تفسير رسالة رومية اصحاح 12 د/ موريس تاوضروس

الأصحاح الثاني عشر
الواجبات المتبادلة بين المسيحيين ( رو12: 1-21)

مقدمة ( رو12: 1-2)

فأطلب اليكم أيها الأخوة برأفـة الله أن تقدموا أجسادكم ذبيحة حية مقدسة مرضية عند الله عبادتكم العقلية

يجب علينا أن نسلك بما يليق بهذه العطايا التي أخذناها من الله ، أي أننا في مقابل رأفة الله ورحمته ، يجب أن نقدم أجسادنا كذبائح حية مـقـدسة ونستخدم أعضاءنا ونكرسها للأعمال الصالحة لا لأعمال الخطية .ان الذبيحة المقدسة الحية التي نطالب بتقديمها ، هي ذبيحة العبادة التي تتم وتقدم بواسطة قوانا العقلية التي اكتسبت استناره الروح القدس.

ومن الملاحظ هـنـا أن الـعـبـادة التي يجب أن نقـدمـهـا لله ، يجب أن نقـدمـهـا بكل كـيـاننا ، بأجسادنا ونفوسنا وأرواحنا ،أي أنها ليست عبادة الجسد فقط بل العبادة الروحية العقلية التي يظهر أثرها علي الجسد ، ويشترك فيها الجسد بتقديم أعضائه لتكون آلات للبر لا للاثم ، فكل الكيان الانساني يجب أن يشترك في عبادة الله عبادة روحية عقلية جسدية ، يقول الرسول بطرس التقديم ذبائح روحية مقبولة عند الله بيسوع المسيح ، (1بط 2: 5 ) ويقول داود النبي “أذبح لله حمدا”، ( مز50: 14 وانظر رو 6: 13، 16، 19) .

– لاحظ عبارة برأفة الله، تشير الي الرأفة كصفة من صفات الله في معاملته للبشر ، فهو قد عاملنا بكل رأفة ورحمة. يقول الرسول بولس في رسالته الثانية الي كورنثوس – مبارك الله أبو ربنايسوع المسيح أبو ألرأفة واله كل تعزية الذي يعزينا في كل ضيقاتنا ، (2کو1: 3، 4)

ولإتشاكلوا هذا الدهر بـل تـغـيـروا عن شكلكم بـتـجـديـد أذهانكم لـتـخـتـبـروا ماهي ارادة الله الصالحة المرضية الكاملة

عبارة لا تشاكلوا هذا الدهر، تعني: لا تتشبهوا في حياتكم ، بحياة هؤلاء الماديين الذين ينصرفون إلى الاهتمام بهـذا الـعـالـم ، أي أننا من أجل أن ننجح في تقديم أجسادنا ذبائح روحية مرضية علينا أن لا نتشبه بهذا الدهر ولا نتشكل بشكله .

– بل تغيروا عن شكلكم بتـجـديـد أذهانكم : تغير الشكل يتم عن طريق تجديد الفكر أي باستبدال الأفكار القديمة البالية ، افكار الانسان العتيق ، بالأفكار المسيحية والاهتمامات الروحية. أن ما يحدث ليس هو تغير العقل في طبيعته بل في خصائصه . ومن الملاحظ ان الرسول في العدد السابق تكلم عن تجديد الأجساد وذلك بتكريسها ، وهنا أيضا يتكلم عن تجديد العـقـول . العقل في حالته الطبيعية خارجا عن الايمان يكون ذهنا جسديا ( کو2: 18) ، ولكي يتجدد العقل يحتاج الي استنارة الروح القدس ،وفي هذه الاستنارة سيعرف ما هو الصالح الروح القدس ينير البصيرة ويطهر الدوافع ويقدس الغايات ويجدد القلب ، ويضع كل قوي الانسان تحت أرشـاده وتوجيهه فلا يكون الانسان كمـا كـان أولا بل نكون أزاء انسان جديد ، وكل شي يصير مع هذا الانسان جديدا .

 لتختبروا ماهي ارادة الله الصالحة المرضية الكاملة :

أي لتعرفوا وتميزوا ما يتفق ومشيئة الله ، وهي المشيئة الصالحة التي تقود الانسان الي الكمال الأخلاقي ( أنظر في1: 10). إن عقولنا المتجددة ستكشف ما هي ارادة الله ،وبذلك سنكتشف صلاح الله وكمال مشيئته، وبهذا نته، كن من السير في طريق الكمال الروحي والأخلاقي و تتغير الي تلك الصورة عينها من مجد الي مسنده ( 2کو3: 18) ، وتتجددوا بروح ذهنكم وتلبسوا الانسان الجديد المخلوق بحسب الله في البر وقداسة الحق : ( أف4: 22، 23).

اذن ان كان أحد في المسيح فهو خليقة جديدة ، الأشياء العتيقة قد مضت ، هوذا الكل قد صار جديدا ، (2کو5: 17) ، مشيئة الله توصف بأنها صالحة، ومرضية (عنده) ، وكاملة

واجبات المؤمن في المجتمع المسيحي

 

3فَإِنِّي أَقُولُ بِالنِّعْمَةِ الْمُعْطَاةِ لِي، لِكُلِّ مَنْ هُوَ بَيْنَكُمْ: أَنْ لاَ يَرْتَئِيَ فَوْقَ مَا يَنْبَغِي أَنْ يَرْتَئِيَ، بَلْ يَرْتَئِيَ إِلَى التَّعَقُّلِ، كَمَا قَسَمَ اللهُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِقْدَارًا مِنَ الإِيمَانِ. 4فَإِنَّهُ كَمَا فِي جَسَدٍ وَاحِدٍ لَنَا أَعْضَاءٌ كَثِيرَةٌ، وَلكِنْ لَيْسَ جَمِيعُ الأَعْضَاءِ لَهَا عَمَلٌ وَاحِدٌ، 5هكَذَا نَحْنُ الْكَثِيرِينَ: جَسَدٌ وَاحِدٌ فِي الْمَسِيحِ، وَأَعْضَاءٌ بَعْضًا لِبَعْضٍ، كُلُّ وَاحِدٍ لِلآخَرِ. 6وَلكِنْ لَنَا مَوَاهِبُ مُخْتَلِفَةٌ بِحَسَبِ النِّعْمَةِ الْمُعْطَاةِ لَنَا: أَنُبُوَّةٌ فَبِالنِّسْبَةِ إِلَى الإِيمَانِ، 7أَمْ خِدْمَةٌ فَفِي الْخِدْمَةِ، أَمِ الْمُعَلِّمُ فَفِي التَّعْلِيمِ، 8أَمِ الْوَاعِظُ فَفِي الْوَعْظِ، الْمُعْطِي فَبِسَخَاءٍ، الْمُدَبِّرُ فَبِاجْتِهَادٍ، الرَّاحِمُ فَبِسُرُورٍ. 9اَلْمَحَبَّةُ فَلْتَكُنْ بِلاَ رِيَاءٍ. كُونُوا كَارِهِينَ الشَّرَّ، مُلْتَصِقِينَ بِالْخَيْرِ. 10وَادِّينَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا بِالْمَحَبَّةِ الأَخَوِيَّةِ، مُقَدِّمِينَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فِي الْكَرَامَةِ. 11غَيْرَ مُتَكَاسِلِينَ فِي الاجْتِهَادِ، حَارِّينَ فِي الرُّوحِ، عَابِدِينَ الرَّبَّ، 12فَرِحِينَ فِي الرَّجَاءِ، صَابِرِينَ فِي الضَِّيْقِ، مُواظِبِينَ عَلَى الصَّلاَةِ، 13مُشْتَرِكِينَ فِي احْتِيَاجَاتِ الْقِدِّيسِينَ، عَاكِفِينَ عَلَى إِضَافَةِ الْغُرَبَاءِ. 14بَارِكُوا عَلَى الَّذِينَ يَضْطَهِدُونَكُمْ. بَارِكُوا وَلاَ تَلْعَنُوا. 15فَرَحًا مَعَ الْفَرِحِينَ وَبُكَاءً مَعَ الْبَاكِينَ. 16مُهْتَمِّينَ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ اهْتِمَامًا وَاحِدًا، غَيْرَ مُهْتَمِّينَ بِالأُمُورِ الْعَالِيَةِ بَلْ مُنْقَادِينَ إِلَى الْمُتَّضِعِينَ. لاَ تَكُونُوا حُكَمَاءَ عِنْدَ أَنْفُسِكُمْ. 17لاَ تُجَازُوا أَحَدًا عَنْ شَرّ بِشَرّ. مُعْتَنِينَ بِأُمُورٍ حَسَنَةٍ قُدَّامَ جَمِيعِ النَّاسِ. 18إِنْ كَانَ مُمْكِنًا فَحَسَبَ طَاقَتِكُمْ سَالِمُوا جَمِيعَ النَّاسِ. 19لاَ تَنْتَقِمُوا لأَنْفُسِكُمْ أَيُّهَا الأَحِبَّاءُ، بَلْ أَعْطُوا مَكَانًا لِلْغَضَبِ، لأَنَّهُ مَكْتُوبٌ:«لِيَ النَّقْمَةُ أَنَا أُجَازِي يَقُولُ الرَّبُّ. 20فَإِنْ جَاعَ عَدُوُّكَ فَأَطْعِمْهُ. وَإِنْ عَطِشَ فَاسْقِهِ. لأَنَّكَ إِنْ فَعَلْتَ هذَا تَجْمَعْ جَمْرَ نَارٍ عَلَى رَأْسِهِ». 21لاَ يَغْلِبَنَّكَ الشَّرُّ بَلِ اغْلِبِ الشَّرَّ بِالْخَيْرِ. ( رو12: 3 –21).

فاني أقول بالنعمة المعطاة لي لكل من هو بينكم أن لا يرتئي فوق ما ينبغي أن يرتئي بل يرتئي الي التعقل كما قسم الله لكل واحد مقدارا من الايمان.

فيما سبق ، تحدث الرسول بولس عن تغيير الشكل وتجديد الذهن ، والآن يتقدم ليتحدث عن الاهـتـمـامـات الجديدة و الأخلاق الجديدة الي تحـمـل سـمـات هـذا الـتـغـيـر وهـذا الـتـجـديد ، والتي يجب أن تنظم علاقة المؤمن بغيره من المؤمنين في المجتمع المسيحي .ويتكلم الرسول بولس بـنـسـب نـعـمـة الاستنارة التي أعطيت له في الـخـدمـة الرسولية التي كلف بهـا .وهو يوجه كلامه للجميع محذرا اياهـم لـثـلا يكون لأحد منهم أهتمام وتقدير لنفسه أكبر مما يجب أن يكون له ، فيجب أن يفكروا بالنسبة لأنفسهم ويحكموا على أنفسهم وفقا للعطايا والمواهب والنعم التي أعطاها الله لكل منهم . ولم تعط المواهب والنعم لكي تكون سـبـبا ودافـعـا لـلافـتـخـار الخاطئ لأن المواهب أعطيت من أجل نفع الآخرين أو من أجل نفع الكنيسة بوجه عام .يقول الرسول بولس في رسالته الاولي الي أهل كورنثوس : فهذا أيها الأخوة حولته تشبيها الي نفسي والي أبلوس من أجلكم لكي تتعلمـوا فـيـنـا أن لا تفتكروا فـوق مـا هـو مـكتـوب كي لا ينتفخ أحـد لأجل الـواحـد علي الآخر ، لأنه من يميزك وأي شئ لك، لم تأخذه ،وأن كنت قد أخذت فلماذا تفـتـخـر كأنك لم تأخذه (1کو4: 6، 7) ، وقال السيد المسيح في مثل الوزنات “فـأعطـي واحـداً خمس وزنات وأخـر وزنتين وأخر وزنة ، كل واحـد عـلـي قـدر طـاقـتـه” ( مت25: 15) ويـقـول الـرسـول بولس عن مـواهـب الله ونعمه هذه كلها يعـمـلـهـا الروح الواحد بعينه قاسما لكل واحـد بمفرده كما يشاء » (1کو12: 11) ولكن لكل واحد منا أعطيت النعمة حسب قياس هبة المسيح ( أف4: 7)، نحن لا نفـتـخـر الي ما لا يقاس بل حـسـب قـيـاس القانون الذي قـسـمـه لنا الله قـيـاسـاً للـبلوغ اليكم أيضـا ( کو 10: 13 ) .لاحظ معني العبارات التالية :

– النعمة المعطاة لي : يشير الرسول بولس الي سلطان الكلمة التي يعلم بها، فهو يتكلم بحسب النعمة المعطاة له . وهو يشير هنا الي نعمة الخدمة الرسولية التي وهبته استنارة الروح القدس .

-أن لا يرتئي فـوق ماينبغي أن يرتئي : أي لا ينظر الي نفسـه بـتـقـديـر أكثر مما يجب ولا يعظم نفسه ولا يصـيـبـه الغرور فـي تـقـيـيـمـه لـقـدراته وأمكاناته، بل يسلك وفقا لمقدار العطايا أو المواهب والنعم التي أعطيت له من قبل الله .

– كـمـا قـسـم الله لكل واحـد مـقـداراً من الايمان : بواسطة الايمان نحصل علي نعم الله ، وحسب قياس الايمان الذي لنا تكون عطايا النعمة . كلمة الايمان هنا تعني النعمة.

فانه كما في جـسـد واحـد لنا أعضاء كثيرة ولكن ليس جميع الأعضاء لها عمل واحد ، هكذا نحن الكثيرين جسد واحـد في المسيح وأعضاء بعضا لبعض كل واحد للآخر

كما يوجد في الجـسـد الـواحـد أعـضـاء كثيرة ثم أن هذه الأعـضـاء جـميعها لا تقوم بنفس العمل ، هكذا أيضـا فـان المؤمنين الكثيرين في الكنيسة هـم ليـسـوا أكثر من جسد واحد بسبب اتحادهم بالمسيح ، وكل واحد منا هو من أجل الآخر ، كما أن أعضاء الجسد يخدم بعضها بعضا . وإذا كان الأمر هكذا ، فيجب علينا أن نـخـدم بـتـواضـع فـلا ينظر كل منا الي نفسه ، ولا تكون موهبته موضع فخر ذاتي بل ليخدم كل منا كل جسد الكنيسة .

يقول الرسول بولس في رسالته الاولي الي كورنثوس :

“لأنه كما أن الجسد هو واحد وله أعضاء كثيرة ،وكل أعضاء الجسد الواحد اذا كانت كثيرة هي جسد واحد ، كذلك المسيح أيضا … فان الجسد أيضا ليس عـضـوا واحـدا بل أعضـاء كثيرة …فالأن أعضاء كثيرة ولكن جسد واحد … ” (1کو12: 12 – 31) “فاننا نحن الكثيرين خبز واحـد جـسـد واحـد لأننا جـمـيـعنا نشـتـرك في الخبـز الـواحـد” (1کو10: 17) . لاحظ معني العبارات التالية : –

– كما في جسد واحد لنا أعضاء كثيرة : (أنظر 1کو12: 12–31 ، أف4: 15 ، کو1: 18) .يؤكد بولس الرسول بهذا الـتـشـبـيـه لعلاقة المؤمنين بعضهم مع بعض في جـسـد واحـد ، تعليمه عن المحبة ،فكل عضو في الجسد يعمل لأجل نفع المجمـوع .كل عضو له وظيفته الخاصة به ، ولكن وظيـفـة كل عـضـو هي من أجل فائدة كل الأعـضـاء وكل الجـسـد .كل عـضـو يـسـاعـد الأعضاء الآخرين .

– لكن ليس جميع الأعضاء لـهـا عـمـل واحـد :كمـا تـخـتلف وظيفة كل عـضـو عن وظيفة الأعضاء الآخرين ، هكذا أيضا الروح القدس أعطي المؤمنين مواهب مختلفة

– هكذا نحن الكثيرين جـسـد واحد في المسيح : جميع المؤمنين يؤلفون جسدا واحدا ، الله هو اونا ،والمسـيـح هـو مـركـز وحدتنا وهـو رأس الكل وهو الاصل الجديد الذي يحيي | الجـمـيع المؤمنون في الـعـالـم لا يكونون مجرد تكدس مبهم بل يجب أن يتحدوا معا في مـجـمـوعـة منظمة رأسها المسيح ، وتعمل بارشاد الروح القدس والهامه .

– وأعضاء بعضا لبعض كل واحد للآخر : ليس الـعـضـو الصغير يعمل من أجل الكبير ، بل وأيضا الكبير من أجل الصغير : نحن لسنا كل شيء ، نحن فقط أعضاء وليس كل الجسد . نحن أعضاء ليس فقط للمسيح بل وأيضا بعضنا لبعض . نحن توجد في علاقة وثيقة بعضا مع بعض ونحن ملزمـون أن تفعل كل مـاهـو خـيـر من أجل الآخرين ، من أجل الجسد كله ، لخيـره ونموه .واذا كان علي كل واحد منا أن لا يرتني فوق ماينبغي حتي لا يحدث شيء من الانقسام بين المؤمنين وحـتي لا يطغي الـواحـد علـي حـقـوق الآخرين ، فانه من ناحية أخري يجب أن نحس بمسئوليتنا تجاه الـجـسـد كله ونساهـم فـي خـدمـتـه قـدر ما لنا من النعم والمواهب ولا نستصغر موهبتنا أو ننظر لأنفسنا كأننا بلا نفع أو فائدة اذا كان التطرف في تقدير امكانياتنا ،أمر مرذول هكذا أيضا فان احـتـقـار الـواحـد لموهبته الخاصة مهما كانت صغيرة ، هو أيضـا أمـر مرذول لأنه ينتهي الي عدم تقدير مسئوليتنا تجاه الآخرين .

ولكن لنا مواهب مختلفة بحسب النعمة المعطاة لنا، أنبوة فبالنسبـة الي الايمان

ان لنا امكانيات وقدرات مختلفة وفقا لنعمة الروح القدس التي أعطيت لنا ، وعلينا أن نشعر بالقناعة ولاتثور فينا الأنانية ومحبة الذات بسبب تلك المواهب التي لم تعط لنا .واذا كان لأحد منا موهبة النبوة فليتنبأ وفقا لمقدار الموهبة التي أعطيت لكل نبي حسب درجة ايمانه ، لاحظ معني العبارات الالية :

– لنا مواهب مختلفة :يشير في هذا الاصحاح الي سبع مـراهـب هي:

النبوة – الخدمة -التعليم – الوعظ – العطاء بسخاء – التدبير باجتهاد – الرحمة بسرور .

وفي الأصحاح الثاني عشر من الرسالة الأولي الي كورنثوس يشير الي تسع مواهـب:

الحكمة – العلم – الايمان- الشـفـاء – عمـل قوات – الـنبـوة – تمييز الارواح – أنواع السنة – ترجمة السنة .

(انظر1کو12: 8-10، 12: 28-31) .

علي أن هذا العدد من المواهب يمكن أن يزداد وفقاً لاحتياجات الكنيسة .وقد أشار الرسول بولس الي اختلاف المواهب ولم يقسمها إلي كبيرة وصغيرة فالكنيسة تحتاج الي جميع المواهب، وكل موهبة، مهما بدت لنا صغيرة ، فأن لها قدرها وأهميتها بالنسبة للجسد كله.

– أنبوة : وهي موهبة تعطي لكشف الأمور المكتومة .بواسطة هذه النبوة، تتكشف الأسرار السماوية وأحداث المستقبل ، للبشر ، وعلى الأخص للمؤمنين مع تفسير النبوات الكتابية تفسيراً لا يمكن بلوغه حسب قوانين التفسير المعتادة .

– فبالنسبة الي الايمان : أي حسب قياس أو مقدار الايمان ، وهذا يعني أن كل واحد مسئول أو سبب لما يحصل عليه من مـقـدار الـنـعـمـة ، كبيرا أو صغيرا . ان الموهبة لا تعطي للمؤمن إلا حسب استعدده والا اذا وجدت من المؤمن الوعاء الذي يتقبلها .

أم خدمة ففي الخدمة أم المعلم ففي التعليم

كل واحد من الؤمنين يجب أن يتصرف حسب الموهبة المعطاه له ، ومن له مـوهبة الخـدمة الكنسية، فليمارس هذه الموهبة، ومن له موهبة التعليم أي تعليم الحقائق الالهية فلي ارس هذه الموهبة ويسعي لتفسير إعلانات الله التي أوحي بها علي لسـان أنبيائه والحقائق الالهية المتضمنة في هذه الإعلانات .لاحظ العبارات التالية :

– أم خدمة ففي الخدمة : يمكن أن تستعمل كلمة خدمة هنا في معناها العام ، ولكن ، وهو الأرجح ، يمكن أن تشير الي خدمة خاصة في الكنيسة لأن الرسول يتكلم هنا عن المواهب المتنوعة – أم المعلم ففي التعليم: ليس من مهمة المعلم، الكشف عن اعلانات جديدة، فهذا من مهمة البني ، وانما تنحـصـر مـهـمـة المعلم في شـرح الإعلانات المكشـوفـة أو الحقائق المعلنة والتعمق في فهمها وادراكها.

وعلي كل فيجب علي كل مؤمن أن يلتزم بموهبته ولا يتعدي مـجـالـهـا الـي مـجـال مـوهـبة اخري.

أم الواعظ ففي الوعظ ، المعطي فبسخاء ، المدبر فباجتهاد ، الراحم فبسرور

– الواعظ هو من يكون له مـوهـبـة نصح الآخرين وإرشادهم للفضيلة ودفعهم للتصرف حسب الحقائق الإلهية

– المعطي بسخاء هو الذي يكون لديه الاستعداد لأن يهب من خيراته للفقراء والمحتاجين دون أن يقهر علي ذلك أو يلزم من قبل الآخرين ، ودون أن يصدر في فعله عن دوافع أنانية ذاتية بل يهب كل شئ بسخاء ومحبة.

-أما المدبر فهو من يوكل اليه ليدبر أمرا ماتدبيرا حسنا ، فليباشر عمله بشوق ورغبة قوية وباجتهاد .

– وأمـا الـراحـم فـهـو مـن يفعل الـرحـمـة مع الآخرين .ويجب أن يـصـدر هذا العمل منه عن سرور وفرح ورضي ، لاحظ مايلي :

1 – الواعظ هو من يحض علي الفضيلة , وهـو يختلف عن المعلم ، فبينما يخاطب المعلم الـعـقـل ، فـان الواعظ يخاطب القلب والارادة ويدفعهما للسلوك بحسب التعليم السليم، قد لا تتوافر هاتان الموهبتان في شخص واحـد ولذلك تحتاج الكنيسة الي أشخاص للوعظ وآخرين للتعليم . ولما كان الواعظ يـقـصـد الي الحض علي السلوك الفاضل ، فـانـه يـحـمـل مـعـه بعض النصائح والارشادات التي تفرض علي المؤمن الالتزام بها ، ولذلك يقول الرسول بولس في رسالته الي العبرانيين وأطلب اليكم أيها الأخوة أن تحتملوا كلمة الوعظ ( عب13: 22) .

علي أن الوعظ يقصد بعض الأحـيـان الي التعزية والـتـقـوية في أوقـات الـضـيـقـات و حتي نستطيع أن نعزي الذين هم في كل ضيقة بالتعزية التي نتعزي بها نحن من الله ، (2کو1: 3) “قد امتلأت تعزية وازددت فرحا جدا في جميع ضيقاتنا” (2کو7 : 4).

٢- كلمة المعطي هنا لا تشير الي العطاء الذي تنظمه الكنيسة، فهذا الأخير استعمل له فعل آخر هو, أما في هذا الموضع الذي نحن بصدده فنستعمل الكلمة metadidous وهي تدل علي العطاء الشخصي بدافع قلبي .

المحبة فلتكن بلا رياء . كونوا كارهين الشر ملتصقين بالخير

محبتنا بجب أن تكون بدافع من الاخلاص ويجب أن تكون متحـررة من كل رياء ونفاق. كذلك يوصي الرسـول أن ننجه بكل قوة بعيدا عن الشر وأن نرتبط علي الدوام بالخير .وكما قال في الرسالة الاولي الي كورنثوس ” ولا تفرح بالاثم بـل افـرح بالحق” ( 1کو 13: 6) ويقـول عـامـوس البني “أبغضـوا الشر وأحبوا الخير “( عا 5: 15 ) ويقول داود النبي “يامحـبي الرب أبغضوا الشر” ( مز97: 10) .

وادين بعضكم بعضاً بالمحبة الأخوية .مقدمين بعضكم بعضاً في الكرامة

يوصي الـرسـول بالمحبة الأخـوية أي محـبـة الـواحـد للآخر .وتظهر هذه المحبة في أن يحاول كل واحد أن يقدم الآخر عنه وأن يشعر كما لو كان هذا الآخر في مـوضـع أكرم منه ، يقول بطرس الرسول اكرموا الجميع .أحبوا الاخوة خافوا الله أكرموا الملك ، (1بط 2: 17) ويقول الرسول بولس “حاسبين بعضكم البعض أفضل من انفسهم .لا تنظروا كل واحد الي ماهـو لنفسه بل كل ولحد الي ماهـو للآخرين ليضا ، (في2: 3) .

غير متكاسلين في الاجتهاد . حارين في الروح . عابدين الرب

 ان أعمالكم – فيما يقول الرسول بولس لأهل رومية – تحتاج الي مجهود واجتهاد ولذلك فليس عليكم أن تتكاسلوا . ثم أن قواكم الروحية الباطنية يجب أن تكون ملتهبة ومشتعلة بحرارة عمل الروح القدس في داخلكم ، وعليكم ان تخدموا بهذه القوي الروحية وتكرسوا ذواتكم كعبيد للرب .

ان هؤلاء الذين يريدون أن يكونوا مسيحيين حقيقيين يجب أن يتدربوا علي فعل الخير وأن يكون ذلك من كل القلب وبكل القوي والملكات الروحية، وفي حـرارة الايمان يقدمون العبادة للرب .

فرحين في الرجاء .صابرين في الضيق مواظبين علي الصلاة

ثم أن رجاءكم في الخيـرات السماوية المقبلة يجب أن يكون مفعما بالفرح ويجب أن تتقووا وتصبروا فـيـمـا يـواجـهـكم من ضـيـقات ، كذلك يجب أن تستمروا في صلواتكم التي بواسطتها ستحصلون علي عـون تحـقـقـون به فـضـائـل الحيـاة الـروحـيـة مـن ناحية وتواجهون به مصاعب الـتـجـارب والمحن التي تـصـادفكم من ناحـيـة أخـري . يقـول الـرسـول بـولس في مـواضـع أخـري في رسائله « إفرحوا في الرب كل حين وأقول أيضا إفرحوا …لا تهتموا بشئ بل في كل شئ بالصلاة والدعاء مع الشكر لتعلم طلباتكم لدي الله: ( في4: 6،4 ) (أنظر 1تي2: 21، کو4: 2).

مشتركين في احتياجات القديسيبن . عاكفين علي اضافة الغرباء

وعلي الؤمنين أن يساعدوا في احتياجات اخوتهم القديسين ( المؤمنين – المسيحيين ) وان يكونوا على استعداد لاضافة الغرباء دون أن ينتظروا حتي يطلب منهم الغريب اضافته (أنظر 1تي 2: 3  ، 5: 10 ، في 4: 14 ، تي1: 8 ، عب13: 2 ،  1بط4: 9) .

“باركوا علي الذين يضهدونكم . باركوا ولا تلعنوا”

وكلمـة باركوا يعني أن نتكلم نحو الذين يضـهدونا ، كلاما صالحا طيبا وأن نحرص فـلا نتكلم عنهم بالسوء ( لا تلعنوا ) .

فرحا مع الفرحين وبكاء مع الباكين

يجب أن نشـتـرك مع الآخرين في مختلف ظـروفـهـم فـنفـرح حين يفـرحـون ونـحـزن حين يحـزنون (أنظر لو1: 58) . يقول داود البني ، أما أنا فـفـي مـرضـهـم كـان لـبـاسي مسحا …كأنه قريب كانه أخي كنت أتمشي كمن ينوح علي أمه انحنيت حزينا (مز 35: 13، 14) .

مهتمين بعضكم لبعض اهتماماً واحـداً غيـر مهتمين بالامور العاليـة بل منقادين الي المتضعين . لا تكونوا حكماء عند أنفسكم

ويجب أن يكون لديكم نفس أهـتـمـامـات الأخـرين و أن تـهـتـمـوا بما يـهـتـمـون هـم به ، مع ملاحظة أن لاتكون اهتماماتكم اهتمامات عالية تقصد الي طلب المجـد الذاتي بل علي العكس أن تسلكوا بتـواضـع نـحـو الآخرين ، ويجب عليكم أن لا تظنوا في أنفسكم فوق ما ينبغي أي يجب أن لا يأخذكم الغـرور بأن لديكم العلم والمعرفة والحكمة وانكم لستم فـي احـتـيـاج لمساعدة الآخرين (أنظر 1تي6: 17 ، أم3: 7 ، إش5: 21) .

لا تجازوا أحداً عن شر بشر. معتنين بأمور حسنة قدام جميع الناس

يجب أن لا تكون مـعـامـلـتـكـم للآخـريـن مـبنية علي رد شـره مـن نـحـوكـم بـشـر مسائل ، بل عليكم أن تحرصوا فلا تعملون الشر ويجب أن تكون أعمالكم مجيدة أي منظورا اليها نظرة حسنة من الآخرين حتي لا يساء الي كلمة البشارة بسببكم .

ان كان ممكنا فحسب طاقتكم سالموا جميع الناس

كل مايتـوقف عليك يجب أن تحاول أن تقيمه علي أساس من علاقات السلامة مع جميع الناس الناس اذا كان ذلك ممكنا ، أي بقدر مايكون لك ومن طاقة ،من قـدرة علي أن تسـالـم جـمـيع فلتحرص علي هذا ، فكل مالديك من طاقة لحفظ السلام مع الآخرين عليك أن تستعمله .

لا تنتـقمـوا لأنفكسم أيها الأحـباء بل أعطوا مكانا للغضب . لانه مكتـوب لي النقمة أنا أجازي يقول الرب

لا تطلبـوا استيفاء حقوقكم من الآخرين بل أعطوا مكانا لغضب الله لا لغضبكم، والرب قادر أن يؤدب الأشرار لأنه هـوصـاحب النقـمـة وهـو الذي له الحق في أن يجازي عن الشر. يقـول سفر التثنية « لي النقمة والجزاء في وقت تزل أقدامهم ، إن يوم هلاكهم قريب والمهيأت لهم مسرعة لان الرب يدين شعبه وعلي عبيده يشفق” (تث32: 35، 36 ) وجاء في سفر اللاويين “لا تنتقم ولا تحقد علي ابناء شعبك” ( لا 19: 18) أنظر مت5: 19 ، عب10: 3 ،2تس1: 6)

فان جاع عدوك فأطعمه – وان عطش فاسقه -لأنك ان فعلت هذا تجمع جمر نار علي رأسه

اذا جاع عدوك فلا تتخذ من هذه الفرصة مجالا للانتقام منه بل عليك أن تقدم له ما يحتاجه من طعام ، وأن عطش فعليك أن تحمل له الماء ليرتوي به ، لأنك اذا فعلت هذا فانك ستضطره لأن يخجل من تصرفاته ويتعرض لتأنيب الضمير الحاد الذي لا يقل في قوته وفي ألمه عن الألم الذي يمكن أن يتسبب فيما لو وضعت نارا علي رأسه .( انظر أم25: 21 ،مت5: 44 ، 2مل6: 22)

لا يغلبنك الشر بل اغلب الشر بالخير

يجب أن لا تنغلب من الشر بمعني أنك يجب أن لا ترد الشـر بالشـر ، بل عليك أن تغلب الشر بما تفعله من الخير ( انظر مت 5: 39) .

هذه هي الـواجـبـات التي علي كل واحـد من المؤمنين كعضو في الكنيسة التي هي جسد المسيح ، أن يحفظها وأن يتممها ازاء غيره من الأعضاء .

تفسير رومية 11 تفسير رسالة رومية تفسير العهد الجديد تفسير رومية 13

د/ موريس تاوضروس

تفاسير رسالة رومية تفاسير العهد الجديد

 

زر الذهاب إلى الأعلى