تفسير سفر حزقيال ١٤ للقمص أنطونيوس فكري

الإصحاح الرابع عشر

الآيات 1 – 8 :-

فجاء الي رجال من شيوخ اسرائيل و جلسوا امامي. فصارت الي كلمة الرب قائلة. يا ابن ادم هؤلاء الرجال قد اصعدوا اصنامهم الى قلوبهم و وضعوا معثرة اثمهم تلقاء اوجههم فهل اسال منهم سؤالا. لاجل ذلك كلمهم و قل لهم هكذا قال السيد الرب كل انسان من بيت اسرائيل الذي يصعد اصنامه الى قلبه و يضع معثرة اثمه تلقاء وجهه ثم ياتي الى النبي فاني انا الرب اجيبه حسب كثرة اصنامه. لكي اخذ بيت اسرائيل بقلوبهم لانهم كلهم قد ارتدوا عني باصنامهم. لذلك قل لبيت اسرائيل هكذا قال السيد الرب توبوا و ارجعوا عن اصنامكم و عن كل رجاساتكم اصرفوا وجوهكم. لان كل انسان من بيت اسرائيل او من الغرباء المتغربين في اسرائيل اذا ارتد عني و اصعد اصنامه الى قلبه و وضع معثرة اثمه تلقاء وجهه ثم جاء الى النبي ليساله عني فاني انا الرب اجيبه بنفسي. و اجعل وجهي ضد ذلك الانسان و اجعله اية و مثلا و استاصله من وسط شعبي فتعلمون اني انا الرب.

جاء للنبى بعض الشيوخ، وغالباً هؤلاء كانوا من أورشليم، وقد جاءوا يسألون مشورة من النبى، ففرح بهم النبى  ولكن الله كشف له حقيقتهم وأنهم عابدى أوثان، وهم جاءوا يسألون الرب كما يسألون الأوثان. هم تعاملوا مع الله كأنه إله من ضمن الآلهة الوثنية التى يعبدونها، وهذا مبدأ وثنى أى قبول تعدد الآلهة. أو هم فى فضولهم أتوا ليشاهدوا النبى الذى طالما سمعوا عنه. والله يقول عن هؤلاء الذى إمتلأ قلبهم من محبة أصنامهم وهم أعطوها جانباً كبيراًً من مشاعرهم وإرتبطوا بها، وهى على عروش قلوبهم تسيطر = لأنهم أصعدوا أصنامهم إلى قلوبهم. هؤلاء يقول عنهم الله = فهل أسأل منهم سؤالاً =أى هم لا يستحقون أن يسمعوا منى كلمة… هل عرفنا الآن لماذا لا يجيب الله حين نسأله ؟ هذا لأن القلب تسيطر عليه محبة العالم وشهواته ولذات الجسد الحسية. فالله يطلب القلب “يا إبنى أعطنى قلبك أم 23 : 26” والله يجيب من يجلس الله على عرش قلبه، وليس أى نوع آخر من الأصنام الروحية. فالله لن يجيب من أصعد أصنامه لقلبه، أو وضع معثرة إثمه أمام وجهه = هؤلاء لم يطرحوا ما يعثرهم من أمامهم ورفضوه لكنهم كانوا كمن وضع حجراً أمام منزله ويتعثر فيه كل يوم. وهؤلاء وضعوا ذهبهم وفضتهم فى أوثانهم وعبدوها لجمالها، فهم إذاً يتعثرون برغبتهم. وكل إنسان يجرب إذا إنجذب من شهوته يع 1 : 14 فكانوا هم مخربين أنفسهم. والله لن يجيب أمثال هؤلاء، وإن أجاب يجيبهم حسب كثرة أصنامهم = أى لن يجيبهم بأقوال بل بعقوبات، وسيسلمهم لشهوات قلوبهم، وسيتركهم لأنفسهم ليصبحوا بالسوء الذى فى ذهنهم. ولنلاحظ أن من يقع فى يد الشيطان (حين يقبل الخطية التى يعرضها عليه) يذله الشيطان، ولكن هم الذين إختاروا ذلك. وسيعاقبهم الله ويسلمهم للضيق، ولن يجيبهم إذا سألوا، فيسألوا أصنامهم فتزداد حيرتهم وضياعهم. حقاً الله فى عدله سيأخذ بيت إسرائيل بقلوبهم = سيتركهم الله للعالم الذى إختاروه دون أن يحميهم فيذهبوا للخراب. وما الحل.. هل ترفضنا يارب للأبد ؟ لا بل هناك رجاء توبوا وإرجعوا عن أصنامكم وعن كل رجاساتكم إصرفوا وجوهكم = وهذا حتى يملك الرب ثانية على القلب. وهذا الكلام منطبق حتى على الغرباء غير اليهود. فأى إنسان أتى ليسأل الرب وأصنامه فى قلبه يجيبه الرب بالحيرة وسيندمون على ذلك، فالمرائى يظن أنه قادر أن يدخل وسط أولاد الله ولكن الله يعلن هنا أنه سيقطعه ويكشفه فتعلمون أنى أنا الرب = الذى أعرف كل شئ.

 

الآيات 9 – 11 :-

فاذا ضل النبي و تكلم كلاما فانا الرب قد اضللت ذلك النبي و سامد يدي عليه و ابيده من وسط شعبي اسرائيل. و يحملون اثمهم كاثم السائل يكون اثم النبي. لكي لا يعود يضل عني بيت اسرائيل و لكي لا يعودوا يتنجسون بكل معاصيهم بل ليكونوا لي شعبا و انا اكون لهم الها يقول السيد الرب.

هنا يتكلم الله عن ماذا سوف يحدث لو ذهب إنسان مرائى يسأل نبى كذاب، لأن النبى الحقيقى رفض أن يجيبه لعدم إستحقاقه. فهذا المرائى كان يجب أن يقدم توبة، ولكنه وجد أن الأسهل أن يذهب لأحد الأنبياء الكذبة. هنا يقول الرب أنه يضل هذا النبى الكذاب = أى أن الله سمح لهؤلاء الأنبياء الكذبة أن يفعلوا ذلك ويقسوا الأشرار فى طريقهم التى قرروها. والله طبعاً ليس مصدراً للشر، ولكنه يستخدم شريراً ليعاقب أو يدمر شرير آخر، ويستخدم شريراً ليخدع شرير آخر، فكلاهما خاطئ وكلاهما سيعاقب = ويحملون إثمهم. إن حالة الضلال التى عليها هذا النبى الكاذب سببها حقيقة إنحراف قلبه، ولكن لأن عواقب الخطية هى من ترتيب الله لذلك يقال أن الله أضل هذا النبى، أى سمح الله بهذا لينال عقابه. بل أن الله سيبيد هذا النبى الكذاب = وأبيده من وسط شعبى. فالله يترك الإنسان بسبب خطيته لشهوات قلبه. وقد يكون هذا هو السبب فى مجئ ضد المسيح فى الأيام الأخيرة حيث يزداد الشر جداً، ولا يعود الناس يطلبون الله، بل لا يطلبون سوى العالم وشهواته ولنسمع قول المزمور “الرب يعطك حسب قلبك مز 20 : 4” والعقوبات للبعض هى الإبادة والقطع = وأبيده من وسط شعبى. أما للبعض الآخر فهى تأديب لمنع الخطية = ليكونوا لى شعباً وأكون لهم إلهاً = وطبيعى فهذا لن يحدث إلا لو تابوا.

 

الآيات 12 – 23 :-

و كانت الي كلمة الرب قائلة. يا ابن ادم ان اخطات الي ارض و خانت خيانة فمددت يدي عليها و كسرت لها قوام الخبز و ارسلت عليها الجوع و قطعت منها الانسان و الحيوان. و كان فيها هؤلاء الرجال الثلاثة نوح و دانيال و ايوب فانهم انما يخلصون انفسهم ببرهم يقول السيد الرب. ان عبرت في الارض وحوشا رديئة فاثكلوها و صارت خرابا بلا عابر بسبب الوحوش. و في وسطها هؤلاء الرجال الثلاثة فحي انا يقول السيد الرب انهم لا يخلصون بنين و لا بنات هم وحدهم يخلصون و الارض تصير خربة. او ان جلبت سيفا على تلك الارض و قلت يا سيف اعبر في الارض و قطعت منها الانسان و الحيوان. و في وسطها هؤلاء الرجال الثلاثة فحي انا يقول السيد الرب انهم لا يخلصون بنين و لا بنات بل هم وحدهم يخلصون. او ان ارسلت وبا على تلك الارض و سكبت غضبي عليها بالدم لاقطع منها الانسان و الحيوان. و في وسطها نوح و دانيال و ايوب فحي انا يقول السيد الرب انهم لا يخلصون ابنا و لا ابنة انما يخلصون انفسهم ببرهم. لانه هكذا قال السيد الرب كم بالحري ان ارسلت احكامي الرديئة على اورشليم سيفا و جوعا و وحشا رديئا و وبا لاقطع منها الانسان و الحيوان. فهوذا بقية فيها ناجية تخرج بنون و بنات هوذا يخرجون اليكم فتنظرون طريقهم و اعمالهم و تتعزون عن الشر الذي جلبته على اورشليم عن كل ما جلبته عليها. و يعزونكم اذ ترون طريقهم و اعمالهم فتعلمون اني لم اصنع بلا سبب كل ما صنعته فيها يقول السيد الربر

القديسين يصلون عنا دائماً. ولقد قال صموئيل النبى “كيف أخطئ إلى الله وأكف عن الصلاة لأجلكم 1صم 12 : 23. وقطعاً لا شئ يمنعه أن يصلى عنا الآن فى السماء. ولكن صلوات القديسين تسند النفس المجاهدة الراغبة فى التوبة وليس النفس المسترخية. وهؤلاء الأبرار نوح وأيوب ودنيال قطعاً يصلون عن الشعب، ولكن غضب الله على هذا الشعب يجعله لا يقبل شفاعتهم، وهذا حدث مع صموئيل النبى 1صم 16 : 1 إذ قد رفض الرب شاول الملك فطلب الرب منه أن يكف عن الصلاة لأجله. وهذا بنفس المعنى نجده فى الأيام الأخيرة رؤ 15 : 8 حين يسكب الله جامات غضبه ولا ينفع فى هذا شفاعة. وبنفس المفهوم نسمع “أعطيتها زماناً لكى تتوب رؤ 2 : 21” وبعد إنتهاء هذا الزمان، تنتهى فرصة هذا الإنسان وتبدأ الضربات. فشفاعة القديسين تساندنا ولكن العقوبات هى مسئولية شخصية لكل منا إن رفضنا التوبة.

ولماذا هؤلاء الثلاثة نوح وأيوب ودانيال ؟ لأنهم ثلاثة أبرار عاشوا فى جو شرير وثنى خاطئ، ولكنهم إحتفظوا ببرهم، وهذا فيه توبيخ لليهود فهم عندهم الناموس والأنبياء والهيكل، ولكنهم تركوا كل ذلك وعبدوا الأصنام. أما الأدوات التى يستخدمها الله فى ضرباته فهى المجاعات والأوبئة والوحوش والحروب… وإن هرب الإنسان من واحد وقع فى الآخر. كم هى بشعة نتائج الخطية. وهنا نرى الله يرسل على أورشليم كل هذه الضربات مجتمعة. ولاحظ أن الذين يقطعون هم الإنسان والحيوان، فبسبب الخطية التى سقط فيها الإنسان لعنت الأرض قديماً، وما زال الحيوان يتحمل نتائج الخطية منذ أسلمت الخليقة للباطل رو 8 : 20.

 أما البقية التى ستنجو من الضربات سيأتون إليهم فى السبى وسيرى هؤلاء المسبيين أعمالهم الشريرة = فتعلمون أنى لم أصنع بلا سبب = أى سيعرفون لماذا ضرب الله أورشليم. فهذه البقية هى أحسن من كانوا موجودين فى أورشليم. وإذا كان أفضل ما بأورشليم بهذا السوء فكم وكم حال الباقى فحين يرونهم سيبررون الله فيما عمله بأورشليم. تتعزون عن الشر = سترون أن المصائب التى حلت بأورشليم، هى كانت مستحقة لها.

زر الذهاب إلى الأعلى