تفسير سفر إشعياء ٤١ للقس أنطونيوس فكري

الإصحاح الحادي والأربعون

 

هذا الإصحاح يتلخص في قول إيليا المشهور إن كان الله هو الله فاعبدوه وإن كان البعل هو الله فاعبدوه. يدعو الله أقصاء الأرض، أي الجزائر، والمعنى كل الأرض لتحدد بمنطق بسيط من يستطيع أن يخبر بالمستقبل (21 – 23) ثم بدأ هو يتنبأ بأن هناك ملك يخرج من المشرق، وهو كورش، ولاحظ أن كورش المخلص رمز للمسيح المخلص من سبى إبليس. وحينما يعلن الله هذا التحدي تبدأ الأصنام في التحدي بل الانهيار فيرجمونها ويشدد النجار الصائغ ليشدد الآلهة صنعته (5-7) ويجمعون أدلة أوهي من خيوط العنكبوت لأن الأنبياء الكذبة كانوا يردون بردود عائمة أو نبوات كاذبة، أما نبوات الله ففي منتهي الدقة، ولا حيلة لكهنة الأوثان لكي يداروا آلهتهم إلا أن يضعوا على أوثانهم أجمل المجوهرات. ثم يؤكد الرب لشعبه أنه معهم وسيحفظهم ويعتني بهم.

 

آية (1) أنصتي إلي أيتها الجزائر و لتجدد القبائل قوة ليقتربوا ثم يتكلموا لنتقدم معا إلى المحاكمة.

فلتنصت الجزائر = قيل أنها البلاد البعيدة وقيل أنهم اليهود الذين ذهبوا بعيداً إلى بابل وأحاط بهم البابليين من كل مكان كالماء الذي يحيط جزيرة، بل حاصرتهم التجارب. ولكن المعنى المقصود هو أنها رسالة لكل العالم أن ينصت = إنصتى = فنحن لن نسمع صوت الله ما لم نصمت ونقترب. ليقتربوا. من الله ونبتعد عن ضجيج العالم. ولتجدد القبائل قوة = فعليهم أن يثبتوا إدعائهم بأن آلهتهم قادرة على التنبؤ بالمستقبل كما يفعل الله إنصتى فالموضوع هام. بالتواضع الله الذي يدخل في المحاكمة مع خليقته.

 

آية (2) من انهض من المشرق الذي يلاقيه النصر عند رجليه دفع أمامه أمما و على ملوك سلطه جعلهم كالتراب بسيفه و كالقش المنذري بقوسه.

كورش هو هذا الإنسان والصفات التي قيلت عنه هنا تنطبق عليه تماماً وذكره هنا يناسب إطلاق اليهود من السبي. صار أعظم ملك في العالم، وأشتهر بالشجاعة والسرعة في الحرب والحكمة والعدل والكرامة وله اعتبار خاص في الكتاب المقدس، أستخدمه الله كآلة لإرجاع شعبه من السبي. قال كورش في نهآية حياته، أنه “لم يبتدئ عملاً إلا نجح فيه”  كالقش المنذرى = البابليين (رمز للشياطين) يلاقيه النصر عند رجليه = له سرعة حركة. ولقد عرف كورش بالعدالة أما جيشه فاشتهروا بالشراسة. من المشرق = فالمسيح هو شمس البر إلا أن كورش أيضاً جاء من الشرق.

 

آية (3) طردهم مر سالما في طريق لم يسلكه برجليه.

مر سالماً = لحكمته كانت خسائره في الحروب أقل ما يمكن. طريق لم يسلكه برجليه = كان سريعاً كأنه من الطيور كأنه لا يمس الأرض (دا 8 :5) وإذا فهمنا الآية على المسيح فهي سرعة انتشار الإنجيل.

 

آية (4) من فعل و صنع داعيا الأجيال من البدء أنا الرب الأول و مع الآخرين أنا هو.

من فعل = الرب هو الذي أنجح كورش (عز 1 :2) وكورش أعترف بهذا والله عمل ويبقى عاملاً مع شعبه من البدآية للنهآية والله سمى نفسه هنا الأول والآخر. ومع الآخرين أنا هو = هو يهوة الذي يتكلم. وبهذا يصير المسيح هو يهوة فهذا أسمه الذي قاله عن نفسه الأول والآخر (رؤ 1 : 17) والمعنى أنه بلا بدآية موجود قبل كون العالم، أبدى لا ينتهي، ضابط الكل. الكل مكشوف أمامه الماضي والحاضر والمستقبل، هو الذي يحكم العالم وأحكامه لا تتغير، إذاً فهو الذي أتى بكورش وها هو يخبر عنه قبل مجيئه ب 200 سنه.

 

آية (5) نظرت الجزائر فخافت أطراف الأرض ارتعدت اقتربت و جاءت.

كل الممالك ارتعدت حينما سمعت خبر كورش، وكل الممالك قامت ضده فيما يشبه الوحدة (بابل ومصر وغيرهما).

 

آيات (6،7) كل واحد يساعد صاحبه و يقول لأخيه تشدد. فشدد النجار الصائغ الصاقل بالمطرقة الضارب على السندان قائلا عن الإلحام هو جيد فمكنه بمسامير حتى لا يتقلقل.

كان استعدادهم بصنع آلهة جديدة لفشل ما عندهم، أو هم يصلحون ويشددون ما عندهم. ولكن المعنى يشير لأبعد من ذلك كما قلنا سابقاً أن الأصنام وصانعوها في حالة تحدى لله. هنا نرى ثورة الوثنيين دفاعاً عن آلهتهم كما فعل الافسسيين لأرطاميس (اع 28:19) هم يدافعون عن آلهتهم أما نحن فلنا إله يدافع عنا حتى ونحن صامتين.

 

آية (8) و أما أنت يا إسرائيل عبدي يا يعقوب الذي اخترته نسل إبراهيم خليلي.

أما أنت يا إسرائيل = الأمم التي تعتمد على أوثانها خافت، أما إسرائيل المتكل على الرب فلا يخاف لأنه يؤمن أن كل الأمور تعمل للخير لشعب الله.

 

آية (9)  الذي أمسكته من أطراف الأرض و من أقطارها دعوته و قلت لك أنت عبدي.

الذي أمسكته = أولاً الله أمسك إبراهيم ودعاه من أور، ثم أمسك أولاده ودعاهم من مصر وأخرجهم من عبوديتها وصاروا له.

 

الآيات (10) لا تخف لأني معك لا تتلفت لأني إلهك قد أيدتك و أعنتك و عضدتك بيمين بري.

الآيات (10-20) آيات تشجيع للمسبيين ولشعب الله في كل مكان، فالله قوة للضعيف، وهو يروى النفس العطشانة دائما. و لاحظ تكرار قوله لا تخف فالخوف يفقدنا سلامنا الداخلي، والخوف عموماً سببه الشعور بالوحدة أما نحن فالمسيح المخلص أتى ليسكن داخلنا ولا يتركنا في احتياج.

 

الآيات (11: 13) انه سيخزى و يخجل جميع المغتاظين عليك يكون كلا شيء مخاصموك و يبيدون. تفتش على منازعيك و لا تجدهم يكون محاربوك كلا شيء و كالعدم. لأني أنا الرب إلهك الممسك بيمينك القائل لك لا تخف أنا أعينك.

لم يتصور أحد في أيام السبي أن يفتش عن البابليين فلا يجدهم.

 

آية (14)  لا تخف يا دودة يعقوب يا شرذمة إسرائيل أنا أعينك يقول الرب و فاديك قدوس إسرائيل.

دودة يعقوب = تشير لضعف اليهود وعدم استحقاقهم. وقد داسهم فرعون كدودة فعلاً، وهكذا فعل نبوخذ نصر وباد الجبابرة وبقى شعب الله. فاديك = كلمة فادى بالعبراني تعنى الذي يفك المبيع (لا 25:25) فحين يفتقر أحد ويبيع من ملكه يأتي أخر (وليُه) ويفك مبيع أخيه، والولي هو الفادى، والكلمة تفيد أيضاً الذي يخلص من الخطية. فيكون بهذا كورش في هذه النبوءة رمزاً للمسيح الذي فك ديننا وخلصنا وحررنا.

 

آية (15) هاأنذا قد جعلتك نورجا محددا جديدا ذا أسنان تدرس الجبال و تسحقها و تجعل الآكام كالعصافة.

إذا كنا في نظر أنفسنا دودة لكن الله قادر أن يجعلنا نوارج قادرة على سحق الجبال، والجبال هي إنساننا القديم المتكبر، والله يخرج من الضعف قوة. وهكذا ذلل الله لهم كل الصعاب للعودة.

 

آية (16) تذريها فالريح تحملها و العاصف تبددها و أنت تبتهج بالرب بقدوس إسرائيل تفتخر.

هنا نرى صورة لعمل الجهاد مع النعمة فإسرائيل تذريها (الجهاد) أما الريح التي تحملها فهي إشارة للنعمة. فعمل الإنسان لازم بجانب نعمة الله والنتيجة المؤكدة هي فرح يملأ قلب المؤمن تبتهج وتفخر.

 

آيات (17-20) البائسون و المساكين طالبون ماء و لا يوجد لسانهم من العطش قد يبس أنا الرب استجيب لهم أنا اله إسرائيل لا اتركهم. افتح على الهضاب انهارا و في وسط البقاع ينابيع اجعل القفر أجمة ماء و الأرض اليابسة مفاجر مياه. اجعل في البرية الأرز و السنط و الاس و شجرة الزيت أضع في البادية السرو و السنديان و الشربين معا. لكي ينظروا و يعرفوا و يتنبهوا و يتأملوا معا أن يد الرب فعلت هذا و قدوس إسرائيل أبدعه.

نبوة بحلول الروح القدس فالله يشبع ويروى (يو 7 : 37، 38) والبائسون هنا هم مساكين إسرائيل في السبي أو المساكين بالروح (المتواضعين) وهم الجياع والعطاش إلى البر.

 

آيات (21 – 24) قدموا دعواكم يقول الرب احضروا حججكم يقول ملك يعقوب. ليقدموها و يخبرونا بما سيعرض ما هي الأوليات اخبروا فنجعل عليها قلوبنا و نعرف أخرتها أو أعلمونا المستقبلات.اخبروا بالآتيات فيما بعد فنعرف أنكم آلهة و افعلوا خيرا أو شرا فنلتفت و ننظر معا. ها انتم من لا شيء و عملكم من العدم رجس هو الذي يختاركم.

كان الوثنيون يعتبرون أن معرفة المستقبل هي أهم شيء بالنسبة للعبادة الوثنية، وكان الوثنيون يعتبرون الآلهة كملوك لهم مثل مولك أو ملكوم اله العمونيين وأدرملك إله لسفروايم. وها هو الله يعلن أنه هوالملك الحقيقي لشعبه = ملك يعقوب، فهو إلههم وملكهم وواضع شريعتهم. ما هي الأوليات = أي الأشياء الأولية التي حدثت قبلاً. أي المقصود دعهم يروننا نبوءاتهم السابقة التي تحققت. و افعلوا خيراً أو شراً = فهم لا يستطيعون أن يفعلوا شر نخاف منه. وهم بطبيعتهم غير قادرين على فعل الخير وهذا يعطينا اطمئنان أنه ليس في سلطة أعدائنا أن يضروننا أو يسيئون إلينا.

 

آية (25) قد أنهضته من الشمال فأتى من مشرق الشمس يدعو باسمي يأتي على الولاة كما على الملاط و كخزاف يدوس الطين.

بعد أن أخجل الله عبدة الأوثان وأظهر لهم جهل آلهتهم بالمستقبل ها هو يخبرهم بالمستقبلويكلمهم عن كورش مرة أخرى= أنهضته من الشمال ….. من مشرق الشمس  = بلاد فارس شرق بابل وبلاد مادي إلى جهة الشمال الشرقي. يدعو بأسمى = فكورش أعترف بأن الرب هو إله السماء (عز 1 :1 – 4) وهو قد داس ملوك كثيرون. ولكن معنى الآية الأبعد عن المسيح شمس البر الذي أشرق من الشمس وجاء من الشمال أي الناصرة، فالناصرة شمال أورشليم، وهو أتى ليدوس ملوك الأرض أي الشياطين والكل يخضع له.

 

آيات (26 – 29) من اخبر من البدء حتى نعرف و من قبل حتى نقول هو صادق لا مخبر و لا مسمع و لا سامع أقوالكم. أنا أولا قلت لصهيون ها ها هم و لأورشليم جعلت مبشرا. و نظرت فليس إنسان و من هؤلاء فليس مشير حتى اسألهم فيردون كلمة ها كلهم باطل و أعمالهم عدم و مسبوكاتهم ريح و خلاء

حتى نعرف = المتكلم هنا هو الرب وشعبه المؤمنون به. وهم يفتشون (الله وشعبه) لو هنا من هو صادق في نبوءاته به ليصدقوه. و الله وحده هو الذي أخبر شعبه سابقاً بخبر عودتهم من السبي ها ها هم. و لأورشليم جعلت مبشراً = الله يخبر شعبه بأنه أول من بشرهم بعودتهم من السبي على يد كورش المخلص. وليس إنسان = لم يوجد إنسان ليرد حتى يُعتبر إلهاً لذلك صاروا كلهم خلاء أي لا شيء.

زر الذهاب إلى الأعلى