تفسير سفر زكريا ١٤ للقمص أنطونيوس فكري

الإصحاح الرابع عشر

نرى في هذا الإصحاح خراب الأمة اليهودية وأورشليم في أيام النهاية وما يصاحب ذلك من تدخل الله ليساند الذين آمنوا به من شعب اليهود أي البقية، وما يصاحب هذا من ظواهر عجيبة. ثم كلمة ختامية عن بركات الكنيسة، وحرمان غير المؤمنين من هذه البركات،

آيات 1-5

آية (1): هوذا يوم للرب يأتي فيقسم سلبك في وسطك.”

هوذا يوم= لا يعني هذا يوم محدد بأربعة وعشرين ساعة، ولكن يفهم هذا بأن الأحداث الآتية ستتحقق حتى وأن طال الإنتظار، ولكن هناك وقت محدد لهذه الأحداث في علم الله. وفي هذا اليوم يكون سقوط رهيب لأورشليم فيقسم سلبك في وسطك= دلالة نهايتها التامة، فعادة يقتسم الجنود ما سلبوه خارج المدن حتى لا يهاجمهم أهل المدينة، ومعنى في وسطك أن الشعب في المدينة إما قتل أو في حالة لا تخيف أحد، وهذا ما ذكره في الإصحاح السابق من أن الثلثين يقطعان ويموتان، والثلث يبقى فيها لكن يدخل إلى النار. وقد أنتهت أمة اليهود كهنوتياً يوم الصليب يوم إنشق حجاب الهيكل وأنتهت كدولة سنة 70م على يد تيطس، لكن يبدو أن قصة خراب أورشليم ستتكرر.

 

آية (2): “واجمع كل الأمم على أورشليم للمحاربة فتؤخذ المدينة وتنهب البيوت وتفضح النساء ويخرج نصف المدينة إلى السبي وبقية الشعب لا تقطع من المدينة.”

في الأيام الأخيرة سيتكرر مشهد سقوط أورشليم، وكأن سقوطها بيد تيطس كان رمزاً لما سيحدث في الأيام الأخيرة، حين يجتمع أمم كثيرة ضد أورشليم (حز38،39). وبقية الشعب لا تقطع من المدينة= بالنسبة لأيام تيطس فقد هرب المسيحيين بمعجزة من حصار أورشليم حينما إنسحب الجيش الروماني لعدة ساعات، وتذكر المسيحيين الآيات (مت15:24،16) فهربوا. وبعد عدة ساعات عاد الجيش الروماني لحصار أورشليم حتى سقوطها المروع الذي قتلوا فيه ما يقرب من المليون يهودي بعد مجاعة رهيبة. وبالنسبة للأيام الأخيرة قد تعني الآية أن المؤمنين من اليهود (البقية) الذين سيؤمنون بالمسيح سينقذهم الله بطريقة خاصة. وروحياً فمن يؤمن بالمسيح يحيا وتكون له حياة أبدية ولا يقطع أما من يستمر في عناده يسقط في سبي إبليس.

 

آية (3):” فيخرج الرب ويحارب تلك الأمم كما في يوم حربه يوم القتال.”

هذه الصورة متطابقة مع التفصيل الموجود في (حز38،39) وهي أن هناك ممالك كثيرة ستقوم بغزو أورشليم التي سيمتلكها اليهود في عدم إيمان بالمسيح، وسوف ينجح الغزو في بدايته فتؤخذ المدينة وتفضح النساء ثم يتدخل الله ويحارب تلك الأمم حينما يؤمن أغلبية اليهود بالمسيح الذي طعنوه. وسيعرف اليهود المسيح كما عرف إخوة يوسف أخوهم الذي باعوه..” أنا يسوع الذي بعتموه لبيلاطس وقد يكشف المسيح نفسه لهم فيؤمن الكثيرين كما أمن بولس بالمسيح حين ظهر له. والله قد حفظ اليهود هذه السنين كلها لأن له بقية ستؤمن به في هذه الأيام الأخيرة، ومن أجل وعوده لأبائهم.

 

آيات (4،5): “وتقف قدماه في ذلك اليوم على جبل الزيتون الذي قدام أورشليم من الشرق فينشق جبل الزيتون من وسطه نحو الشرق ونحو الغرب وادياً عظيماً جداً وينتقل نصف الجبل نحو الشمال ونصفه نحو الجنوب. وتهربون في جواء جبالي لأن جواء الجبال يصل إلى آصل وتهربون كما هربتم من الزلزلة في أيام عزّيا ملك يهوذا ويأتي الرب الهي وجميع القديسين معك.”


في تدخل الله الإعجازي لينقذ المؤمنين، قد تتحقق هذه الآيات حرفياً، وينشق جبل الزيتون، فمن نقل جبل المقطم يوماً قادر أن يشق جبل الزيتون. ومن شق البحر الأحمر لينجي شعبه، قد يصنع ذلك فعلاً لينجي شعبه، وليظهر لهم قوته ليؤمنوا به. وحين ينشق الجبل يهربون إلى جواء جبالي= أي وادي الجبال ويصلوا إلى آصل= أي مكان منعزل.

 وتهربون من الزلزلة= وربما تكون هذه الزلزلة هي التي أدت لشق جبل الزيتون، وبهذا يسهل الله لهم طريقاً للهرب من أعدائهم بينما أن هذه الزلزلة نفسها تكون دماراً على أعدائهم” (في بعض الزلازل تنشق الأرض وتبتلع مدناً بكاملها).

وهناك تأمل روحي في هذه الآيات: فجبل الزيتون هو الجبل الذي صعد منه الرب يسوع إلى السماء، وبعد المسيح زال السياج الذي كان يفصل بين اليهود وبين الأمم فأورشليم كانت محاطة بجبال، ومنها جبل الزيتون، كأن اليهود كانوا معزولين عن العالم، ولكن بعد صعود المسيح إنشق هذا الحاجز (اف14:2) المزمور له بشق جبل الزيتون. وأصبح هناك وادٍ أي طريق متسع يسمح للجميع بدخول أورشليم أي الكنيسة. والمؤمنين غرسوا كأشجار زيتون فهم مملوئين من الروح القدس (الزيت رمز للروح القدس). وهؤلاء المؤمنين كالعذارى الحكيمات أو كالعذارى الجاهلات. فالحكيمات آنيتهن مملوءة زيتاً منتظرين العريس القادم من الشرق، والجاهلات آنيتهن فارغة، وليس لديهم هذا الاشتياق فهم في الغرب، وهذا معنى أن الجبل إنشق ناحية الشرق والغرب أي المنتظرين المسيح بفرح والرافضين للمسيح. ونصف المؤمنين المنتظرين المسيح يكونون في حرارة روحية (يعبر عنها وجودهم في الجنوب الحار) والنصف الآخر في برودة روحية (يعبر عنها وجودهم في الشمال البارد). والمؤمنين الحقيقيين يهربون من شر هذا العالم إلى جواء جبالي (إلى وادي الجبال) أي كنيسة العهد الجديد كنيسة السماويات، وهذه الكنيسة تصل إلى آصل أي مكان منعزل فهم إذاً يحيون كغرباء في هذا العالم، فالمسيح دعا المؤمنين وأفرزهم لنفسه. وهؤلاء المؤمنين يهربون من الزلزلة أي من غضب الله على العالم. فالزلزلة التي حدثت أيام عزيا، كانت رهيبة، ولذلك ذكرها عاموس النبي (عا1:1) ولدرجة أن زكريا يذكرها بعدما حدثت بمئات السنين. وقد تكون هذه الزلزلة قد حدثت بسبب خطية عزيا وتعديه على الكهنوت. وأيضاً فقد أصاب البرص عزيا بسبب فعلته.

ويأتي الرب إلهي وجميع القديسين معك= إيمان اليهود في الأيام الأخيرة علامة النهاية ومجيء المسيح الثاني الذي فيه يأتي مع ملائكته وقديسيه. ولنلاحظ أن بين المؤمنين الحقيقيين المملوئين زيتاً، والآخرين الفارغين هوة عظيمة يمثلها الوادي العظيم بين نصفي الجبل. فالمؤمنين الحقيقيين ينتظرون مجيء الرب يسوع قائلين آمين تعال أيها الرب يسوع، أما غيرهم فيهربون من مجرد ذكر هذا اليوم لرعبهم منه. وكون أن إيمان البقية من اليهود علامة على نهاية الأيام والمجيء الثاني للرب يسوع على السحاب نجدها في (رو15:11).

 

الآيات (6-11):

“ويكون في ذلك اليوم أنه لا يكون نور.الدراريّ تنقبض. ويكون يوم واحد معروف للرب.لا نهار ولا ليل بل يحدث أنه في وقت المساء يكون نور. ويكون في ذلك اليوم أن مياها حيّة تخرج من أورشليم نصفها إلى البحر الشرقي ونصفها إلى البحر الغربي.في الصيف وفي الخريف تكون. ويكون الرب ملكاً على كل الأرض.في ذلك اليوم يكون الرب وحده وأسمه وحده. وتتحول الأرض كلها كالعربة من جبع إلى رمّون جنوب أورشليم.وترتفع وتعمر في مكانها من باب بنيامين إلى مكان الباب الأول إلى باب الزوايا ومن برج حننئيل إلى معاصر الملك. فيسكنون فيها ولا يكون بعد لعن فتعمر أورشليم بالأمن.”

هذه آيات كلها وعود بالبركة وإنتشار ملكوت الله، وكل هذا بدأ بيوم الصليب، ولكن كل ما حصلنا عليه حتى الآن، ما هو إلا عربون لما سوف نحيا فيه في الأبدية. وطالما كان الكلام السابق على المجيء الثاني، نفهم أن ما يتحدث عنه هنا هو أمجاد السماء، وما سيحدث بعد المجيء الثاني، حين يخضع الجميع للآب بعد أنتهاء صورة هذا العالم (1كو28:15).

لا يكون نور. الدراري تنقبض.. لا نهار ولا ليل.. وقت المساء يكون نور وهذا حدث يوم الصليب حيث صارت ظلمة على الأرض، وإنطفأت أنوار الدراري (أي النيرات وهي الشمس والقمر). فلم يكن هناك نهار لأن ظلمة كالليل جاءت، ولم يكن ليل فهو وقت نهار. وبالصليب إنتهى العهد القديم المشار له بالمساء، فظلمة العهد القديم إنقشعت بالصليب فكان نور العهد الجديد. وعموماً فالكنيسة تقابل إضطهادات كثيرة عبر الزمن، ولكن وسط ليل هذه الآلام هناك دائماً نور وتعزية ورجاء يغلب الضيقات، وهذه بعض بركات الصليب التي نحصل عليها في حياتنا على الأرض، لكن كل ما نحصل عليه ما هو إلا عربون لما سنحصل عليه في الأبدية. إذ يشرق نور الأبدية وقت مساء آلام هذا العالم، وفي نهاية حياتنا بالموت يكون هناك نور الحياة الأبدية. وفي الأبدية لا يكون شمس ولا قمر فالسماء والأرض تزولان (مت18:5 + رؤ1:21. وفي الأبدية لن نحتاج لنور الشمس، فالمسيح سيكون النور الذي نستنير به، ولن يكون ليل (رؤ5:21). وفي نهاية أيام هذا العالم الدراري تنقبض= أي أجرام السماء تنقبض diminish يبدأ نورها يقل ويتلاشى (وعملياً فمن المعروف أن الأرض كانت منيرة كالشمس ثم برد سطحها وتحولت لجسم معتم، وهذا ما سيحدث للشمس بعد وقت أيضاً). وإذا إنطفأت الشمس سينطفئ أيضاً القمر. ولكن وسط هذا الليل سيكون المؤمنين متمتعين بنور المسيح. وقد تعني الآية حدوث ظواهر طبيعية في الأيام الأخيرة مثل إختفاء النور فعلاً صباحاً وظهور نور سماوي وسط هذا الظلام. يوم واحد معروف للرب= يوم النهاية لا يعرفه أحد سوى الله.

وفي (8) المياه الحية تخرج من أورشليم= المياه الحية إشارة للروح القدس (يو37:7-39). والكنيسة لها سلطان أن تعطي الروح القدس بوضع يد الأساقفة أو في سر الميرون، فأورشليم هي كنيسة العهد الجديد (أع1:19-6). البحر الشرقي هو البحر الميت، والبحر الغربي هو البحر المتوسط. وهذه حدود أرض فلسطين.وفلسطين هنا إشارة لكل العالم، والعالم مشبه في الكتاب المقدس بالبحر لأن الذي يشرب منه يموت (أي يحيا ويجري وراء لذات العالم). والروح القدس فاض على العالم ليزيل ملوحة البحر فيعطي حياة للعالم (حز1:47-12). والحياة التي يعطيها الروح القدس للمؤمنين، هي حياة أبدية، وما نأخذه الآن ما هو إلا مجرد عربون لما سنحصل عليه في السماء. أما بالنسبة للحياة الأبدية فهناك صورة يرسمها يوحنا الرائي لنهر صافي من ماء حياة ليعطي حياة للمؤمنين (رؤ1:22). في الصيف والخريف= وفي الإنجليزية “في الصيف والشتاء” ففي الشتاء يجمد الماء، وفي الصيف تجف مجاري المياه، ولكن في الكنيسة فالروح القدس يفيض دائماً بلا عائق (رؤ16:7،17). وفي (9) في الأبدية سيملك الله تماماً على الأرض حين تكتمل الأيام وتنتهي هيئة هذا العالم (1كو28:15 + عب5:2-9). وفي (10) تتحول الأرض كلها كالعربة= العربة تعنى سهل مبنسط. وهذا ما سبق إشعيا وتنبأ عنه ” قَوّمُوا في القفر سبيلاً لإلهنا، كل وطاء يرتفع وكل جبل وأكمة ينخفض ويصير المعوج مستقيماً والعراقيب سهلاً فيعلن مجد الرب ويراه كل بشر (أش3:40-5). فالمرتفعات تشير لخطايا الكبرياء والمنخفضات تشير لخطايا النجاسة أو صغر النفس، والله سيزيل كل العقبات حتى يعطي فرصة للماء الخارج من أورشليم أن يفيض على الأرض كلها (آية 8) وترتفع وتعمر= أي أورشليم التي ستصير سماوية وأولادها مثمرين وتفيض الروح القدس على كل العالم، وهذه الصورة ستكتمل في أورشليم السماوية، في الحياة الأبدية إذ ستزال كل العقبات، فنحن سنكون بلا خطية تماماً في السماء جبع= شمال أورشليم ورمون= جنوب أورشليم. باب بنيامين= شرق أورشليم وباب الزوايا= غرب أورشليم= هذا يعني كل المدينة من الشمال للجنوب ومن الشرق للغرب، أي الله يريد أن يعطي حياة، ويفيض من روحه القدوس على كل العالم، ويصل الماء الحي للجميع بلا موانع. وباب بنيامين= يشير لأن كل من يؤمن بالمسيح ويرتوي من الماء الحي يكون من أبناء اليمين أي وارث مع المسيح الجالس عن يمين الآب. وباب الزوايا= يشير لأن كل من يؤمن بالمسيح ويرتوي من المياه الحية يكون عضواً في جسد المسيح، الذي فيه المسيح هو حجر الزاوية وكل من المؤمنين هو حجارة حية في هذا البيت (1بط4:2-6). وحجر الزاوية رفضه البناؤون، فنحن حتى وأن رفضنا العالم سنكون مقبولين في المسيح. ومن برج حننئيل إلى معاصر الملك=هذه حدود مراحم الله التي ستشملننا من برج حننئيل أي الله يتحنن (وبرج= فاسم الله برج حصين يركض إليه الصديق ويتمنع أي أن المؤمنين متحصنين في رحمة وحنان الله). ومعاصر الملك= هي إشارة للخمر الروحي أي الأفراح الأبدية المعدة لنا في السماء. فتعمر أورشليم بالأمن.. ولا يكون بعد لعن= في السماء ستنتهي الأرض القديمة التي نعيش عليها الآن، والتي سبق الله ولعنها بقوله “ملعونة الأرض بسببك” وننعم هناك بالأمن في أورشليم السماوية. وهذه الصورة الحلوة في السماء نأخذ عربونها ونتذوقها الآن جزئياً، فالكنيسة تنعم بمراحم الله وبفيض الروح القدس، والله جعل الطريق مستوياً أمام الكنيسة من جبع إلى رمون= وكلمة جبع تعني شهادة ورمون تعنى مكان مرتفع عالٍ، فمن يشهد للرب ويرتفع عن الأرضيات يتمتع ببركات الكنيسة.

 

الآيات (12-15):

“وهذه تكون الضربة التي يضرب بها الرب كل الشعوب الذين تجندوا على أورشليم.لحمهم يذوب وهم واقفون على أقدامهم وعيونهم تذوب في أوقابها ولسانهم يذوب في فمهم. ويكون في ذلك اليوم أن اضطراباً عظيماً من الرب يحدث فيهم فيمسك الرجل بيد قريبه وتعلو يده على يد قريبه. ويهوذا أيضاً تحارب أورشليم وتجمع ثروة كل الأمم من حولها ذهب وفضة وملابس كثيرة جداً. وكذا تكون ضربة الخيل والبغال والجمال والحمير وكل البهائم التي تكون في هذه المحالّ.كهذه الضربة.”

 بعد أن ينتهي الزمان الحاضر، هناك مكانين [1] السماء بأمجادها للأبرار من أبناء الله [2] العذاب الأبدي في جهنم للأشرار الذين رفضوا المسيح كمخلص. والآيات السابقة (6-11) رأينا فيها بركات وأمجاد الأبرار في السماء. وفي هذه الآيات (12-15) نرى فيها العكس أي دينونة الأشرار الذين طالما إضطهدوا الكنيسة (وهذا نراه في قول السيد المسيح يو28:5،29). وعلى رأس الأشرار طبعاً إبليس وجنوده (رؤ10:20). هنا نرى الأهوال التي ستقع على أعداء الكنيسة= الذين تجندوا على أورشليم. لحمهم يذوب.. عيونهم تذوب.. لسانهم يذوب= أجسادهم التي استخدموها في الشر وفي اضطهاد الكنيسة وعيونهم التي نظرت للكنيسة تدبر لها السوء، ولسانهم الذي نطق بتجاديف ضد المسيح. وما ذكر قد يكون أمراض فتاكة (فملاك واحد ضرب من أشور 185.000). وقد تكون هذه ضربة ضد أعداء أورشليم في الأيام الأخيرة مصاحبة للزلزلة. وهم واقفون= أي الضربات ستصيبهم وهم أحياء وقد تفسر على أن هذه الآيات هي صورة للعذاب في البحيرة المتقدة بالنار ويكون الأسلوب المستخدم هو أسلوب بشري على قدر ما نفهم. وهم واقفون أي أن عذاب الأبدية هو عذاب أبدي بلا نهاية. وفي (13) صورة لاضطراب الأمم ورعبهم وبلبلتهم= فيمسك الرجل بيد قريبه= من الخوف. ولكن ستكون هناك شقاقات وحروب بينهم = تعلو يده على يد قريبه= سيقومون بعضهم على بعض. وهذه صورة عجيبة، فبينما هم متماسكون إذ بهم يضربون بعضهم وهذا نوع من التخبط (قض22:7 + 2أي23:20). وفي (14) ويهوذا أيضاً تحارب أورشليم= هذه ترجمة في الإنجليزية Judah also will fight at Jerusalem فيهوذا هي الكنيسة عموماً، وغالباً أورشليم هي البقية المؤمنة في أورشليم فالكنيسة ستحارب (طبعاً بصلواتها ودموعها وأصوامها) مع أورشليم، حتى يسند الله البقية المتألمة من اضطهاد ضد المسيح لهم. وفي تأمل آخر فإن المسيح الخارج من سبط يهوذا يحارب عنا الحروب الروحية (فنحن أورشليم) عموماً هذه الحروب هي حروب الكنيسة التي يقودها مسيحها عبر الزمان (رؤ2:6) الكنيسة هي الفرس الأبيض، والذي يخضع للمسيح يقوده المسيح للخلاص. ولنعلم أننا في حروب روحية العمر كله (اف12:6) فإما نخضع للمسيح ليقودنا في هذه المعركة فنغلب ونصير آنية ذهب وفضة (2تي20:2،21) وبهذا تجمع الكنيسة كل هؤلاء المؤمنين كثروة لها من الأمم= تجمع ثروة كل الأمم فالمسيح يقود كنيسته في معركة ليغتصب الطاقات التي كانت تستخدم من قبل للشر كغنيمة للمسيح. والمسيح يحارب في كنيسته ليجمع إليها ثروة الأمم أي كل البشر، فثروة الأمم التي تفرح المسيح هم البشر المؤمنون (أش11:53-13). فالله يريد أن الجميع يخلصون، هو يحارب وكنيسته تحارب ليجمع كل إنسان إلى داخل أورشليم (الكنيسة). المسيح ملك حقيقي يحارب في كل نفس ومع كل نفس ومع الكنيسة ليهبها النصرة والغنى فتزين له كملكة سماوية. وفي (15) نرى العكس، نرى صورة من يرفض المسيح سالكاً وراء شهواته وهذا يصير كالبهائم فالخيل= تشير لاشتهاء الإنسان امرأة صاحبه (أر8:5) والبغال= تشير للعقم الروحي. والحمير= تشير لعدم الفهم يحملون أحمالاً ورؤوسهم منحنية للأرض، لا ينظرون للسماء. والجمال= تشير للدنس بحسب الناموس فهي ليست مشقوقة الظلف. يمكن أن تفهم الآية على أن الله سيضرب جيوش الأعداء المحيطين بأورشليم مع حيواناتهم، ولكن الأهم أن نفهم المعنى الروحي، أن من سلك وراء إبليس منخدعاً من شهوته (يع14:1) تاركاً عمل نعمة الله التي تغير طبيعته فيصير خليقة جديدة في المسيح (2كو17:5)، مثل هذا يُشبَّه بالحيوانات السالكة وراء شهوتها، هذا سيكون نصيبه البحيرة المتقدة بالنار مثل إبليس أبيه= كذا تكون ضربة الخيل.. كهذه الضربة هذه تسمى قيامة الدينونة (يو29:5 + رؤ10:20-15 + 1يو7:3-10)

في (12) أوقابها= الوقب هو تجويف العين. وفي (14). وملابس كثيرة جداً كانت الملابس تعتبر في ذلك الزمان غنيمة حرب وثروة، وكما فهمنا فالثروة الحقيقية هي المؤمنون. ولنرى صورة للمؤمن بالمسيح، فهو قد صار سماوياً= ذهب. ولقد تقدس بكلمة الله= الفضة، وخلع خطاياه أي ملابسه القديمة ليلبس المسيح.

 

الآيات (16-21):

“ويكون أن كل الباقي من جميع الأمم الذين جاءوا على أورشليم يصعدون من سنة إلى سنة ليسجدوا للملك رب الجنود وليعيّدوا عيد المظال. ويكون أن كل من لا يصعد من قبائل الأرض إلى أورشليم ليسجد للملك رب الجنود لا يكون عليهم مطر. وإن لا تصعد ولا تأت قبيلة مصر ولا مطر عليها تكن عليها الضربة التي يضرب بها الرب الأمم الذين لا يصعدون ليعيّدوا عيد المظال. هذا يكون قصاص مصر وقصاص كل الأمم الذين لا يصعدون ليعيدوا عيد المظال. في ذلك اليوم يكون على أجراس الخيل قدس للرب والقدور في بيت الرب تكون كالمناضح أمام المذبح. وكل قدر في أورشليم وفي يهوذا تكون قدساً لرب الجنود وكل الذابحين يأتون ويأخذون منها ويطبخون فيها.وفي ذلك اليوم لا يكون بعد كنعاني في بيت رب الجنود.”

وبعد أن رأينا في الصور السابقة البركات السماوية لمن يؤمن، والهلاك الأبدي لمن يقاوم المسيح. يعرض الله هنا صورة لما يجب أن تكون عليه الكنيسة (16). وفي (17) نرى صورة لمن يتمرد من الأمم رافضاً الإيمان فهذا سيحرم من بركات الروح القدس. وفي (18،19). نرى أن المتمرد يخسر كل البركات حتى البركات الزمنية. وفي (20،21).نفهم أن كل من في الكنيسة من مؤمنين بطاقاتهم وما يملكون هم مكرسون للرب.وفي (16) عيد المظال= كانوا يحتفلون به ثمانية أيام، 7أيام يعيشون في خيام ليتذكروا غربتهم وتوهانهم في البرية، وفي اليوم الثامن أفراح عظيمة، وكان هذا العيد مرتبط بالحصاد، فهم يفرحون ويسبحون الله على الحصاد الكثير الذي أعطاه لهم. ويذكرون فضل الله عليهم في غربتهم، وكيف أتى بهم إلى أرض مملوءة حصاداً. والمظال تشير لغربتهم وتنقلهم في البرية مع موسى النبي. وطبعاً فالله لا يريد من المسيحيين أن يحتفلوا بعيد المظال، بل الله يستخدم ألفاظ يهودية للتعبير عن مفاهيم كنسية. فالحصاد هم المؤمنين سواء من الأمم أو اليهود (لو2:10) وكما كان اليهود يذكرون فضل الله عليهم في غربتهم، فالمؤمنين لابد أن يذكروا بروح الشكر فضل الله عليهم في إيمانهم وخلاص نفوسهم، وكما كان اليهودي يعيش 7ايام في مظال (غربة)، فالمسيحي عليه أن يعيش بروح الغربة طالما هو في هذا الجسد، فالجسد الحالي يرمز له بمظلة أو خيمة (2كو1:5)، وذلك كل أيام العمر (7أيام تشير لكل أيام العمر)، وكما كان اليهودي يظل طوال السبعة الأيام بينما هو في المظلة يتطلع لليوم الثامن يوم الفرح العظيم، علينا أن نحيا متطلعين باشتياق لليوم الثامن أي يوم الأبدية ولسان حالنا يقول “أمين تعال أيها الرب يسوع” وعلى كل مسيحي أن يفهم أن مظلته أي جسده قد تقدس للرب فيأتي ويسجد للملك رب الجنود طوال أيام عمره، أي عابداً الرب ساجداً بالروح والحق (2كو1:5-4 + 2بط14:1 + يو23:4). جاءوا على أورشليم= آمنوا بالمسيح ودخلوا الكنيسة. وإذا كانت الآية تشير لأفراح الأبدية، فالمقصود أن كل مؤمن عاش بروح عيد المظال، سيكون له فرح في الأبدية، وسيتشبه بالسمائيين إذ يسجد ويتعبد إلى الأبد للرب الأله (رؤ9:4-11) (لاحظ سجود السمائيين) وفي (17) من لا يعيش بهذه الروح ولا يسجد ولا يتعبد للمسيح فهو يحرم نفسه من بركات الروح القدس= المطر. فالروح القدس يأتي من السماء كما يأتي المطر من السماء فيعطي ثمار للأرض (الجسد). ومن لا يؤمن بالمسيح فلا أفراح روحية هنا إذ هو بلا ثمار (ومن ثمار الروح الفرح). وبلا أفراح أبدية.

 

آيات (18،19): مصر تمثل الإنسان الذي له مصادر دخل ثابت (يمثلها نهر النيل) ولا يتكل على مصادر دخل متنوع كالمطر(تث8:11-12). وكما أن الله قادر أن يمنع المطر فهو قادر أيضاً أن يوقف هذه الخيرات المستمرة كأن يجفف نيل مصر (أش5:19). هنا مصر بنيلها وأرضها الخصبة تمثل الإنسان الذي أعطاه الله بركات وخيرات زمنية فتمرد على الله وجرى في كبريائه (مصر تمثل خطية الكبرياء) تاركاً الله، ساعياً وراء شهواته، مثل هذا الإنسان، الله قادر أن يحرمه من هذه الخيرات الزمنية. فالطريقة الوحيدة للحصول على بركات الله ونعمه أن نحيا بروح الغربة كل الأيام وبتواضع. ففي (17) رينا من يتمرد على الله يُحرَم من الخيرات الروحية أي الروح القدس وفي (18،19) نرى المتمرد المتكبر رافض الإيمان والسجود يُحرَم أيضاً من البركات الزمنية. وقطعاً فمثل هذا يُحرَم من الحياة الأبدية.

الآيات 20،21: كان محظوراً على اليهود أن يقتنوا خيلاً. إذ يقرر الكتاب بحزن عميق أن سليمان جلب خيلاً من مصر وإتخذها كعلامة لسقطته (1مل28:10 + 2أي16:1،17 + تث16:17 + مز10:147) فكانت الخيل تعبر عن اعتماد الملوك على قوتهم بكبرياء، والله كان يريد أن شعبه يعتمد عليه فهو سور من نار لهم (زك5:2) “هؤلاء بالخيل وأما نحن باسم الرب نغلب” (مز7:20). أما في الكنيسة فكل ما لنا وكل طاقاتنا وقوتنا هي مكرسة للرب، هي قدس للرب وتعمل لحساب الرب، كما كان رئيس الكهنة مكرس للرب ويوجد على رأسه صفيحة منقوش عليها “قدس للرب” هكذا يكون على أجراس الخيل قدس للرب= أي كل قوة لدينا هي مكرسة للرب. القدور هي نحن المؤمنين أي الآنية (2تي20:2 + 2كو7:4). فالمؤمن مكرس وطاقاته مكرسة للرب. أجراس الخيل= هي أدوات إنذار، فنحن نور للعالم بحياتنا المملوءة تقوي نعلن رسالة الإنجيل، كإنذار (أجراس) لكل رافض للإيمان. ويحيا المؤمنين كمناضح فالمنضح يملأ من دم الذبيحة ليسكب على المذبح. ونحن نحيا بدم المسيح الذي ذبح ليعطينا دمه عهداً جديداً وسر حياة “لي الحياة هي المسيح” (في21:1) لأن دمي مشرب حق.. من يشرب دمي يثبت فيّ وأنا فيه.. من يأكلني فهو يحيا بي (يو55:6-57). والدم هو الحياة (تك4:9). فالمسيح أعطانا حياته نحيا بها ونخلص بها (غل20:2 + رو10:5).ومن صار المسيح حياته يتشبه بالمسيح، ويكون مستعداً أن يسكب حياته لأجل المسيح، ويقدم نفسه ذبيحة حية أولاً، ويكون مستعداً أن يسكب دمه فعلاً لأجل ذاك الذي مات عنه (رو1:12 + رو36:8 + 2تي6:4). وهذا هو معنى القدور في بيت الرب (المؤمنين في الكنيسة) تكون كالمناضح (مملوءة دماً هو حياة المسيح) أمام المذبح (مستعدة لأن تنسكب في أي وقت وتمات من أجل المسيح. المذبح هنا هو صليب الاستشهاد والألم الذي يجب على كل مؤمن أن يحمله) ويشارك المسيح صليبه، فيصير له تلميذاً.

كل قدر في أورشليم= كل مؤمن في الكنيسة= تكون قدساً للرب أي مكرس للرب، ومقدس. وكل الذابحين= هؤلاء هم كهنة العهد الجديد الذين يقدمون ذبيحة الافخارستيا التي تقدس شعب الكنيسة، يأخذون منها= هذه تقدمات المؤمنين للكنيسة، والكهنة في القداسات يصلون فتتحول القرابين إلى جسد ودم المسيح الذي يقدس، والذي يعطي لغفران الخطايا (مت28:26). ولأن الصلوات في القداسات تكون لتحويل الخبز والخمر لجسد المسيح ودمه. وجسد المسيح ودمه أعطيا لنا ليكونا لنا مأكلاً ومشرباً فتكون لنا حياة. قيل هنا أن الذابحين (الكهنة) يطبخون. فيها= أي يأخذ المؤمنين هذا الجسد وهذا الدم ويأكلونه ليصير فيهم حياة. ونصير بالتناول آنية مقدسة= قدور تحمل جسد المسيح ودمه. ومن يتغذى على جسد المسيح ودمه تغفر خطاياه ولا يصير ملعوناً بعد = لا يكون بعد كنعاني في بيت رب الجنود= فالكنعانيون ملعونون (تك25:9) ولكن داخل الكنيسة لا توجد لعنة، وهذه الصورة ستكمل تماماً في السماء، التي لا يدخلها رجسين (رؤ27:21).

— 

[1] لاحظ قبول اليهود للنبي الكذاب في آخر الأيام وهلاك هذا الكذاب (رو10:20، رؤ20:19)

فاصل

فاصل

تفسير زكريا 13 تفسير سفر زكريا
القمص أنطونيوس فكري
فهرس
تفسير العهد القديم

 

 

زر الذهاب إلى الأعلى