تفسير سفر إرميا ٢١ للقمص أنطونيوس فكري

واضح أن نبوات هذا الكتاب لم توضع بترتيب زمني فهذا الإصحاح أحداثه وقعت أيام صدقيا الملك. وسيأتي بعد هذا في إصحاحات قادمة أحداث حدثت أيام يهوياقيم وغيره.

 

الآيات 1-7:-  الكلام الذي صار إلى إرميا من قبل الرب حين ارسل إليه الملك صدقيا فشحور بن ملكيا وصفنيا بن معسيا الكاهن قائلا. اسال الرب من اجلنا لأن نبوخذراصر ملك بابل يحاربنا لعل الرب يصنع معنا حسب كل عجائبه فيصعد عنا. فقال لهما إرميا هكذا تقولان لصدقيا. هكذا قال الرب إله إسرائيل هانذا ارد ادوات الحرب التي بيدكم التي انتم محاربون بها ملك بابل والكلدانيين الذين يحاصرونكم خارج السور واجمعهم في وسط هذه المدينة. وأنا احاربكم بيد ممدودة وبذراع شديدة وبغضب وحمو وغيظ عظيم. واضرب سكان هذه المدينة الناس والبهائم معا بوبا عظيم يموتون. ثم بعد ذلك قال الرب ادفع صدقيا ملك يهوذا وعبيده والشعب والباقين في هذه المدينة من الوبا والسيف والجوع ليد نبوخذراصر ملك بابل وليد اعدائهم وليد طالبي نفوسهم فيضربهم بحد السيف لا يتراف عليهم ولا يشفق ولا يرحم.

قد يتبادر إلى الذهن أن صدقيا الملك بهذا قد قدم توبة لله وتواضع لكن بمقارنة هذا مع (2أى12:36) نجد أن صدقيا لم يتضع أمام إرمياء. ولكنه أمام ضغط الحاجة يطلب مساعدة النبي ولكنه يرفض مشورته بتقديم توبة. وواضح الآن أن نبوخذ نصر قد غزا الأرض وربما بدأ حصار المدينة. فلنلاحظ أن من يضع يوم الرب بعيدًا فحين يأتي يرتعب منه. ولنلاحظ أن إرمياء الذي كان يشكو السخرية سابقًا هو الآن محل توقير وهكذا الحال في هذا العالم. وبدأ بعضهم يدرك صدق نبواته فقد بدأت تتحقق ووصل الجيش الكلدانى. ولكنهم هنا يشبهون العذارى الجاهلات يطلبن زيتًا بعد فوات الأوان. ولكن في (2) هم لا يريدون توبة بل لعل الرب يصنع معنا حسب عجائبه كما صنع مع جيش أشور أيام حزقيا الملك. ولكن الفارق في توبة الشعب أيام حزقيا، وفساد وإرتداد هؤلاء. ولاحظ هنا طريقة نطق اسم ملك بابل نبوخذ راصر. فهناك نطق عبرانى هو نبوخذ نصر ونطق بابلى هو نبوخذ راصر، ونطقهم الآن صار بطريقة بابل فهم صاروا قريبين جدًا، وفي هذا الإصحاح كان ملك بابل قد وصل لأسوار أورشليم غالبًا.

وفي (4) هكذا قال الرب = ربما لو رد النبي من نفسه لانخدع وطلب لهم السلام فأولًا هو لا يريد الشر لأورشليم وثانيًا فهذه فرصة ليوقروه بزيادة. ولكن كلمة الرب لا يستطيع أن يغيرها. وكانت كلمة الرب بلا كلمة تعزية. بل أردُ أدوات الحرب التي بيدكم = أي ضدكم وسيخرب الغزاة بلدكم لأنه أصبح مركزًا للخطية. وسيموت الإنسان والحيوان بسبب المجاعة.

 

الآيات 8-14:- وتقول لهذا الشعب هكذا قال الرب هانذا اجعل امامكم طريق الحياة وطريق الموت. الذي يقيم في هذه المدينة يموت بالسيف والجوع و الوبا والذي يخرج ويسقط إلى الكلدانيين الذين يحاصرونكم يحيا وتصير نفسه له غنيمة. لأني قد جعلت وجهي على هذه المدينة للشر لا للخير يقول الرب ليد ملك بابل تدفع فيحرقها بالنار. ولبيت ملك يهوذا تقول اسمعوا كلمة الرب. يا بيت داود هكذا قال الرب اقضوا في الصباح عدلا وانقذوا المغصوب من يد الظالم لئلا يخرج كنار غضبي فيحرق وليس من يطفئ من أجل شر أعمالكم. هانذا ضدك يا ساكنة العمق صخرة السهل يقول الرب الذين يقولون من ينزل علينا ومن يدخل إلى منازلنا. ولكنني اعاقبكم حسب ثمر أعمالكم يقول الرب واشعل نارا في وعره فتاكل ما حواليها.

النبي هنا يطلب منهم أن يستسلموا لبابل وهذا ضد أمنياتهم التي طالما ضللهم بها الأنبياء الكذبة الذين طلبوا منهم الصمود. ولكن النبي يعرض عليهم من قِبَل الرب نصيحة يمكن تسميتها (أحْسَنْ الوِحِشْ) فسبيهم خير من حرقهم بالنار. وليس معنى هذه النصيحة أن النبي كان محبًا لبابل، بل هو عَلِمَ أن بابل كانت أداة تأديب في يد الرب. وفي (9) صار طريق الحياة هو الإستسلام، هذه تشبه “يخلص كما بنار” (1كو15:3)، هو طريق مُرْ . ولكن في (10) الله يقول قد جعلت وجهي ضد هذه المدينة. فمن يبقى في المدينة يكون طريقه هو طريق الموت ولكن قلوبهم تقَسَّت ورفضوا الاستسلام. والآيات (11-14) انتهز الرب هذه الفرصة ليحثهم على التوبة فهذا هو الحل الوحيد. والنصيحة هنا للملك ليكون قدوة لشعبه بل ويستخدم سلطانه فيرتدع الشرير. وفي (12) (في كل صباح = كان الملك يقوم بالقضاء صباحًا) يا بيت داود = ليذكرهم بما يجب أن يكونوا عليه وأن يشابهوا أبيهم داود الذي كان قلبه حسب قلب الله، ولو كانوا مثله لنالوا بركات كثيرة. ولنلاحظ أن الظلم يضايق الله كثيرًا فيخرج كنار غضبه. وفي (13) ساكنة العمق= هي أورشليم المحصنة طبيعيًا فهي على تل وسط جبال. ويحيط بها سهل = صخرة السهل فهي كصخرة وسط سهل ومحاطة بالجبال فيصعب الوصول إليها مما أعطاهم إحساسًا زائفًا بالأمان فإن لم يكن الله هو حاميهم فلن يحرسهم أحد “إن لم يحرس الرب المدينة فباطلًا سهر الحراس”.

زر الذهاب إلى الأعلى