تفسير سفر إرميا ٢٤ للقمص أنطونيوس فكري

مقدمة للإصحاحين 25،24

 

لقد فسد حال الشعب، والله الأب المحب لا بُد أن يتدخل ليصلح هذا الفساد وكان فساد شعب إسرائيل هو نموذج لما حدث للجنس البشرى كله (رو9:3-12) والله خلق الإنسان في كرامة ومجد، بل على صورته ولكن أنظر نتائج الخطية:-

وهذا يشار إليه ضمنًا هنا كنتائج لخطية إسرائيل، فماذا سيلحق إسرائيل كنتائج لخطيتها؟ تصير دهشًا = فكيف تنحط خليقة الله هكذا؟! وصفيرًا = أي سيلحقها إهانات وسخرية وخرابًا أبديًا. وبلا فرح = أبيد منهم صوت الطرب وصوت الفرح. وبلا شبع = بلا صوت الأرحية، ويصير الإنسان في عمى روحي، يتخبط ولا يعرف طريقه = بلا نور سراج. هذا ما حدث لكل الجنس البشرى، وكإشارة لذلك يُذكر هنا كل شعوب المنطقة التي خضعت لبابل آيات 15:25-24. فذكر كل هذه الأمم يشير أن الكلام موجه لكل العالم وسقوط هذه الأمم تحت نير ملك بابل بسبب خطيتها، هو رمز لسقوط البشر تحت عبودية إبليس، وهذا يساوى قول الرسول “أسلمت الخليقة للباطل” (رو20:8) ولماذا يسمح الله بذلك؟ هذا للتأديب فكل من يحبه الرب يؤدبه (عب6:12). وهذا معنى مثل التين الجيد والتين الرديء. فبعد السبي الأول لأورشليم على يد ملك بابل، ظن من بقى في أورشليم أنهم الأحسن وأن الأسوأ هم من ذهبوا إلى السبي، والله يقول لا، فإن من أرسلته للسبي وأسلمته ليد ملك بابل هم الأحسن، إنما أرسلتهم للتأديب (وحتى الآن يظن من هم بلا تجارب أليمة أنهم الأحسن والعكس صحيح). ونلاحظ في 8:25 أن الله يسمى نفسه رب الجنودفالكل خاضع لهُ، والله يستخدم الكل، فهو استخدم ملك بابل ليؤدب أورشليم واستخدم إبليس ليؤدب البشر، ومن يتأدب يصير تينًا جيدًا ويخلص، ومن يظل في حالة تمرد على الله يصير تينًا رديئًا ويهلك كما هلك الأشرار بيد ملك بابل أيضًا. لذلك نسمع أرمياء يخبرنا بهلاك ملك شيشك أخيرًا وهو اسم رمزي لبابل يعنى يغطس، فهذه نهاية إبليس ومن يتبعه…. البحيرة المتقدة بالنار (رؤ15،10:20).

الايات 1-10:- 1- أراني الرب وإذا سلتا تين موضوعتان أمام هيكل الرب بعدما سبى نبوخذراصر ملك بابل يكنيا بن يهوياقيم ملك يهوذا ورؤساء يهوذا و النجارين والحدادين من أورشليم واتى بهم إلى بابل. 2- في السلة الواحدة تين جيد جدًا مثل التين الباكوري وفي السلة الأخرى تين رديء جدًا لا يؤكل من رداءته. 3- فقال لي الرب ماذا أنت راء يا إرميا فقلت تينا التين الجيد جيد جدًا والتين الرديء رديء جدًا لا يؤكل من رداءته. 4- ثم صار كلام الرب إلى قائلا. 5- هكذا قال الرب إله إسرائيل كهذا التين الجيد هكذا انظر إلى سبي يهوذا الذي ارسلته من هذا الموضع إلى ارض الكلدانيين للخير. 6- واجعل عيني عليهم للخير وارجعهم إلى هذه الأرض وابنيهم ولا اهدمهم واغرسهم ولا اقلعهم. 7- واعطيهم قلبا ليعرفوني أني أنا الرب فيكونوا لي شعبا وأنا أكون لهم الها لأنهم يرجعون إلى بكل قلبهم. 8- وكالتين الرديء الذي لا يؤكل من رداءته هكذا قال الرب هكذا اجعل صدقيا ملك يهوذا ورؤساءه وبقية أورشليم الباقية في هذه الأرض والساكنة في ارض مصر. 9- واسلمهم للقلق و الشر في جميع ممالك الأرض عارا ومثلا وهزاة ولعنة في جميع المواضع التي اطردهم إليها. 10- وارسل عليهم السيف والجوع والوبا حتى يفنوا عن وجه الأرض التي اعطيتهم واباءهم اياها.

النبوات السابقة بخراب أورشليم جعلت النبي في حزن. وفي هذه الرؤيا يُظهر الله انه يميز بين الجيد والردىء. فهناك معيار دقيق يقيس به الله ويعاقب. وكان النبي يرثى من ذهب للسبى مع يكنيا. ولكن نجد هنا أن الله يقول بل هذا لصالحهم فأحكام الله التي هي للبعض رائحة موت لموت هي للآخرين رائحة حياة لحياة. فالجميع يشترك في نفس المأساة. ولكن الحال ليس واحدًا للجميع فمنهم من يراها تأديب لهُ وهي للآخرين سيف نقمة. وهذه النبوة جاءت بعد سبى يكنيا وهو نفسه قيل عنه أنه إناء مكسور. لكن كان من ضمن المسبيين معهُ النبي حزقيال . وفي آية (1) ملك بابل أخذ معهُ كل من له قيمة ويجيد حرفة فيُضعِفْ يهوذا وينعش مملكته. ولاحظ أن سلتا التين موضوعتان أمام الهيكل فكأن الشعب معروض أمام الله، أي هو واقف أمامه للقضاء فكان منهُ من هو جيد ومنهُ من هو ردىء. وعمومًا فشجرة التين تشير لإسرائيل. وفي (2) لا يؤكل = هذا يشير لإنسان خاطئ لا يعرف لماذا خُلِق وما هو دوره ومظهره ردىء ولا فائدة منهُ مثل الملح الردىء الفاسد . أما التينالجيد فهم الأولاد المحبوبون لله وهؤلاء يؤدبهم بأن يرسِلهم للسبى ” من يحبه الرب يؤدِّبه ” (عب 6:12) لذلك أرسلهم للسبى (5) ولكن لأنهم أبنائى فأجعل عيني عليهم = كان المتصور أن من يذهب للسبى سيقتدى بالوثنيين وينتهي أمرهم تمامًا لكن يد الله حفظتهم وحمتهم بل نقتهم من وثنيتهم وعاداتهم الشريرة وتواضعوا وتابوا. فالتأديب حقَّق المطلوب وكان دواءً ناجحا فيه الشفاء من وثنيتهم. وهذه هي حماية الرب لمن يقتنيهم حتى في وادى ظل الموت. والله الذي يعرف فعالية طرقه يعرف ذلك فقال وأرجعهم إلى هذه الأرض فيثمرون. بهذا أخرجهم من فرن التنقية. وبعد ذلك يعدهم للمراحم والعطايا الروحية = وأعطيهم قلبًا. ولنلاحظ عجبًا أن عناية الله جعلتهم يعرفون عن الله في بابل أكثر من الذي عرفوه في أورشليم. والله يعطيهم قلبًا أي حب ومشاعر وبهذا يكون الله لهم إلهًا ويكونون لهُ شعبًا. ولننظر فعالية التوبة فهي تعيد الإنسان لمرتبته الأولى. أما التين الردىء فهو صدقيا ورجالهُ (8-10) الذين يشعرون بالإطمئنان الكاذب وتمادوا في خطيتهم. فهؤلاء سيتشتتون في الأرض، ولن يشعروا بفرح وسيحملون للسبى ليس للتنقية بل للسخرية منهم،ولضررهم ويسخر منهم ساكنو الأرض لمصائبهم ولن يروا أرضهم ثانية آية (9).ومن يبقى في أورشليم فهو للموت والوبأ والمجاعة آية (10).

زر الذهاب إلى الأعلى