تفسير سفر إشعياء ٤٥ للقس أنطونيوس فكري

الإصحاح الخامس والأربعون

 

آية (1) هكذا يقول الرب لمسيحه لكورش الذي أمسكت بيمينه لادوس أمامه أمما و احقاء ملوك احل لأفتح أمامه المصراعين و الأبواب لا تغلق.

لمسيحه لكورش = كان الملوك اليهود يمسحون، وهذه هي المرة الوحيدة التي نسمع فيها عن مسح ملك أممى فهو رمز للمسيح. وهى لا تعنى أن أحداً مسح كورش بدهن ولكن هذا يعنى أنه مكلف برسالة وعمل من قبل الله. لأدوس أمامه أمماً = ذكر في التاريخ أن كورش فتح 17 مملكة وكانت عادة الملوك المنتصرين أن يدوسوا على أعناق عظماء المملكة التي هزموها (يش 10 :24) وكورش  فى هذا كان رمزاً للمسيح، فهذا قيل عن المسيح ” الرب عن يمينك يحطم فى يوم رجزه ملوكاً” (مز 110 : 5) (الملوك رمز للشياطين رؤساء العالم وملوك الوثنيين الذين اضطهدوا المسيحية ) وفى (مز 110 : 10) قيل “حتى أضع أعداءك موطئاً لقدميك ” وهذه تناظر لأدوس أمامه أمما. ولنقارن بين الاثنين (1، 5) في مزمور (110) فنرى مرةالمسيح عن يمين الآب ومرة الآب  عن يمين الابن. إذاً اليمين ليس مكاناً بل هو إشارة للقوة والمجد. أحقاء ملوك أحل = حل المنطقة علامة ضعف وانكسار وهذا ما حدث لبيلشاصر (دا 5 :6).

 

آية (2) أنا أسير قدامك و الهضاب أمهد اكسر مصراعي النحاس و مغاليق الحديد اقصف.

الهضاب = هضاب الصعوبات. المصراعين = ذكر التاريخ أنه كان لبابل 100 باب نحاس مغاليقها من

الحديد ونحن في المسيح تنفتح أمامنا الأبواب الأبدية لنحيا للأبد في السماء، وأمام المسيح انفتحت أبواب الجحيم ليخرج الأبرار.

 

آية (3) و أعطيك ذخائر الظلمة و كنوز المخابئ لكي تعرف إني أنا الرب الذي يدعوك باسمك اله إسرائيل.

ذخائر الظلمة = أعتاد الملوك إخفاء كنوزهم حتى لا يأخذها أحد من الأعداء. وكان البابليون قد كنزوا كثيراً من ثروات الشعوب، وقد أخذ كورش كل شيء منهم، كأن الله أعطاه ثمناً لتحرير شعبه.

 

آية (4 – 6) لأجل عبدي يعقوب و إسرائيل مختاري دعوتك باسمك لقبتك و أنت لست تعرفني. أنا الرب و ليس آخر لا اله سواي نطقتك و أنت لم تعرفني. لكي يعلموا من مشرق الشمس و من مغربها إن ليس غيري أنا الرب و ليس آخر.

لقبتك = براعيَ ومسيحي.

 

آية (7) مصور النور و خالق الظلمة صانع السلام و خالق الشر أنا الرب صانع كل هذه.

خالق الشر = فبعض الأمم الوثنية ومنهم الفرس كان لهم إيمان بأن هناك إلهين اله للخير وإله للشر. والمعنى هنا أنه ليس سوى إله واحد والشر هو بسماح منه. والله لا يتسبب في الشر أو الخطية، فالخطية هي عدم القدرة أو فشل الإنسان في أن يحيا في بر، فالسرقة هي فشل الإنسان أن يحيا أميناً. ولكن الشر المقصود هنا هو ما يحسبه الإنسان شراًُ مثل الحروب والأمراض والموت، وهذه يسمح بها الله وهدفها التأديب. و كلمة شر هنا جاءت ليست بمعنى خطية ولكن الأثار التي تسببها الخطية من حزن وضيق وآلام. هذه الأثار هي نتيجة الخطية ولكن الله بمحبته حول هذه الآلام للتأديب للخلاص وهنا معنى ما نصلى به بالقداس الغريغورى “حولت لي العقوبة خلاصاً”.

 

آية (8) أقطري أيتها السماوات من فوق و لينزل الجو برا لتنفتح الأرض فيثمر الخلاص و لتنبت برا معا أنا الرب قد خلقته.

هنا إشعياء ينتقل بالوحي لخلاص المسيح بدلاً من خلاص كورش الزمني. هنا نرى البر الذي لن يكون سوى بذبيحة المسيح. أقطري = أي أن البر سيأتي من السماء كما ياتى المطر من السماء. ونلاحظ أن الأرض هي الأخرى تنبت براً = والأرض لن تنبت إلا بنزول المطر. وإذ فهمنا أن الأرض هي إشارة للجسد المأخوذ من تراب الأرض نرى هنا جهاد الإنسان الذي به يقبل نعمة الله.

 

آية (9) ويل لمن يخاصم جابله خزف بين أخزاف الأرض هل يقول الطين لجابله ماذا تصنع أو يقول عملك ليس له يدا.

عملك ليس له يدان = ليس من حق الإناء الخزفي أن يعترض على الخزاف قائلاً لماذا لم تصنع يدان لي. وهذا الكلام موجه لإسرائيل، حتى لا يتذمروا على الله جابله سائلاً لماذا تأخر الخلاص، أو لماذا كان الخلاص على يد كورش وليس على يد ملك منهم.

 

الآية (10) ويل للذي يقول لأبيه ماذا تلد و للمرأة ماذا تلدين.

لا يليق بإنسان أن يتذمر على أبويه معترضاً على فقره أو الحال التي فيها.

 

آية (11) هكذا يقول الرب قدوس إسرائيل و جابله اسألوني عن الآتيات من جهة بني و من جهة عمل يدي أوصوني.

أسألوا تعطوا… صلوا بإيمان فالصلاة جزء من نظام تعاون بين الله والإنسان. مثل الفلاح عليه أن يزرع وعلى الله أن ينمى.

 

آية (12) أنا صنعت الأرض و خلقت الإنسان عليها يداي أنا نشرتا السماوات و كل جندها أنا أمرت.

أنا فعلت كل هذا فهل يعسر علىَ أمر، هل يعسر علىَ إصلاح ما أفسده إبليس.

 

آية (13) أنا قد أنهضته بالنصر و كل طرقه أسهل هو يبني مدينتي و يطلق سبيي لا بثمن و لا بهدية قال رب الجنود.

الله أنجح طريق كورش ليفك أسر شعبه وأنجح طريق المسيح ليحررنا ويؤسس هيكل جسده (كنيسته) وكان هذا مجاناً (رو 3 : 24،25).

 

آية (14) هكذا قال الرب تعب مصر و تجارة كوش و السبئيون ذوو القامة إليك يعبرون و لك يكونون خلفك يمشون بالقيود يمرون و لك يسجدون إليك يتضرعون قائلين فيك وحدك الله و ليس آخر ليس اله.

الرب يذكر هنا 3 شعوب بالنيابة عن كل الأمم وانضمامهم للكنيسة. إذاً الخلاص لكل العالم. وستقدم الشعوب ثرواتها وكل مالهم من تعب أو زراعة أو تجارة للمسيح. والله أطلق شعبه من مصر ومن بابل أغنياء، وأطلقنا من عبودية إبليس مملوئين من الروح القدس، فالله لا يحرر أولاده ثم يتركهم فارغين. بالقيود = المقصود ليس سلاسل بل تسلط الحق على عقول الناس وضمائرهم. هي تعنى إيمان حر بالله، به يقيد الإنسان نفسه بحريته بالمسيح. وحدث بعد السبي أن تحول الكثيرين إلى اليهودية (إش 8 : 17 + زك 8 : 23) وتحقق هذا في الكنيسة.

 

آية (16،15) حقاً أنت اله محتجب يا اله إسرائيل المخلص. قد خزوا و خجلوا كلهم مضوا بالخجل جميعا الصانعون التماثيل.

اله محتجب = أفكاره تسمو عن أفكارنا وهكذا كل طرقه وحكمته.

 

آية (17) أما إسرائيل فيخلص بالرب خلاصا أبديا لا تخزون و لا تخجلون إلى دهور الأبد.

خلاصاً أبدياً= إذاً المقصود خلاص المسيح وليس خلاص كورش.

 

آية (18) لأنه هكذا قال الرب خالق السماوات هو الله مصور الأرض و صانعها هو قررها لم يخلقها باطلا للسكن صورها أنا الرب و ليس آخر.

الله خلق الأرض ومنها أرض اليهود لا ليتركها خراباً بلا سكان، إذاً فهذا وعد بالعودة. كل شيء خلقه الله له قيمته ولا يوجد شيء باطل أي لا فائدة منه. وأي إنسان يقول أنه خلق بلا فائدة فهذا خطأه هو نفسه.

 

آية (19) لم أتكلم بالخفاء في مكان من الأرض مظلم لم اقل لنسل يعقوب باطلا اطلبوني أنا الرب متكلم بالصدق مخبر بالاستقامة.

لم أتكلم بالخفاء = هنا نرى صفة جديدة لخلاص المسيح أنه خلاص علني فهو عَلَم علانية وصُلِب علانية وأرسل رسله ليكرزوا للعالم علانية. وكانت عادة الكهنة الوثنيين أن يتكلموا في الظلمة وبألفاظ مبهمة، أما أعمال المسيح فكانت علانية. لم أقل باطلاً اطلبوني = فالله يسمع الصلاة ويستجيب.

 

آية (20) اجتمعوا و هلموا تقدموا معا آيةا الناجون من الأمم لا يعلم الحاملون خشب صنمهم و المصلون إلى اله لا يخلص.

اجتمعوا = آية الناجين من بابل بعد أن تعلمتم أن الأصنام لا قيمة لها ولا تخلص تابعيها الذين يحملونها ولا تحملهم. لا يعلم = أي أن الجهال هم الذين يحملون خشب أصنامهم.

 

آية (21) اخبروا قدموا و ليتشاوروا معا من اعلم بهذه منذ القديم اخبر بها منذ زمان أليس أنا الرب و لا اله آخر غيري اله بار و مخلص ليس سواي.

اخبروا قدموا = ذكر الرب مراراً في هذه النبوة أن الإعلان عن المستقبل هو دليل الإلوهية. وهنا هو يعلمهم بكورش وعمله. اله بار ومخلص = بار لأنه ينفذ مواعيده بالخلاص.

 

آية (23،22) التفتوا الي و اخلصوا يا جميع اقاصي الارض لاني انا الله و ليس اخر. بذاتي أقسمت خرج من فمي الصدق كلمة لا ترجع انه لي تجثو كل ركبة يحلف كل لسان.

القسم هنا يدل على أن الكلام الذي يأتي بعده مهم وهو تجثو لي كل ركبة فمن كان يصدق وقتها أن الأرض كلها تجثو للرب أي تؤمن به. نرى هنا قبول الأمم وقارن مع (في 2 : 10) فللمسيح تجثو كل ركبة وهذا لأن المسيح هو الله.

 

آيات (24 – 25) قال لي إنما بالرب البر و القوة إليه يأتي و يخزى جميع المغتاظين عليه. بالرب يتبرر و يفتخر كل نسل إسرائيل

قال لي = قال الرب للنبي. بالرب البر والقوة = هذا من جهة الرب أنه صادق في كل مواعيده وقادر أن يتممها. جميع المغتاظين = هؤلاء يخزون ويسلمون للمسيح لأنهم ليسوا قادرين على مقاومته. أما بنو إسرائيل أي الكنيسة فيفتخرون بالرب.

 

زر الذهاب إلى الأعلى