تفسير المزمور ٨ للقس أنطونيوس فكري
المزمور الثامن
هو مزمور تسبيح لله على كل أعماله التي تنطق بمجده. ويلخص داود أعمال الله في:-
- مجد الله ظاهر في السموات فهي عمل يديه.. القمر والنجوم وكل ما فوقنا.
- التسبيح الذي يخرج من فم الأطفال. فالطفل بصعوبة يتعلم ولكنه بسهولة يسبح الله ويحبه.
- الله الديان بعدل يظهر في دينونته قداسته وفي دينونته يسكت العدو والمنتقم.
- خلقة الله للإنسان، وكون الإنسان ينقص قليلاً عن الملائكة، وأن الله يعطي سلطاناً للإنسان.
- قد ينشأ في داخل الإنسان شعور بتفاهته وأنه لا يساوي شئ (هذا شعور هام من الناحية الروحية لاكتساب فضيلة التواضع).. ولكننا نرى الجانب الآخر ليكون مفهوم التواضع صحيحاً أن الله يحب الإنسان وأعطاه سلطاناً ومن أجله تجسد وافتدى الإنسان. إذاً فالإنسان مهم جداً عند الله. وأن الله أعد مجداً للإنسان.
وهذا المزمور إتخذ رمزاً ونبوة صريحة عن المسيح في العهد الجديد ولنراجع:-
- (مت16:21) فتسبيح الأطفال فعلاً في دخول المسيح إلى أورشليم. وكلما عدنا لمرحلة الطفولة وبساطتها يسهل أن نسبح الله “إن لم ترجعوا وتصيروا مثل هؤلاء الأطفال.. ” (مت3:18).
- (عب6:2-8) ونقارنه مع الآيات (4-6) من المزمور. فبولس الرسول رأى في هذا نبوة عن المسيح الذي أنقص عن الملائكة بكونه صار إنساناً ومات. ولكنه تكلل بالمجد والكرامة في قيامته وصعوده وجلوسه عن يمين الآب.
- (1كو27:15) ونقارنها مع آية (6) تسلطه على أعمال يديك جعلت كل شئ تحت قدميه ونرى هنا خضوع الخليقة كلها للمسيح. فالله خلق آدم وأعطاه سلطاناً على جميع المخلوقات وفقده بالخطية، وخسر كل المجد الذي كان فيه. ولكن المسيح جاء ليعيد للإنسان المجد الذي خسره “بمجد وبهاء تكلله”، فأي مجد صار لنا بالخلاص الذي قدمه المسيح. لقد صار لنا مجد أولاد الله لأننا سنصير مثله تماماً. (1يو1:3،2 + في21:3)
فهذا المزمور الذي يتحدث عن مجد الله عن خلقته للطبيعة وللإنسان يتحدث أيضاً عن عمل المسيح ليعيد المجد للإنسان بعد أن فقده بخطيته. فنرى في هذا المزمور محبة الله للإنسان وعنايته به، والمجد الذي أعد لنا وشركة الحياة الأبدية مع الرب يسوع.
على الجتية= ربما هي آلة موسيقية، أو لحن موسيقي مشهور في جت (مدينة فلسطينية وكان لداود علاقة وثيقة بها، وكان حرسه الخاص من جت. وفي العبرية كلمة جت تعني معصرة لذلك ترجمتها السبعينية على المعاصر. ولنقارن مع عنوان المزمور التاسع “على موت الابن” لنرى الارتباط، فالابن يسوع حين مات داس المعصرة وحده بصليبه (أش3:63)
آية (1): “أيها الرب سيدنا ما أمجد اسمك في كل الأرض حيث جعلت جلالك فوق السموات.”
ما أمجد اسمك= فاسمه يدعي عجيباً (اش6:9)، باسم يسوع الناصري قم وإمش (أع6:3 + أع12:4). (تدريب= الالتزام بصلاة يسوع “يا ربي يسوع المسيح ارحمني أنا الخاطئ” جعلت جلالك فوق السموات= فالملائكة في السموات عملها تسبيح الله. والنفس التي تسبح الله تكون في السموات وتشترك مع الملائكة في تسابيحها.
آية (2): “من أفواه الأطفال والرضع أسست حمداً بسبب أضدادك لتسكيت عدو ومنتقم.”
من أفواه الأطفال والرضع أسست حمداً= الأطفال هم المولودين جديداً في المعمودية وبالتوبة، هم من عادوا من خطيتهم بتوبتهم ليشبهوا الأطفال في بساطتهم وطهارتهم والرضع هم من يرضعون تعاليم الكتاب المقدس (1كو1:3،2). بسبب أضدادك لتسكيت عدو ومنتقم= إختار الله جهال العالم ليخزي الحكماء، وإختار ضعفاء العالم ليخزي الأقوياء.. (1كو27:1،29). فهؤلاء الأطفال الروحيين يهزمون جبابرة العالم (2كو4:10،5).
آية (3): “إذا أرى سمواتك عمل أصابعك القمر والنجوم التي كونتها.”
القمر يشير للكنيسة والنجوم يشيرون للقديسين. ما جعلهم نوراً هكذا هو عمل الروح القدس = أصابعك.
آية (4): “فمن هو الإنسان حتى تذكره وابن آدم حتى تفتقده.”
من هو الإنسان حتى تذكره وابن آدم حتى تفتقده= الإنسان عزيز جداً في عيني الله وهنا المرتل يتعجب لهذه المحبة التي بسببها افتقدنا الله بفدائه.
آية (5): “وتنقصه قليلاً عن الملائكة وبمجد وبهاء تكلله.”
هي عن المسيح الذي بتجسده صار أنقص قليلاً عن الملائكة لأنه أخذ جسدنا ومات ثم تمجد في قيامته. والإنسان بوضع عام أقل قليلاً من الملائكة بسبب جسده الذي إتخذه المسيح فشابه الإنسان تماماً، وذلك ليعيد للإنسان مجده= بمجد وبهاء تكلله هذه تقال عن المسيح بعد صعوده، وتقال للإنسان الذي آمن وثبت في المسيح فصار وارثاً.
الآيات (6-8): “تسلطه على أعمال يديك. جعلت كل شئ تحت قدميه. الغنم والبقر جميعاً وبهائم البر أيضاً وطيور السماء وسمك البحر السالك في سبل المياه.”
هذا السلطان كان للإنسان قبل سقوطه (تك28:1). ونرى صورة للسلطان الذي عاد للإنسان على الخليقة بعد الفداء في قصة مثل الأنبا برسوم العريان والثعبان.
الآية (9): “أيها الرب سيدنا ما أمجد اسمك في كل الأرض.”
لا يختم المرتل تأملاته في المزمور بسلطان الإنسان بل بمجد الله وهو نفس ما قاله في آية (1) فالمجد في البداية والنهاية هو لله، ومجد الإنسان عطية منه.
نصلي هذا المزمور في باكر، فبعد ما صلينا (مز6) مزمور التوبة نرى هنا أمجاد التوبة. ونرى المسيح الذي توج بالمجد والكرامة بعد أن قام وصعد للسموات.