تفسير سفر هوشع ٤ للقس أنطونيوس فكري

الإصحاح الرابع

من الإصحاح الرابع حتى نهاية العاشر نجد الله يحاجج شعبه بأن يدخل في حوار معهم ومحاكمة لا ليغلب وإنما يكشف لشعبه عن خطاياهم التي أحزنته. هو بهذا يعلن أبوته المحبة.

 

الآيات (1-2):

“اسمعوا قول الرب يا بني إسرائيل.أن للرب محاكمة مع سكان الأرض لأنه لا أمانة ولا إحسان ولا معرفة الله في الأرض. لعن وكذب وقتل وسرقة وفسق. يعتنفون ودماء تلحق دماء.”

مع سكان الأرض = هم بمحبتهم للأرضيات صاروا أرضاً. فهم حين فصلوا أنفسهم عن الله مصدر الأمانة والإحسان فقدوا الأمانة والحق والرحمة. وصارت خطاياهم لعن.. يعتنفون = معاملاتهم عنيفة بلا وداعة وبلا محبة. ودماء تلحق دماء = إشارة لكثرة الدم المسفوك. وهذا كله لأنه لا توجد معرفة الله في الأرض= فالأخلاق دائماً تستند على اللاهوت أي أن علاقة الإنسان بالله هي دائماً المبدأ الموجَّه لتصرفه مع أخيه الإنسان ومن يعرف الله سيخاف أن يغضب الله. والدماء التي سفكوها وصلت لداخل الهيكل، فهم رجموا زكريا الكاهن بأمر الملك داخل الهيكل (2أي21:24).

 

وفي (3): “لذلك تنوح الأرض ويذبل كل من يسكن فيها مع حيوان البرية وطيور السماء واسماك البحر أيضا تنتزع”

نتيجة الخطية خراب شامل يلحق بالأرض ومن عليها. فالأرض كانت أولاً تفيض لبناً وعسلاً وبالخطية لعنت الأرض. ويذبل كل من يسكن فيها = أي تذبل كل طاقات الإنسان وتتبدد مواهبه كالابن الضال. وكلمة تنوح الأرض تعنى أنها فقدت جمالها وسلامها وأقفرت فصارت مجاعات وحروب. بل أصبحت لا تعطي خيراتها. أسماك البحر أيضاً تنتزع = أي تهجر هذا الشاطئ لغيره.

 

الآيات (4-10):

“ولكن لا يحاكم أحد ولا يعاتب أحد.وشعبك كمن يخاصم كاهنا. فتتعثر في النهار ويتعثر أيضا النبي معك في الليل وأنا اخرب أمك. قد هلك شعبي من عدم المعرفة.لأنك أنت رفضت المعرفة أرفضك أنا حتى لا تكهن لي.ولأنك نسيت شريعة إلهك أنسي أنا أيضا بنيك. على حسبما كثروا هكذا أخطأوا إلى فأبدل كرامتهم بهوان. يأكلون خطية شعبي والى أثمهم يحملون نفوسهم. فيكون كما الشعب هكذا الكاهن وأعاقبهم على طرقهم  وأرد أعمالهم عليهم. فيأكلون ولا يشبعون ويزنون ولا يكثرون لأنهم قد تركوا عبادة الرب”

لا يحاكم أحد = تعني: [1‍] لا يحاكم أحد غيره فالكل مدان والكل أخطأ حتى الكهنة هم مدانون. [2] وصلوا لحالة من الإنحطاط وقساوة القلب بحيث أصبح لا فائدة من المحاكمة أو العتاب. والكهنة مدانون لأنهم لم يعلموا الشعب = هلك شعبي من عدم المعرفة. ولذلك رفضهم الله= أرفضك أنا حتى لا تكهن لي = أي يرفض ذبائحهم وصلواتهم. وقوله شعبك كمن يخاصم كاهناً = يشير أن الشعب رفض التعليم الإلهي الذي كان ينبغي أن يتلقوه من الكهنة. ولكن لأنه لا يوجد من الكهنة، من هو أمين ليعلم الشعب قال كمن يخاصم كاهناً بل أن الكهنة الأشرار أتحدوا مع الأنبياء الكذبة في التعثر نهاراً وليلاً وأعثروا الشعب معهم والنتيجة خراب إسرائيل = وأنا أخرب أمك. وهذا ما حدث فقد سقطت السامرة في يد أشور وخربت. ولاحظ قوله لأنك رفضت المعرفة = ولم يقل لأنك جاهل. فمن يعرف أكثر سيدان أكثر، ولكن هذا ليس حجة لأن نمتنع عن التعلم، فمن يرفض المعرفة ولا يعلم نفسه ويقبل تعليم الله يدان أيضاً ويرفض. ولأنك نسيت شريعة إلهك أنسى أنا أيضاً نبيك = إذا هناك شرط لأن يظل الله يعطي لنا ولأبنائنا خيراته، وهو أن نحفظ وصاياه. ولنلاحظ أن الله دائماً يعلن ذاته لنا، ولكن العيب فينا أننا لا نستجيب لهذه الإعلانات ” لم يستحسنوا أن يبقوا الله في معرفتهم (رو28:1) وعلينا أن لا ننسى أفضال الله وخيراته ونشكره عليها دائماً ولكن هناك معنى آخر لهذه الآية. أن الكهنة الأشرار، هؤلاء الذين نسوا شريعة الله سينسى الله بنيهم، بمعنى أن الله سيرفضهم ولن يكون لهم نصيب في الكهنوت، أي سيرفض كهنوتهم، فإبن الكاهن كان يصير كاهناً عند اليهود، وهذا ما حدث مع بيت عالي.

وفي (7): بحسبما كثروا = فهم ازدادوا عدداً جداً. لكن الله كان قد تخلى عنهم بسبب خطاياهم لذلك تبدلت كرامتهم لهوان. وفي (8) يأكلون خطية شعبي= كلمتى خطية وذبيحة خطية هما في العبرية كلمة واحدة. والمعنى أن الكهنة صاروا لا يهتمون بتوبة الشعب عن خطيته بل يبتهجون بتقديم ذبائح الخطية التي يأكلون منها، كل ما كانوا يهتمون به أن يملأوا بطونهم لحماً على حساب الشعب. بل هم إلى إثمهم يحملون نفوسهم = أي هم كانوا يتمنون أن يخطئ الشعب ليقدم ذبيحة خطية ليأكلوا لحومها وفي (9،10) العقوبة للجميع كهنة وشعب. ولن تكون لهم بركة في شئ = يأكلون ولا يشبعون.

 

الآيات (11-14):

“الزنى والخمر والسلافة تخلب القلب. شعبي يسأل خشبه وعصاه تخبره لان روح الزنى قد أضلهم فزنوا من تحت ألههم. يذبحون على رؤوس الجبال ويبخرون على التلال تحت البلوط واللبنى والبطم لان ظلها حسن.لذلك تزني بناتكم وتفسق كنّاتكم. لا أعاقب بناتكم لأنهن يزنين ولا كنّاتكم لأنهن يفسقن.لأنهم يعتزلون مع الزانيات ويذبحون مع الناذرات الزنى.وشعب لا يعقل يصرع”

هنا يظهر الله صراحة سبب وثنيتهم وهم شهرتهم للزنا والخمر والسلافة التي تخلب القلب. فكل إنحراف عن عبادة الله سببه الملذات الجسدية ولذلك إنحطوا للدرجة أن سألوا خشبة وعصاه تخبره = أي لجأوا للعبادة الوثنية الغبية وللطرق السحرية يسألون بها هذه الآلهة. فهم كانوا يتركون عصا لتقع ويحددون ماذا يفعلون بحسب إتجاه وقوع العصا. وآية (13) هذه مظاهر عبادتهم الوثنية (كان الوثنيون يفضلون إقامة مذابحهم تحت ظلال الأشجار الضخمة) ونتيجة وثنيتهم ساد الفساد العام لذلك = تزنى بناتكم. وفي (14) هنا الطبيب أدرك أن حالة المريض ميئوس منها فإمتنع عن إعطائه الدواء. فمن يحبه الرب يؤدبه.. هذا إن كان هناك أمل في توبته، ولكن أن فُقِدَ الأمل يقول الله لا أعاقب بناتكم = ولنعلم أنه خير لنا أن نعاقب هنا عن أن نرفض هناك من أمجاد السماء. لأنهم يعتزلون مع الزانيات = هذه خطية الرجال الذين يذهبون للهياكل الوثنية يزنون مع الناذرات الزنا. هذا شعب قد إنحط كله رجالاً ونساء بسبب الخطية. والأوثان هي بلا عقل وهكذا من يتبعها لا يعقل.. والنتيجة المتوقعة أنه يصرع.

 

الآيات (15-19):

“أن كنت أنت زانيا يا إسرائيل فلا يأثم يهوذا.ولا تأتوا إلى الجلجال ولا تصعدوا إلى بيت آون ولا تحلفوا حيّ هو الرب. انه قد جمح إسرائيل كبقرة جامحة.الآن يرعاهم الرب كخروف في مكان واسع. افرايم موثق بالأصنام.اتركوه. متى انتهت منادمتهم زنوا زنى.احب مجانّها احبوا الهوان. قد صرّتها الريح في أجنحتها وخجلوا من ذبائحهم”

آية (15) كان النبي من إسرائيل ومعظم كلامه موجه لإسرائيل وهنا يعني أنه لو كان إسرائيل بهذا الحال فليحذر يهوذا من أن يشابهه. وربما كان هذا التوجيه لأن إسرائيل كانت أكبر وأكثر رخاءً من يهوذا، فلربما بسبب هذا يقلدها يهوذا في خطيتها. ولا تأتوا إلى الجلجال = كانت الجلجال مكاناً مقدساً (يش8:5-10) ولكنهم للأسف حولوها إلى مركز لعبادتهم الوثنية. وبيت آون = هي تسمية فيها يتهكم النبي عليهم، ويقصد بيت إيل ولكن كلمة بيت إيل تعني بيت الله، وهو يسميها بيت أون أي بيت البطل لأنهم حولوها أيضاً لعبادة الأوثان. وهنا النبي يحذر يهوذا أن لا تصعد لهذه الأماكن ولا تحلف فيها باسم الرب= لا تحلفوا حي هو الرب. أي لا تقدموا عبادة تذكرون فيها اسم الله الحي في هذه الأماكن التي احتلها الشيطان. وفي (16): يشبه إسرائيل ببقرة جامحة = تجري وراء شهواتها وأهوائها ولا يمكن ردها إلى الرب. هي لا تقبل نير صاحبها بل تجمح، وصاحبها هو الله فهم إنطلقوا لأماكن الشهوات ورفضوا أن ينصاعوا وراء الله وما نهاية طريق الخطية؟ قطعاً الهلاك فهم الآن مثل خروف يرعى في مكان واسع هم ظنوا أنهم تحرروا من وصايا الله وصاروا يمرحون كخروف يمرح ويأكل ما يشتهيه من مرعى واسع. ولكن الله يقول لهم بل أنتم كخروف تأكلون من مرعى خصيب لإعدادكم للذبيح.. فالشعب الذي أعطاه الله أرضاً مملوءة خيرات فأكلوا وشبعوا وسمنوا صاروا كخروف يعد للذبح، واشور هي التي ذبحتهم وهذا نفس التشبيه المذكور في (أم21:7-23) وفي (17) أفرايم أحب الأصنام حتى أصبح كأنه موثق بها يرفض التوبة أتركوه إذاً لمصيره أي الهلاك وفي (18) متى انتهت منادمتهم أي سكرهم ذهبوا للزنا. ومجانها = أي تروسها والمقصود رؤساؤها الذين هم كتروس لها يقومون بحمايتها. لكن هؤلاء أحبوا الخطية لذلك هم أحبوا الهوان. وفي (19) خطيتهم جعلتهم كالعصافة تذريها الريح في أجنحتها = وهذا ما حدث في السبي. وهناك خجلوا من ذبائحهم = المقصود خجلوا من وثنيتهم وذبائحهم لأصنامهم التي لم تحميهم فذهبوا إلى السبي.

فاصل

فاصل

تفسير هوشع 3 تفسير سفر هوشع
القمص أنطونيوس فكري
تفسير هوشع 5
تفسير العهد القديم

 

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى