تفسير سفر صموئيل الثاني أصحاح 15 للقمص أنطونيوس فكري

 

الآيات (1-6)

“وَكَانَ بَعْدَ ذلِكَ أَنَّ أَبْشَالُومَ اتَّخَذَ مَرْكَبَةً وَخَيْلًا وَخَمْسِينَ رَجُلًا يَجْرُونَ قُدَّامَهُ. وَكَانَ أَبْشَالُومُ يُبَكِّرُ وَيَقِفُ بِجَانِبِ طَرِيقِ الْبَابِ، وَكُلُّ صَاحِبِ دَعْوَى آتٍ إِلَى الْمَلِكِ لأَجْلِ الْحُكْمِ، كَانَ أَبْشَالُومُ يَدْعُوهُ إِلَيْهِ وَيَقُولُ: «مِنْ أَيَّةِ مَدِينَةٍ أَنْتَ؟» فَيَقُولُ: «مِنْ أَحَدِ أَسْبَاطِ إِسْرَائِيلَ عَبْدُكَ». فَيَقُولُ أَبْشَالُومُ لَهُ: «انْظُرْ. أُمُورُكَ صَالِحَةٌ وَمُسْتَقِيمَةٌ، وَلكِنْ لَيْسَ مَنْ يَسْمَعُ لَكَ مِنْ قِبَلِ الْمَلِكِ». ثُمَّ يَقُولُ أَبْشَالُومُ: «مَنْ يَجْعَلُنِي قَاضِيًا فِي الأَرْضِ فَيَأْتِيَ إِلَيَّ كُلُّ إِنْسَانٍ لَهُ خُصُومَةٌ وَدَعْوَى فَأُنْصِفَهُ؟». وَكَانَ إِذَا تَقَدَّمَ أَحَدٌ لِيَسْجُدَ لَهُ، يَمُدُّ يَدَهُ وَيُمْسِكُهُ وَيُقَبِّلُهُ. وَكَانَ أَبْشَالُومُ يَفْعَلُ مِثْلَ هذَا الأَمْرِ لِجَمِيعِ إِسْرَائِيلَ الَّذِينَ كَانُوا يَأْتُونَ لأَجْلِ الْحُكْمِ إِلَى الْمَلِكِ، فَاسْتَرَقَّ أَبْشَالُومُ قُلُوبَ رِجَالِ إِسْرَائِيلَ.”

أتخذ مركبة وخيلًا. وخمسين رجلًا يجرون أمامه: هذا ما تعلمه إبشالوم من جده الوثني كيف يبدو مهيبًا في مركبات وخيول. والله طلب أن لا يفعل ملوك إسرائيل هذا حتى لا يجرون وراء الكرامات الزمنية وحتى لا يعتمدون على قوتهم الذاتية بل على قوة الله. والرجال الذين يجرون أمامه غالبًا كان لهم زى خاص. وغالبًا فقد فرح شعب إسرائيل بهذه الصورة وفضلها عن صورة داود المتواضع. ويكشف هذا التصرف عن هدف إبشالوم من العودة إلى أورشليم، فهو أتى بروح محبة المجد الباطل والعجرفة ليغتصب عرش أبيه وركب مركبات وخيلًا ورجال يجرون أمامهُ بينما أبوه يركب بغلًا. داود هيأ ملكه بسنوات ضيق كثيرة وصلوات وجهاد وهذا يأتي ليملك خلال المجد الباطل والمظاهر الخارجية. والعجيب أن زادت شعبيته بهذا. ولم يكتفي بهذا بل صار في خداع يمالئ الشعب. يقف عند باب المدينة ليمنع المتقاضين من الوصول إلى أبيه ويعطي اهتمامًا لكل واحد فيسأله عن مدينته وسبطه ثم يقول لهُ في نفاق دون فحص لقضيته ودون أن يعرف من هو البريء ومن هو الظالم بل يقول لكل الطرفين أنظر أمورك صالحة ومستقيمة أي الحق معك. ثم يقول كاذبًا لكن ليس من يسمعك من قبل الملك فالملك صار عجوزًا لا يهتم بالقضاء فليس لديه وقت. وبهذا فهو يظهر أبوه أنه غير صالح ليظهر أنه وحده القادر على الملك وعلى التقاضي. هو لم يكن يريد أن يقضي، بل أن يثير الناس على أبيه الملك. ثم يقول من يجعلني قاضيًا فشهوة قلبه الرئاسة. بل في رياء كان يقبل أي إنسان يأتي ليسجد لهُ كابن الملك. وبهذا إستمال إبشالوم قلوب الناس.

 

الآيات (7-9)

“وَفِي نِهَايَةِ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ أَبْشَالُومُ لِلْمَلِكِ: «دَعْنِي فَأَذْهَبَ وَأُوفِيَ نَذْرِي الَّذِي نَذَرْتُهُ لِلرَّبِّ فِي حَبْرُونَ، لأَنَّ عَبْدَكَ نَذَرَ نَذْرًا عِنْدَ سُكْنَايَ فِي جَشُورَ فِي أَرَامَ قَائِلًا: إِنْ أَرْجَعَنِي الرَّبُّ إِلَى أُورُشَلِيمَ فَإِنِّي أَعْبُدُ الرَّبَّ». فَقَالَ لَهُ الْمَلِكُ: «اذْهَبْ بِسَلاَمٍ». فَقَامَ وَذَهَبَ إِلَى حَبْرُونَ.”

في نهاية 40 سنة: الكتاب لم يحدد متى بدأ حساب الأربعين سنة وغالبًا هي منذ مُسِحَ داود ملكًا على يد صموئيل فهذا الحدث من الأحداث الهامة التي يدونها التاريخ. وذهب إبشالوم كاذبًا إلى داود بأنه نذر نذرًا إن أرجعه داود لأورشليم وعفا عنهُ يذهب إلى حبرون ويقدم ذبائح وداود فرح بالتأكيد لتدين ابنه فسمح لهُ.

 

الآيات (10-12)

“وَأَرْسَلَ أَبْشَالُومُ جَوَاسِيسَ فِي جَمِيعِ أَسْبَاطِ إِسْرَائِيلَ قَائِلًا: «إِذَا سَمِعْتُمْ صَوْتَ الْبُوقِ، فَقُولُوا: قَدْ مَلَكَ أَبْشَالُومُ فِي حَبْرُونَ». وَانْطَلَقَ مَعَ أَبْشَالُومَ مِئَتَا رَجُل مِنْ أُورُشَلِيمَ قَدْ دُعُوا وَذَهَبُوا بِبَسَاطَةٍ، وَلَمْ يَكُونُوا يَعْلَمُونَ شَيْئًا. وَأَرْسَلَ أَبْشَالُومُ إِلَى أَخِيتُوفَلَ الْجِيلُونِيِّ مُشِيرِ دَاوُدَ مِنْ مَدِينَتِهِ جِيلُوهَ إِذْ كَانَ يَذْبَحُ ذَبَائِحَ. وَكَانَتِ الْفِتْنَةُ شَدِيدَةً وَكَانَ الشَّعْبُ لاَ يَزَالُ يَتَزَايَدُ مَعَ أَبْشَالُومَ.”

وضع إبشالوم خطته لانتزاع العرش وقد أحكمها تمامًا.

1- هو بدأ سابقًا بإستمالة الجماهير.

2- يعلن توليه الحكم في حبرون حيث ملك داود ½ 7 سنة وهناك يجمع كل من يؤيده.

3- صوت البوق هو بديل التليفون والتليغراف Telegraph الآن فهناك نافخي أبواق في كل مكان وحينما يضرب بالبوق في حبرون تضرب كل الأبواق وينتشر الخبر في دقائق في كل إسرائيل وحينما يُسمع البوق فالجواسيس المنتشرون يقولون أن إبشالوم قد ملك ويفرح الناس بمن أحبوه وربما تصوّر الناس أن داود مات أو تنازل عن الحكم لإبنه إبشالوم. فينادى به كل إسرائيل ملكًا في وقت واحد.

4- أخذ إبشالوم معهُ إلى حبرون 200 من عظماء المملكة فيبدو أمام الناس في حبرون أن داود قد وافق على توريثه العرش وأنه أرسل معه هؤلاء العظماء وأنهم موافقين على ملكه. بالإضافة إلى أنه يحرم داود من التشاور مع رجاله المخلصين هؤلاء في هذه الساعات الحرجة.

5- استعان إبشالوم بشخص ذكى جدًا هو أخيتوفل توسم فيه الرغبة مع القدرة على خيانة داود، وهو في هذا يُشَبَّه بيهوذا في خيانته لسيدة كما تشابها في طريقة موتهما (مز9:41 + يو18:13). وغالبًا فإن داود كان قد إستغنى عن أخيتوفل لأنه اكتشف مكره ودهائه. وغالبًا فإن أخيتوفل هو العقل المدبر لهذه المؤامرة. وغالبًا فأخيتوفل هو جد بثشبع ونفهم هذا بمقارنة الآيات التالية “بثشبع بنت أليعام” + “أليعام بن أخيتوفل الجيلوني” + “وأرسل إبشالوم إلى أخيتوفل الجيلوني مشير داود” (2ص11: 3 + 2صم23: 34 + 2صم15: 12). وغالبا فخيانة أخيتوفل لداود راجعة لحزنه مما حدث من داود مع حفيدته بثشبع ولمؤامرة داود ضد أوريا زوجها .

6- يهجم إبشالوم على قصر داود ويقتله ويعلن موته.

 

الآيات (13، 14)

“فَأَتَى مُخَبِّرٌ إِلَى دَاوُدَ قَائِلًا: «إِنَّ قُلُوبَ رِجَالِ إِسْرَائِيلَ صَارَتْ وَرَاءَ أَبْشَالُومَ». فَقَالَ دَاوُدُ لِجَمِيعِ عَبِيدِهِ الَّذِينَ مَعَهُ فِي أُورُشَلِيمَ: «قُومُوا بِنَا نَهْرُبُ، لأَنَّهُ لَيْسَ لَنَا نَجَاةٌ مِنْ وَجْهِ أَبْشَالُومَ. أَسْرِعُوا لِلذَّهَابِ لِئَلاَّ يُبَادِرَ وَيُدْرِكَنَا وَيُنْزِلَ بِنَا الشَّرَّ وَيَضْرِبَ الْمَدِينَةَ بِحَدِّ السَّيْفِ».”

داود المملوء من روح الله أدرك الخطة وهرب سريعًا قبل أن يقتل فوجود داود حيًا وهو يعلن أنه لم يتخلى عن العرش سيسبب مشاكل لإبشالوم.

ولكن بالتأكيد فداود في هذه اللحظات الصعبة تذكر النبوة “لا يفارق السيف بيتك” ومن الناحية الأخرى كانت خطة داود ناجحة إذ أعطته الوقت ليجمع قواته في مواجهة إبشالوم ويضرب المدينة بحد السيف= داود في ضيقته يهتم بالمدينة وأن لا تسيل دماء بريئة.

 

الآيات (15-16)

“فَقَالَ عَبِيدُ الْمَلِكِ لِلْمَلِكِ: «حَسَبَ كُلِّ مَا يَخْتَارُهُ سَيِّدُنَا الْمَلِكُ نَحْنُ عَبِيدُهُ». فَخَرَجَ الْمَلِكُ وَجَمِيعُ بَيْتِهِ وَرَاءَهُ. وَتَرَكَ الْمَلِكُ عَشَرَ نِسَاءٍ سَرَارِيَّ لِحِفْظِ الْبَيْتِ.”

 

آية (17):- “وَخَرَجَ الْمَلِكُ وَكُلُّ الشَّعْبِ فِي أَثَرِهِ وَوَقَفُوا عِنْدَ الْبَيْتِ الأَبْعَدِ.”

البيت الأبعد= خرج الملك وكل رجاله في أثره ووقفوا عند آخر بيت من بيوت المدينة ليعبر أمامهُ كل رجاله ويطمئن عليهم، هو أخذ معهُ كل من يريد أن يتبعه. ومن لا يريد تركه لإبشالوم المعجب به ومن المؤكد أن من اختار إبشالوم سيعاني منه كثيرًا بعد ذلك. وهكذا المسيح يريدنا أن نهرب معهُ من خطايا العالم ومن الشيطان ولكن من يريد أن يبقى مع الشيطان فليفرح به للحظة ولكن بعد ذلك تقع عليه الآلام. ومن تبع داود في ضيقته هم عبيده الأمناء الذين حملوا معهُ الصليب وهم سيتمجدون معهُ. ولقد رتل داود المزمور الثالث في هذه المناسبة.

 

الآيات (18-22)

“وَجَمِيعُ عَبِيدِهِ كَانُوا يَعْبُرُونَ بَيْنَ يَدَيْهِ مَعَ جَمِيعِ الْجَلاَّدِينَ وَالسُّعَاةِ وَجَمِيعُ الْجَتِّيِّينَ، سِتُّ مِئَةِ رَجُل أَتَوْا وَرَاءَهُ مِنْ جَتَّ، وَكَانُوا يَعْبُرُونَ بَيْنَ يَدَيِ الْمَلِكِ. فَقَالَ الْمَلِكُ لإِتَّايَ الْجَتِّيِّ: «لِمَاذَا تَذْهَبُ أَنْتَ أَيْضًا مَعَنَا؟ اِرْجعْ وَأَقِمْ مَعَ الْمَلِكِ لأَنَّكَ غَرِيبٌ وَمَنْفِيٌّ أَيْضًا مِنْ وَطَنِكَ. أَمْسًا جِئْتَ وَالْيَوْمَ أُتِيهُكَ بِالذَّهَابِ مَعَنَا وَأَنَا أَنْطَلِقُ إِلَى حَيْثُ أَنْطَلِقُ؟ اِرْجعْ وَرَجِّعْ إِخْوَتَكَ. الرَّحْمَةُ وَالْحَقُّ مَعَكَ». فَأَجَابَ إِتَّايُ الْمَلِكَ وَقَالَ: «حَيٌّ هُوَ الرَّبُّ وَحَيٌّ سَيِّدِي الْمَلِكُ، إِنَّهُ حَيْثُمَا كَانَ سَيِّدِي الْمَلِكُ، إِنْ كَانَ لِلْمَوْتِ أَوْ لِلْحَيَاةِ، فَهُنَاكَ يَكُونُ عَبْدُكَ أَيْضًا». فَقَالَ دَاوُدُ لإِتَّايَ: «اذْهَبْ وَاعْبُرْ». فَعَبَرَ إِتَّايُ الْجَتِّيُّ وَجَمِيعُ رِجَالِهِ وَجَمِيعُ الأَطْفَالِ الَّذِينَ مَعَهُ.”

عندما هرب داود إلى جت نظم جيش قوامه 600 جندى وأقام لهم إتاي الجتي قائدًا لهم. وغالبًا إستمرت هذه الفرقة مع داود في ملكه على يهوذا أولًا في حبرون ، ثم على أورشليم ثم على كل إسرائيل. وكانوا يتكونون من إسرائيليين وجتيين. وهناك من رأى أن إتاي الجتي هو ابن أخيش ملك جت الذي أحب داود. وفي فترة إقامة داود في جت انجذب إليه إتاي وتبعه هو ورجاله الجتيين ثم تهودوا بعد أن ملك داود. ولاحظ رقة مشاعر داود وأنه لا يريد أن يرهق إتاي معهُ وهو غريب ولكن إتاي رفض أن يترك داود في ضيقته فتشبه براعوث. وعزى الله قلب داود على عقوق ابنه بإخلاص إتاي. ومن ناحية الرمز فإبشالوم ومن معهُ يشبهون اليهود الذين رفضوا المسيح وإتاي ورجاله يشبهون الأمم الذي قبلوا الآلام مع المسيح ولم يتركوه بل خرجوا معه خارج المحلة يحملون عاره.  (عب13:13). وفي أية (18) بين يديه = كان داود قائدًا منظمًا محنكًا حتى في ساعة الهرب يرتب جيشه ويمرون بين يديه كقائد يرتبهم ولا يعبر إلاّ بعدهم وفي (19) أقم مع الملك = عجيب أن يسمى داود إبشالوم الملك فهو الملك الآن ومعنى أية (20) لا يليق أن أحملك بكل هذه الأتعاب والمخاطر.

 

آية (23):- “وَكَانَتْ جَمِيعُ الأَرْضِ تَبْكِي بِصَوْتٍ عَظِيمٍ، وَجَمِيعُ الشَّعْبِ يَعْبُرُونَ. وَعَبَرَ الْمَلِكُ فِي وَادِي قَدْرُونَ، وَعَبَرَ جَمِيعُ الشَّعْبِ نَحْوَ طَرِيقِ الْبَرِّيَّةِ.”

الشعب يبكي وداود يعبر وادي قدرون. وبنات أورشليم بكوا والمسيح يحمل الصليب كما عبر ابن داود أيضًا وادي قدرون لينطلق للآلامات (يو1:18).

 

الآيات (24-29)

“وَإِذَا بِصَادُوقَ أَيْضًا وَجَمِيعُ اللاَّوِيِّينَ مَعَهُ يَحْمِلُونَ تَابُوتَ عَهْدِ اللهِ. فَوَضَعُوا تَابُوتَ اللهِ، وَصَعِدَ أَبِيَاثَارُ حَتَّى انْتَهَى جَمِيعُ الشَّعْبِ مِنَ الْعُبُورِ مِنَ الْمَدِينَةِ. فَقَالَ الْمَلِكُ لِصَادُوقَ: «أَرْجعْ تَابُوتَ اللهِ إِلَى الْمَدِينَةِ، فَإِنْ وَجَدْتُ نِعْمَةً فِي عَيْنَيِ الرَّبِّ فَإِنَّهُ يُرْجِعُنِي وَيُرِينِي إِيَّاهُ وَمَسْكَنَهُ. وَإِنْ قَالَ هكَذَا: إِنِّي لَمْ أُسَرَّ بِكَ. فَهأَنَذَا، فَلْيَفْعَلْ بِي حَسَبَمَا يَحْسُنُ فِي عَيْنَيْهِ». ثُمَّ قَالَ الْمَلِكُ لِصَادُوقَ الْكَاهِنِ: «أَأَنْتَ رَاءٍ؟ فَارْجعْ إِلَى الْمَدِينَةِ بِسَلاَمٍ أَنْتَ وَأَخِيمَعَصُ ابْنُكَ وَيُونَاثَانُ بْنُ أَبِيَاثَارَ. ابْنَاكُمَا كِلاَهُمَا مَعَكُمَا. انْظُرُوا. أَنِّي أَتَوَانَى فِي سُهُولِ الْبَرِّيَّةِ حَتَّى تَأْتِيَ كَلِمَةٌ مِنْكُمْ لِتَخْبِيرِي». فَأَرْجَعَ صَادُوقُ وَأَبِيَاثَارُ تَابُوتَ اللهِ إِلَى أُورُشَلِيمَ وَأَقَامَا هُنَاكَ.”

أتى الكهنة بالتابوت وراء داود لعلمهم أن داود يملك بأمر الله عكس هذا المتمرد إبشالوم ولكن داود رفض تحريك التابوت وراءهُ مؤمنًا أن الله إن كان يريده سيعيده ثانية لأورشليم مستسلمًا استسلامًا كاملًا لإرادة الله. وهو خشى أن يصيب التابوت شيء وفي (27) أأنت راءٍ= راءٍ هنا ليست بمعنى نبي إنما تعني أن يكون لداود كعين ليرى ماذا يفعل إبشالوم ويخبر داود. وجاءت الترجمة في أماكن كثيرة ألست أنت راءٍ أي ألست أنت قادر أن ترى ماذا يحدث وفي (28) يتضح كلام داود أن صادوق يرى ماذا يحدث ويُرسل له في سهول البرية من يخبره وداود سوف يتوانى أي ينتظر بعض الوقت حتى تأتي رسالة من صادوق.

 

الآيات (30-37)

“وَأَمَّا دَاوُدُ فَصَعِدَ فِي مَصْعَدِ جَبَلِ الزَّيْتُونِ. كَانَ يَصْعَدُ بَاكِيًا وَرَأْسُهُ مُغَطَّى وَيَمْشِي حَافِيًا، وَجَمِيعُ الشَّعْبِ الَّذِينَ مَعَهُ غَطَّوْا كُلُّ وَاحِدٍ رَأْسَهُ، وَكَانُوا يَصْعَدُونَ وَهُمْ يَبْكُونَ. وَأُخْبِرَ دَاوُدُ وَقِيلَ لَهُ: «إِنَّ أَخِيتُوفَلَ بَيْنَ الْفَاتِنِينَ مَعَ أَبْشَالُومَ» فَقَالَ دَاوُدُ: «حَمِّقْ يَا رَبُّ مَشُورَةَ أَخِيتُوفَلَ». وَلَمَّا وَصَلَ دَاوُدُ إِلَى الْقِمَّةِ حَيْثُ سَجَدَ للهِ، إِذَا بِحُوشَايَ الأَرْكِيِّ قَدْ لَقِيَهُ مُمَزَّقَ الثَّوْبِ وَالتُّرَابُ عَلَى رَأْسِهِ. فَقَالَ لَهُ دَاوُدُ: «إِذَا عَبَرْتَ مَعِي تَكُونُ عَلَيَّ حِمْلًا. وَلكِنْ إِذَا رَجَعْتَ إِلَى الْمَدِينَةِ وَقُلْتَ لأَبْشَالُومَ: أَنَا أَكُونُ عَبْدَكَ أَيُّهَا الْمَلِكُ. أَنَا عَبْدُ أَبِيكَ مُنْذُ زَمَانٍ وَالآنَ أَنَا عَبْدُكَ. فَإِنَّكَ تُبْطِلُ لِي مَشُورَةَ أَخِيتُوفَلَ. أَلَيْسَ مَعَكَ هُنَاكَ صَادُوقُ وَأَبِيَاثَارُ الْكَاهِنَانِ. فَكُلُّ مَا تَسْمَعُهُ مِنْ بَيْتِ الْمَلِكِ، فَأَخْبِرْ بِهِ صَادُوقَ وَأَبِيَاثَارَ الْكَاهِنَيْنِ. هُوَذَا هُنَاكَ مَعَهُمَا ابْنَاهُمَا أَخِيمَعَصُ لِصَادُوقَ وَيُونَاثَانُ لأَبِيَاثَارَ. فَتُرْسِلُونَ عَلَى أَيْدِيهِمَا إِلَيَّ كُلَّ كَلِمَةٍ تَسْمَعُونَهَا». فَأَتَى حُوشَايُ صَاحِبُ دَاوُدَ إِلَى الْمَدِينَةِ، وَأَبْشَالُومُ يَدْخُلُ أُورُشَلِيمَ.”

صعد داود باكيًا = فالموقف صعب، ولم نسمع أن داود بكى حينما هرب من شاول ، لكنه قطعًا يبكي لخيانة ابنه الذي يحبه لهُ . وداود قال “خطيتي أمامي في كل حين” لذلك نفهم أن بكاء داود كان لأنه علم أن كل هذه الآلام بسبب خطيته وقلب مثل هذا يغفر لهُ الله.. “حولي عني عينيك فإنهما قد غلبتاني”. وفي (31) يظهر أن داود يعرف دهاء أخيتوفل ويصلي أن يحمق الله مشورته وفي (32) داود يسجد فهو اعتاد الصلاة وعجيبة الاستجابة الفورية لصلاته إذ استجاب الله بإرسال حوشاي الأركي الذي سيبطل مشورة أخيتوفل. ولاحظ صلاة داود أن يحمق الرب مشورة أخيتوفل في آية (31) وفي آية (32) الاستجابة السريعة لله. وعمومًا فهذه حكمة إلهية عند داود أن يرسل رجلًا حكيمًا مثل حوشاي ليبطل مشورة رجل داهية مثل أخيتوفل. ويبدو أن حوشاي كان غائبًا حين هرب داود وحينما علم بالخبر أتى إليه في حزن شديد ولكن داود أقنعه أن بقائه بجانب أخيتوفل وإبشالوم أفضل، فضلًا عن أن سنه الكبير سيعوق حركتهم وكانت محبة حوشاي بلسمًا لجراح داود.

عمومًا فالمزامير التي أنشدها داود أثناء هربه تظهر أنه لم يفقد رجاءه في الرب مدركًا أن كل هذه الآلام إنما هي تأديب لهُ، هذا التسليم لإرادة الله هو سر عظمة داود.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى