تفسير سفر أيوب ٢٤ للقمص أنطونيوس فكري

تفسير سفر أيوب – الإصحاح الرابع والعشرون

 

يستمر أيوب في إثبات نظريته، أنه ليس شرطاً أن يعاقب الشرير.

الأيات 1-12:

“لماذا اذ لم تختبئ الازمنة من القدير لا يرى عارفوه يومه، ينقلون التخوم يغتصبون قطيعا ويرعونه، يستاقون حمار اليتامى ويرتهنون ثور الارملة، يصدون الفقراء عن الطريق مساكين الارض يختبئون جميعا، ها هم كالفراء في القفر يخرجون الى عملهم يبكرون للطعام البادية لهم خبز لاولادهم، في الحقل يحصدون علفهم ويعللون كرم الشرير، يبيتون عراة بلا لبس وليس لهم كسوة في البرد، يبتلون من مطر الجبال ولعدم الملجا يعتنقون الصخر، يخطفون اليتيم عن الثدي ومن المساكين يرتهنون، عراة يذهبون بلا لبس وجائعين يحملون حزما، يعصرون الزيت داخل اسوارهم يدوسون المعاصر ويعطشون، من الوجع اناس يئنون ونفس الجرحى تستغيث والله لا ينتبه الى الظلم”.

 أيوب هنا يضرب أمثلة متعددة فيها الأبرار والأبرياء يتألمون بينما الأشرار يتنعمون ويبدأ بالتساؤل لماذا إذا لم تختبئ الأزمنة من القدير لا يري عارفوه يومه= الله لا يخفي عليه ما يحدث علي الأرض، هو يري أزمنة كل إنسان ويري شروره، والأبرار يؤمنون بعدل الله وأنه يجب أن يجازي الأشرار، لكنهم لا يرون يوم الدينونة هذا الذي فيه يعاقب الله الأشرار ويظهر عدل الله.

فالأشرار يمارسون ظلمهم ولا أحد يردعهم. ينقلون التخوم= ينزعون أملاك جيرانهم(أخاب ونابوت) والتخوم هي حجارة تنصب للفصل بين أرضين. تث 14:19 + تث 17:27. ثم يتكلم عن إغتصاب أملاك الأبرياء(وقطعاً كان في ذهنه إغتصاب السبئيين لأملاكه). يستاقون حمار اليتامي= إذا كان ليتيم حمار واحد ينتفع به كمورد رزق يأخذونه منه. ويرتهنون ثور الأرملة= يأخذون ثور الأرملة إن لم تقدر أن تسدد دين بسيط. يصدون الفقراء عن الطريق= يغلقون طريق الشكوي أمام الفقراء المظلومين حتي لا يستمع أحد لشكواهم. مساكين الأرض يختبئون جميعاً= من بطش هؤلاء الظالمين. ها هم كالفراء. . أيات 6، 5 يصور فيها بؤس الفقراء فهم هائمين علي وجوهم في الصحراء الحارقة يفتشون علي طعامهم، ربما في أعمالهم عند الأغنياء الظالمين، فهم يعطونهم أن يعملوا الأعمال الشاقة(ربما محاجر أو زراعة. . . . ) ويعطونهم القليل جداً. البادية لهم خبز لأولادهم= وماذا يجدون في هذا القفر طعاماً لأولادهم. والمعني أقل القليل أجرهم عن عملهم، أي يحيون هم وأولادهم علي الكفاف. والأغنياء يستخدمونهم في حقولهم ليحصدوا لهم. = في الحقل يحصدون علفهم ربما تعني أنهم بعد عملهم في حقول الأغنياء يكون نصيبهم ليس أكثر من أكل الحيوانات وربما تعني أن الفقراء يعملون في خدمة حيوانات الأغنياء في مقابل الكفاف.

ويعللون كرم الشرير= يعلل الكرم أي يأكل من العنب المتساقط أثناء الجمع، أو يأخذ لنفسه عنقوداً منسياً في الكرم. ولاحظ فالغني الشرير له كرم، والفقير لا يخرج سوي بالعنب المتساقط أو المنسي. يخطفون اليتيم عن الثدي ومن المساكين يرتهنون= المسكين حين يضطر للإستدانة ليأكل هو وأولاده، يأتي الغني إذ لا يجد عند الفقير ما يسد به الدين يخطف إبن الفقير من علي ثدي أمه ليكون عبداً للغني في مقابل الدين. يعملون عند الأغنياء ويعصرون الزيت داخل أسوارهم يدوسون المعاصر ويعطشون= أي يكدون ويتعبون في المعاصر وفي عصر الزيت ولا يفكر الأغنياء في أن يعطيهم أحد ما يشربونه. . . . ونلاحظ شكوي أيوب الموجهة إلي الله. والله لا ينتبه إلي الظلم= أي الله لا يدين الأشرار علي أفعالهم. وهذا الكلام هو تعبير عن نفس مضطربة، هو إندفع في طريق الخصام مع الله فأخذ يصور ظلم الأبرار. وبينما أصر أصحابه علي نظرية وجوب عقوبة الأشرار أصر هو هنا علي نظرية وجوب ألم البار والمسكين وكلا الطرفين خطأ. كلا الطرفين سقط في خطأ فرض أراء شخصية لإثبات نظريته. أما داود البار في مزاميره فكان له رأي أخر في إهتمام الله بالمسكين وراجع مزامير[9:9 +12:9، 18 +5:12 + 10:34، 19، 7. ويأتي داود إلي المزمور 37 وفيه خلاصة القول كيف يتعامل الله مع الشرير. وقد يتألم البار لكنه إذا إلتجأ لله يحميه الله ويضع داود قاعدة ذهبية هي قلب هذا المزمور الرائع “أيضاً كنت فتي وقد شخت ولم أر صديقاً تخلي عنه ولا ذرية له تلتمس خبزاً” 25:37 والمزامير موحي بها من الروح القدس مثل كل الكتاب المقدس. وبذلك نفهم أن هذا هو الرأي الصحيح، أن الله لا يتخلي عن أولاده أبداً، وإن سمح لهم بأن يكونوا تحت الآلام فلفترة قصيرة لينقيهم، ولا يترك الفترة تطول حتي لا يسقطوا في هوة اليأس وربما يخطئون “لأنه لا تستقر عصا الأشرار علي نصيب الصديقين لكيلا يمد الصديقون إيديهم إلي الإثم مز 3:125. فالله يعلم الزمن المناسب، وحين يسمح لشرير أن يضرب أحد أولاده فلفترة محددة يتنقي فيها ثم يزيل هذا الشرير وهذا ما حدث مع أيوب نفسه. ومن الخطأ أن نري إنسان يتألم ونحن نعرف أنه بار فتحكم بأن الله تخلي عنه فهناك إعتبارات كثيرة لا نراها نحن بعيوننا وعقولنا المحدودة ويراها الله كلي القدرة الضابط الكل، صانع الخيرات محب البشر الصالح الذي يحب أولاده حتي أنه بذل إبنه الوحيد عنهم فكيف لا يهبهم ايضاً كل شئ صالح رو 32:8.

الأيات 13-17:

“اولئك يكونون بين المتمردين على النور لا يعرفون طرقه ولا يلبثون في سبله، مع النور يقوم القاتل يقتل المسكين والفقير وفي الليل يكون كاللص، وعين الزاني تلاحظ العشاء يقول لا تراقبني عين فيجعل سترا على وجهه، ينقبون البيوت في الظلام في النهار يغلقون على انفسهم لا يعرفون النور، لانه سواء عليهم الصباح وظل الموت لانهم يعلمون اهوال ظل الموت”.

هنا يتحدث أيوب عن أنواع أخري من الأشرار وهم الذين يمارسون شرورهم في الظلام متوهمين أنه لا يراهم أحد. وهم أيضاً لا يعاقبون.

أولئك يكونون بين المتمردين علي النور= يختارون ظلمة الليل وقتاً لأعمالهم الشريرة. [وعموماً فالأعمال الشريرة تنسب للظلام وتسمي الخطايا أعمال الظلمة أف 11:5 + يو 20:3. فالخاطئ يسلك ضد نور ناموس الله وضد نور الضمير. هو يتمرد علي وصايا الله] ولا يعرفون طرقه= لا يرضون بأن يسلكوا ويعرفوا طرق النور.

مع النور يقوم القاتل= يقوم القاتل ليقتل المسافرين المساكين الذين يبدأون سفرهم في الفجر، مع بدآية نور الصباح. وعين الزاني تلاحظ العشاء= أي تلاحظ القيمة (اليسوعيين)، إن لم يكن من باب الخجل فهو من باب الحذر (أف 12:5). فالشرير يعتمد علي الظلام ليخبئ شره= يقول لا تراقبني عين. فيجعل ستراً علي وجهه= زيادة في التخفي يضع برقعاً علي وجهه حتي لا يُعرف [وهكذا يعمل كثير من اللصوص حتي الأن] ينقبون البيوت في الظلام= يذهبون للسرقة ليلاً حتي لا يراهم أحد. ولكن هل أعطاهم هذا طمأنينة؟! أبداً فهم في رعب مستمر= في النهار يغلقون علي أنفسهم= يهربون ويختفون ولا مطارد. فهم في رعب من لا شئ (مثل قايين). وفي رعبهم المستمر يكون سواءً بالنسبة لهم الصبح وظل الموت. لأنهم يعلمون أهوال ظل الموت= سبب رعبهم خوفهم من أن يقتلهم أحد (قايين)

الأيات 18-25:

خفيف هو على وجه المياه. ملعون نصيبهم فى الأرض. لا يتوجه إلى طريق الكروم. القحط والقيظ يذهبان بمياه الثلج كذا الهاوية بالذين أخطأوا. تنساه الرحم يستحليه الدود. لا يذكر بعد وينكسر الأثيم كشجرة. يسىء إلى العاقر التى لم تلد ولا يحسن إلى الأرملة. يمسك الأعزاء بقوته. يقوم فلا يأمن أحد بحياته. يعطيه طمأنينة فيتوكل ولكن عيناه على طرقهم. يترفعون قليلاً ثم لا يكونون ويحطون. كالكل يجمعون وكرأس السنبلة يقطعون. وإن لم يكن كذا فمن يكذبنى ويجعل كلامى لا شيئاً.

في الأيات (18-20) هنا أيوب يكرر كلام الأصحاب الذين قالوا بأن الشرير يجب أن يهلك. ولذلك في بعض الترجمات سبق الآية “18” أنتم تقولون خفيف هو علي وجه المياه= رأيكم أن الشرير مهما إغتني فهو يبيد سريعاً كغثاء علي وجه المياه (هو 7:10). ملعون نصيبهم في الأرض= لا بركة لهم في شئ.

لا يتوجه إلي طريق الكروم= الجلوس تحت الكرمة والتينة علامة الراحة. وهؤلاء الأشرار لا راحة لهم ولا سلام. وأن الله يصيبهم بالقحط والقيظ= أي أن الله في غيظه منهم يصيبهم بالقحط فيكونون في مجاعة وعطش يذهبان كل خيراتهم السابقة التي كانت كماء مثلج منعش= يذهبان بمياه الثلج. وأن الشرير لابد أن يموت شاباً= كذا الهاوية بالذين أخطأوا= أو أن المعني أن الشرير في أيام نجاحه يكون كمياه الثلج المنعشة، لكنه سينزل إلي الهاوية سريعاً. تنساه الرحم= من كثرة شروره حتي أمه تنساه. يستحليه الدود= مصيره للدود طعاماً له. لا يذكر بعد وينكسر الأثيم كشجرة= كان الأثيم كشجرة ولكنه ينكسر ولا يذكره أحد. ولا يذكر أحد كل عظمته.

وفي الأيات (21-22) “يسيء الى العاقر التي لم تلد ولا يحسن الى الارملة، يمسك الاعزاء بقوته يقوم فلا يامن احد بحياته”. يقول لأصحابه بالرغم من أن هذه هي وجهة نظركم وجوب هلاك الشرير إلا أن الواقع يقول كلاماً آخر، أن الشرير يزدهر ويسيء للأبرار

يسيء إلي العاقر. . . ولا يحسن إلي الأرملة= يسيء لهم وهم في ألمهم ليزيد ألاماً علي آلامهم. فالعقم كان يعتبر عاراً في العهد القديم. وأي شر أكثر من الإساءة للمجروح.

يمسك الأعزاء بقوته= فهنا مثال علي جبروت الشرير. فلا أحد يأمن بحياته منه وفي الأيات (23-24) “يعطيه طمانينة فيتوكل ولكن عيناه على طرقهم، يترفعون قليلا ثم لا يكونون ويحطون كالكل يجمعون وكراس السنبلة يقطعون”. يوجه الإتهام لله أن يري هذا الشر ويسكت. بل هو يعطي للشرير بسكوته عن شره طمأنينة فيتوكل= أي يتكل علي سكوت الله ويزداد شراً. عيناه علي طرقهم= هو إتهام لله بأنه يري ويسكت ولا يعاقب. يترفعون قليلاً= يكون إزدهارهم لفترة قليلة(لأن أيام الحياة قليلة) ثم لا يكونون= أي يموتوا. وكرأس السنبلة يقطعون= أي بعد أن تنتهي أيامهم، فلا أحد يقطع السنبلة قبل أن تنضج. وهم مثلهم في هذا مثل سائر الناس الأبرار= كالكل يجمعون. فماذا خسر الشرير بشره وماذا إستفاد البار ببره. بل الشرير مات دون أن يتألم كما يتألم هو وهو البار.

وفي الآية (25) “و ان لم يكن كذا فمن يكذبني ويجعل كلامي لا شيئا“. يتحدي الحاضرين أن يكذبه أحدهم.

فاصل

فاصل

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى