تفسير سفر المكابيين الثاني 2 للأنبا مكاريوس أسقف المنيا

تدشين الهيكل امتداد لعمل سليمان وأرميا ونحميا

 

يورد هذا الأصحاح وثيقة هامة عن وجود مكتبة للأسفار في عهد المكابيين، قام يهوذا المكابي بجمعها على غرار ما فعله نحميا المصلح العظيم، ذلك على الرغم من تدمير رجال أنطيوخس ابيفانيوس للكثير من الأسفار والكتب في سعيهم إلى أغرقة اليهودية، والاقتباس الوارد هنا من تلك الأسفار أو السجلات يتعلق بعناصر الهيكل الرئيسية، وقد أورده يهود أورشليم في سياق شرح خلفية الاحتفال بعيد التدشين.

السجلات

1 جاء في السجلات أن إرميا النبي أمر أهل الجلاء أن يأخذوا نارًا، كما ذُكر، 2 وأن النبي أوصى أهل الجلاء بعد أن أعطاهم الشريعة، أن لا ينسوا وصايا الرب وأن لا يضلوا في أفكارهم، إذا رأوا تماثيل الذهب والفضة وما عليها من الزينة. 3ومما حثهم عليه أن لا يدعوا الشريعة تبتعد عن قلوبهم.

 

تأتى كلًا من كلمة السجلات (آية1) والكتابة (آية 4) بمعنى نص وفي ترجمة يونانية قديمة (دانيال 21:10) تأتى بمعنى “وثيقة سماوية هامة” كما تأتى كلمة Graphe بمعنى “الكتاب المقدس”(1)

وأما كلمة جاء أو وجد (آية 1) فتأتى في العبرية والآرامية والتوراة اليونانية بمعنى التأكد من واقعة من خلال الوثائق (نحميا1:13 و أستير 2:6 ودانيال 1:12) وفي النصوص الكلاسيكية القديمة استخدمت كثيرًا العبارة “وجدنا أنه مكتوب”(1).

فُقد العديد من الأسفار والكتب الوثائقية الهامة، خلال عملية تدمير أورشليم وسبى شعبها، بل أن الاحتفاظ بأحد الأسفار كان يعد جريمة يُعاقَب عليها بالموت، ونقرأ في الأسفار التاريخية للعهد القديم إشارات عديدة إلى أسفار أصبحت مفقودة، مثل سفر ياشر وسفر عدو، وسفر أخبار حروب إسرائيل ويهوذا، وغيرها. وفي السفر الأول للمكابيين نقرأ عن كتاب أخبار يهوذا وكتاب آخر عن يوحنا هركانوس رئيس الكهنة (1مكا 16: 23). غير أن بعض الرقوق والأدراج القديمة احتفظت لنا ببعض من تلك الأسفار، ولكن تلك الكتب المفقودة وأن لم تكن كتبًا مُوحى بها من الله، لأن الله يحفظ كلمته من الزوال (السماء والأرض تزولان ولكن كلامي لا يزول) إلا أنها تُعد مرجعًا هامًا للتاريخ اليهودي القديم والأدب الرؤيوي، مثل تلك التي عُثر عليها في مغائر قمران ومجمع عزرا في القاهرة: الجنيزا (2) وكذلك تلك البرديات التي عُثر عليها في آثار مستعمرة إلفنتين في أسوان بمصر.

وصايا الرب:

كان من المتوقع أن يتأثّر اليهود في السبي بالعبادات الوثنية هناك لسببين: أولهما بُعدهما عن الهيكل ومراكز التعليم وندرة وجود الأسفار المقدسة، وثانيهما هو الضغط العقيدي الوثني الذي سيتعرضون له هناك من البابليين لمحو هويتهم الدينية وبالتالي القومية، فقد كانت سياسة تلك البلاد هي تشتيت المسبيين داخل بابل نفسها لمنع التكتلات الدينية أو العرقية، وبذلك يسهل صهرهم في بوتقة بابل بما فيها من ثقافة ولغة ودين. ولكن اليهود والذين كانوا يشكلون نسبة كبيرة كوّنوا جاليات ضخمة متماسكة لها شرائعها ومحاكمها وتقاليدها، ومع الوقت منح لهم الحكام المزيد من الحقوق بما لا يتعارض مع قانون البلاد، ويلاحظ ذلك من خلال قصة سوسنة الواردة في تتمة سفر دانيال، حيث حاكم اليهود هناك سوسنة داخل بابل نفسها بقوانينهم هم وذلك من خلال الشيوخ المنتَخبون من بينهم.

لذلك كان لزامًا على إرميا النبي أن يحذّر الشعب قبل وقوع السبي إلى ضرورة التمسك بكلمة الله وهي كفيلة بحفظهم من الانحرافات هناك وتربطهم بالله فتمنحهم التعزية في زمن الغربة، وسراج يضيء لهم ظلام تلك السنين الآتية عليهم هم وأولادهم. انظر (باروخ6:1، 7-10).

الأصنام:

كانت عبادة الأصنام راسخة في بابل ولها قوانينها ولها مدافعون عنها ولهم بدورهم فلسفتهم، بل ولها من يكرز بها أيضًا، ومن بين المخاطر التي يتعرض لها الغرباء هناك هو ما يبدو لتلك الأوثان من مصداقية وذلك بسبب الاحتفالات الصاخبة الكثيرة التي تقام لها، وكذلك كثرة الذبائح والهدايا والأموال التي توهب لها، ليس من عامة الناس فحسب بل ومن الملوك والأمراء أنفسهم، إضافة إلى التماثيل البديعة لتلك الآلهة والأحجار الكريمة المرصعة بها، ليس كل ذلك فحسب، بل وتعرّض الغرباء هناك إلى الضغط والاضطهاد للاشتراك في العبادة، وإلاّ اُعتبروا مناهضين للدولة ولحكامها، ليس بسبب صعوبة الفصل بين الدين والدولة في ذلك الوقت، بل وكثيرًا ما كانت هناك أشكال من عبادة الملك ذاته!! وبالتالي فمن يرفض الاشتراك فهو مناهض للملك شخصيًا كما كان يحدث مع المسيحيين.

إخفاء الأدوات

4 وجاء في هذه الكتابة أن النبيّ، بمقتضى وحى صار إليه، أمر أن يُذهَب معه بالخيمة والتابوت، عندما خرج إلى الجبل الذي صعد إليه موسى ورأى ميراث الله5 ولما وصل إرميا، وجد مسكنًا بشكل مغارة، فأدخل إليه الخيمة والتابوت ومذبح البخور، ثم سَدّ الباب. 6فأقبل في وقت لاحق بعض من كانوا معه ليضعوا علامة في الطريق، فلم يستطيعوا أن يجدوه. 7 فلما علم بذلك إرميا، لامهم وقال: “إن هذا المكان سيبقى مجهولًا، إلى أن يجمع الله شمل شعبه ويرحمهم.

بمقتضى وحى صار إليه: جاءت في اليونانية: (crhmatismou genh qentoV autw = كان الكلام من السماء).

أفادت بعض الأسفار والسجلات ما يفيد إخفاء أدوات الخدمة الهيكيلية قبيل استيلاء البابليين على أورشليم، وقد ورد في كتاب غير قانوني يُدعى “مراثي إرميا” (1) ما يلي: “حسنًا يا رب نحن نعلم الآن أنك ستسلم المدينة إلى أيدي أعدائها وأنهم سيقودون الشعب إلى بابل، فماذا نفعل بأشيائك المقدسة الخاصة بعبادتك. ماذا تريد أن نفعل بها. فأجاب الرب: “خذها واعهد بها إلى الأرض والمذبح قائلًا: “اسمعي أيتها الأرض صوت الذي خلقك في وفرة المياه والذي ختمك بسبعة أختام في سبعة أوقات، والتي بعد ذلك ستحصلين على حليتك، احفظي أدوات العبادة في حضور المحبوب”… ودخل إرميا وباروخ إلى الهيكل وعهد للأرض بآنية العبادة كما كان الرب قد طلب منهما وسرعان ما ابتلعتها الأرض. عندها جلس الاثنان وبكيا (2 مك 3: 7-8، 14).

وبعد أن أخذ إرميا مفاتيح الهيكل خرج من المدينة ورماها في وجه الشمس قائلًا “إنني أقول لك أيتها الشمس خذي مفاتيح هيكل الله واحفظيها إلى اليوم الذي يسألك عنها الرب لأننا لم نكن أهلًا للاحتفاظ بها، فقد كنا حراسًا غير مخلصين (أصحاح4: 3، 4).

كما يرد في نبوة باروخ (كتاب باروخ الثاني)(1): “لأنني (الملاك) مرسل لكي أعطى أولًا للأرض أمرًا وأنقل لها ما أمرني به الرب العلى، ورأيته ينزل في قدس الأقداس ويأخذ منه الوشاح والأفود المقدس ومائدة تابوت العهد والطاولتين وثياب الكهنة المقدسة ومذبح العطور (البخور) والثمانية وأربعين حجرًا ثمينًا التي يرتديها الكاهن وكافة الآنية المقدسة في الخيمة، وصرخ في الأرض بصوت عظيم: “أيتها الأرض. أيتها الأرض. أيتها الأرض: اسمعي كلام الله القدير وتلقى الأشياء التي عهد بها إليك واحفظيها حتى الدهور الأخيرة لتعيديها عندما تتلقين أمرًا بذلك، حتى لا يستولى عليها الغرباء، لأن الوقت الذي ستسلم فيه أورشليم لوقت معين حتى يقال أنها رحمت إلى الأبد. وفتحت الأرض فاها وابتلعتها” (أصحاح 4: 6-10).

ويقصد في الآية الرابعة من سفر المكابيين هنا بالخيمة والتابوت محتوياتهما من الأدوات الموجودة داخل التابوت، والأخرى المستخدمة في الخدمة بالخيمة، وأن الخيمة نفسها قد ألغيت منذ بنى سليمان الهيكل.

رحله تابوت العهد (1)

كان التابوت والذي صنع من خشب السنط وغُشيَ بالذهب، يحوى لوحيّ الشريعة (خروج 34: 28، 29) ثم قسط المن (خروج 16: 33، 34) ثم عصا هرون (عد 17: 8-10) وغطى التابوت بغطاء سُمي كرسي الرحمة وهو مصنوع من الذهب ويسمى أيضًا مكان الكفارة، يظلله كاروبيمان، وقد سمى الهيكل كله والخيمة من قبله ب “بيت الغطاء” إذ ينضح عليه الدم للتكفير مرة كل عام. وقد رافق التابوت بني إسرائيل أثناء ترحالهم في البرية وكان مجد الرب يظهر لهم من بين الكاروبيمان، وهكذا كان التابوت يمثل الحضور الإلهي بحيث كان الوقوف أمامه يمثل الوقوف قدام الله، ولكن عندما اعتبر اليهود أن التابوت يحوى الله داخله أسلم الله التابوت إلى الفلسطينيين، بل كان الرب يتكلم مع موسى من فوق الغطاء (سفر العدد 7: 89) وكان التابوت يوضع في الخيمة التي تأسست في العام التالي للخروج (خروج 20: 20، 21) بينما في الارتحال كان بنو قهات يحملونه من خلال العصي (سفر العدد 4: 15) ورافقهم في انتصاراتهم وعبر به الكهنة أولًا نهر الأردن عند دخول أرض الموعد (يشوع 3: 17) وداروا به فيما بعد حول أسوار أريحا (يشوع 6، 7) ثم استقر التابوت في الجلجال ثم في شيلوه (يشوع 4: 18) حيث استمر في عهد القضاة هناك، وقد أخذ التابوت من بني إسرائيل ليستقر في أشدود وعقرون سبعة أشهر لدى الفلسطينيين (صموئيل أول 6: 1) وبعد ذلك نقل إلى قرية يعاريم (صموئيل أول 7: 1) وبعد فترة من إهمال شاول للتابوت نقله داود إلى صهيون عاصمة ملكة الجديرة، وبعد موت عزيا بسبب لمسه للتابوت أثناء نقله بقى في بيت عوبيد الحثي ثلاثة أشهر (صموئيل ثان 6: 11) ثم جاء به داود إلى داخل خيمة نصبها له على جبل صهيون حيث أنشد مزامير خاصة بذلك مثل (24، 47، 122).

ثم في مرحلة تالية وهامة بنى سليمان الهيكل على جبل الموريا ونقل التابوت إلى قدس الأقداس (1مل 6: 19) ثم صنع له كاروبيمان من الخشب المصفح بالذهب، ثم نقل مؤقتًا في عهد منسى الملك الشرير (2 أخ 35: 3؛ 33:7) حتى جاء نبوخذ نصر وأحرق الهيكل.

ورغم التقليد اليهودي القائل بوجود تابوتين للعهد، الأول به لوحيّ الشريعة اللذين كسرا والآخر يحوى الاثنين اللذين جاءا بدلًا منهما، إلا أن الحقيقة الكتابية تقضى بوجود تابوت واحد فقط، هذا وتحوي المجامع اليهودية اليوم ما يشبه تابوت العهد، وهو عبارة عن صندوق خشبي يُوضع داخله نسخة من التوراة فقط حيث توضع التوابيت تجاه أورشليم. وبعد السبي كان اجتماع اليهود الحقيقي حول كلمة الله، وفي النهاية يجد القديس يوحنا اللاهوتي في رؤياه تابوت عهد الرب في هيكله (رؤيا 11: 18، 19) رمزًا لتمام عهد الله بالخلاص والحضور الإلهي.

وتفيد بعض التقاليد أن إرميا سبى إلى بابل بصحبة باروخ، وتفيد تقاليد أخرى أن إرميا عندما أخذ عنوة إلى مصر عند السبي، مرَ في طريقه على جبل سيناء في الموضع من على جبل نبو الذي صعد عليه موسى ليرى الموضع من بعيد حيث سيرث بني إسرائيل أرض الموعد (تث 34: 1).

متى يظهر مجد الرب من جديد؟

8 وحينئذ يُظهر الرب هذه الأشياء، ويَظهر مجد الرب والغمام، كما ظهر في أيام موسى وحين سأل أن يُقدس المكان تقديسًا بهيًا. 9 وكانوا يُخبرون أيضًا كيف أنه قدم، بفضل حكمته، ذبيحة تدشين الهيكل وإنجازه. 10وكما أن موسى دعا الرب فنزلت النار من السماء وأكلت مواد الذبيحة، كذلك دعا سليمان فنزلت النار من السماء وأفنت المحرقات. 11 وكان موسى قد قال: “إنما أفنيت ذبيحة الخطيئة لأنها لم تُؤكَل”. 12 وكذلك عيد سليمان عيد التدشين ثمانية أيام.

 

هنا يشرح إرميا النبي كيف يحلَ مجد الرب فيرضى عن شعبه ويقبل منهم الذبيحة، وعندما أراد البعض وضع علامة على الكهف الذي اختفت فيه عناصر الهيكل لم يجدوا الموضع، فقد اختفى بفعل إلهي وسيظهر بفعل إلهي أيضًا، عندما يعود الرب ليظهر رضاه عن الأمة ويعيد إليها مجدها الحقيقي من خلال استئناف الليتورجية، (1) حيث يظهر مجد الرب في الغمام وهو علامة الحضور الإلهي كما حدث في جبل سيناء (خروج 24: 16 و40: 34 و لاويين 9: 23) عندما حلّ الله على الجبل وسط انبهار الشعب، كما حدث أيضًا الشيء ذاته عند تدشين الهيكل في أيام سليمان (ملوك أول 8: 10، 11) حين تمنّى سليمان أن يتقدس المكان، فقدّم الذبيحة (1مل 8: 11، 62، 63 و9: 3) و 2 أخ 5: 14 و7: 2، 12، 16 وإشعياء 40: 5).

على أنه يجب ألاّ يُفهم ذلك على أن الله سُيظهر تلك الأدوات في نهاية الأيام، ويجمع شتات اليهود ومن ثمّ تُستأنف الذبيحة، إذ أنه بمجيء المسيح يسوع “الذبيحة الحقيقية” بطلت الذبائح اليهودية وانتهى دور الهيكل اليهودي(1). فإن المقصود هنا هو زمن ما بعد السبي وحتّى مجيء السيد المسيح. “هذا الذي أصعد ذاته ذبيحة مقبولة على الصليب عن خلاص جنسنا” (ثيئوتوكية الأحد).

وفي إطار حضور الله وقبوله الذبيحة كعلامة رضى، يشير الكاتب إلى دعوة موسى إلى الله لكي تنزل نارًا من السماء لأكل الذبيحة (لاويين 9: 24) وهو الأمر ذاته الذي تكرر أيام سليمان (2 أخ 1:7) وقد نزلت النار وأكلت ذبيحة الخطية لأنها لم تُؤكل ” وأماّ تيس الخطية فإن موسى طلبه فإذا هو قد احترق، فسخط على ألعازار وإيثامار ابنيّ هرون الباقيين وقال مالكما لم تأكلا ذبيحة الخطية في المكان المقدس لأنها قدس أقداس وقد أعطاكما إياها لتحملا إثم الجماعة تكفيرًا عنهم أمام الرب (لاويين 10: 16، 17).

وفي (سفر اللاويين 10: 16-20) أمر هرون بحرق لحم جدي ذبيحة الخطية، وبالرجوع إلى (خروج 29: 33-37) وبالمقارنة مع (لاويين 8: 31-35) نجد أنه في غضون تواصل مراسم تقديس الكهنة والمذبح ينبغي أن يأكل الكهنة جزءًا من كل من تلك الأشياء التي تمت بها الكفارة أي من كل ذبائح الخطية، وأن ما يبقى من كل من ذبائح الخطية دون أن يؤكل حتى فجر اليوم التالي ينبغي أن يُحرق، وعلى ضوء هذا التفسير يجعل سفر الخروج (29: 33) ذبيحة الخطية الخاصة بمراسم التقديس فريدة بين ذبائح الخطية الأخرى التي ذكرت في التوراة، حيث أن (خروج 29: 33) هو النص الوحيد في الشريعة الذي يحتم بوضوح على الكاهن أن يأكل لحم ذبيحة الخطية، وفي النصوص الربّانية (تقليد الحاخامات) يرد أنه لا ذبيحة إثم تمنح كفارة ما لم يأكل الكاهن منها.

ثم يشير السفر إلى أوجه التشابه ما بين احتفالات التدشين وتقديس الرب وحضوره، سواء من خلال النار المقدسة أو الضباب (مجد الرب) وتدشين الهيكل هنا في عهد المكابيين والذين يرون أنه حدثٌ لا يقل عن ذاك الذي حدث في عهد كل من موسى وسليمان، فقد عيّد سليمان عيد التدشين في ثمانية أيام إذ تصادف مجيء التدشين في مناسبة عيد المظال (1مل 8: 65، 66) والذي يعيد فيه ثمانية أيام (لاويين 23: 36، 39).

ثمانية أيام الاحتفال:

اُعتبرت أيام التكريس التي قام بها موسى ثمانية، وذلك بإضافة اليوم الثامن مع السبعة كيوم ينطبق فيه الحكم الخاص على ذبيحة الخطية، وكما دامت مراسم تكريس موسى ثمانية أيام هكذا حدث في أيام سليمان، والتي من المفترض أن أيام التكريس قد اشتملت على يوم الاعتكاف الثامن (2اخ 7: 9) وفي سفر اللاويين نقرأ الآتي: ” وَمِنْ لَدُنْ بَابِ خَيْمَةِ الاجْتِمَاعِ لاَ تَخْرُجُونَ سَبْعَةَ أَيَّامٍ إِلَى يَوْمِ كَمَالِ أَيَّامِ مَلْئِكُمْ لأَنَّهُ سَبْعَةَ أَيَّامٍ يَمْلأ أَيْدِيَكُمْ” (لاويين 8: 33) وفي اليوم الثامن بدأ هارون في الخدمة (لاويين 1:9) وعن سليمان قيل: “وَعَيَّدَ سُلَيْمَانُ الْعِيدَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ وَجَمِيعُ إِسْرَائِيلَ مَعَهُ، جُمْهُورٌ كَبِيرٌ مِنْ مَدْخَلِ حَمَاةَ إِلَى وَادِي مِصْرَ أَمَامَ الرَّبِّ إِلَهِنَا سَبْعَةَ أَيَّامٍ وَسَبْعَةَ أَيَّامٍ، أَرْبَعَةَ عَشَرَ يَوْمًا. وَفِي الْيَوْمِ الثَّامِنِ صَرَفَ الشَّعْبَ” (ملوك أول 8: 65-66). راجع أيضًا أيام التطهير الثمانية التي ل حزقيا (2اخ 28: 22 – 30:37). والكاتب هنا في سفر المكابيين الثاني اقتبس ما قيل في (2 أخ 7:8-9) “وَعَيَّدَ سُلَيْمَانُ الْعِيدَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ سَبْعَةَ أَيَّامٍ وَكُلُّ إِسْرَائِيلَ مَعَهُ وَجُمْهُورٌ عَظِيمٌ جِدًّا مِنْ مَدْخَلِ حَمَاةَ إِلَى وَادِي مِصْرَ. وَعَمِلُوا فِي الْيَوْمِ الثَّامِنِ اعْتِكَافًا لأَنَّهُمْ عَمِلُوا تَدْشِينَ الْمَذْبَحِ سَبْعَةَ أَيَّامٍ وَالْعِيدَ سَبْعَةَ أَيَّامٍ”.

مكتبه نحميا

13 في هذه المؤلفات وفي ذكريات نحميا، كانوا يخبرون بأن نحميا أنشأ مكتبة جَمَعَ فيها الأسفار المختصة بالملوك والأنبياء وداود، ورسائل الملوك في التقادم. 14 وكذلك جمع يهوذا كل ما بُعثر من الأسفار في الحرب التي حدثت لنا، وهو عندنا. 15 فإن كنتم في حاجة إلى ذلك، فأرسلوا من يأخذه إليكم.

 

هنا يسجّل السفر إشارة هامة خاصة بالأسفار، فقد جُمعت أكثر الأسفار في عهد عزرا الكاتب، وبالتالي فمن المنطقي أن تكون قد تكوّنت مكتبة ضخمة للأسفار والكتب الأخرى، حيث ضمّ عزرا من تلك الأسفار كل ما هو قانوني -وموحَى به ومستوفى كافة الشروط القانونية للأسفار المقدسة- إلى قائمة أسفار العهد القديم، بينما ترك الآخر ليعمل ككتب مساعدة سواء في التاريخ أو الأدب الروحي والرؤيوي أو الحروب، كما سبق الإشارة، مثل حروب داود وأخبار وسليمان ومن قَبلهم من القضاة ومن بعدهم بعد انقسام المملكة، مع الوضع في الاعتبار أن بعض أسفار العهد القديم ظهرت بعد عهد عزرا مثل يشوع بن سيراخ والمكابيين.

ومن الملفت للنظر تلك الرسائل الخاصة بالتقادم (التقدمات / آية 13) ولعلها تحوى الذكريات والظروف الخاصة ببعض التقدمات والذبائح التي قدمت مرتبطة ببعض الأحداث مثل الانتصارات والنجاة من الكوارث وغيرها(1).

وتُلقى هذه الفقرة من السفر الضوء على كيفية العثور على الأسفار الأبوكريفية غير المعترف بها من كافة الكنائس ككتب قانونية، ولكننا بدأنا في الاطلاع عليها الآن بفضل بعض المهتّمين بهذا التراث الهام(2).

كانت مثل تلك السجلات تُحفظ بمعرفة الكهنة في أماكن حفظ أرشيفات، أو في الخزانة مع كنوز الهيكل، مثلما حفظ الكهنة الفراعنة قوائم التسلسل التاريخي للملوك المصريين في معابدهم.

أما نحميا فمن الممكن أن يكون قد جمع مكتبة، احتوت على كتب (أسفار) الملوك وكتب الأنبياء وبعض المزامير، وبعض رسائل الملوك الوثنيين الذين أرسلوها مع هداياهم الثمينة للهيكل، ويبدو لنا هنا أيضًا أنها اشتملت على أسفار أخبار الأيام وعزرا ونحميا بالشكل الذي لدينا.

أما سبب ذِكْر ذلك في السفر، فهو وجود شبه بين عمل نحميا هذا، وعمل يهوذا المكابي هنا، والذي اضطلع بتكوين مكتبة للأسفار والوثائق ومختلف الكتب، لا سيما تلك السجلات المتعلقة بكفاح المكابيين وأعمالهم، وهي المكتبة التي اطلع عليها بلا شك كاتب سفر المكابيين الأول جنبًا إلى جنب مع سجلات الهيكل التي تحوي المكاتبات الرسمية بين رئيس الكهنة والقادة الأجانب، كما استفاد بهذه المكتبة أيضًا ياسون القيريني صاحب مصدر سفر المكابيين الثاني، وأخيرًا الكاتب الذي لخّص عن ياسون. كل ذلك على الرغم من قيام السلطات السلوقية بإتلاف العديد من الأسفار والسجلات إبان فترة الاضطهاد الرئيسية (من سنة 176 حتى سنة 164 ق.م.) راجع (1مكا 1: 56، 57).

الدعوة إلى الاحتفال بعيد التدشين

16 ولما كنا مزمعين أن نُعَيد عيد التطهير، فقد كتبنا إليكم. وإنكم تُحسنون عملًا، إذا عيدتم هذه الأيام. 17 والله الذي خلص كل شعبه ورد إليه كله الميراث والملك والكهنوت والتقديس، 18كما وَعَدَ في الشريعة، نرجو منه أن يرحمنا قريبًا ويجمعنا مما تحت السماء إلى المكان المقدس، فإنه قد أنقذنا من شرور جسيمة وطهر المكان المقدس.

 

 بموجب الانتصارات التي حققها اليهود على يد يهوذا المكابي، استعادت الآن مكانتها بعد أن كانت قد فقدت أهم ما تملك وتفخر به مثل الميراث(1)، والملك، والكهنوت.. حتى وأن كان كل ذلك قد تم جزئيًا إلا أنه كان البداية لاستقلال كامل بل وأكثر، وذلك بالتدريج على يد يهوذا ثم يوناثان ثم سمعان ثم يوحنا هركانوس والذي اتسعت مملكة اليهود في أيامه جدًا… انظر (زكريا 8: 7، 12) وقارن مع (إشعياء 49: 7، 8).

أراد يهود أورشليم أن يقولوا لإخوتهم في مصر: حتى وإن كنا مشتتين ولم يسمح الله لنا بعد بلمْ شملنا، فلنعيّد معًا بروح واحدة في توقيت واحد، فإن هيكل أورشليم هو مركز العالم ونقطة تلاقى الله مع شعبه، وهو رمز اليهودية ومكان حضور الله، ويقول الربيين اليهود “إن كان العالم يمثل جسد الإنسان فإن أورشليم تمثل العين بينما يمثل الهيكل حدقة العين” وكل هيكل آخر في أي بقعة من العالم لا يعد شيئًا بجوار هيكل أورشليم كما لا يعترف به اليهود (مثل هيكل مصر اليهودي). أما المجامع فهي شيء مختلف إذ أنها مراكز للتعليم والتسبيح وليس لتقديم الذبائح.

هذه هي الفكرة التي دفعت يهود أورشليم إلى مراسلة إخوتهم في مصر للاشتراك معهم في الاحتفالات ومقاسمتهم فرحتهما. أمّا الميراث الذي ردّه الله إلى اليهود فهو أورشليم والتي صارت حرة مقدسة، وقد رأوا أن ذلك تحقق بانسحاب ليسياس من اليهودية ونهاية الاضطهاد، كما أقر بذلك الملوك السلوقيون في رسائلهم إلى القادة اليهود، ولا سيّما رسالة ديمتريوس الثاني (1مكا 13: 36 42) وقد كمُل هذا الميراث بتطهير القلعة السلوقية في أورشليم والتي كانت تمثل الوجود الوثني في المدينة (1مكا 13: 51، 52) وأماَ المُلك الذي نالوه، فهو عودة القيادة للمكابيين، وإن كان أول ملك فعلى للحشمونيين هو يوحنا هركانوس بن سمعان المكابي آخر الأخوة المكابيين الخمسة، أما الكهنوت الذي استردوه فقد جاء بعد انصراف الكهنة لسنوات عن خدمتهم وممارساتهم الطقسية وانشغالهم بأمور أخرى، نظراً لتوقف العبادة في الهيكل، فقد عادوا للانتظام في وظائفهم، واستئناف الخدمة في الهيكل وأماَ التقديس ويقصد به الهيكل “القدس” بتجديده وتطهيره وتقديم الذبائح من جديد واستئناف الخدمة والتقدمات ومباشرة الاحتفال بالأعياد.

وفي النهاية يرجو الكاتب أن يجمع الله شمل الجميع ليحتفلوا معًا (خروج 19: 5، 6 ؛ تثنية 30: 3-5). وإلى هنا ينتهي نص الرسائل المرسلة إلى اليهود والتي تحمل الدعوة للاحتفال.

الكاتب يشرح دوره

19 إن أخبار يهوذا المكابي وإخوته، وتطهير المقدس العظيم، وتدشين المذبح، 20 والحروب التي وقعت بينه وبين أنطيوخس إبيفانيوس وابنه أوباطور، 21والآيات التي ظهرت من السماء لصالح البُسلاء الذين حاربوا عن دين اليهود، حتى إنهم مع قلتهم نهبوا البلاد بجُملتها وطردوا جماهير الأعاجم، 22 واستردوا المقدس الذي اشتهر ذكره في المسكونة بأسرها، وحرروا المدينة، وأحيوا الشرائع التي كادت تُلغى، لأن الرب وفقهم بكل رفقهِ.

 

هنا يبدأ الكاتب شرح قصة صراع المكابيين من أجل الحق والوصية، وهو العرض الذي استخلصه بدوره عن مؤلفات ياسون القيريني والذي هو أيضًا موضوع الرسائل السابقة، والتي عملت كمدخل هام للسفر، ومثل هذه الإعلانات التي كان يستهل بها قدامى الكتاب والمؤرخين، كانت تعمل كمدخل مشوق للكتاب أو الرسالة وكمختصر لها، وقد قرأ (المُلخِّص) نص ياسون القيريني وأعاد صياغته دون المساس به، وذلك من خلال جهد كبير، الهدف منه إمتاع القارئ والوقوف به على قصة ذلك التاريخ الرائع دون إسهاب ممل.

وهذه الآيات في هذه الفقرة من الأصحاح هي عنوان لما هو آت في (3: 14 و5: 2 و10: 29 و11: 8) وكيف أعان الله المكابيين في حروبهم مع أنطيوخس أبيفانيوس (1مكا 1: 10) ومن بعده ابنه أنطيوخس أوباطور (2 مكا 10:10).

ويلاحظ في الآية (20) أنه لم يذكر سلوقس الرابع، ربما لأن مهمة هليودوروس رئيس وزرائه (2 مك 3) لم تكن حربية وإن كانت سيئة، كما لم يذكر أن ديمتريوس الأول رغم أن قائده نيكانور خاض معاركًا عدة مع اليهود (2 مك 14: 16، 17، 29 – 46 و15: 1-30) بل أن يوم نكانور صار عيدًا هامًا ربما لأن ديمتريوس عاد فهادنهم وعرض عليهم عروضًا سخية، لقد ركّز السفر على انطيخوس وابنه أوباطور لأهميتهما كقضيبي غضب الله الذين بتجاوزاتهما وبسقوطهما جلبا عهد المعجزات العظيم الجديد. أنظر (دانيال 7: 11) فعندما حاصر أنطيوخس الخامس وليسياس الهيكل، رأى الأتقياء اليهود الحادثة على أنها تواصل للمتاعب التي وضعها دانيال في (2 مك 11: 33 – 36) وقد اعتبر ديمتريوس شخصًا غير مضطهد، إذ ساند ألكيمس بطريق الخطأ (2 مك 14: 11-13، 27) ولكنه لم يسيء إلى الديانة اليهودية، فلولا خطايا ألكيمس لكان رئيس كهنة شرعي (2 مك 14: 3) وهكذا كان خطأ ديمتريوس أقل بشاعة منه فبتحريض من ألكيمس مارس ديمتريوس ضغطًا على نكانور قائده، ولكن الأخير هو الذي جدّف على الهيكل من تلقاء نفسه وليس بإيعاز من ديمتريوس.

وقد أيّد الله جهادهم برؤى سمائية لتشجيعهم، أما المقصود ب “نهبوا البلاد” فهو الاستيلاء عليها (آية 21) رغم قلة عددهم مقابل القوات المعادية، وربما كان المقصود هو نهب ممتلكات اليهود الأشرار (الهيلينين) وُحماتهم الوثنيين، وبالجملة فقد أعانهم الله وترفّق بهم حتى استعادوا الهيكل وانتصروا للشريعة والتي كانت قد أُهملت (2مكا 6: 6-11).

الأعاجم (آية21):

جاءت في اليونانية (to Barbara plhqh) وقد استخدم اليونانيين لفظ ” أعجمي” للإشارة إلى غير اليونانيين، فالكلمة اليونانية بربري Barbarous تعني: المتحدث بلغة أجنبية. وبالنسبة لليهود كانت الجيوش السلوقية تتحدث بلغة أجنبية، والكلمة تستخدم في السفر أيضًا بمعنى “متوحش” (2 مك 4: 25 و 5: 22 و10: 4 و15: 2) وفي المقابل يستخدم السفر هنا كلمة Ioudaismos أي يهودية في سياق كلمة أعجم، وربما يريد أن يذكر المثقفون اليونانيون بصراع هليوس Helleues الوفي ضد الفرس الأعاجم وضد فجور medioum اليونانيين المتعاملين مع الإمبراطورية الفارسية. في هذه الآية أيضًا يرد تعبير: دين اليهود، وهي المرة الأولى الذي يستخدم فيه هذا اللقب، وجاء في اليونانية (IoudaismoV).

ولقد كان هيكل أورشليم في ذلك الوقت بالفعل أغنى وأعظم وأشهر هيكل على وجه الأرض، لدرجة بهرت الإسكندر الأكبر فأهداه عطايا ثمينة. ولذا فقد أصبح مطمعًا للكثير من الحكام، كما بُهر به تيطس الروماني أيما انبهار، وسعى بعد اقتحام أورشليم بكل قوته حتى لا يُدمّر، ولكن الجنود والذين كان قد نفذ صبرهم بسبب عناد اليهود ومقاومتهم، أحالوه إلى رماد.

هنا يؤكد السفر على أهمية هيكل أورشليم وتفوقه على هيكل السامرة (انظر 2 مك 6: 2) وهيكل الأونيين (نسل أونيا) في لينتوبوليس بمصر والمعابد الأخرى للمنشقين(1).

الحاجة إلى تلخيص كتب ياسون

23 تلك الأمور التي عرضها ياسون القيريني في خمسة كتب سنُحاول اختصارها في مُجلد واحد. 24 ولما رأينا كثرة الأرقام والصعوبة التي تعترض من أراد الخوض في أخبار التاريخ لغزارة المواد، 25 كان من همنا أن نوفر المتعة للمطالع والسهولة للحفاظ والفائدة للجميع. 26 فلم يكن يكلفنا هذا التلخيص أمرًا سهلًا، بل تم بالعرق والسهر، 27 كما أن الذي يُعِد مأدبة ويبتغى منفعة الناس لا يكون الأمر عليه سهلًا. غير أننا لمنفعة الكثيرين سنتحمل هذا العمل الشاق عن طيبة نفس، 28 تاركين التدقيق في تفاصيل كل من الأحداث لأهل التاريخ، وملتزمين التقيد بقواعد التلخيص. 29 فإنه كما ينبغي لمن يُهندس بيتًا جديدًا أن يهتم بمُجمل البناء، ولمن يقوم بتزيينه برسوم مدهونة أن يدقق النظر في ما يناسب قواعد التزيين، فهكذا يكون أمرنا على ما أرى. 30 فإن تقصى الأمور والإحاطة بالمسائل والبحث عن جزء فجزء من شأن مصنف التاريخ. 31 وأما الملخِّص فمرخص له أن يسوق الحديث بإيجاز، مع إهمال استنفاد الموضوع.

 

ياسون القيريني (القيرواني)

جاءت صفة القيرواني باليونانية (tou kurhnaiou)، وهي مدينة في شمال أفريقيا كان يهود كثيرين يسكنونها(1). أمّا ياسون فهو يهودي سكندري من شتات القيروان، وضع كتبه الخمسة في زمن قريب من الأحداث، أي بعد سنة 160 ق.م. بقليل، وهو مطَلع بشكل جيد على الأحوال في أورشليم والدوائر الحكومية للسلوقيين وموظفيها وألقابهم، وإلى جانب كونه يهوديًا راسخ الإيمان فهو أيضًا ذو ثقافة يونانية كبيرة، ومن علامات تقواه تسجيله للصلوات التي رُفعت قبل البدء في المعارك وبعدها.

أما الملخِّص نفسه فقد كان عمله مضنيًا، إذ لم يكن من اليسير وضع الكتب الخمسة في كتاب واحد، تسهل مطالعته والاستمتاع به، معفيًا القارئ من التفاصيل الرقمية ودقائق الأحداث، مركزًا على جهاد المكابيين ودورهم الروحي والليتورجي والقومي في التاريخ اليهودي خلال فترة ما بين العهدين.

كثرة الأرقام:

 ترد في بعض الترجمات “بحر من الكلمات” وفي أخرى “كم متدفق من الأعداد” كان العدد وحدة تتألف من حوالي 16 مقطعا من الكتابة، وهو المعيار القياسي للطول في الكتب اليونانية التي كتبت على هيئة نُظم (أبيات شعر) طولها حوالي 16 مقطع، وكان أقدمها قصائد هوميروس(1).

وهكذا جاء السفر مُمتعًا للقارئ العادي كعمل كتابي أدبي حتى لغير المؤمنين، ومادة سهلة غير مركبة لمن يودّ الاحتفاظ بمحتوياته في ذاكرته، وفي كلتا الحالتين وبالنسبة للنوعين فهو عمل مفيد مع كافة مستويات المطالعين للسفر. هذا وقد كلفه ذلك جهدًا كبيرًا إذ قد يكون التأليف من جديد أسهل في بعض الأحيان من إعادة الصياغة والتشكيل(2)، لا سيّما وأن أمام الملخص عدة اعتبارات كل منها أهم من الأخرى مثل الحفاظ على خط الوحي طوال السفر، ثم الاهتمام بإيراد جميع الأحداث الهامة في مساحة محسوبة، وهو الأمر الذي يحتاج إلى عدة محاولات على مدار فترة زمنية كبيرة، ذلك بالطبع دون المساس بالوحي وإنما الصياغة فقط، وتجدر الإشارة هنا إلى أن الكتاب المقدس كلمة الله، تظهر في ثلاث أشكال أو تحتوى على ثلاثة مستويات:

 * اللوغوس: وهو الكلمات التي تعبر عن الله نفسه وحضوره مثل “أنا هو” (إيجو إيمي Ego eimi – باليونانية: ἐγώ εἰμί).

 * الريماوهي كلمة الله إلى البشر: مثل هكذا قال الرب: افعل.. اذهب.. لا تخف.. أنا معك…

 * أحداثمثل أن يورد الوحي أحداثًا بعينها جرت، ومنها أحداث قتل أو سرقة أو خطايا، وهو لا يوافق عليها بالطبع وإنما يؤكد فقط على أنها حدثت بالفعل.

 

لقد التزم الملخِّص جيدًا بقواعد التلخيص (آية 28) بحيث لا يكون هناك عيبًا (من جهة التقصير المخلّ أو التطويل المملّ) وذلك عن طيب خاطر مبتغيًا منفعة الأكثرين وتاركًا التفاصيل التاريخية للمتخصّصين لكي يطّلعوا على المصادر التاريخية وهي كثيرة في ذلك الوقت. وكما أن التلخيص له قواعده، فإن التصرّف له قواعده أيضًا، ويورد الكاتب هنا عدة أمثلة ليدللّ بها على فكرة مشروعه:

وفي الآية 29: يقصد الكاتب أنه قام بمجمل البيت أي المضمون، وجاءت الكلمة في اليونانية (kataBolh = وضع الأساس) بينما ترك التفاصيل للمهندس المعماري، الذي يهتم بتفاصيل الألوان وتناسقها وتركيب الألوان والديكورات والزخارف وغيرها، جاءت عبارة التزيين في اليونانية: (egkainein = وضع النقش)، وجاءت في العبرية بنفس المعنى. لقد كان عمل ياسون القيريني وهو الكاتب الأصلي، مثل البنّاء الذي ينجز عمله في (أبعاد ثلاثة) أما المختصِر فهو مثل مسئول الطلاء الذي يتعامل مع (بعدين فقط)(1) ويشبّه المؤرخ اليوناني تيمايوس Timaeus التاريخ بـ”ذلك الفن ثلاثي الأبعاد” بينما الخطيب: “ثنائي الأبعاد” وهكذا تُترك تفاصيل الأحداث والتواريخ والقصص الجانبية للمؤرخين في حين مسموح للملخص بالالتزام بصلب الموضوع.

وفي النهاية يختتم الكاتب ديباجة المقدمة بضرورة الإسراع في مباشرة السفر، إذ أنه من غير المفيد الإسهاب في المقدمة مما قد يؤثر على الموضوع ذاته.

_____

(1) Jonathan Goldsten II Macc /P.182.

(1)  في بعض الترجمات اللاتينية يُذكر اسم إرميا بأكثر وضوح هكذا (Invemtur autem in descriptionibus iussit Jeremiate prophetae quod…) وجاءت في النسخ الآرامية هكذا: (مشتكَح دين بِختافاه دِه إرميا نافيا دِه فقد).

(2)  الجنيزا هي المكان الذي كانت تُدفن فيه الأسفار التي أصابها تلف، إذ لم يكن من الممكن إعدامها.

(1) مخطوطات البحر الميت، التوراة / كُتب ما بين العهدين. الجزء الثالث.ص 606، 706 – تحقيق جان ريو، إصدار دار الطليعة الجديدة.

(1) كتاب غير قانوني: المرجع السابق ص 383.

(1)  حدث مثل ذلك عندما اختفت مغارة كل من القديس أبانفر السائح والقديس مرقس الترمقي، وذلك عقب نياحتهم، فلم يجدها الآباء.

(1)  يقول جماعة الأخوة: أنه بعد اختطاف الكنيسة إلى السماء سينتهي تدبير عصر النعمة وسيرجع الله يعامل شعبه الأرضي القديم بموجب شرائعه من خلال الهيكل مرة أخرى والذبيحة…. وهي نفس الدعاية الصهيونية التي يروجها الأخوة في مطبوعاتهم. إذ يرون أن المقصود بشجرة التين التي قال عنها المسيح (متى رأيتم شجرة التين أخرجت أوراقها تعلمون أن الصيف قريب) هو إسرائيل وإخراج الأوراق هو ظهورها كأمة في أرضها.

(1)  ورسائل الملوك في التقادم: جاءت في اليونانية (peri (anaqematwn.  جمع نحميا رسائل ملوك الفرس الخاصة بهيكل أورشليم (عزرا 7: 11- 26).

(2)  هذه الأسفار مثل آدم وحواء، الآباء الاثني عشر، رؤيا أخنوخ، باروخ، مراثي إرميا، الحروب، وغيرها كثير جدًا، حيث عثر على أكثرها في مغارات قمران بجوار البحر الميت.

(1)  أو الأرض المسلوبة (إشعياء 49: 8 و إرميا 3:19 و12: 15) قارن مع (زكريا 8:12 ومراثي 5: 2 و1مكا 15: 33، 34).

(1)  لا شك أنه كانت هناك هياكلًا رائعة مثل أبوللو وأرطاميس، وفي مصر هيكل حورس . ولكنه بالإضافة لجمال هيكل أورشليم إلا أن شهرته التي طبقت الآفاق ترجع لاختلافه عن بقية المعابد الأخرى إذ لا تماثيل فيه ويقبل اليهود باستماتة الموت عنه الأمر الذي جعل الكثيرين يفكرون ما عسى هذا

(1)  انظر: (تاريخ اليهود في القيروان لفريدمان (k.Friedman, Le foati per la storia degli ebrei L. Cirenaica nell

(1) Jonathan A. Goldsten, II Macc. في التعليق على هذه الفقرة من الأصحاح

(2)  يقول كاليماخوس Callimachus الشاعر السكندري الذي عاش في القرن الثالث ق.م. في قصيدته المختتمة بفكرة بارعة رقم 29 إن مهمة الاختصار تتطلب سهر الليالي (المرجع السابق).

 

(1)  يقصد في الآية 29 بـ: الرسوم المدهونة رسوم بألوان شمعية مثبتة بالحرارة، وهو أسلوب يوناني للطلاء يستخدم فيه الشمع الملون الساخن انظر: Jonathan A. Goldsten, II Macc.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى