تفسير رسالة رومية أصحاح 8 للقمص أنطونيوس فكري

تفسير رومية – الأصحاح الثامن

رو8: 1-17

آية (1): “إذًا لا شيء من الدينونة الآن على الذين هم في المسيح يسوع السالكين ليس حسب الجسد بل حسب الروح.”

إذًا= الحالة الجديدة في المسيح بعد المعمودية. رأينا في ص7 صراع مرير بين الروح والجسد. ورأينا في (1:5) السلوك بالروح يهب سلامًا، وفي (8: 6) اهتمام الجسد هو موت ولكن اهتمام الروح حياة وسلام. وهنا نرى أن بولس الرسول يستعلن قوة الروح القدس العامل في الإنسان لفكه من رباطات الخطية وإعطائه النصرة فيختبر هذا السلام. لاَ شَيْءَ مِنَ الدَّيْنُونَةِ الآنَ = ومما سبق وقلناه من أننا قد مُتنا للناموس (4:7)، إذًا تمت الدينونة، ونستنتج أنه لم يعد هناك أي نوع من الدينونة على الذين قد إتحدوا مع المسيح وهم ثابتين فيه= الَّذِينَ هُمْ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ = لماذا لا دينونة ولمن ؟ لمن هو ثابت في المسيح، *فهذا قد مات في المسيح ودفن فتم حكم الناموس فيه، *وقام بحياة أبدية في المسيح فلا سلطان للناموس أن يحكم عليه بالموت ثانية، فالحياة الأبدية لا تموت ثانية، *والآب لا يراه في خطيته بل يرى دم ابنه المسيح وقد غطى هذا الإنسان وهذه هي الشفاعة الكفارية للمسيح. لذلك يطلب الرب منا ويقول “اثبتوا فيَّ”.

السَّالِكِينَ لَيْسَ حَسَبَ الْجَسَدِ = هؤلاء هم الذين لا يسيروا وراء شهوات الجسد خاضعين للإنسان العتيق بلا تفكير في التوبة. فبر المسيح لا يعمل في المتهاونين الذين باستسلامهم مرة أخرى للشهوات الجسدية الخاطئة يوقظون الإنسان العتيق.

فبالرغم من أني أنا جسديٌ ومبيع تحت الخطية، أي أن ناموس الخطية مازال يعمل فيَّ، ومعنى هذا أنني معرض للسقوط، إلاّ أن ناموس الحرية أيضًا يعمل فيَّ ويعطي معونة وهو قوة مضادة لناموس الخطية. ومع جهاد المؤمن يضمحل ناموس الخطية فيزداد الفرح والسلام. وبهذا يشتاق المؤمن للفرح الكامل في السماء وهناك يختفي ناموس الخطية بالكامل، ويموت الإنسان العتيق بالكامل ونحصل على التبني الكامل، وهذا ما أسماه الرسول “متوقعين التبني فداء الأجساد” (رو23:8) وهذا لن يكون إلاّ في السماء. ولكن طالما نحن مازلنا في الجسد على الأرض فنحن معرضين للسقوط. ولكن السالك في النور يقوم من خطيته تائبًا بسرعة. فالمستعد للتوبة باستمرار هو سالك بالروح لأنه يستجيب للروح الذي يبكت على خطية (يو8:16) وهو يستجيب لإقناع الروح الذي يقود للتوبة “توبني فأتوب، لأنك أنت الرب إلهي” (إر18:31) .

بَلْ حَسَبَ الرُّوحِ = أي الذين يلتزمون بوصايا الروح القدس ومطالبه، وحين يبكتهم على خطية يقدمون توبة سريعة. فالمسيح علمنا أن نصلي وإغفر لنا ذنونبا. إذًا لا بُد من وجود خطايا وذنوب حتى للقديسين. وحين يحركهم الروح للصلاة والتسبيح لا يتكاسلوا. وهذا السالك بالروح من سماته النمو في الروح، فتزداد وتنمو داخله قوة النعمة فيسهل عليه ترك الخطايا الجسيمة. ومع استمرار النمو يسهل عليه ترك الخطايا الأقل وهكذا. هو ربما يسقط في خطايا بسيطة لكنه سريعًا ما يتوب عنها. ويكون واضحًا إنقياده للروح القدس، محبًا للصلاة والكتاب المقدس والتسابيح. ولنعلم أن نعمة المسيح تحرر جميع القديسين يومًا فيوم لمن يخضع ويسلم حياته للروح القدس. ولكن علينا أن نتمم خلاصنا بخوف ورعدة، نضع دائمًا خطايانا أمامنا فنتواضع. نحن لا نخاف من أن الله يتركنا ولكن نخاف من ضعفي أنا إذ أن الإنسان العتيق يمكن أن ينفجر في أي لحظة مع إهمالي الجهاد، وإنسياقي وراء شهواتي.

يرجى مراجعة تفسير الآيات (أف1: 4 + كو1: 28). فمن هو ثابت في المسيح يعتبر كاملًا وبلا لوم ولا دينونة عليه.

آية (2): “لأن ناموس روح الحياة في المسيح يسوع قد اعتقني من ناموس الخطية والموت.”

لأن= هي رد على سؤال “لماذا لا دينونة” ؟ في الآية السابقة. نَأمُوسَ رُوحِ الْحَيَاةِ. راجع (المقدمة) . وكلمة نَأمُوسَ = قانون بلا شواذ، مثل قانون الجاذبية وهو أن كل جسم تتركه يسقط على الأرض إن لم يكن هناك قوة تسنده. وهذا يحدث في أي مكان في العالم. وهكذا ناموس الخطية، ففي أي مكان في العالم، لو أهين إنسان ستشتعل في داخله انفعالات الغضب والكراهية والمرارة وحب الانتقام. ونعود لقانون الجاذبية فحتى لا يسقط الجسم المتروك على الأرض بفعل قانون الجاذبية يحتاج لمن يسنده. وهكذا روحيًا فناموس روح الحياة، الذي جعله الله كناموس آخر يعمل ضد ناموس الخطية والموت. فناموس موسى لا قدرة له أن يسندني، هو فاضح للخطية وليس معالج لها، وأما ناموس الروح فيظهر المسيح الغالب الذي يشرق علينا بالإمكانيات الإلهية التي تعمل فيمن يؤمن ويغلب فينا. وهذا لا يتم بالإجبار بل بروح الإقناع (إر7:20) والروح يسكن فينا ويفتح حواسنا، ويدعم إرادتنا ويبكتنا على خطايانا ويعطي معونة تساندنا (8: 26).

إذًا هذه القوة تسند المؤمن حتى لا يسقط. هي قوة النعمة التي تزداد بالجهاد. فالخمس عذارى ملأن مصابيحهن بالزيت (النعمة) ومسئولية الملأ هي مسئولية كل مؤمن، أن يجاهد لكي يمتلئ. لقد قدم لنا هذا السفر قوة إمكانيات الحياة المقدسة في الرب وتمتعنا ببر المسيح غالب ناموس الخطية فناموس روح الحياة يعطي للمؤمن أن يسلك بحسب الروح لا بحسب الجسد. فيحسب الإنسان بكليته (جسدًا ونفسًا وروحًا) إنسانًا روحيًا.

نَأمُوسَ رُوحِ الْحَيَاةِ = هو نَأمُوسَ = أي قانون، فكل من يعتمد يحصل على هذه القوة. وهذه القوة تزداد مع الامتلاء بالروح (جهادنا). رُوحِ = هذه القوة ناشئة من الروح القدس الساكن فينا بسر الميرونالْحَيَاةِ = فهو يعطينا حياة للنفس والجسد والروح. حياة بر عوضًا عن موت الخطية، حياة بنوة عوضًا عن حياة العبودية للخطية، فنحن بالمسيح حصلنا على غفران للخطايا + خليقة جديدة وطبيعة جديدة قادرة على صنع البر. الروح القدس محيي ويعطي حياة للنفس والجسد معًا للمتحدين مع المسيح، هذه القوة قد حررتنا من ناموس الخطية، ومن قوة الخطية وجذبها، ومن الموت. فناموس الروح هو تمتع بعطية الروح، لأنه يحطم فينا عنف الخطية ويسندنا في صراعنا ضدها.

ما عجز عنه موسى (عبور الأردن) تممه يشوع = ما عجز عنه الناموس تممه يسوع المسيح. ما الفرق بين ناموس موسى الذي أسماه الرسول روحي (14:7) وناموس روح الحياة ؟ الأول أعطاه الروح القدس ليدين (كان ليحجم الخطية وسط شعب الله ويؤدب حتى يأتي المسيح) ، والثاني يهب الذين يتقبلونه الروح بلا حدود. ولذلك هو ناموس حياة، يحرر ويحيي ويبرر ويعين ويعطي قوة للمؤمن ليسلك روحيًا ويصارع الخطية، ويعطي قوة لعمل الخير ويدعم إرادة الإنسان فلا يتعرض المؤمن للدينونة والحكم.

أَعْتَقَنِي = أعطاني قوة أغلب بها نَأمُوسِ الْخَطِيَّةِ وَالْمَوْتِ فأتحرر من عبوديتي للخطية التي حتمًا ستقودني للموت.

آية (3): “لأنه ما كان الناموس عاجزًا عنه في ما كان ضعيفًا بالجسد فالله إذ أرسل ابنه في شبه جسد الخطية ولأجل الخطية دان الخطية في الجسد.”

لأَنَّهُ مَا كَانَ النَّأمُوسُ عَاجِزًا عَنْهُ = الناموس كان هدفه أن يحيا الإنسان في بر، ولكنه عجز عن أن يتمم هذا، لا لعيب في الناموس ولكن بسبب ضعف الإنسان وسطوة الخطية الساكنة في جسده = فِي مَا كَانَ ضَعِيفًا بِالْجَسَدِ. فلم يستطع أحد أن يلتزم بالناموس ويتممه إلاّ الرب يسوع وحده (وبهذا فكل من يثبت في المسيح يصبح له الإمكانية أن ينفذ كل وصايا الناموس). أمّا سبب ضعف الإنسان كان أن الخطية سكنت فيه واستعبدت أعضاءه. أمّا ناموس روح الحياة فقد حررني فيما عجز عنه ناموس موسى، لأن ناموس موسى لم يعطي الروح القدس لأحد (فالمسيح ما كان قد تمم الفداء). والروح القدس هو الذي يستطيع أن يتغلب وينتصر على اهتمامات الجسد، فهو يعين ضعفاتنا (آية26). فَاللهُ إِذْ أَرْسَلَ ابْنَهُ = لما عجز الناموس عن أن يبرر الناس، أرسل الله ابنه ليعمل عمل الفداء، ثم يرسل الروح القدس، ليعطي نعمة نتبرر بها.

فِي شِبْهِ جَسَدِ الْخَطِيَّةِ = أي جسد كامل مثل جسدنا، ولكن لاحظ دقة بولس الرسول فهو لم يقل في شبه جسد إنسان، فهو كان كاملًا كإنسان، ولكن بلا خطية. وكانت الحية النحاسية مثال لهذا ، فهي تشبه الحية الحقيقية ولكنها بلا سم يقتل. وكما كانت الحية النحاسية قادرة على الشفاء، هكذا المسيح استطاع أن يبرر المؤمنين.

دَانَ الْخَطِيَّةَ = أصل كلمة دان اللغوي في اليونانية يعني يخنق حتى الموت أو تضييق على أو كبت الشيء. وهذا بعمل النعمة أي معونة الروح القدس لمن يريد أن يميت شهواته. وهذا معنى “الروح يعين ضعفاتنا” (رو8 : 26) . تشبيه :- وجود جلطة في الشريان تؤدي لاختناق فيه، فلا يصل الدم إلى القلب وهذا يؤدي لضعف الإنسان أو للموت. وهذا هو عمل النعمة أنها تُضَيِّقْ على الخطية وهذا يؤدي لضعف أو لموت الإنسان العتيق كلما ازداد نمو النعمة مع زيادة الجهاد، هذا إن لم نعود ونوقظه بإرادتنا. دَانَ الْخَطِيَّةَ فِي الْجَسَدِ = المسيح حمل كل خطايا البشرية في جسده، ومات بجسده ليحكم على الخطية ويميتها ويدينها. وبقدر جهادي في الثبات في المسيح أشعر بموت الخطية واضمحلالها وسطوتها على جسدي. فالمسيح أخذ جسدنا البشري ليحمل خطايانا ويميتها، ويطلب منا أن نثبت فيه فيميت الخطايا داخلنا. وبقدر جهاد الإنسان في أن يميتها يزداد ثباته في المسيح، فتساعده النعمة في ذلك، لذلك يطلب الرسول قائلًا “احسبوا أنفسكم أمواتًا عن الخطية” (رو11:6) وبهذا يبرأ الإنسان.

وكلما كانت الخطية ميتة فيَّ فهذا علامة على أنني مملوء نعمة وجهادي مقبول وكلما كانت الخطية متفجرة فيَّ فهذا علامة على أنني محتاج لجهاد كثير لأمتلئ من النعمة. وإذا كانت الخطية ميتة داخلي فلا دينونة على (آية1) .

وَلأَجْلِ الْخَطِيَّةِ = أرسل الله المسيح ليكسر شوكة الخطية فيَّ. موت الخطية في الإنسان المُعَمَّد هذا لا يستطيعه الناموس لكن هذا عمل النعمة. هذه القوة الخانقة (دان) لم تكن متاحة مع الناموس، لذلك إستخدم الناموس العقوبات كالرجم والقطع من الجماعة…إلخ ليخيف الخاطئ فقال بولس الرسول “كان الناموس مؤدبنا إلى المسيح …. وبعدما جاء الإيمان لسنا بعد تحت مؤدب” (غل3 : 24 ، 25) . أما مع هذه القوة القادرة على خنق الشهوة الخانقة حتى الموت فصار المؤمن يمتنع بحريته بل صار يكره الخطية.

آية (4): “لكي يتم حكم الناموس فينا نحن السالكين ليس حسب الجسد بل حسب الروح.”

 لكي يتم حكم الناموس فينا= بر الناموس حسب ترجمة اليسوعيين والترجمة الإنجليزية. فالناموس كان هدفه أن يتبرر الإنسان، ولما عجز الناموس أرسل الله ابنه ليدين الخطية أي يميتها في المؤمن فيتبرر، وبهذا يتحقق ما أراده الناموس أن لا نصنع الشر ونفعل البر. هذا الذي أصبح بإمكاننا أن نعمله بالروح القدس الساكن فينا. ولو فهمنا الكلمة بحسب هذه الترجمة حُكْم، فهذا تم أيضا، فالناموس يحكم على الخاطئ بالموت، ونحن متنا مع المسيح في المعمودية.

آية (5): “فإن الذين هم حسب الجسد فبما للجسد يهتمون ولكن الذين حسب الروح فبما للروح.”

الرسول هنا لا يقارن بين الجسد كأعضاء وبين الروح. ولكن بين إنسان عتيق يقود الأعضاء وبين إنسان جديد مولود من المعمودية يقوده الروح القدس. الأول أسماه الَّذِينَ هُمْ حَسَبَ الْجَسَدِ (من أيقظ إنسانه العتيق وأهمل جهاده فإنكمش إنسانه الجديد). والثاني أسماه الَّذِينَ حَسَبَ الرُّوحِ (هذا الإنسان يجاهد ويستجيب للروح القدس). الأول صار كأنه جسد بلا روح، فهذا يسلك بحسب شهوات جسده فصار جسدانيًا شهوانيًا، والثاني صار كمن هو روح بلا جسد. وإهتمامات الجسد هي الملذات والكرامة والشهوات. واهتمامات الروح هي إرضاء الله والتفكير في الروحيات والخدمة لحساب مجد الله والاهتمام بالأبدية.

آية (6): “لأن اهتمام الجسد هو موت ولكن اهتمام الروح هو حياة وسلام. “

لأَنَّ = هذه عائدة على (آية 3) ليكون المعنى أن الله أرسل ابنه ليدين الخطية التي فينا. فالله لمحبته للبشر وجد أنهم عاجزين أمام سلطان الخطية التي في الجسد، وأنهم منقادين لشهوات الجسد (آية5) والنتيجة أنهم سيموتون = اهْتِمَأمَ الْجَسَدِ هُوَ مَوْتٌ، فأرسل ابنه الذي بفدائه وبعمل الروح القدس (النعمة) تضمحل الخطية في أعضائنا فتتحقق غاية الناموس فينا أي أن نسلك بالبر(آية 4). فقد كنا سالكين بحسب شهواتنا الجسدية بسبب الخطية الساكنة فينا قبل المسيح. والمسيح أرسل الروح القدس ليكون لنا اهتمامات روحية بدلًا من الخطية (آية 5) والنتيجة = اهْتِمَأمَ الرُّوحِ هُوَ حَيَاةٌ وَسَلاَمٌ.

اهْتِمَأمَ الْجَسَدِ = إرضاء الشهوات والمتع والملذات، هذا ينطبق أيضًا على من يهتم بعمله كل الوقت، ولا وقت عنده لله. ولكن مثل هذا الإنسان ينفصل عن الله، فيموت= اهْتِمَأمَ الْجَسَدِ هُوَ مَوْتٌ. ولاحظ أن هذا الإنسان لا يهتم سوى بما سوف يفنى، فكل ما للجسد سوف يفنى. ولو ترك الإنسان شهواته تقوده تموت نفسه ثم جسده (1تي6:5) ثم يخسر أبديته. وَلكِنَّ اهْتِمَأمَ الرُّوحِ هُوَ حَيَاةٌ وَسَلاَمٌ = من يهتم بأن يرضي الله ويعمل من أجل أبديته يفرح بالصلاة والصوم، فالروح يسكب فيه فرح وسلام ويصير حيًا أمام الله، يختبر سلام الله الذي يفوق كل عقل ثم تكون له حياة أبدية، إذ بجهاده هذا ظل ثابتًا في المسيح، والعلامة أن الروح سكب فيه سلام (رو1:5).

آية (7): “لأن اهتمام الجسد هو عداوة لله إذ ليس هو خاضعًا لناموس الله لأنه أيضًا لا يستطيع.”

لأَنَّ اهْتِمَأمَ الْجَسَدِ هُوَ عَدَاوَةٌ ِللهِ = الجسد ليس عدواُ لله، فالله حين خلقه وجده حسنٌ جدًا. لكن المقصود هو الإنسان العتيق، واهتمام الجسد أي تغذية الإنسان العتيق بإثارة شهواته وعدم الاهتمام بغذاء الإنسان الجديد، الذي يتغذى على كلام الله. ولكن عدو الله هو هذا العالم ورئيسه (الشيطان). والجسد إذا إنحاز للعالم صار عدوًا لله بالتبعية. فالله خلقني في العالم لأستعمل العالم ولا أنسى تبعيتي لله فأظل أعبده. أمّا لو تحول العالم إلى هدف وصارت الشهوة وإرضاءها، أو المال والمقتنيات إلهًا، يصير من يتبع هذا الإله أداة في يد الشيطان يهين بها الله، ويتعدى على وصاياه ويصير في عداوة مع الله، لذلك سمعنا أن “محبة العالم هي عداوة لله” (يع4:4). ولذلك قيل في آية (6) “اهتمام الجسد هو موت” لأن هذا يعتبر عداوة لله، فقد ألَّهَ من يفعل هذا إلها آخر غير الله، هو المال أو شهوته. وبهذا فصل نفسه عن الله الذي هو مصدر الحياة، فحكم على نفسه بالموت.

ولكن هل معنى هذا ألاّ نأكل ونشرب ونعمل؟ لا بل نعطي لقيصر ما لقيصر وما لله لله. المهم أن يكون هناك نصيب للروح. فالجسداني الذي هو في عداوة مع الله ينسى الروحيات لانشغاله بالجسديات. والإنسان الروحي يصوم لا لعيب في الطعام، بل هو يضغط على نفسه ويمنع نفسه مما يحبه وذلك حتى ينمو في الروح. لذلك طلب الله من البدء أن يعمل الإنسان 6 أيام ويتفرغ لله يومًا واحدًا. إذًا المطلوب التوازن. وعدم الاهتمام بأمر وترك باقي الأمور. فشعب تسالونيكي حينما قالوا نهتم بالروحيات ونترك أعمالنا غضب بولس الرسول وقال “من لا يشتغل لا يأكل” (2تس10:3).

مثال: لماذا اعتبر السيد المسيح المال إلهًا يعبد؟ على الإنسان أن يعمل لِيَتَكَسَّب(2) ويعيش، ويدخر ليزوج أولاده. لكن بدون هَمْ، وبدون أن يضع في قلبه أنه كلما زادت أمواله إطمأن قلبه على المستقبل، بهذا هو خلط بين المال كأداة أعيش بها، أو هو هدف أسعى وراءهُ. أمّا الروحي فهو يعلم أن المال قد يضيع في لحظة، والله وحده هو الضامن للمستقبل، إِذْ لَيْسَ هُوَ خَاضِعًا لِنَأمُوسِ اللهِ = أي أن الإنسان العتيق لا يستطيع أن يخضع لناموس الله فطبيعته عاصية متمردة طالبة إرضاء شهوات الجسد.

لأَنَّهُ أَيْضًا لاَ يَسْتَطِيعُ = فالجسد بدون الروح القدس مستحيل أن يخضع لله ولوصاياه، لأنه يكون منقادًا لسيد قاسٍ مسيطر هو شهوات الجسد. وكيف نمتلئ من الروح؟ هذا بأن نهتم بالروح بالصلاة والصوم ودراسة الكتاب، واجتماعات الكنيسة والقداسات والتسابيح والمزامير.. إلخ. (لو11: 13 + أف5: 17 – 21).

آية (8): “فالذين هم في الجسد لا يستطيعون أن يرضوا الله.”

الذين هم في الجسد= ليس لهم الطبيعة الجديدة، خاضعين لإنسانهم العتيق، يسعون وراء شهوات الجسد. فمثل هذا قد أطفأ الروح وجعل إنسانه الجديد ينكمش، هذا الذي يقوده الروح القدس. وهذا أيقظ الإنسان العتيق الذي هو بطبيعته متمرد على الله. هذا لا يستطيع أن يرضي الله فمن هو في الجسد فهو ليس في الروح ولا هو ثابت في المسيح.

آية (9): “وأما أنتم فلستم في الجسد بل في الروح إن كان روح الله ساكنا فيكم ولكن إن كان أحد ليس له روح المسيح فذلك ليس له.”

هم إعْتَمَدوا وحل عليهم الروح القدسالميرون) فإبتعدوا عن تيار الشهوات. والذين تركوا تيار الشهوات العالمية يصيرون كروح بلا جسد وَأَمَّا أَنْتُمْ… فِي الرُّوحِ = وهؤلاء يهتمون اهتمامات روحية وبهذا يضرمون الروح القدس فيهم ويمتلئون منه (2تي6:1) وبهذا يصيروا خاضعين للروح القدس، والروح القدس يقودهم.

ولكن من المهم أن يسأل كل إنسان نفسه، هل أنا بإهتماماتي الجسدية أطفئ الروح، أم هل أنا بإهتماماتي الروحية أضرمه، فالخداع الشيطاني محيط بنا والارتداد للجسد سهل. ومن يضرم الروح يسكن فيه الروح ويقوده. ولكن كيف نعلم هل نحن في الجسد أم الروح؟ من هو في الروح يكون مملوءًا من الروح القدس، وهذا يكون له شكل المسيح وتصرفات المسيح = إِنْ كَانَ أَحَدٌ لَهُ رُوحُ الْمَسِيحِ = فهدف الروح القدس أن يجعلنا نلبس المسيح وأن يتصَوَّر المسيح فينا (غل19:4+ رو14:13) فمن له صفات المسيح من محبة ووداعة وتواضع.. (هذا معنى روح المسيح) فهذا إنسان يسكن فيه روح الله.

آية (10): “وإن كان المسيح فيكم فالجسد ميت بسبب الخطية وأمّا الروح فحياة بسبب البر.”

وَإِنْ كَانَ الْمَسِيحُ فِيكُمْ = إن كان المسيح متحدًا بنا وثابتًا فينا (وهذا طبعًا لن يحدث إلاّ لمن يسلك بالروح ويميت الجسد أي الإنسان العتيق) فَالْجَسَدُ مَيِّتٌ = هذه تعني:

[1] الإنسان العتيق ميت بالمعمودية التي هي موت مع المسيح وقيامة معه متحدين بحياته الأبدية . ولاحظ أن المسيح حين قام، إتحدت الحياة الأبدية مع جسده المائت.

[2] بناءً على النقطة السابقة فعلى الإنسان إذًا أن يمارس أعمال الإماتة = الإبتعاد عن كل الشهوات مع الأصوام والميطانيات حتى تظل حياة المسيح الأبدية ثابتة فيه.

[3] والله يعمل من ناحيته ويساعدنا على إذلال الجسد بأن يسمح ببعض الآلام، حتى لا تثور الشهوات كما سمح لبولس بشوكة في الجسد “إن كان إنساننا الخارج يفنى فالداخل يتجدد يومًا فيوم” (2كو16:4) + “فإن مَنْ تألم في الجسد كُفَّ عن الخطية” (1بط 1:4). والله يسمح بكل هذا الألم؟ بِسَبَبِ الْخَطِيَّةِ الساكنة فينا = حتى لا تثور شهوات الجسد.

[4] يظل الجسد في ألم وضيقات وأخيرًا يموت الجسد.

وبسبب هذه الإماتة للجسد، والآلام التي يسمح بها الله، حتى تموت الطبيعة العتيقة يقول الرسول فَالْجَسَدُ مَيِّتٌ بِسَبَبِ الْخَطِيَّةِ

ولكن مع هذا الموت الجسدي فالإنسان الروحي يحيا لأنه عاش في بر بحياة المسيح الثابتة فيه = تبرر= وَأَمَّا الرُّوحُ فَحَيَاةٌ بِسَبَبِ الْبِرِّ

وَإِنْ كَانَ الْمَسِيحُ فِيكُمْ، فَالْجَسَدُ مَيِّتٌ بسبب الخطية = ومن هو ثابت في المسيح ستكون شهواته الخاطئة ميتة. لذلك نسمع في القسمة (رقم19) في الخولاجي eu,ologion “فالتناول يثبتنا في المسيح” “وعند إصعاد الذبيحة على مذبحك تضمحل الخطية من أعضائنا بنعمتك” ولكن حتى يعمل التناول فينا هذا العمل علينا أن نميت أنفسنا عن الخطية.

أَمَّا الرُّوحُ فَحَيَاةٌ بسبب البر = أي الإنسان الجديد القائم مع المسيح من الأموات فتكون له حياة لأنه يسلك بالبر. ومن هو حي بالروح حين يأتيه موت الجسد ينتقل من حياة إلى حياة أبدية. ولاحظ أننا نبدأ حياتنا الأبدية هنا على الأرض حينما تكون لنا حياة المسيح.

آية (11): “وإن كان روح الذي أقام يسوع من الأموات ساكنًا فيكم فالذي أقام المسيح من الأموات سيحيي أجسادكم المائتة أيضًا بروحه الساكن فيكم.”

هل تتصور أن موضوع القيامة صعب؟ هذا ما يصوره لنا الشيطان. خصوصًا القيامة من موت الخطية والرسول هنا يؤكد أن الذي أقام المسيح من الأموات قادر أن يقيمك من موت الخطية أولًا، ثم في القيامة العامة سيقيمك بجسد ممجد. ونفس الفكرة نجدها في (أف19:1) أي أن نفس القوة التي أقامت المسيح من الأموات قادرة أن تعمل فيكم لتقيمكم في القيامة الأولى والقيامة الثانية يحيي أجسادكم المائتة = لذلك نسمي الروح القدس الروح المحيي.

ملخص: ماذا أعطاني ناموس الروح:

  1. أعطاني روح الغلبة والنصرة فنواجه حرب الخطايا بقوة.
  2. اعتقني من الدينونة إن سلكت حسب الروح تكون لي حياة أبدية.
  3. صرنا أبناء بعد أن كنا عبيد. المسيح حمل مالنا (موت وخطية وعبودية) وأعطانا ما لهُ (صرنا أبناء وأحباء). وبهذا صار لنا الميراث.
  4. صار لنا الروح القدس معينًا.

لذلك اعتبرنا الرسول مديونون للروح القدس وليس للجسد.

آية (12): “فإذًا أيها الإخوة نحن مديونون ليس للجسد لنعيش حسب الجسد.”

رأينا ماذا يعطينا الروح، أما الجسد فيعطيني لذة لحظات يعقبها كآبة وتعب والنهاية موت. لذلك ومن أجل عظم ما أعطاه لنا الروح فنحن مديونون للروح. والذي يشعر أنه مديون للروح ماذا يعمل [1] يستعمل وزناته ليمجد اسم الله (الوزنات= الصحة /المال /الذكاء..) [2] أن لا نجعل الشهوات تسودنا ثانية، ونخضع للروح القدس.

آية (13): “لأنه أن عشتم حسب الجسد فستموتون ولكن إن كنتم بالروح تميتون أعمال الجسد فستحيون.”

 أن عشتم حسب الجسد فستموتون= أي إن عشتم عبيدًا لشهوات أجسادكم فإنكم ستتعرضون للموت الأبدي (الانفصال الأبدي عن الله).

أن كنتم بالروح تميتون أعمال الجسد

هذا عمل النعمة هذا قراري وهذا هو جهادي

والنعمة تعمل مع من أن أميت أعضائي (كو5:3)

يجاهد + (رو11:6)

النعمة= الروح يعين ضعفاتنا. أمّا جهادي أنا أن أقف أمام الخطية كميت. وهذه الآية تساوي تمامًا قول الرسول ختان القلب بالروح (رو29:2) والجهاد المطلوب[1] سلبي (نحسب أنفسنا أمواتًا عن الخطية) [2] اٍيجابي (صلاة وتسبيح وصوم ومطانيات metanoia..)

وهناك طريقين للجهاد:

  1. بالعزيمة وقوة الإرادة تزيد كل يوم الأصوام والصلوات.. ولكن هذه عبادة بالجسد، تشبه الفريسية. ومن يفعل هذا تجده يطالب الله بالأجر.
  2. عبادة الروح (راجع تفسير رو9:1) أن نتسمع صوت الروح القدس في هدوء يطالبنا ويقنعنا بما نعمل، فلا نطالب بأجر بل نجد لذة فيما نفعله. ولكن علينا أولًا أن نغصب أنفسنا، فملكوت السموات يغصب (مت12:11) ثم نطلب المعونة من الروح فيبدأ الإقناع فنصوم ونزهد في الملذات لأننا نجد لذة وتعزيات في العبادة بالروح.

آية (14): “لأن كل الذين ينقادون بروح الله فأولئك هم أبناء الله

نحن نحصل على البنوة بثباتنا في المسيح الابن، ونحن نتحد بالابن في سر المعمودية، وننفصل عنه بالخطية ونعود للثبات بسر التوبة والاعتراف والتناول من جسد الرب ودمه، وكل الأسرار، فاٍن العامل فيها هو الروح القدس. والروح أيضًا هو الذي يبكتنا لو أخطأنا، ومن ينقاد بروح الله أي يطيعه ولا يقاومه، يظل ثابتًا في المسيح، ويظل إبنًا لله بالتالي.

آية (15): “إذ لم تأخذوا روح العبودية أيضًا للخوف بل أخذتم روح التبني الذي به نصرخ يا آبا الآب.”

رُوحَ الْعُبُودِيَّةِ = كان هذا في ظل الناموس. كان الإنسان يمتنع عن الشر خوفًا من عقوبة الناموس، وإذا عمل شيئًا صالحًا يطلب الأجر عنه فالعبد يعيش خائفًا، طالبًا الأجر، بل هو يعمل من أجل أجر زهيد يعطيه له سيده نظير عمله. وهناك من يعيش مع الله هكذا، يطلب من الله طلبات متواضعة كالمال والصحة.. إلخ. وإذا لم يأخذ طلباته يذكر الله بأعماله طالبًا أجره عنها. والآية السابقة حدثتنا عن أن من ينقاد بالروح يصبح إبنًا لله. رُوحَ التَّبَنِّي = ماذا يفرق الابن عن العبد؟ الابن يعمل في محبة، ولا يطلب من الله نظير عمل عمله بل بدالة البنوة، وبدالة البنين تجد أن طلباته من أبيه ليست متواضعة فهو يطلب أحضان أبيه السماوي، ويطلب مجد السماء، بل هو يطلب الله نفسه “أنا لحبيبي وحبيبي لي”. في العهد القديم كان العقاب زمنيًا والمكافأة زمنية أيضًا. والآن صارت لنا مكافأة هي الله نفسه ننعم به أبًا أبديًا، والروح القدس يشهد في داخلنا بهذه البنوة. وبهذه الروح، روح البنوة نَصْرُخُ:«يَا أَبَا الآبُ».

آبا= بالعبرية abba (آبا) الآب باليونانية patir (باتير)= أي يا بابا الذي هو الآب. وهي عبارة تشير لوحدة اليهود والأمم (اليونانيين) فكلمة آبا تشير لبنوة اليهود لله وكلمة باتير تشير لبنوة الأمم لله. فالبنوة صارت لكليهما فاليهود يخاطبون الله بقولهم abba واليونانيين يخاطبونه patir.

رُوحَ الْعُبُودِيَّةِ لِلْخَوْفِ = هناك نوعان من الخوف:

  1. خوف مقدس طاهر وأمثلته: طالب يخاف من الفشل وهذا يدفعه لمزيد من الجهد لاستذكار دروسه.

خوف مرضي مثل من يدخل الامتحان ولا يجيب أسئلة الامتحان بسبب خوفه الفظيع، مع أنه يعرف الإجابة.

وروحيًا: [1] خوف مقدس طاهر قيل عنه تمموا خلاصكم بخوف ورعدة (فى2: 12)

 + لا تستكبر بل خف (رو20:11). هنا نخاف الله ولكن ليس عن فزع بل خوف المحب الذي يخاف أن يحزن قلب محبوبه، هو خوف يدفع للجهاد. هو خوف ممزوج بالرجاء في ميراث السماء (هو أمل يزداد مع نمو المحبة – رو5 : 5) كالطالب الذي يستميت في مذاكرته ليدخل كلية يحلم بها. وبدون هذا الرجاء نحن أشقى جميع الناس (1كو15 : 19). وما الذي يعطينا هذا الرجاء؟ دخول المسيح للمجد بجسده كسابق لأجلنا. (عب6 : 17 – 20). ونسمع عن هذا الرجاء في (آية 20).

[2] خوف مرضي يتحول إلى شك ويأس في الخلاص، وهذا ضد فضيلة الرجاء. ومثل هذا الخوف قيل عنه أنه يُطرَد بالحب الكامل (1يو4: 18).

آية (16): “الروح نفسه أيضًا يشهد لأرواحنا أننا أولاد الله.”

 الروح القدس يعطي لقلوبنا وأرواحنا أن تشعر بالبنوة، هذه الشهادة المعزية لا تعطى إلا لمن لهم طبيعة البنين، أي ثابتين في المسيح. والروح القدس يعطينا الإحساس بأن محبة المسيح تحصرنا فنتحمل الألم. ولكن حتى نسمع صوت الروح القدس فهذا يحتاج لجلسة هادئة مع الكتاب المقدس، والصلاة بهدوء والسكوت بعض الأحيان. وإذا فعلت هذا في ألمك ستسمع صوت الروح قائلًا “أنا بجانبك فلماذا تخاف.. أنت ابن الله، فهل يترك الله أولاده ويتخلى عنهم لا تخف وتشدد”.

آية (17): “فان كنا أولادًا فأننا ورثة أيضًا ورثة الله ووارثون مع المسيح إن كنا نتألم معه لكي نتمجد أيضًا معه.”

نرث الله لأننا صرنا أبناء له، ونرث ماذا.. نرث مجده ونرث مع المسيح حيث أنه قد وضع نفسه كأخ لنا (يو17: 22، 24، 26) آية عجيبة. أن نرث الله ونرث مع المسيح ولكنها تفسر ما قاله الرسول “جعله وارثا لكل شيء” (عب2:1) . فالمسيح تمجد بجسده = وهذا معنى صار وارثًا لكل شيء وذلك لحسابنا، فنحن جسده (يو17: 5، 22). وهو الذي قال حيث أكون أنا تكونون أنتم أيضًا” (يو3:14) وقال أيضًا “من يغلب يجلس معي في عرشي” (رؤ21:3) بل سيصير لنا صورة مجده (في21:3 +1يو2:3) هذه الأمجاد لا يمكن تصورها أو تخيلها فهناك “ما لم تره عين..” . حقًا من يفتح الله عينيه على ما هو معد في السماء فسيدرك أن العالم وما فيه ما هو إلا نفاية (في8:3). ولقد حسب اليهود أنهم وحدهم ورثة، وبولس في هذه الآيات يؤكد أن الميراث لكل البنين الذين يقولون يا آبا الآب وهم ظنوا الميراث أرضي زمني، لذلك فالرسول يقول بل هنا آلام.

إِنْ كُنَّا نَتَأَلَّمُ مَعَهُ = قبل أن نعيش في أفكار المجد والميراث، يذكرنا هنا الرسول، بأننا مازلنا على الأرض وفي الجسد، ومادمنا في الجسد فهناك قطعًا آلام. ولكن يُكْمِلْ لمن يحتمل الألم بشكر، أن الألم.. لِكَيْ نَتَمَجَّدَ أَيْضًا مَعَهُ = لشرح هذا لنذكر قصة داود الهارب المطارد من شاول الملك وهو في آلام فظيعة وكان يرافقه بضعة أصحاب صدقوا وآمنوا بوعد الله لداود، أنه سيصبح الملك، فلازموا داود طوال فترة آلامه. وحينما تمجَّد داود مجَّدهم معه، فكان منهم القادة والوزراء.. إلخ.، وهكذا من يُصِّر على ملازمة المسيح في فترة آلامه على الأرض يمجده المسيح في السماء. والميراث هو لمن يتألم مع المسيح وبشكر. ونضيف أيضًا أن الله يسمح بالألم لنكف عن الخطية (1بط1:4).

 

رو8: 18-27

آية (18): “فأني أحسب أن آلام الزمان الحاضر لا تقاس بالمجد العتيد أن يستعلن فينا.”

الآلام الحاضرة هي لا شيء ولا تُذكَر بجانب الأمجاد المعَّدة لنا:

  1. مهما كان الألم فهو بسيط جدًا بجانب المجد المعد.
  2. زمن الآلامأيامأما الأمجاد فهي للأبد، بلا نهاية.
  3. الآلام هنا هي حتى نكمل، وهي شركة آلام مع المسيح، ويصاحبها تعزيات (2كو3:1-8) حتى أن من تذوق الآلام مع التعزيات اشتهى الآلام، لذلك اعتبرها بولس الرسول هبة (في29:1) ولكن لنعلم أن التذمر يوقف التعزيات. وهذا ما جعل السيد المسيح يقول “إحملوا نيري (الآلام التي أسمح بها + الوصايا التي آمركم بها) فهو خفيف (مت11: 29 ، 30). ولاحظ قول إشعياء النبى “لَكِنَّ أَحْزَانَنَا حَمَلَهَا، وَأَوْجَاعَنَا تَحَمَّلَهَا” (إش53: 4). فمن يقبل أن يرتبط بنير مع المسيح أى يتحمل الصليب الذى سمح به الله بدون تذمر، وينفذ وصاياه، يجد أن المسيح يحمل عنه ألامه ويعينه على تنفيذ الوصية فيلتزم بالوصايا بسهولة. فالمسيح يُعطى فرحا لا يستطيع أى حزن أن يغلبه (يو16: 22). ويعطى سلاما لا تستطيع أى مشكلة أو حيرة أن تغلبه (يو14: 27 + 2كو4: 8 + فى4: 7).
  4. كلما ازداد الألم إزداد المجد “لأن خفة ضيقتنا الوقتية تنشئ لنا أكثر فأكثر ثقل مجد أبديًا”(2كو17:4).

الْمَجْدِ الْعَتِيدِ أَنْ يُسْتَعْلَنَ فِينَا = الْعَتِيدِ = الآتييُسْتَعْلَنَ = أي المجد الذي نحن فيه الآن غير مرئي، وأما في الأبدية سيصير مرئيًا. فنحن حَلَّ علينا الروح القدس وهو كألسنة نار، فهل يرى أحد هذه النار. والتناول من الجسد والدم المتحدان باللاهوت، هذا في وسطنا يوميًا، لكن هل يرى أحد اللاهوت المتحد بجسد المسيح ؟ إذًا نحن في مجد لكن غير مستعلن، وسيستعلن في الأبدية ولنرجع لقصة داود مع شاول فلقد كان شاول في مجد ظاهري (جيش وخدم وخضوع الناس له، وقوة ظاهرية..) وداود كان في ضعف ولكنه في مجد، لأن الروح كان يملأ داود، وأما شاول فقد نُزِعَ منه الروح القدس. ثم مات الملك شاول وجاء داود فإستعلن المجد الذي كان فيه خفيًا، ومَجَّد داود من كانوا معه.

آية (19): “لأن انتظار الخليقة يتوقع استعلان أبناء الله.”

الخليقة هي العالم بكل ما فيه من جمادات فالله خلق العالم لأجل الإنسان، والله خلقه فوجده حسن، كان العالم جميلًا جدًا. لكن حينما فسد الإنسان إنعكس فساده على الأرض لذلك سمعنا قول الله “ملعونة الأرض بسببك.. شوكًا وحسكًا..” (تك3: 17، 18) وحين قاوم الإنسان إلهه قاومته الخليقة، كما إظلمت الشمس حين صُلِبَ رب المجد. فالفيضانات المدمرة والتصحر المهلك، والزلازل المدمرة القاتلة عكست فساد الإنسان بل أن وحشية الناس (قايين /شعب روما بملاعبه التي يعذبون فيها العبيد..) انعكست على الحيوانات فصارت وحوشًا تأكل بعضها. صارت الخليقة كالمرآة تعكس حال الإنسان. وعكس هذا فقداسة الأنبا برسوم العريان انعكست على الثعبان ففقد وحشيته. وبسبب الأنبا بولا قيل إن الله يفيض مياه النيل. لهذا تصور بولس الرسول هنا أن الخليقة تنتظر أن يستعلن مجد أبناء الله فينعكس هذا عليها، وتستعيد صورتها الجميلة الأولى وبهاءها.

اسْتِعْلاَنَ أَبْنَاءِ اللهِ = حين يعلن المجد المستتر الآن في أبناء الله تتمجد الخليقة أيضا. وهذا لن يحدث إلاّ في الأبدية حينما يعود الإنسان للأحضان الإلهية.

آية (20): “إذ أخضعت الخليقة للبطل ليس طوعًا بل من أجل الذي أخضعها على الرجاء.”

لقد استعبدت الخليقة للبطل VANITY أي صارت بلا قيمة صارت كسراب. فمهما كنز الإنسان، فهو إمّا يضيع أو يتركه الإنسان ويموت. وعكس هذه الكلمة نجد كلمة حقيقي، فالمسيح هو خبز حقيقي ونور حقيقي فهو أبدي ويعطي حياة أبدية. ولكن كان استعباد الخليقة هذا على رجاء، هو أن هذا الوضع سينتهي. وكان ما حدث مع الشعب حينما ذهبوا لسبي بابل رمزًا لما حدث مع الخليقة فالله وعد الشعب بأن يذهبوا للسبي تحت العبودية لملك بابل نبوخذ نصر، ويكون ذلك لمدة محدودة هي 70 سنة، وبعدها يتحرروا بيد كورش ملك فارس. والخليقة والبشر استعبدوا في يد إبليس (نبوخذ نصر كرمز) لكن لمدة محددة حتى يأتي المسيح (كورش كرمز) الذي يحررها من يده. ولكن ستظل الخليقة في صورتها الحالية حتى استعلان مجد أولاد الله وهذا لن يحدث إلاّ في المجيء الثاني. وكما أصدر الله أمرًا بأن يستعبد الشعب لملك بابل ولكن على رجاء العودة، أصدر الله أمرًا بإخضاع الخليقة للباطل (إبليس) مع رجاء في فك سبي الإنسان وتجديد الخليقة (إر8:25-12) وهذا الأمر وذاك كانا بسبب الخطية ومن يعود للخطية يستعبد ثانية.

ونلاحظ أن سليمان النبي أكد على هذه الحقيقة أن العالم هو باطل الأباطيل. فبسبب الخطية فقدت الخليقة صورة الحق والجمال لكن على رجاء، فإذا كانت الخليقة الجامدة لها رجاء أن تتجدد صورتها، فهل يتركني أنا الإنسان المخلوق على صورته.

وراجع (2بط10:3 + مز25:102، 26 + إش6:51 + رؤ1:21)، ومن كل هذا نفهم أن الأرض ستزول وتنحل العناصر محترقة، ولكن هذا يفهم بأنه كما يموت الإنسان قبل أن يكتسب صورة الجسد الممجد، هكذا ستنتهي صورة العالم الحالي الملعونة، تمهيدًا لكي يستعيد بَهاءَهُ.

آية (21): “لأن الخليقة نفسها أيضًا ستعتق من عبودية الفساد إلى حرية مجد أولاد الله.”

الرجاء الذي تنتظره الخليقة أنها هي ستعتق وستتحرر من عبودية البطل والفساد ولا تعود فاسدة. سيكون لها نصيب في حُرِّيَّةِ مَجْدِ أَوْلاَدِ اللهِ = أي ستنتهي صورة العبودية التي تعاني منها = حُرِّيَّةِ. وستنتهي حالة الفساد= مَجْدِ. كل هذا من أجل خاطر أولاد الله. إذ قال الآباء، إن الأب يُلْبِسُ المربية وخدام البيت ملابس جديدة (صورة الأرض الجديدة) يوم ميلاد الابن أو في عيد ميلاده أو عرسه (يوم نلبس الجسد الممجد).

وهذا لا يفهم منه أن الأرض ستعود فردوسًا يحيا فيه الإنسان كما كان في أيام آدم، فهذا ضد فكر الكتاب المقدس (فملكوت السموات ليس أكلا ًولا شربًا – رو17:14) وهناك لا يزوجون ولا يتزوجون (مت30:22). ولا جوع ولا عطش (رؤ16:7) ولكن الرسول يريد أن يظهر فاعلية عمل المسيح، فالخليقة ستتجدد والإنسان سيتمجد، فهل نرتبك بآلام الحياة والطبيعة لها رجاء، بل هي ستتجدد من أجلك أنت يا ابن الله.؟ ولكن نحن لن نعيش في الأرض ثانية بل في السماء، لكن الله خلق الأرض والسماء، وطالما خلقهم فهو يريدهم ولن يستغني عنهم، بل سيكون لهما صورة جديدة. المهم أن الصورة الحالية للأرض ستختفي، ولن نعرف ماذا سوف يحدث تمامًا، ولكن هناك صورة جديدة للخليقة سوف تولد وهذا معنى تئن وتتمخض (آية22) . ولكننا لن نحتاج لنور الشمس مثلًا، فالمسيح بنوره سينير لنا، ولن يكون هناك ليل (رؤ5:22).

بسبب الخطية إحتجب الله عن الإنسان وعن الأرض، فصارت الأرض ملعونة بسبب خطية الإنسان، وإختفى بهاءها الذي كان. ولكن حين يتمجد الإنسان وهذا سيكون بإنعكاس مجد الله عليه (1يو3: 2)، ستأخذ الخليقة هي الأخرى صورة مجد، إذ لن يعود مجد الله محتجبا عنها. والرسول يصور الخليقة هنا أنها متشوقة وتئن منتظرة هذا اليوم الذي يتمجد فيه الإنسان، أي يوم يظهر مجد الله وينعكس عليه، وبالتالي ينعكس عليها أيضا.

آية (22): “فأننا نعلم أن كل الخليقة تئن وتتمخض معًا إلى الآن.”

بولس الرسول يصور الخليقة الجامدة على أنها شخص وهذا قد فعله الأنبياء في العهد القديم، فهم صوروا الطبيعة كأن لها أحاسيس تعبر بها عن بركات الله في فرح وتهليل، أو تئن وتتألم مع غضب الله. وهذا ما يسمى بالتصوير الشعري. أمثلة:- الأنهار تصفق بالأيادي (مز8:98) والتلال تقفز والجبال تتحرك.. المعنى أن بركات الله كأنها أثارت الخليقة غير الحسية فتهللت (حب11:2 + أي38:31). ولكن هناك أحداث فعلية فغضب الله مثلًا يظهر في الطبيعة (طوفان /حريق سدوم وعمورة /إظلام الشمس يوم الصليب..). ورأينا الطبيعة تطيع الله، بل وتطيع رجال الله. فالبحر والريح أطاعا المسيح (مر39:4). والشمس والقمر أطاعا يشوع (يش 10: 12، 13). بل الوحوش أيضًا كان للقديسين سلطان عليهم (دانيال) والسواح سكن بعضهم مع الوحوش، والغربان عالت البعض. وهذا ليس قاعدة عامة بل الله يسمح بهذا ليساند الإيمان ولتأكيد عطاياه الإلهية والأمجاد المرتقبة. تَئِنُّ وَتَتَمَخَّضُ = تئن بسبب فسادها والذي هو إنعكاس لآلام البشر بسبب فسادهم. ولكن من وسط هذا الفساد ستولد صورة جديدة لذلك يشبه الخليقة بأم على وشك الولادة (المخاض هو آلام الوضع) والذي سيولد هو صورة الخليقة الجديدة التي ستكون بلا نقائص (زلازل وبراكين..). فأولاد الله حينما يكونون في مجد سينعكس هذا أيضًا على الخليقة، فالخليقة كمرآة تعكس حالة أولاد الله. والله أسلمنا للباطل لنئن في آلام نتنقى بها ونتأدب حتى نليق بحالة المجد المرتقب. كما سلم الله اليهود لنبوخذ نصر ليتأدبوا، فلما عادوا، عادوا وقد شفوا من الوثنية تمامًا.

آية (23): “وليس هكذا فقط بل نحن الذين لنا باكورة الروح نحن أنفسنا أيضا نئن في أنفسنا متوقعين التبني فداء أجسادنا.”

ليست الخليقة وحدها هي التي تئن، بل نحن أنفسنا على الرغم من أننا قد أخذنا بَاكُورَةُ الرُّوحِ = بنوة / محبة / فرح / سلام /.. إلاّ أننا بسبب الخطية التي مازلنا نعاني منها، وبسبب فساد طبيعتنا التي لم نتخلص منها كلية، وبسبب فساد العالم حولنا، مازلنا نئن خصوصًا بعد أن تذوقنا العربون، صرنا نشتهي كمال عطايا الروح في السماء. حينما تتحرر أجسادنا بالكامل من الفساد، ونحصل على كمال التبني بعد أن تقوم أجسادنا من الموت، فالمسيح بدمه أمَّنَ خلاص نفوسنا وأجسادنا لتشترك أجسادنا في مجد أولاد الله. وإن عبارة فِدَاءَ أَجْسَادِنَا تعني قيامة الأجساد من الموت، وبلا موت بعد ذلك. بل نقوم بأجساد ممجدة ونورانية وفي حالة تبني كامل (بلا خطية 1يو9:3) في فرح كامل. سيكون لنا صورة جسد المسيح الممجد (1كو15: 42، 53+ في21:3+ 1يو2:3). 

الآيات (24، 25): “لأننا بالرجاء خلصنا ولكن الرجاء المنظور ليس رجاء لأن ما ينظره أحد كيف يرجوه أيضًا. ولكن إن كنا نرجو ما لسنا ننظره فأننا نتوقعه بالصبر.”

لأَنَّنَا بِالرَّجَاءِ خَلَصْنَا = بدأت قصة الخلاص بميلاد وفداء المسيح وستنتهي بحصولنا على الجسد الممجد في السماء. وبالنسبة لي تبدأ فصول عمل الخلاص بالمعمودية وتنتهي بحصولي على الجسد الممجد. وهذا الخلاص وهذا التبني الكامل، والأجساد الممجدة هي حالات أخروية لن تعلن إلاّ في الدهر الآتي، وما نحياه الآن في قصة الخلاص نحياه بالإيمان الذي به نبدأ طريق الخلاص. وبالرجاء نبدأ نتذوق هذه البركات، وهذا العربون، فالرجاء يفتح القلب لمعاينة هذا الخلاص. ولكن دون أن نرى شيئًا محسوسًا. كل ما حصلنا عليه هو عربون مثل إضمحلال الخطية في جسدنا، هو عربون الحياة بلا خطية في الجسد الممجد في السماء، شهادة الروح القدس فينا بالبنوة هي عربون البنوة الكاملة في السماء. الإيمان يتطلع إلى الوعد، والرجاء يتطلع إلى الموعود به. وبعض الناس يفسرون هذه الآية أنه تم لنا الخلاص، لكن كيف ؟ فلو كان الخلاص مؤكدًا، ما كان هناك معنى للرجاء، فهل سمعنا طالب في كلية الطب يقول لي رجاء أن ادخل كلية الطب. ولو كان الخلاص مؤكدًا، هل كان بولس الرسول يقول تمموا خلاصكم بخوف ورعدة (في12:2) فالخلاص بدأ ومستمر وسيكمل، لذلك يستعمل بولس الرسول فعل الماضي والحاضر والمستقبل للتعبير عن الخلاص (راجع تفسير رو9:5). ولكن قوله خلصنا يعني أن المسيح تمم عمل الخلاص ونحن بدأنا، لكن علينا أن نكمل العمل بخوف.

الرَّجَاءَ الْمَنْظُورَ لَيْسَ رَجَاءً = لو كان الخلاص منظورًا ما كان هناك معنى للرجاء. لكننا مع وجود الرجاء (الأمل) وهذا يعطينا فرح، فهناك آلام يسمح بها الله لنَكْمُلْ ونصلح للسماء، فالعالم هو الضيقة العظيمة (رؤ14:7) ونحن نصبر بسبب الرجاء، نتحمل الألم لأن عيوننا تثبتت على ما نرجوه والصبر هو عطية من الله أيضًا= فَإِنَّنَا نَتَوَقَّعُهُ بِالصَّبْرِ.

آية (26): “وكذلك الروح أيضًا يعين ضعفاتنا لأننا لسنا نعلم ما نصلي لأجله كما ينبغي ولكن الروح نفسه يشفع فينا بأنات لا ينطق بها.”

رأينا في الآية السابقة أن الله يعطينا الصبر لاحتمال آلام هذا العالم، بينما عيوننا مثبته في رجاء نحو الخلاص المعد في السماء. ولكن الله لا يعطينا الصبر فقط بل أرسل لنا الروح القدس ليرافقنا في خلال رحلتنا في هذا العالم وحتى نصل للسماء، ويعيننا في ضعفاتنا.

في أي الأشياء يعين الروح ضعفاتنا:-

  1. هو الروح المعزي في وسط الضيقات، لمن يشكر. ولكن من يتذمر يتقسى قلبه ويحرم نفسه من التعزيات والبركات السماوية.
  2. هو روح النصح (2تي7:1) نحتاجه وسط مشاكل هذا العالم، ليعطينا نصيحة مناسبة.
  3. يبكت على خطية بأن يقنعنا على تركها، ولو اقتنعنا يعطي قوة ننتصر بها على ضعفات الجسد وشهواته. ثم يبكت على بر، أي يقنعنا بعمل البر وحينما نقتنع يعطينا قوة نسلك بها في حياة البر.
  4. يذكرنا دائمًا بإحسانات الله فنشكره عليها، وبعقاب الأشرار المعد لهم فنخاف خوفًا مقدسًا على أبديتنا، ويذكرنا بكل تعاليم السيد المسيح ويعطينا قوة على التنفيذ (مثل محبة الأعداء وعدم الانتقام..).
  5. يعطينا قوة نجابه بها المخاطر، ويعطينا كلمة أمام الملوكوالرؤساءوفرح وتعزيات عند الاستشهاد وعند الآلام الشديدة، فرح يتغلب على الآلام.
  6. إن توانينا في عبادة الله وتكاسلنا فهو ينشطنا ويشدد عزيمتنا.
  7. هو يعطينا ما نصلي به (هو1:14، 2) فالروح يعطينا كلامًا نقوله لله، وإذا طلبنا طلبات ليست في مصلحتنا أو لا يوافق الله عليها..أمثلة(طلب بولس الشفاء لنفسه وهذا ليس في مصلحته/ طلب خيرات زمنية قد تبعدنا عن الله/ طلب مجد كطلب ابني زبدى أو طلبهم نارًا تحرق من رفضوا المسيح ظنًا منهم أن هذا يمجد الله ، والله لا يرى أن هذا يمجده/ قد يطلب أحد الرهبنة وهذا ليس طريقه..) يكون دور الروح القدس أن يقنع المؤمن أن ما يطلبه ليس بحسب مشيئته (أقنعتني يا رب فاقتنعت إر7:20)+ إن طلبنا شيئًا بحسب مشيئته فإنه يستجيب لنا (1يو14:5). بل قد يقنعني الروح القدس بما يريده الله فأطلبه، أو يقنعني بأن طلبي ليس في مصلحتي فأتخلى عنه. عمومًا سواء هذا أو ذاك سأصلي مِن قلبي لتكن مشيئتك.

الرُّوحُ أَيْضًا يُعِينُ ضَعَفَاتِنَا = ولكنه كمن يرى رجلًا يحمل حملًا فيتقدم ليعينه. فالروح لن يعين سوى من يحاول ويجاهد في العمل. لا أن نجلس كسالى نطلب المعونة ونتوقع أن الروح القدس يتمم كل شيء. فبدون الله لا نقدر أن نفعل شيء. وبدوننا لا يريد هو أن يفعل شيء. ولنلاحظ أنه يعين حتى في أتفه الأمور ويقوينا ويشدد قوانا الطبيعية الضعيفة. وكلمة يعين في أصلها اليوناني هي “يساعد مع” فالروح لا يعين من لا يرفع يده بالصلاة، فمعونة الروح متوقفة على إرادة وجهاد وتغصب الإنسان في الصلاة، فمن يغصب نفسه يعينه الروح بأن يعطيه لذة في الصلاة.

لأَنَّنَا لَسْنَا نَعْلَمُ مَا نُصَلِّي لأَجْلِهِ = لاحظ أن المتألم يصلي لكي تُحَل مشكلته أو يُشْفَى من مرضه، آية 25 انتهت بأننا نصبر وسط آلام هذا العالم وآية 26 رأينا فيها الروح القدس يعين ضعفاتنا. ثم نسمع عن الصلاة وسط الألم فكيف يعين الروح القدس من يصلي؟ الروح يرشد من يصلي عن طريق الإقناع مثلًا كما حدث مع بولس الرسول أن الشفاء ليس في مصلحته، وأن الشفاء ضد إرادة الله التي هي خلاص نفس بولس. وإرادة الله دائما هي الخير بالنسبة لنا، فهو صانع خيرات. ولكن نحن لا نعلم هذا الخير، ولا نعلم ما يجب أن نطلبه في صلواتنا. فهناك قديسون صلوا ليس بحسب مشيئة الله، فبولس صلى طالبًا أن يرى روما، وموسى اشتهى أن يرى فلسطين. وإرمياء طلب عن اليهود، وصموئيل عن شاول وإبراهيم عن سدوم، هنا نجد قلوب مقدسة تحب الآخرين، ولكنهم لا يعرفون ما يصلون لأجله، وقد نصلي لأمور ضد خلاصنا، كما صلى بولس حتى تنزع منه الشوكة (المرض). حسنًا قال السيد المسيح ليعقوب ويوحنا “لستما تعلمان ما تطلبان” فغموض المستقبل يجعلنا لا نعرف ما نصلي لأجله، ونصلي لأجل طلبات قد يكون فيها ضرر كبير لنا.

وعمل الروح القدس في داخلنا أنه يقودنا في الصلاة ليعطينا ماذا نقول، ويقنعنا بإرادة الله أو بأن ما نطلبه ليس في مصلحتنا فنسلم بإرادة الله. وقد يبدأ الإنسان صلاته بأن يطلب طلب ما، ومع استمرار الصلاة يقنعه الروح القدس بقبول إرادة الله فيقول لتكن مشيئتك، وحين يسلم الإنسان أموره لله يصير مقبولًا أمام الله. فالصلاة لا تغير مشيئة الله بل هي تغير مشيئتي بعمل الروح القدس حتى تتطابق مشيئتي مع مشيئة الله. ولكن حتى نسمع صوت الروح القدس، مطلوب أن نهدأ ونسكت لنسمع. لا تتكلم طوال الوقت أثناء الصلاة، بل إهدأ لتسمع صوت الروح القدس. يقول السيد المسيح “كل ما تطلبونه في الصلاة مؤمنين تنالونه” (مت22:21). فهل لو طلبت شيئًا خطأ، أو ليس في مصلحتي يعطيه الله لي؟ لا. لكن علينا أن لا نتعامل مع آية واحدة. وضع أمامك هذه الآية “وهذه هي الثقة التي لنا عنده إن طلبنا شيئًا حسب مشيئته يسمع لنا” (1يو14:5). فالله لن يستجيب إلا لو كانت صلاتنا متطابقة مع مشيئته. وكيف نعرف مشيئته؟ هذا هو عمل الروح القدس الذي يقنعني بالتسليم الكامل له. وبهذا أصير مقبولًا لدى الله. وهذه هي شفاعة الروح القدس. فحينما نقول أن المسيح شفيع لنا لدى الآب (1يو1:2)، فهذا ليس معناه أن المسيح يطلب من الآب عنا، فهذه شفاعة توسلية وهذا عمل السمائيين، أما المسيح فشفاعته كفارية، بمعنى أننا بسبب خطايانا فنحن غير مقبولين أمام الآب، لكن المسيح غطانا بدمه (كَفَّرَ عنا) فصرنا مقبولين أمام الآب. وبنفس المنطق فاختلاف مشيئتي عن مشيئة الآب يجعلني غير مقبول لديه، أمّا الروح القدس الذي يقنعني بأن أسلم مشيئتي للآب فهو بهذا يجعلني مقبولًا لدى الآب، وبهذا فهو يشفع فيَّ لدى الآب = الرُّوحَ نَفْسَهُ يَشْفَعُ فِينَا بِأَنَّاتٍ لاَ يُنْطَقُ بِهَا: الذي يئِن هو أنا فالروح لا يئن، فالروح يضع فينا مشاعر حب وشكر لله واشتياق وحنين للسماء، ويعطينا ما نقوله في الصلاة. والروح لا يخلق البلاغة والفصاحة في صلواتنا بل الاشتياق لله. والنفس قد تكون متألمة بسبب تجربة تَلِم(1) بها ويقف صاحب التجربة ليصلي، ويعطيه الروح أن يضع كل ثقته في الله الذي يحبه بالرغم من التجربة، بل يقنعه أن التجربة هي طريقه للسماء، ويلتهب قلبه بالحب لله ولا يجد ما يعبر به نحو الله عن مشاعره، لا يجد كلمات تعبر عن هذه المشاعر، فيئن. والله يسمع هذه الأنات التي تعبر عن تجاوب النفس مع الروح القدس. الله يسمع هذه الأنات المقبولة (آية 27) كما سمع صراخ موسى دون أن يصرخ ودون أن يتكلم كلمة (خر15:14) وسمع صراخ إسمعيل في عطشه دون أن يفتح فاه (تك17:21) وسمع أنات أم صموئيل (1صم13:1)، والله يسمع أي يعرف من يتجاوب مع الروح القدس. وفي آية 27 نسمع “بحسب مشيئة الله فعمل الروح القدس يجعل مشيئتي تتطابق مع مشيئة الله فأصلي من القلب قائلًا “لتكن مشيتك”. ونلاحظ أن هذا هو ما حدث مع المسيح.

ففي وقت التجربة أصرخ لله أيامًا وشهور والروح القدس يقنعني خلال كل هذه المدة أن أسلم مشيئتي لله. وكلما تقدم الإنسان روحيًا يختزل هذا الوقت جدًا. ومع المسيح إختزل هذا الوقت إلى لا شيء يذكر، ولاحظ صلاة المسيح “إن أمكن أن تعبر عني هذه الكأس. ولكن ليس كما أريد أنا بل كما تريد أنت”. وكلما اختزل الوقت بين طلبتي وبين تسليم مشيئتي بالكامل لله كلما كانت قامتي الروحية مرتفعة. فالمؤمن يبدأ صلاته وهو مُصِّرْ على طلب ما وينهي صلاته وقد سَلَّمَ الأمر تمامًا ليدي الله في ثقة ويذهب وقلبه مملوء سلامًا. والروح يشفع فينا أي يعطينا أن نكون مقبولين أمام الله فتنسكب فينا بركاته ومنها السلام الذي يملأ القلب فمعنى أن الروح يشفع هو أنه يجعلنا نتصل بالله بطريقة صحيحة (والاتصال هو الصلاة). ويا ليتنا نتعلم أن نصلي هكذا “يا رب أريد كذا… لكنني لا أعرف أين الخير… إذًا لتكن مشيئتك”.

كيف يعمل الروح القدس داخلي:

1- قد أبدأ الصلاة في حالة ضيق من أمر ما، وأطلب من أجل تغييره.

2- الروح يتكلم في داخلي، وهذا لِمَن صارت حواسه مُدَرَّبَة (عب 5: 14) ويقنعني بأن ما يحدث هو خير.

3- قد يحاربني عدو الخير بأن ما يحدث ليَّ علامة قسوة الله في أحكامه ضدي.

4- الروح يجيب صارخًا في داخلي كيف يقسو الله عليك وهو أبوك.

وهذا معنى: (أ) يعطينا أن نصرخ يا آبا الآب (آية 15).

 (ب) مثل السيد المسيح أن الأب لا يعطي لأولاده ثعبان أو عقرب.

فالروح هنا يتكلم في داخلي عن طريق وضع فكرة في داخلي يقنعني بها أن الله أب لي فأستريح وينتهي الضيق.

5- المرحلة التالية هي بأن يضع في داخلي مشاعر تجاه أبي السماوي هذا الذي يدبر كل الخير لي بما ظننته ضرر لي. وهذه المشاعر هي مشاعر حب لا يمكن التعبير عنها (وهذا معنى الأنين).

 إذًا الروح يتكلم داخلنا عن طريق:

(أ) الإقناع بالفكر (أر 20: 7).

(ب) المشاعر تجاه الله (رو5: 5).

آية (27): “ولكن الذي يفحص القلوب يعلم ما هو اهتمام الروح لأنه بحسب مشيئة الله يشفع في القديسين.”

الَّذِي يَفْحَصُ الْقُلُوبَ = الله هو فاحص القلوب والكلى (رؤ23:2) أي هو عارف بكل ما في قلبي. يَعْلَمُ مَا هُوَ اهْتِمَأمُ الرُّوحِ = الروح القدس هو الذي يعطي الإقناع كما قلنا بشيء معين. وهو وحده الذي يعرف هل اقتنعت قلبيًا بما حاول أن يقنعني به أم لا. فإذا وجدني ما زلت غير مقتنع يظل الروح يحاول ويُلِح عليَّ حتى أقتنع (إر20:7) لأَنَّهُ بِحَسَبِ مَشِيئَةِ اللهِ يَشْفَعُ. أي أن الروح القدس يحاول مع الإنسان الروحي أن يغير قراره في الصلاة، ويغير طلبته لتتطابق مع مشيئة الله، وهذه هي الشفاعة فصلاتي لن تغير مشيئة الله، بل تغير مشيئتي لتتطابق مع مشيئة الله فأصير مقبولًا لدى الله.

يَشْفَعُ فِي الْقِدِّيسِينَ = عمل الروح القدس هذا لن يجدي مع الإنسان الجسداني فهذا لا يسمع أصلًا للروح القدس.

ملحوظة: ليس المهم أن نتكلم كثيرًا في الصلاة بل أن نتسمع صوت الروح القدس في داخلنا، ونئن بما يمليه علينا.

رو8: 28-34

آية (28): “ونحن نعلم أن كل الأشياء تعمل معًا للخير للذين يحبون الله الذين هم مدعوون حسب قصده.”

نعم إننا نئن ولكننا من ناحية أخرى نعلم أنه بالنسبة لهؤلاء الَّذِينَ يُحِبُّونَ اللهَ فإن كل شيء يتعاون ويتضافر ويعمل معهم من أجل خيرهم وصلاحهم ولبنيان نفس المؤمن الحقيقي وخلاص نفسه. حتى ما نراه من أمور معاكسة أو مضادة بحسب تصورنا، وحتى المؤلم منها (كشوكة بولس الرسول) فهي تعمل لأجل خلاص نفس المؤمن. وهذه الآية متعلقة بالسابقة. فالروح يقنعني في وقت ضيقتي بأن ما يحدث في حياتي فهو للخير فأقول لتكن مشيئتك.

نَحْنُ نَعْلَمُ = أي هذه أمور بديهية لا تحتاج إلى إثبات أن الله صانع خيرات، وهذا قد اختبرناه في حياتنا من معاملات الله معنا، والله لا يستطيع أن يعمل شرًا لأولاده. وحتى ما أراه شرًا فالله قادر أن يخرج من الجافي (الألم) حلاوة (خلاص نفس1كو22:3). فالشر والألم دخلوا إلى العالم بسبب الخطية، والله حوَّلهم للخير، كما عبَّر القديس إغريغوريوس عن ذلك في القداس “حوَّلت لي العقوبة خلاصا”.

تَعْمَلُ مَعًا = الشيء وحده قد يبدو سيئًا وغير مفهوم بسبب غرابته وقسوته (نقصد الألم) ولكن حينما يضاف إلى الأعمال الأخرى والظروف الأخرى التي أتت والتي سوف تأتي فإن كل هذه الظروف معًا تعمل لأجل هدف واحد، تعمل للخير بانسجام، وما هو الخير= خلاص نفسي.

تأمل علمي لشرح الآية:-

حينما تؤثر عدة قوَى على جسم يتحرك هذا الجسم في اتجاه مُحَصِّلَة القوى. وهذه لها طريقة لحسابها. والمؤمن الذي يحب الله يتعرض لمجموعتين من القوى:-

الأولى= أعمال إحسانات الله وخيراته الزمنية والروحية.

الثانية= أعمال مقاومات إبليس والتجارب والضيقات ولكنها بسماح من الله (قصة أيوب)

وإحسانات الله هدفها جذب المؤمن لله. وإبليس حين يهاجم بتجاربه فهو يقصد أن يبعد الإنسان عن الله، لكن الله يسمح بها لينقي المؤمن:-

  1. شوكة بولس هي من إبليس….. والله سمح بها ليحميه من الكبرياء (2كو7:12).
  2. آلام أيوب كانت من إبليس….. والله سمح بها ليشفيه من بره الذاتي.
  3. خاطئ كورنثوس حَكَمَ عليه بولس بان يُسَلَّم للشيطان لهلاك الجسد… ولكن كان ذلكلكي تخلص الروح في يوم الرب يسوع (1كو4:5).

لاحظ أن إبليس يوجه ضرباته وتجاربه للمؤمن حتى يتذمر على الله، ولكن الله في محبته يسمح بهذا من أجل خلاص نفس المؤمن. وكل الأمور التي تجري في حياتي (سواء ما أراه أمورا حسنة أو ما أراه مؤلما = وهذا ما تشير له كلمة معًا) هدفها أن أسير في اتجاه (المحصلة) وهي لها اتجاه واحد هو خلاص نفسي، هو الخير دائمًا لمن يحبون الله.

مثال: لو كانت كل عطايا الله خيرات زمنية (مال /صحة /أمجاد زمنية..) لتعلقنا بالأرض ولرفضنا فكرة الموت. ولو كانت عطايا الله كلها خيرات روحية (تلذذ بالصلاة /مواهب شفاء..) لانتفخ الإنسان وتكبر ولفقد خلاص نفسه.

لذلك نقول… أن إبليس هدفه من التجارب التي يصيب بها المؤمن أن يفصله عن الله، والله يسمح بها فهو وحده الذي يعلم ما الذي يحتاجه الإنسان ليخلص، وهو وحده الذي يعلم كيف يحمي أبناءه من أي انحراف حتى لا يهلكوا. والله وحده هو الذي يعلم تفسير كلمة معًا كيف يوجه الإحسانات والتجارب كليهما في اتجاه خلاص نفس أحباءه. لذلك حينما يوجه الشيطان ضرباته ليفصل المؤمن عن الله، يستهزئ به الله ويضحك عليه، إذ أنه بهذا يتمم ما أراده الله بالضبط (مز1:2-4) وحتى وقت الضيق فالله لا يترك أولاده وحدهم، بل يعطيهم تعزيات ليجتازوا الضيقة بسلام “شماله تحت رأسي (الضيقات) ويمينه تعانقني (تعزياته)” (نش3:8) “عند كثرة همومي في داخلي تعزياتك تلذذ نفسي” (مز19:94).

الَّذِينَ يُحِبُّونَ اللهَ = أمّا الذين لا يحبون الله فهناك قانون آخر يحكمهم هو “ملعونة الأرض بسببك” فهم يعانون ويتألمون بلا فائدة كثمرة لخطاياهم، وبسبب لعنة الأرض.

وما يفسد عمل الله هو التذمر على ما يسمح به الله، فهذا قد يوقف التدبير الإلهي، بل قد يرفع الله عن الإنسان التجربة التي كانت لخلاص نفسه ولبنيانه، ويرتد المتذمر إلى مشيئة نفسه، وتتخلى عنه العناية الإلهية. ويضيع من أمامه طريق الترقي لبلوغ القصد الإلهي الأسمى. فكل ما نراه في حياتنا من الأمور التي يقال عنها شر، هي إمّا تفطمنا عن العالم أو تقربنا للسماء وتؤهلنا لها. ونلاحظ في (حز13:10) أن كل البكرات (الظروف التي تؤثر في حياتنا ومصيرنا) كأنها بكرة (يعني وحدة الهدف والتناسق والانسجام والتعاون معًا) والهدف الواحد لمن يحبون الله هو خلاص نفوسهم.

الَّذِينَ هُمْ مَدْعُوُّونَ = الذين يحبون الله، قد دعوا وأختيروا بحسب علم الله السابق.

حَسَبَ قَصْدِهِ = قصد الله نراه في آية 29 “ليكونوا مشابهين صورة ابنه”. فإن كان الله قد دعاهم وهذا هو قصده فكيف لا تعمل كل الأمور من أجل صالحهم وخيرهم.

آية (29): “لأن الذين سبق فعرفهم سبق فعينهم ليكونوا مشابهين صورة ابنه ليكون هو بكرًا بين إخوة كثيرين.”

سبق فعرفهم= إذًا اختيار الله ودعوته ليسا عن محاباة، بل هو يعرف من سيقبله كمخلص، ويقبل دعوته، وبمعرفة الله الكاملة عرف استحقاقاتهم= سَبَقَ فَعَرَفَهُمْ . ومن سبق فعرفهم سبق فعَيَّنَهُم = عيَّنَهُم لِيَكُونُوا مُشَابِهِينَ صُورَةَ ابْنِهِ = أي يكتسبوا نفس الصورة الروحية والأخلاقية التي للابن. المسيح شابهنا في موتنا لنشبهه في حياته. نشبهه في صفاته وقداسته، بل ومجد حالة ابن الله. إذًا هو الذي يدعو وهو الذي يبرر، وهو الذي يمجد ولكن ليس في سلبية من جهتنا. فالله يدعو الكل (1تي4:2) ولكن قد يريد الله، ولا يريد الإنسان فلا تكمل إرادة الله “أنا أردت.. لكنكم لم تريدوا” (مت37:23). فماذا نعمل لنشابه صورة ابنه؟

 يقول بولس الرسول في (رو2:12) “تغيروا عن شكلكم.. ولا تشاكلوا هذا الدهر” إذًا بقدر ما نتغير عن شكل هذا الدهر نتشكل كأبناء لله، نشبهه في قبوله للألم والصليب، وفي قداسته وطهارته ورفضه للخطية فنشبهه في عدم موته.  إذًا من تم اختيارهم، اختيروا للقداسة أي لمشابهة المسيح، فليس هنا مجال لأن يقول أحد طالما أنا مختار فلأخطئ كما أريد، فكيف يخطئ من هو على صورة المسيح ؟! (2تس13:2). ونحن قد وُلدنا على صورته في المعمودية بموت العتيق فينا وقيامة الجديد مع المسيح.. وعمل الروح القدس فينا أن يُصوِّر المسيح فينا (غل19:4). فنحن نتغير إلى صورة المسيح المتألم على الأرض لنأخذ صورة جسد مجده في السماء (2كو18:3+ كو10:3+ 1كو49:15+ في21:3+ 1يو2:3).

ليكون بكرًا بين إخوة كثيرين= [1] بكر أي هو الابن الوحيد القدوس للآب، هو عقل الله وحكمته (1كو24:1). هو به كان كل شيء وبغيره لم يكون شيء ممّا كان (يو3:1) فهو أول ومؤسس الخليقة كلها. وهو أيضًا رأس الخليقة الجديدة، ونحن فيه نصير أولادًا لله.

[2] كلمة بكر تعني فاتح رحم أمه العذراء ولا تعني بالضرورة وجود إخوة ليكون هو بكرًا لهم.

[3] هو بكر الخليقة الجديدة مات وقام، ونحن بالمعمودية نموت ونقوم معه، فنحن ندخل الخليقة الجديدة به وفيه (كو15:1). فهو مؤسس وأول الخليقة الجديدة. وهو السابق لنا في دخول السماء في الأمجاد، هو أول من دخلها. هو البكر لأنه هو الأول كإبن لله ونحن تاليين له، باتحادنا به وتشابهنا معه في صورته.

[4] هو بديل آدم البكر، بكر الخليقة، فالمسيح صار آدم الأخير ونحن صرنا أبكارًا باتحادنا بالمسيح. صرنا وارثين كأبكار (عب23:12).

[5] هو بديل إسرائيل ابن الله البكر، فلقب البكر انتقل إليه، إذ فقد إسرائيل بكوريته بسبب خطيته. وكذلك فإسرائيل حمل لقب البكر لأن المسيح سيأتي منه ويصير هو البكر الحقيقي وسينوب عنه.

آية (30): “والذين سبق فعينهم فهؤلاء دعاهم أيضًا والذين دعاهم فهؤلاء بررهم أيضًا والذين بررهم فهؤلاء مجدهم أيضًا.”

سَبَقَ فَعَيَّنَهُمْ = هو يُعَيِّنْ كأبناء مشابهين لصورة ابنه، الذين يعرف أنهم يقبلون نعمته في كمال حريتهم. كما قال الله لإرمياء “قبلما صورتك في البطن عرفتك” (إر 1: 5).

دَعَاهُمْ = بواسطة الكرازة للإيمان والآن هذه الدعوة هي دعوة داخلية ومن يقبلها يتبرر ومن يتبرر يتمجد.

آية (31): “فماذا نقول لهذا إن كان الله معنا فمن علينا.”

فَمَاذَا نَقُولُ لِهذَا = هذه كلمة تعجب. فأشياء العالم متى عرفناها ينتهي تعجبنا، أمّا محبة الله فكل ما نعرفها نزداد عجبًا. إِنْ كَانَ اللهُ مَعَنَا = يسكن فينا روحه القدوس، ومتحدين بالمسيح، فالله يساندنا، يحفظنا ويحرسنا، هو في صفنا. فَمَنْ يمكنه أن يعمل ضدنا، ولا حتى الشيطان يقوى على هذا. فَمَنْ عَلَيْنَا = لا أحد يستطيع أن يؤذينا طالما نحن في حمايته وحصانته. بل إن كان الله معي فحتى الأمور التي هي ضدي تتحول لحسابي. إن سلبت مال المؤمن تصير بالأكثر صرافًا لمكافأته، وإن تحدثت عنه بشر يُحسب هذا الشر مصدر بهاء جديد في عيني الله، وإن حرمته من الطعام أشبعه الله من تعزياته، وإن قدمته للإستشهاد فسينعم بإكليل الحياة الأبدية.

آية (32): “الذي لم يشفق على ابنه بل بذله لأجلنا أجمعين كيف لا يهبنا أيضًا معه كل شيء.”

إن الله الذي وهبنا ابنه الوحيد وقدمه للموت من أجلنا، كيف لا يهبنا معهُ جميع العطايا والنعم التي يحتاجها خلاصنا. إن كان الله قد وهبنا المسيح فكيف لا يهبنا معه كل ما نحتاجه لكي يتحقق خلاصنا. وإن كان الله قد بذله عنا ونحن أعداء، فهل يحجب الخلاص الآن عن التائب. ولكن مازال إبليس يخدع البعض كما فعل مع الأخ الأكبر للابن الضال، الذي اشتكى من أن أبيه لم يعطه جديًا بينما الميراث كله له، فمازال إبليس يصنع نفس الشيء معنا ويصور لنا أن الله لا يحبنا إذ قد حرمنا من أشياء مادية (مال / صحة / مركز / ترقية..) ونبدأ نشتكي مرددين ما وضعه الشيطان في أذاننا من شكوى على الله. والرسول هنا يتعجب من هذا!! هل نتخاصم مع من أعطانا ابنه ! هل نشتكي أنه لم يعطنا كذا وكذا، وهو أعطانا ابنه لنحصل بهذا على ميراث السماء! هل من أعطانا ابنه يبخل علينا بأي شيء يكون فيه فائدة لنا! لكن لنفهم أنه يهبنا كل شيء يجهزنا للسماء، أما ما يبعدنا عن السماء فلن يعطيه لنا، وذلك لمحبته لنا. وهذا الإيمان بمحبة الله وهذا الفكر بأنه يعطينا ما يجعلنا نصل للسماء سيعطينا النصرة على الآلام والمضايقات. بعد هذا الحب يجب أن نقبل أي صليب، بل نطلب أن نرتفع بصليبنا إلى الأحضان الأبوية. ولا نطلب شيئًا آخر، فنحن أمام هذا الحب وبسبب خطايانا نخجل أن نطلب أي شيء.

آية (33): “من سيشتكي على مختاري الله. الله هو الذي يبرر.”

الشيطان هو المشتكي (رؤ9:12، 10) الله هو الذي يبرر= أي يمنح أولاده بره الخاص أي نعمته المجانية. حينما يبرر الناس أنفسهم تبقى الشكوى قائمة، ولكن حين يبرر الله يستر تمامًا، وتبطل كل شكوى، الله يغفر تمامًا كل خطايا الذين بررهم.

آية (34): “من هو الذي يدين المسيح هو الذي مات بل بالحري قام أيضًا الذي هو أيضًا عن يمين الله الذي أيضًا يشفع فينا.”

نحن هنا أمام صورة محكمة.. المتهم هو أنا.. الذي يدين (القاضي) وهو المسيح. فالآب أعطى الدينونة للإبن (يو22:5) . والذي يشتكي (المدَّعي /النيابة) هو الشيطان (رؤ12: 9، 10). والذي يشفع فينا (المحامي) هو أيضًا المسيح الذي مات عنّا وقام، فلو لم يقم لكنا قد بقينا حيث نحن، وهو ممجد عن يمين العظمة الإلهية ويشفع أمام الله لأجلنا. فحبيبنا الذي يشفع فينا هو نفسه القاضي الذي يديننا. الذي يحكم علينا هو نفسه الذي غسلنا بدمه. هذا المشهد جعل بولس الرسول ينشد نشيد المحبة الآتي.

تسلسل أفكار الآيات 1 – 34

1 – 16:- من يسلك بالروح يصير ابنًا لله.

17 :- أولاد الله يرثون المجد مع المسيح، ولكن مازال هناك آلام على الأرض.

18 :- حينما نرى هذا المجد سنجد أن الآلام التي احتملناها هي لا شيء بالنسبة لهذا المجد.

19 – 23:- ليس الإنسان وحده هو الذي سيتمجد، بل كل الخليقة، فالخليقة لعنت بسبب الإنسان، فحينما يتمجد الإنسان ستتمجد كل الخليقة معه. ولكننا في وسط آلام هذا العالم، عيوننا مُعَلَّقة بهذا المجد المنتظر على رجاء.

24 :- لماذا الرجاء ؟ لأننا واثقين أن المسيح قد تمم كل شيء للخلاص، ولكننا لسنا بعد نرى هذا المجد المُعَّد عيانًا، بل ننتظره متوقعينه بالإيمان والرجاء.

25 :- وعلينا احتمال الآلام بصبر لثقتنا في وعد الله.

26، 27 :- والروح يعطي معونة ويشفع فينا حتى تتفق إرادتنا مع إرادة الله فنصير مقبولين أمامه.

28 :- ما يعطينا الصبر أيضًا ثقتنا في أن كل ما يسمح به الله من ضيقات هو للخير . إذًا فهذه الآلام يسمح بها الله لخلاص نفوسنا.

29، 30 :- وما هو قصد الله تجاهنا ؟ أن نصير مشابهين لصورة ابنه.

31 – 34 :- هل هناك حب أعظم من هذا ؟! وهل من بذل ابنه لأجلنا سيحرمنا من أي شيء تافه على الأرض. وهذا فيه رد على كل متألم يشككه إبليس في محبة الله له. وأن الله لا يحبه إذ هو يسمح له بهذا الألم. والرد هنا…. هل من بذل ابنه لأجلي، يقبل أن يتركني للألم دون أن يكون هذا الألم له فائدة أن أحصل على صورة ابنه.

رو8: 35-39

آية (35): “من سيفصلنا عن محبة المسيح أشدة أم ضيق أم اضطهاد أم جوع أم عري أم خطر أم سيف.”

أمام كل ما عمله المسيح من تجسد وفداء وآلام لتبريرنا وإرسال الروح القدس وإعطائنا ناموس روح الحياة لم يجد الرسول في نفسه إلاّ تسبحة الحب هذه ليرد الحب بالحب. من سيفصلنا عن محبة المسيح = محبتنا نحن للمسيح. أشدة أم ضيق = ظهر هذا في تسليم الشهداء أنفسهم للموت حبًا في المسيح. (لما أتى الجنود ليحرقوا القديس بوليكربوس وجاءت له فرصة للهرب، طلب منه شعبه أن يهرب، فقال، المسيح كان معي 86 سنة لم أرى فيها منه خيانة فهل أخونه أنا الآن بعد 86 سنة). الشدائد موجهة لنا حتى نترك المسيح، ولكن الروح القدس يسكب محبته فينا لله فنجوز في الضيقات التي تفرض علينا كل يوم منتصرين عليها، بسبب هذه المحبة. لم تعد الضيقات ولا الآلام تحطم النفس بل سببًا لدخول موكب الغلبة والنصرة تحت قيادة المسيح المتألم.

آية (36): “كما هو مكتوب أننا من أجلك نمات كل النهار قد حسبنا مثل غنم للذبح.”

 هذه الآية مأخوذة من (مز22:44) كُلَّ النَّهَارِ = يعني كل الزمان الذي نحياه ونتألم فيه. نُمَاتُ … حُسِبْنَا مِثْلَ غَنَمٍ = قد تعني [1] موتًا نحن معرضون له من أعداء المسيح بسبب تمسكنا بالمسيح. وهذه الصورة ، صورة الغنم المأخوذة للذبح إستعملها الرسول هنا، لأننا نحن نتعرض على الدوام للمخاطر والموت من الذين يضطهدوننا وينظرون إلينا كأننا غنم معدة للذبح. [2] وقد تفهم على أننا نقدم أنفسنا كذبائح حية في خدمة، وأصوام وصلوات غير مبالين بآلام الجسد بل نخدم الله حتى النفس الأخير. [3] نحيا حياة الإماتة أي نقف كأموات أمام الخطية (رو6 : 11).

آية (37): “ولكننا في هذه جميعها يعظم انتصارنا بالذي أحبنا.”

يعظم انتصارنا = في ترجمة أخرى “أعظم من منتصرين”. هذه طريقة غريبة للانتصار تشبه انتصار المسيح، الذي انتصر على الرياسات بالصليب. طريقة العالم في الانتصار هي الانتصار بالنار والسيف، أمّا طريق المسيحي في الانتصار هي عن طريق احتماله النار والسيف بإيمان وصبر، بل بهذا يصبح أعظم من منتصر، فكل ما يكسبه منتصر في معركة عالمية يخسر أمامه شيء، أمّا نحن فماذا نخسر؟! بعض الآلام.. ولكن هذه الآلام هي النار التي تنقي الذهب. حتى خسارة الجسد فهي ليست خسارة فهو تراب وأرضي. فالخسائر قليلة جدًا والمكاسب ثقل مجد أبدي ومجد وكرامة وسلام هنا على الأرض. إن من يحاربنا يحارب الله نفسه.

تأمل في الحسد:- هل نخاف من الحسد؟ حسد الناس لا يضر لأنني محفوظ في يد الله. (يو17: 11، 12). فمن يحفظه الآب والابن هل يقدر أحد أن يؤذيه. ولكننا نصلي في صلاة الشكر.. “كل حسد وكل تجربة وكل فعل الشيطان” فكل نعمة نحصل عليها تزيد حقده ضدنا، ويدبر المؤامرات ضدنا، والله يسمح بهذا ولكن نخرج من هذه المؤامرات بمكاسب عظيمة. وما يشرح هذه الفكرة ما حدث مع الملك يهوشافط راجع القصة في (2أي20) فهو لقداسته أهاج الشياطين، التي بدورها أهاجت أعداؤه ضده، لكن ماذا كانت نتيجة المؤامرة ؟! غنيمة عادوا بها وظلوا ينقلونها عدة أيام هذا معنى أعظم من منتصرين. ولكن نحن بتواضع نقول لله “لا تدخلنا في تجربة”، أمّا لو سمح الله بتجربة فسنعود أعظم من منتصرين وهكذا تواضع الأنبا أنطونيوس أمام الشياطين.

الآيات (38، 39): “فأني متيقن أنه لا موت ولا حياة ولا ملائكة ولا رؤساء ولا قوات ولا أمور حاضرة ولا مستقبلة. ولا علو ولا عمق ولا خليقة أخرى تقدر أن تفصلنا عن محبة الله التي في المسيح يسوع ربنا.”

لا موت ولا حياة= صار الموت غير مخيف فهو انتقال إلى أحضان القديسين في رفقة الملائكة. فأهوال الموت أو ملذات الحياة غير قادرة أن تفصلنا عن محبة المسيح. لن ننفصل عنه لا في هذه الحياة ولا بعد الموت. ولا ملائكة ولا رؤساء ولا..= الرؤساء والقوات هم رتب للملائكة. والملائكة نوعان: [1] أبرار وهؤلاء لا يريدون أن يفصلونا عن محبة المسيح. [2] أشرار وهم الشياطين وهؤلاء لا يقدرون أن يفصلونا. الأبرار يفرحون بتوبتنا والأشرار مقيدين بالصليب. ولا أمور حاضرة ولا مستقبلة= فالله ضابط الكل، حياتي في يده وهو يحبني وفداني. ولا علو= علو النجاح والرخاء والمجد الكاذب (لأنه غير دائم) والمناصب. ولا عمق= عمق الشدائد والخزي والعار. وقد يشير العلو لما في السماء من عواصف وأنواء. وقد يشير العلو لما في السماء من عواصف، والعمق لما في أعماق البحار أو أعماق السجون. لا شيء يرفعنا إلى فوق أو ينزل بنا إلى اسفل قادر أن يفصلنا عن محبة المسيحولا خليقة أخرى= حتى إن وجدت خليقة أخرى لا نعرفها فلن تقدر على هذا محبة الله التي في المسيح يسوع= ثباتنا في المسيح هو الذي أعطانا هذه المحبة لاشيء إذًا يفصلنا عن محبة الله.. إلاّ شيء واحد.. الخطية بلا توبة. فالخطية تطفئ الروح القدس الذي يسكب الحب فيَّ، وتنطفئ حواسي الروحية فلا أعود أرى المسيح، وبالتالي أفقد محبته. الروح القدس الذي قال عنه الرسول أنه يسكب محبة الله في قلوبنا (رو5:5) هو الذي سكب كل هذا الحب في قلبه.

تعليق على الإصحاحات السابقة

كيف كان آدم يعيش في جنة عدن؟

آدم مخلوق على صورة الله (تك27:1) والله محبة (1يو8:4). فكان آدم يُحِبْ الله. وكانت لذة آدم في حبه لله، لأن الله لذاته في بني آدم (أم31:8). ومرة ثانية كان هذا لأن آدم على صورة الله. ولما كان آدم يُحِب الله من كل قلبه، كانت طاقة الحُبْ في آدم مُقدسة أي مُكرسة ومُخصصة لله. وهذا كان يؤدي إلى أن آدم كان في حالة فرح عجيب لا يعرفها إنسان الآن، وهذا معنى كلمة عَدْنْ التي هي كلمة عبرية עֵדֶן تعني فرح وبهجة. إذًا كانت هذه هي إرادة الله في خلقة الإنسان…

أن يحيا الإنسان في فرح أبدي

والمحبة طاقة جبارة داخل الإنسان تجعله في اتجاه دائم نحو الله، وكلما اتجه الإنسان لله يزداد فرحه.

ماذا بعد الخطية والسقوط؟

 كان آدم في الجنة كما قُلنا له هدف واحد، هو الله. والهدف الواحد يعني كما تُشير كلمة بساطة في الكتاب المقدس (بالإنجليزية) SINGLE HEARTED، أي أن القلب كله كان مُتجها لله، لا هدف له سوى الله، ومن قوانين المحبة أنك تُصدِّق ما يقوله لك من تُحبه وتثق فيه وفي محبته. وكانت سقطة آدم أنه صدّق الشيطان وكذَّب الله الذي يُحبه، فتغيَّر اتجاه قلب آدم ولم يَعُد بسيطًا. وكانت بساطة قلب آدم تعني فرحه الدائم وفرح الله به. وتعني أن آدم كان جسده نيِّرًا (مت22:6). وتشوَّهت طاقة الحُب التي كانت في آدم، بل اتجهت لشهوات فاسدة ولم تَعُدْ مُقدسة ففقد الفرح والحالة النورانية. ملأت الشهوات الفاسدة قلبه. وورث هذه الحالة عنه كل بني آدم، وهذا معنى طرده من الجنة أي خسارته لهذا الوضع الذي كان فيه، بل مات آدم ونسله (راجع تك5) لترى أن كل أولاد آدم، ولأنهم على صورة آدم ماتوا مثله. وفقد أولاد آدم طبيعتهم النورانية والفرح الأبدي الذي أراده الله لهم. دخل إلى حياتهم عَكَارة طينية، صاروا مثل كوب به ماء شفَّاف ودخلت فيه هذه العَكَارة فتعكَّرت المياه وفقدت شفافيتها، وهذه هي ما نُسميها الخطية الأصلية أو الجدِّية التي ورثناها كأولاد آدم. وانتشرت الخطية في العالم، وقال بولس “أن الجميع زاغوا وفسدوا” (رو12:3) ومات البشر وضاعت فرحتهم وحزن الله على هذا. حزن على عدم طاعة آدم، فالطاعة دليل المحبة. فكانت محبة الله تتضح في عطاياه لآدم (جنة أي خليقة جميلة ويحيا فيها في فرح عجيب…).

وفي المُقابل كانت محبة آدم لله تظهر في طاعته. فلما أظهر عدم طاعة حزن الله على ذلك، وحزن الله على أن البشر خسروا حالة الفرح والحياة الأبدية التي أرادها لهم. ومع أن الإنسان سقط إلا أن الله حتى يُساعده بقدر الإمكان أن يفرح طلب منه في وصاياه: (1) لا تشته (الوصايا العشر)؛ (2) حِبْ الرب إلهك من كل قلبك (تث5:6)، ومن يحاول أن يفعل ستعود إليه حالة الفرح جزئيًا.

هل تكون هذه هي النهاية؟

 لا يمكن على الإطلاق أن الله تكون له خطة ثم تفشل هذه الخطة نتيجة لحسد إبليس… وكان الفداء… وكانت المعمودية التي بها نُدفن مع المسيح ونقوم معه متحدين به (رو5:6)، فتكون لنا حياة أبدية هي حياة المسيح الذي اتحدنا به (رو8:6) وهي أبدية لأن المسيح لن يموت ثانية (رو9:6). لكن لا بُد من الجهاد، والجهاد هنا هو:

1) أن نَغْصِب أنفُسنا على أن نظل أمواتًا عن الخطية (رو11:6) ولقد صار لنا سلطان قوي على الخطية بسبب النعمة (قوة عمل الروح القدس فينا) (رو14:6) وإن أخطأنا فالروح القدس يبكِّتنا على خطيتنا (يو8:16).

2) أن نظل في حالة اتجاه دائم نحو المسيح (صلاة، تسبيح، ترديد مزامير، صلاة بلا انقطاع) وإن أخطأنا نُقدِّم توبة ونعود. ودم يسوع المسيح يطهر من كل خطية. ولنلاحظ أننا لا بُد وسنخطئ لأننا مازلنا في هذا الجسد الذي تسكن فيه الخطية (رو20:7)، ولكن دائمًا هناك حل وهذا من بركات الفداء، فإن اعترفنا بخطايانا فهو أمين وعادل فيغفرها لنا.

إذًا التوبة هي اتجاه دائم نحو الله (1 يو 6: 1-10). وهذا الاتجاه الدائم نحو الله هو ما يُسميه الكتاب البساطة ((single hearted لذلك يقول العريس لعروسه في سفر النشيد “يا حمامتي يا كاملتي” (نش2:5) فالحمام له صفة البساطة، أي الاتجاه دائمًا إلى المكان الذي خرج منه (فلك نوح، البرج الذي خرج منه، الحمام الزاجل) وحياة التوبة هي خروج دائم من الشر واتجاه دائم نحو المسيح. وهذا هو ما يُفرِح قلب المسيح فنقول يا حمامتي (التي تتجه دائمًا إليَّ) يا كاملتي (فنحن نُحسب كاملين في المسيح) ومن يتجه دائمًا للمسيح في توبة تاركًا خطيته، تثبت فيه حياة المسيح. والعكس من يترك المسيح ساعيًا وراء خطيته يفقد حياته الأبدية فلا شركة للنور (المسيح) مع الظلمة (السلوك في الخطية التي يعرضها علينا إبليس) ومن يثبت في حياة المسيح، تكون له أعمال صالحة، أعمال بِرْ، وتكون أعضاؤه آلات بِرْ (رو13:6)، وتكون أعماله الصالحة تمجد الآب السماوي، فهو يُعطينا حياته لنسلك في بِرْ لمجد اسم الله. ومن لا يسلك في البِرْ يبكته الروح القدس على بِرْ لا يسلك فيه (يو8:16) وهذا هو ما يُسمى الجهاد الإيجابي.

بالخطية ولدتني أمي (المزمور الخمسون):

 نحن نولد هكذا بالخطية = العكارة الطينية تملأ كوب الماء الشفَّاف. فنكره ونشتهى…

بركات الفداء:

غفران الخطايا / البنوة لله / حلول الروح القدس فينا / الفرح والسلام نتيجة المحبة التي يسكبها روح الله فينا (رو5:5) / نُحْسَب كاملين في المسيح / النعمة التي تُعطينا السلطان على الخطية / ندوس الحيات والعقارب وكل قوة العدو / نسلك في بِرْ ونمجد الله / نحيا حياة سماوية / نرث الله نرث مع المسيح في حياة أبدية ومجد أبدي وفرح أبدي… إلخ.

هل تحقق هذا كله؟:

هذا كله قد تحقق… ولكن نحن ما زلنا في الجسد الذي تملأه العكارة الطينية. وعمل إبليس دائمًا هو أنه يأتي ليُحَرِّك المياه لإثارة العكارة فتظهر الشهوات والحِقد والبغضاء وتَمَنِّي الشر للآخرين… إلخ.، لكن لنعلم أن إبليس ليس له سلطان علينا بل هو مجرد قوة فكرية فقط. هو يعرض علينا الخطية ومن يقبلها وينجذب يعود ويُصدِّق الشيطان أن هناك لذّة وسعادة في الخطية فينخدع من شهوته (يع14:1)، وبهذا فهو يكرر سقطة آدم الذي كذَّب الله وصدَّق إبليس ففقد فرحه، الفارق بيننا وبين آدم هو أن آدم حينما سقط لم يكن هناك وسيلة لغفران خطيته أو تجديد طبيعته، فمات.

وجاء المسيح بدمه ليُكفِّر أي يُغطي على خطيتنا ويُعيد لنا الحياة. حقًا بسبب هذا لم نحصل على كل بركات الفداء بعد. نحن حصلنا على مايُسمى العربون (أف14:1). بدأنا في تذوُّق نعمة الانتصار على إبليس وعلى الخطية وعلى الشهوة. وبدأنا في تذوُّق الفرح والتلذُّذ بالبنوة. ولكن بقية بركات الفداء سنحصل عليها في السماء حينما نلبس الجسد الممجد وهذا ما يُسمى التبني فداء أجسادنا (رو23:8) وهذا ما نتوقعه. وهنا الفرح الكامل والسلام الكامل والمجد الأبدي. فالابن الكامل لا يستطيع أن يُخطئ (1يو9:3). ولكننا مازلنا نُخطئ كما قال الكتاب “الصديق يسقط في اليوم سبع مرَّات ويقوم” (أم16:24)، ويوحنا يقول “إن قُلنا أنه ليس لنا خطية نُضل أنفسنا… ونجعله كاذبًا” (1يو8:1، 10). ونحن نسقط في الخطية بسبب إثارة الشيطان للعكارة التي فينا، وبهذا نفقد حالة الفرح الكامل… وهذا ما جعل بولس الرسول يقول “ويحي أنا الإنسان الشقي، من ينقذني من جسد هذا الموت” (رو24:7) وذلك ليحيا حياة الفرح الكامل حينما يترك جسده.

ناموس روح الحياة:

حقًا هناك ما يُسمى ناموس الخطية (رو23:7) وهذه هي العكارة الطينية التي ورثناها عن أبونا آدم. وبالفداء أرسل المسيح الروح القدس يسكُن في داخلنا ليُعطينا قوَّة قادرة أن تكتم هذه العكارة إلى أسفل الكوب فيعود الماء شفَّافًا وهذا ما أسماه بولس الرسول هنا “دان الخطية في الجسد” (رو3:8)، وكلما جاهدنا (جهاد إيجابي وسلبي) تزداد النعمة في داخلنا وتدين الخطية أي تُعيد العكارة ساكنة أسفل الكوب ويعود الماء لشفافيته ويعود لنا الفرح والشعور بالبنوة والإحساس بمحبة الله (رو31:8-39). وهذا هو ناموس روح الحياة أي هو قانون (ناموس) جديد وضعه فينا الروح القدس (روح الحياة) فهو يُعيد لنا الحياة الأبدية بأن يُثبتنا في المسيح حينما نترك الخطية ونتجه ناحية المسيح.

حمامتي كاملتي:

رأينا أننا نُحسب كاملين إذا كان اتجاهنا دائمًا نحو المسيح كما يتجه الحمام دائمًا إلى بيته، وكما عادت حمامة نوح إلى الفُلك. لذلك رأينا أنه من ضمن بركات الفداء التبني (البنوة لله). ولكن كما قال يوحنا أن الابن الكامل لا يستطيع أن يُخطئ ولكن نحن مازلنا نُخطئ. إذًا ما معنى عربون البنوة؟ هو أننا بالتوبة والاعتراف أي بالاتجاه دائمًا للمسيح نستعيد بنوتنا وذلك بثباتنا في المسيح، عن طريق غفران خطايانا فنكون الحمامة الكاملة التي وإن خرجت من برجها أي بيتها تعود إليه دائمًا. ولاحظ جمال الآية وترتيبها في الرسالة الأولى ليوحنا:

دم يسوع المسيح ابنه يُطهرنا من كل خطية… وهل هناك من لا يُخطئ؟

إن قلنا إنه ليست لنا خطية نُضِل أنفسنا… وكيف الرجوع؟

إن اعترفنا بخطايانا فهو أمين وعادل حتى يغفر لنا خطايانا.

ولا حظ أنه في يوم معمودية السيد المسيح ابن الله كان الأب فرحًا بعودة أولاده (نحن) إلى حضنه = هذا هو ابني الحبيب الذي به سررت، وكان الابن في الماء إعلانًا عن قبوله الموت وفي خروجه كان إعلانًا عن قيامته (الفداء). وكان عِماده تأسيسًا لسر المعمودية. فنحن حصُلنا على البنوة بفداء المسيح الذي كان سيتم بالصليب وعن طريق المعمودية التي كان يؤسسها يوم الأردن(3).

وكان الروح القدس على شكل حمامة يحل على جسد المسيح الذي هو كنيسته، وشكل الحمامة هذا لأن عمل الروح القدس أنه يثبتنا في المسيحالمعمودية وسر الميرون والتوبة والاعتراف والإفخارستيا أي الأسرار عمومًا) التي تثبتنا في جسد المسيح وهو الذي يملأنا محبة تجعل لنا الاتجاه الواحد نحو المسيح، وذلك عن طريق أنه يملأنا من محبة المسيح وإذا خرجنا (بالخطية) نعود بعمل الروح. فنكون في حالة رجوع دائم للمسيح. فلا بُد أن نخطئ طالما كنا في الجسد، ولكن المهم الرجوع الدائم مثل الحمام الذي يخرج من بيته لكنه يعود إلى بيته دائمًا يسكُن فيه فنصير في المسيح دائمًا.

وهذا يستمر حتى نحصل على فداء أجسادنا الكامل أي حصولنا على الجسد الممجد الذي لا يستطيع أن يُخطئ، ولا يأتي إليه إبليس، وهذا معنى أن أورشليم السماوية لها أبواب (رؤ13:21) فنحن ندخل ولا نخرج. وإبليس لا يدخل “لا يدخلها شيء دنس ولا ما يصنع رجسًا وكذبًا إلاَّ المكتوبين في سفر حياة الخروف” (رؤ27:21) أي من استطاعوا أن يثبتوا في المسيح الذي هو الحياة الأبدية.

أما ما يعرضه علينا الشيطان من ملذات الخطية فهو خداع فهو “كذاَّب وأبو الكذَّاب” (يو 8: 44).

الروح القدس يسكُب محبة الله في قلوبنا (رو5:5):

كانت محبة الله تملأ قلب آدم في الجنة وتشوَّهت بالخطية فأحب العالم وما فيه وتقلصت محبة الله في قلبه. وبالفداء انسكبت فينا محبة الله بالروح القدس المُعطى لنا. لكن كيف؟

1) الروح يأخذ مما للمسيح ويُعطينا، أي يحكي لنا عن المسيح فنحبه (يو14:16).

2) يدين الخطية التي فينا أي يكتم الشهوات التي فينا فتكون كأنها ميتة فيعود لكوب الماء شفافيته = يعود حُبْ الله ويملأ القلب.

3) هذا التحول في حالة القلب هو ما يُسمى قلب لحمي عوضًا عن قلوبنا الحجرية التي تحجرت فما عادت تشعر بحب الله (حز19:11).

هذا ما أسماه إرميا “أجعل شريعتي في داخلهم وأكتبها على قلوبهم” (ار33:31). وكتابة الشريعة على القلب اللحمي معناها أن الإنسان يُنفِّذ وصية حبيبه لأنه يُحبه. فالمرأة التي تُحِب زوجها لا يمكن أن تُفكِّر حتى في خيانته، وهذا ما قاله السيد المسيح (يو23:14). لذلك أطلق إرميا على هذا “العهد الجديد” (أر31:31) عهد الحُبْ، القلب الذي شعر بمحبة الله فأحب الله وحفظ وصاياه. هذا هو الحُبْ الذي ملأ الروح القدس قلوبنا به، هذا هو ناموس روح الحياة. لذلك فمن امتلأ قلبه حبًا للمسيح يطيع المسيح عن حُبْ وليس تنفيذًا لأوامر الناموس (غل22:5، 23) ومن امتلأ قلبه من محبة المسيح يتجه اتجاه دائم للمسيح، ومهما ابتعد بسبب الخطية فهو يشعر بغربة في مكان الخطية ويعود سريعًا للمسيح كالحمامة، يساعده على هذا الروح القدس، لذلك نسمع قول العريس (المسيح) في سفر النشيد لعروسه (النفس البشرية) أو الكنيسة “ارجعي ارجعي” (نش13:6) فنحن في هذه الحياة في رحلة رجوع دائم إلى الله. وحينما نلبس الجسد الممجد لا نعود نخرج ثانية إلى خارج.

أنا هو الرب شافيك (خر 15: 26)

 تصلي الكنيسة في أوشية المرضى وتقول “لأنك أنت هو الطبيب الحقيقي الذي لأنفسنا وأجسادنا وأرواحنا”.

والسيد المسيح بفدائه قدَّم لنا هذا الشفاء الكامل الذي لأنفسنا وأجسادنا وأرواحنا.

1) شفاء النفس

المقصود بالنفس هو المشاعر والعواطف….إلخ. فالله خلق الإنسان ليفرح. وبالخطية فقدنا الفرح. وبالفداء أرسل الله لنا روحه القدوس ليسكن فينا والذي من ثماره المحبة والفرح……(غل5 : 22). فبدلا من الكراهية للآخرين صرنا نحب حتى الأعداء. وبدلا من الحزن عاد لنا الفرح. ويقول رب المجد ” الآن عندكم حزن. ولكنى سأراكم أيضًا فتفرح قلوبكم ولا ينزع أحد فرحكم منكم….أطلبوا تأخذوا ليكون فرحكم كاملا ” (يو16: 20 – 24). وماذا نطلب ليكون فرحنا كاملا سوى الروح القدس الذي هو الموضوع الذي كان الرب يُكلِّم تلاميذه عنه في هذا الإصحاح (يو16). ويقول في هذا أيضًا ربنا يسوع ” فإن كنتم وأنتم أشرار تعرفون أن تعطوا أولادكم عطايا جيدة فكم بالحري الآب الذي من السماء يعطي الروح القدس للذين يسألونه (لو11: 13). ولأن الفرح صار متاحا لأولاد الله بل هو هدف الله من خلق الإنسان يقول بولس الرسول “افرحوا في الرب كل حين وأقول أيضًا افرحوا” (فى4: 4). وكما عاد الفرح عاد السلام الذي هو أيضًا من ثمار الروح القدس. وفي هذا يقول رب المجد “سلامًا أترك لكم. سلامي أعطيكم، ليس كما يعطي العالم أعطيكم أنا” (يو14: 27). العالم يعطي المال والملذات الحسية… إلخ.، أما المسيح ملك السلام هو يعطى سلاما من نوع آخر، سلامًا يملأ القلب، قال عنه المرنم ” الرب حصن حياتي ممن أرتعب…..إن نزل على جيش لا يخاف قلبي….” (مز27: 1 – 6).

 

2) شفاء الروح

الروح حين تنفصل عن الله تموت فالله هو الحياة. وكان هذا ما حدث بالخطية فمات الإنسان، فلا شركة بين الله الذي هو نور وبين الخطية التي هي ظلمة. ولكن كان في الفداء شفاء للروح. فالمسيح المتحد جسده بلاهوته اتحد بالإنسان فعادت للإنسان الحياة الأبدية.

الإنسان كان مخلوقا على غير فساد، وبالخطية فسدت الخليقة الأولى، وإنفصلت عن الله. وكان الفداء، فماذا قدم لنا المسيح بفدائه:-

الإنسان هو جسد ونفس وروح وبالخطية فسد الجسد وخسرت النفس سلامها وإنفصلت الروح عن الله.

وكان الفداء الذي بدأ بالتجسد …ولماذا أخذ ابن الله جسدًا ؟ كان هذا لكي يمكن له أن يموت بهذا الجسد فاللاهوت لا يموت. والمسيح مات لكي يقوم….وقام لكي يصعد ويتمجد بجسده الإنساني (يو17: 5).

ولماذا كان كل ذلك ؟ بالمعمودية صرنا نتحد بالمسيح في موته وقيامته. ومن يغلب ويظل متحدا به سيتمجد أيضًا معه (يو17: 22).

جسد المسيح قبل موته على الصليب كان جسدا له حياة إنسانية قابلة لأن تنفصل عن الجسد فيموت.

أما في القيامة فلقد صارت للمسيح حياة أبدية لا تنفصل عنه.

ونحن بالمعمودية صرنا نموت بالخليقة الأولى ونقوم متحدين بالمسيح ولنا حياته الأبدية.

ونلاحظ أن المسيح في القبر كان جسده ميتا وحدثت القيامة وإتحدت حياة أبدية بالجسد المائت.

وهذا نفسه يحدث لنا الآن، نموت في المعمودية بجسد الخطية ثم تتحد بنا حياة المسيح الأبدية.

لذلك علينا أن نظل مجاهدين لنُبقي جسد الخطية هذا ميتًا أمام الخطية لتستمر حياة المسيح فينا.

وهناك طريقين أمام الإنسان…طريق الحياة وطريق الموت (وهذا كما قال موسى النبي لشعب إسرائيل (تث30: 15 – 20). وهكذا وبنفس المفهوم يقول بولس الرسول ” أم لستم تعلمون أن من إلتصق بزانية هو جسد واحد….وأما من إلتصق بالرب هو روح واحد ” (1كو6: 16، 17).

فشفاء الروح يكون بالالتصاق بالرب حاسبين أنفسنا أمواتًا أمام الخطية فتستمر حياة المسيح الأبدية التي قام بها من الموت متحدة بنا أبديًا. وتكون لنا حياة أبدية. وراجع (رو12: 1 + رو6: 11 + كو3: 1 – 11 + غل5: 24 + غل6: 14).

مرة أخرى نقول إن المسيح بعد ما تمم عمله الفدائي أرسل لنا الروح القدس الذي يثبتنا في المسيح.

كيف نعيش الآن

من يحيا كميت يراه الناس مختلفًا في أرائه وميوله عنهم، لا يندمج معهم في طريق خطاياهم وملذاتهم الحسية، يحيا كمن صلب نفسه عن العالم (غل6: 14) وما الذي يدفعه لهذا ؟ إيمانه بالمجد المعد له في السماء. إيمانه بأنه لو اختار طريق الألم وترك ملذات الدنيا فله نصيب في المجد مع المسيح. وهذا ما قاله بولس الرسول “إن كنا نتألم معه لكي نتمجد أيضًا معه” (رو8: 17). وبهذا المفهوم ترتل الكنيسة قائلة… بموتك يا رب نبشر وبقيامتك المقدسة وصعودك إلى السموات نعترف.

بموتك نبشر = ليست البشارة بأن المسيح مات ولكن بأننا نمارس حياة الإماتة أي الموت عن الخطية .

وبقيامتك نعترف = أي نؤمن ولنا رجاء في مجد أبدي.

 

3) شفاء الجسد

قطعًا الأمراض الجسدية هي من نتائج الخطية، والمسيح قدَّم الشفاء للكثيرين، فالله يريد للإنسان صحة الجسد ولقد خلقنا الله أولًا كاملين بلا عيب. ولكن الله المحب الذي حول لنا العقوبة خلاصا ، نجده الآن يسمح ببعض الأمراض والتي بها يشفي الروح فنخلص:- مثال أيوب وبولس الرسول حين سمح للشيطان أن يؤدب زاني كورنثوس، بل الله سمح للشيطان أن يضرب بولس الرسول نفسه ليبعد عنه الارتفاع من فرط الإعلانات (1 كو 5؛ 2 كو12)(4). ومن تألم في الجسد كُفَّ عن الخطية (1بط4: 1).

إذًا ما هو المقصود بشفاء الجسد ؟ الله خلق الإنسان ليعمل الجنة ويحفظها (تك2: 15) ونجد بولس الرسول في العهد الجديد يقول أننا ” كخليقة جديدة مخلوقين لأعمال صالحة ” (أف2: 10). فالله أعطانا الجسد بأعضائه لنتمم به العمل المطلوب منا. ومن ينجح في أن يستخدم أعضاءه بنجاح ليتمم ما يريده الله يقول عنه بولس الرسول أن أعضاءه صارت آلات بر (رو6) والعكس فمن يسلك في طريق الخطية تصبح أعضاءه آلات إثم. إذًا شفاء الجسد يعني أن الإنسان يؤدي العمل الذي خلق من أجله بنجاح.

فهل هناك تعارض بين أن يكون للإنسان أعضاء هي آلات بر بينما هو في حالة مرض أو ضعف جسدي؟….لا تعارض والدليل ضعف بولس الرسول الجسدي، والله يُظْهِر فيه قوته بل هو كرز لكل أوروبا وهو غير قادر صحيا.

مثال:- التليفزيون مصمم ليعطينا صورة وصوت، وهذا عن طريق دوائر الكترونية موضوعة في صندوق من الخشب مثلا. فلنفترض أن هذا الصندوق مشوه أو مكسور لكن الصورة جميلة والصوت واضح، حينئذ نقول أن هذا التليفزيون يؤدي عمله بكفاءة.

ومرة ثالثة نقول أن الروح القدس الذي سكن فينا يعطي لكل منا موهبته التي يؤدي بها عمله بنجاح (1كو12: 4 – 11). وإن كان جسده ضعيفا، فالروح يعين ضعفاتنا (رو8: 26) وقوة الله تعمل وتساند هذا الإنسان الضعيف ” قوتي في الضعف تُكْمَل ” (2كو12: 9).

تفسير رومية 7 تفسير رسالة رومية تفسير العهد الجديد تفسير رومية 9
 القمص أنطونيوس فكري
تفاسير رسالة رومية تفاسير العهد الجديد

 

زر الذهاب إلى الأعلى