو حامل مزيج مر وعود نحو مئة منًا.”
نيقوديموس كان غنيًا جدًا وهو عضو بالسنهدريم وكان أيضًا مخالفًا لرأيهم(يو50:7-53) ولكنه أيضًا كان خائفًا منهم، والتقليد يقول أنه صار مسيحيًا بعد ذلك. ووزع يوسف ونيقوديوس العمل بينهما. فإشتري يوسف الكتان وإشتري نيقوديموس المر والعود، عُهِدَ إلى يوسف بطلب أخذ جسد المسيح ربما لجسارته وتقابلا عند الصليب وقد فارقهما الخوف
حاملٌ مزيج مر وعود= (مز8:45) “كل ثيابك مرٌ وعود وسليخة” والمصريون استخدموا المر في التحنيط. وهو يستعمل طبيًا كمطهر، ويستخدم كعطر، وأتى به المجوس كهدية(نبوة عن آلامه وموته) والعود ثمين جدًا يوزن بوزن الذهب ورائحته نفاذة تبقى لسنين عديدة(عد6:24) مائة منًا= تشير للتوقير الذي كان يكنه هذا الفريسي للمسيح(هكذا فعلوا مع ملوكهم وهذا مذكور مع آسا، وهذا فعله هذا الدارس للناموس مع المسيح كملك. ومن هذه العطور أخذت الكنيسة خميرة الميرون المقدس كذخيرة حياة.
آية(40): “فأخذا جسد يسوع ولفاه بأكفان مع الأطياب كما لليهود عادة أن يكفنوا.”
مع الأطياب= يبدو أن المر والعود كانا على هيئة مسحوق وقد أضيف لهما بعض الزيوت العطرة فتكون مزيج سائل يمكن دهن الجسد به قبل ربطه. وعادة اليهود في التكفين هي بغمس شاش (كتان) في العطور ولف الرجلين، كل رجل وحدها ثم الصدر، ثم اليدين كل يد وحدها. ويوضع منديل على الرأس.
آية(41): “وكان في الموضع الذي صلب فيه بستان وفي البستان قبر جديد لم يوضع فيه أحد قط.”
لقد أراد يوسف قبرًا لدفن موتاه فصار قبرًا لإعلان القيامة والحياة. ونلاحظ أن المسيح وُلِدَ من عذراء لم تحمل أحشاؤها أحد قبله. وركب أتانًا لم يركبه أحد قبله ودفن في قبر لم يدفن فيه أحد قبله. وهذا يذكرنا بالصوم قبل التناول فلا يدخل جوفنا شيء قبله. بستان= أخطأ آدم الأول في بستان وآدم الأخير بدأ خلاصه في بستان.
آية(42): “وكان في الموضع الذي صلب فيه بستان وفي البستان قبر جديد لم يوضع فيه أحد قط.”
كأنه يريد أن يقول أن الإستعجال في الدفن وعدم تقديم كل واجبات التكفين والتجنيز كان بسبب عامل السرعة بسبب اقتراب السبت وأيضًا كان الاستعداد للسبت هو السبب في اختيار القبر القريب من موضع الصلب أي قبر يوسف الرامي الجديد. والمسيح سبق وتنبأ أنه لن يكون هناك وقت لتكفينه (يو2:12-11).
ويقول التقليد الكنسي أن نيقوديموس سبح تسبحة “قدوس الله قدوس القوي قدوس الحي الذي لا يموت” والتي أخذتها منه الكنيسة وهو يكفن جسد المسيح؟
تفسير يوحنا 18 | تفسير إنجيل القديس يوحنا القمص أنطونيوس فكري |
تفسير يوحنا 20 |
تفسير العهد الجديد |