تفسير سفر إشعياء ٢٥ للقس أنطونيوس فكري
الإصحاح الخامس والعشرون
في (24 : 16) سمع إشعياء ترنيمة من الأمم أي العالم كله… مجداً للبار. وهي تسبحة شكر علي عمل الله يقدمها النبي باسم الكنيسة علي خلاص المسيح. فنعمة الله ظهرت جزئياً في خلاص اليهود من السبي وكلياً في عمل المسيح. وسوف يسبح الأمم المسيح علي الخلاص بينما إسرائيل معزول في أحزانه. و لكن بعد أن يدخل ملء الأمم يجمع الله متفرقي إسرائيل وتخلص البقية، فترفع صهيون صوتها بذات التسبيح. وسبب الفرح خراب وسقوط قرية الخراب (24 :10) أي مملكة المخرب حيث ضد المسيح الذي كان يقاوم المدينة ذات الأساسات.
آية (1) يا رب أنت الهي أعظمك احمد اسمك لأنك صنعت عجبا مقاصدك منذ القديم أمانة و صدق.
من آية (1) إلي (5) إعلان لمقاصد الله الخيرة، حتى ولو بدت قاسية لكنها لازمة للخلاص. وفي هذه الآية يسبحون كتسبحة موسي. هنا البقية الأمينة تسبح بعد أن اعترفت بالمسيح بعد طول إنكار. البقية هم الذين امنوا بالمسيح وهم البقية من شعب اليهود في نهآية الأيام الذين عاشوا في ذل منذ قالوا ليس لنا ملك إلا قيصر. وهذا التسبيح عموما هو تسبيح كل نفس أدركت عمل المسيح الذي عمله بالفداء، ومازال يعمله فيها للان ليعينها علي الخلاص.
آيات (2، 3) لأنك جعلت مدينة رجمة قرية حصينة ردما قصر أعاجم أن لا تكون مدينة لا يبنى إلى الأبد. لذلك يكرمك شعب قوي و تخاف منك قرية أمم عتاة.
هذا الإصحاح يفسر علي خراب بابل علي يد الفرس، وبابل هنا تسمي قصر أعاجم، أي لهم لغة غير لغة اليهود. ويمكن تفسيره بصورة أعم و أشمل بخلاص العالم كله من مملكة الشر بابل التي تتكلم لغة غير لغة الله (لغة الله هي المحبة والقداسة) فهم أي إبليس وجنوده قصر أعاجم فهم يحتلون النفس كغرباء وأعاجم يملكون ما ليس لهم. والله يهدم ما فينا من إنسان عتيق ليقيم إنساناً جديداً (2 كو 4 :16) وهذه القوي جميعها سيتم تدميرها في نهآية الضيقة العظمي. كانت النفس قصراً لله لكن أحتلها الأعاجم ودمروها، والله سيعيد خلقتها خلقة جديدة، وفي نهآية الأيام ستنتهي تماماً هذه القوة الشيطانية التي تحارب البشر وتصير خراباً. وربما في قوله مدينة / قرية / قصر إشارة لسيطرة إبليس علي كل مستوي، الجماعة كلها / الأسرة / الفرد فهو يعمل علي كل المستويات ليملك علي البشر. يكرمك شعب قوي= هم إما الفرس أو أي شعب قوي ينفذ إرادة الله، أي الكنيسة القوية المرهبة بالمسيح الذي فيها والذين يخربون ويهدمون مملكة بابل. وتخاف منك قرية عتاة = هم إما البابليون أو كل مدينة تقاوم الله حين يرون يد الله في سقوطهم، وهكذا جزعت الشياطين حين شعروا بقوة المسيح.
آيات (4، 5) لأنك كنت حصنا للمسكين حصنا للبائس في ضيقه ملجأ من السيل ظلا من الحر إذ كانت نفخة العتاة كسيل على حائط. كحر في يبس تخفض ضجيج الأعاجم كحر بظل غيم يذل غناء العتاة.
المسكين والبائس هما شعب الله المُضايَق والله لشعبه حصن وملجأ من السيول، وظل من الحر، حائط يرد السيل، والله يلجأ إليه كل مسكين وبائس فيقبله، فالله لا يرفض أحدا عبر العصور ولنلاحظ المفارقة : المدينة الحصينة قصر الأعاجم يجعله ردماً (آية 2) = الله يذل المتكبرين بينما يكون حصناً للبائس فهو يرفع المتضعين ويحمي من يلجأ إليه.
والتصوير هنا يعني أن هجوم العتاة علي شعب الله كان كسيل ولكن الله يرد هذا السيل ويكون لنا كحائط وكسور يحمينا. وحينما يغنون لانتصارهم علينا إذ ضايقوا شعب الله كحر في يبس. كان الله ظل غيم يظلل علي شعبه ولنفهم أننا ما دمنا علي الأرض فهناك مضايقات من عدو الخير لكن الله لا يترك شعبه بل يكون لهم حامياً، بل هو قادر أن يحول هذه المضايقات لخير أولاده.
آيات (9 – 12) و يقال في ذلك اليوم هوذا هذا إلهنا انتظرناه فخلصنا هذا هو الرب انتظرناه نبتهج و نفرح بخلاصه. لان يد الرب تستقر على هذا الجبل و يداس مواب في مكانه كما يداس التبن في ماء المزبلة. فيبسط يديه فيه كما يبسط السابح ليسبح فيضع كبرياءه مع مكايد يديه.و صرح ارتفاع أسوارك يخفضه يضعه يلصقه بالأرض إلى التراب.
هذه ترنيمة الخلاص والانتقام من الأعداء وهذه الترنيمة تقال مرتين، الأولي حين جاء المسيح أول مرة وقدم الخلاص علي الصليب والمرة الثانية حينما يأتي في المجيء الثاني. هذه الترنيمة تعبر عن فرحتنا بخلاصنا من أعدائنا أي إبليس وجنوده، فلقد أعطانا السيد سلطاناً أن ندوس الحيات والعقارب وحول عبوديتنا حرية وجوعنا إلي شبع وعارنا إلي مجد وحزننا إلي فرح. ولنعود للآيات (6 – 8) لنري صورة الصليب والخلاص الذي قدمه المسيح.
آيات (6 – 8) و يصنع رب الجنود لجميع الشعوب في هذا الجبل وليمة سمائن وليمة خمر على دردي سمائن ممخة دردي مصفى. و يفني في هذا الجبل وجه النقاب النقاب الذي على كل الشعوب و الغطاء المغطى به على كل الأمم.يبلع الموت إلى الأبد و يمسح السيد الرب الدموع عن كل الوجوه و ينزع عار شعبه عن كل الأرض لان الرب قد تكلم.
هنا رسم واضح لأيقونة الصليب. فالمسيح هو الوليمة العظيمة المدعو لها جميع الشعوب وهي ذبيحة سمائن وخمر مصفي. المسيح يقدم ذاته لكل نفس بصفته المشبع لكل احتياجاتها فتقول النفس “الرب راعي فلا يعوزني شيءً” ويفنى في هذا الجبل = عندما صلب المسيح أنشق حجاب الهيكل بسبب الصلح وأنزاح البرقع عن أعيننا فأصبحنا ننظر مجد الله (لكن كما في لغز كما في مرآة ) بلا دخان كما كان يحدث في العهد القديم، ولكننا الآن في عصر التجلي، لقد عرفنا كل خطط الله لتمجيد الإنسان من كل الأمم. يبلع الموت إلي الأبد = المسيح الإله الحي إذ مات بجسده علي الصليب أبتلع الموت بحياته. وأعطانا جسده نأكله قائلاً من يأكلني يحيا بي، فهو أعطانا حياته نحيا بها للأبد. ينزع عار شعبه عار الشعوب الخطية وهذه قد حملها المسيح علي الصليب. وليمة سمائن = مائدة التناول من جسد المسيح هي مائدة مشبعة. دردي = أفضل أنواع الخمر وهي التي ترسب في أسفلها، لكنها حينما تنقي وتصفي تصبح أفضل الأنواع والخمر تشير للفرح الروحي، والله يعطي لأولاده أحسن أنواع الفرح (يو 16 : 22) سمائن ممخة = أي بها نخاع. لذلك نحن في القداس نكون كمن في السماء.
آيات (9 – 12) يد الرب تستقر علي هذا الجبل = الجبل هو الكنيسة جسد المسيح. فكان للمسيح قبل مجيئه ظهورات وهذه غير التجسد، أما في مجيئه متجسداً ومتأنساً فهو أستقر وسكن في طبيعتنا وما عاد يتخلي عن طبيعته الناسوتيه، ولن ينفصل لاهوته عن ناسوته. ويتوازي مع هذا انهيار الشيطان الذي يمثله هنا موآب (الموآبيون كانوا يشمتون في مصائب شعب الله ) والرب إنتصر علي الشيطان في مكانه.
1) جبل التجربة (البرية القفر)
2)النفوس التي سيطر عليها وأستعبدها فحررها المسيح.
3)الجحيم حين فك المسيح أسر السبايا.
4)الهواء حين صلب المسيح في الهواء.
كما يداس التبن = التبن يداس لعمل الطوب. والدوس إشارة لضعف إبليس الذي يبسط يديه = هو كغريق كاد أن يغرق ويبسط يديه محاولاً السباحة لينجو، وخلال محاولاته هذه يبذل أقصي وسعه لجذب كل من يمكنه أن يجذبهم ليغرقوا معه ويهلكوا. صرح إرتفاع أسوارك يخفضه = هو كان يظن أنه محصن ولكن الله خفض وأذل كبريائه.